كان وجه دوفيل يبدو جادًّا وحازمًا، كوجه والدٍ يعلن: “سأجعلك قوية”، ممّا أضفى على ملامحه طابعًا مهيبًا وحاسمًا.
“الزعيم ما يزال يرى فيك طفلةً ثمينة ينبغي أن تبقى في كنفه، يحميها ويصونها. لكنني أرى الأمر على نحوٍ مختلف.”
وكما يليق بمن قضى أطول وقتٍ إلى جانب الزعيم، لم يتردد في قول رأيه بصراحة.
“أنت ما زلتِ صغيرة وضعيفة، لكنك ستنموين. ولا شيء يُقوّي الجسد والعقل مثل فنون القتال. لذلك… إن أردتِ، فسأُعلّمك حقًّا.”
أخذت نفسًا عميقًا.
في الواقع، لم أفكّر يومًا في أن أصبح تلميذة أحد.
“هل أقدر أن أصبح قوية بسرعة؟”
“بالطبع، إن كنتِ مستعدة لذلك.”
“إذن سأفعل.”
لم يكن هناك سببٌ للرفض، فأومأت فورًا دون تردد.
“لكن يجب أن يوافق أبي…”
“هناك طريقة لذلك.”
“طريقة؟!”
سألته بدهشة، فابتسم دوفيل بخبث.
“لقد عرفت الزعيم طَوال حياتي تقريبًا، ولا أحد هنا يعرفه مثلي. إنه رجل لا يغيّر رأيه بسهولة، خصوصًا حين يتعلق الأمر بكِ. لذا لا بدّ من طريقةٍ استثنائية. لديّ فكرة مناسبة، فقط اتبعي ما أقول.”
قال ذلك بثقةٍ مفعمة بالاطمئنان.
“والآن، استمعي جيدًا.”
شبك ذراعيه القويتين وبدأ يشرح لي الخطة بالتفصيل بعدما أجلسني أمامه.
***
ومنذ ذلك اليوم، بدأت أنا ودوفيل تنفيذ خطة ‘إقناع الزعيم’.
وكانت المرحلة الأولى منها تحتاج إلى بعض الحيلة.
تسلّل دوفيل بنظراتٍ حذرة بينما كنتُ أتظاهر بالانشغال، متمدّدة في زاوية خيمة الزعيم أقرأ كتاب صورٍ كأني غارقة فيه.
“أتدري، يا زعيم؟ سمعت أن بين بنات الأسر النبيلة لعبة رائجة هذه الأيام.”
“لعبة رائجة؟”
“نعم، تُسمّى ‘لعبة النبلة’.”
“وما هي تلك اللعبة؟”
“يضعن حجرًا في النبلة ويصيبن الأهداف به. لا تحتوي على أسلحةٍ حادّة كالسيوف والسهام، كما أنها سهلة الحمل دائمًا.”
“حقًّا؟”
“نعم، بل إن الناس باتوا يتعلمونها وسيلةً للدفاع عن النفس، لكثرة ما عمّ الخطر هذه الأيام!”
تابع دوفيل حديثه بحماسٍ، ثم أومأ نحوي مشيرًا: ‘الآن وقتك!’
رفعت رأسي بسرعةٍ ورددت بصوتٍ مبتهج:
“واااه! تبدو لعبةً ممتعة!”
سألني دوفيل بتمثيلٍ متكلّف: “أوه؟ سوليونغ، هل ترغبين أنتِ أيضًا بلعب النبلة؟”
“كلا، لا يجوز. تلك لعبة تلعبها بنات النبلاء فقط، كيف لكِ أن تلعبيها؟”
“ما الذي تعنيه بذلك، يا دوفيل؟ لِمَ تتكلم بهذه الطريقة؟”
“أيعني أنني لا أستطيع لأن أبي ليس من النبلاء؟”
تماشيتُ مع ما خططنا له مسبقًا، وأطلقت الدموع من عينيّ المرتجفتين.
ارتجف الزعيم عند كلماتي، وتغيّر وجهه بتأثرٍ شديد.
‘الآن!’
خفضت رأسي حزنًا، متظاهرةً بالاستسلام.
“إذن لا بأس… لا بأس إن لم أستطع… يكفيني أن أكون ابنة أبي فحسب.”
وبينما كنتُ أمسح عيوني التي لم تذرف دمعة واحدة، تماديت في التظاهر بالحزن.
وحين ظننت أن الوقت قد حان لنتيجةٍ ما…
“متى قلتُ إنني منعتكِ؟”
“……!”
‘لقد نجحت الخطة حقًّا!’
نظرت بسرعة إلى دوفيل فرأيته يومئ برأسه بخفة.
“إذًا… أيمكنني أن ألعب؟”
تنهد الزعيم بعمق.
“مرة واحدة فقط.”
“يااااه!”
قفزت فرِحةً وارتميت في أحضانه أضحك ببهجة.
لكن الزعيم سرعان ما تمالك نفسه وقال بنبرةٍ جادة:
“لكن بشرط، هذه المرة فقط ولن تكرريها أبدًا. ويجب أن تلعبي أمامي أنا. مفهوم؟”
“أوه…؟”
‘كما توقعت، لن يكون الأمر بهذه السهولة.’
“نعم، نعم!”
هززت رأسي سريعًا بالموافقة، بينما أشار لي دوفيل من خلف ظهر الزعيم علامة ‘كل شيء بخير’.
‘لن أكتفي بمرةٍ واحدة أبدًا!’
عاهدت نفسي بذلك، وفي اليوم التالي…
حقًا بدأتُ بلعب لعبة النبلة!
وأمام الزعيم نفسه!
“يجب أن تصيبي الهدف بدقة. عليكِ أن تُظهري قدراتك، فكلّنا نحترم من يتقن فنون القتال.”
“حتى الزعيم نفسه لا يختلف عن ذلك.”
تذكّرت كلمات دوفيل، فحبست أنفاسي وركّزت.
‘اهدئي… حدّدي الهدف… ثم…’
شدَدتُ المطاط وأطلقت الحجر.
‘انطلقي!’
ووووش—!
طار الحجر في خطٍ مستقيم، وأصاب التفاحة تمامًا فسقطت أرضًا.
وفي لحظةٍ واحدة، فغر الجميع أفواههم دهشة.
“أ… أصابت الهدف!”
“إنها عبقرية!”
“كيف يمكن لطفلةٍ صغيرة أن تصيب التفاحة بهذه الدقة!”
“لا بد أنها صدفة!”
“علينا أن نُدرّبها لتصبح محاربة!”
“صحيح! صحيح!”
“هدوء!”
قاطعهم صوت الزعيم المألوف.
لكن ملامحه لم تكن فخورة كما توقعت، بل مترددة ومعقّدة.
“كنت أعلم منذ البداية أن سوليونغ مميزة. فهي ذكية، وتنطق بسرعة تفوق سنها. لكن ما زالت طفلة… ولا يمكن أن أسمح لها بلمس السلاح.”
قالها بحزمٍ قاطع.
“لكن يا زعيم! لقد فهمت بنفسها مبدأ عمل النبلة! إن تركناها هكذا فقد يكون ذلك أخطر! تدريبها أفضل بكثير!”
“صحيح، يا زعيم!”
بدأ قطاع الطرق واحدًا تلو الآخر يؤيدون الكلام.
“علينا أن نُربّيها كمحاربة!”
“لا يمكن تجاهل مثل هذه الموهبة!”
وبينما تعالت الأصوات، تقدّم دوفيل بثقة وقال:
“يا زعيم، سوليونغ أصبحت فردًا من عائلتنا الآن. وإن كانت ستعيش بيننا، فلا يمكننا تربيتها كطفلة مدلّلة فقط. لديها موهبة فريدة، أليس من الأفضل أن نمنحها فرصة التعلم؟”
لكن الزعيم هزّ رأسه بحزم.
“لا.”
تنفس بعمق وقال:
“أتريدون وضع السلاح في يد طفلة صغيرة دون أن تفكروا كيف تحمونها؟ ثم إن سوليونغ نفسها لا ترغب بذلك…”
“بل أرغب!”
فجأة تحوّلت أنظار الجميع إليّ.
ولم يكن ذلك بأمر من دوفيل هذه المرة.
مشيت بخطواتٍ صغيرة نحو الزعيم.
“أريد أن أصبح قوية… مثل أبي، ومثل العم دوفيل.”
قلتُ ذلك لأن إيصال مشاعري إليه كان أهمّ من تصفيق الآخرين.
ارتفع حاجباه بدهشة، ثم جثا على ركبةٍ واحدة أمامي وربّت على رأسي بلطف.
“سوليونغ، ما زلتِ صغيرة جدًا. يكفي أن تأكلي جيدًا وتنامي براحة، هذا واجب الأطفال.”
قالها بنبرةٍ هادئة حنونة.
“سأعلّمك بنفسي حين يحين الوقت. لمَ لا تجرّبين ألعابًا أخرى لا علاقة لها بالسلاح؟”
لكنني هززت رأسي بثبات.
“أريد ذلك… لأني أريد أن أحمي أبي.”
“…….”
“أبي حماني، لذلك أريد أن أحميه أنا أيضًا… حين يكون وحيدًا أو متعبًا أو حزينًا.”
اقتربت منه خطوة أخرى، ومددت ذراعيّ لأطوّق عنقه.
صمت الزعيم لحظة، ثم تنهد.
“ألهذه الدرجة ترغبين بالأمر؟”
“نعم. أريد ذلك حقًا.”
قبض على كفّيه مترددًا، ثم فتحهما ببطء بعد تفكيرٍ طويل.
لم أجد ما أقوله أمام صدق كلماته، فاكتفيت بأن أعانقه بقوة كي لا يرى ملامح وجهي.
لكنّه قال ضاحكًا:
“حسنًا إذن، فلنرَ إن كنتِ قادرة حقًا على حمايتي. أنا سأحميك، وأنتِ حاولي أن تحميني بدورك.”
ابتسمت رغمًا عني.
‘سأفعل… سأحميه حقًّا.’
سأصبح أقوى بكثير من الآن.
هكذا عاهدت نفسي، وهززت رأسي مرة أخرى بإصرارٍ لا يتزعزع.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 51"