عدتُ إلى المعسكر وأنا ما أزال مصدومة، وبعد تفكيرٍ طويلٍ أرهق رأسي، غلبني النعاس فسقطت نائمة كأنني فقدت الوعي.
وحين بزغ الفجر، فتحت عينيّ.
‘صحيح، غاون!’
انتفضت فجأة من مكاني. يا إلهي، كنت على وشك أن أنام حتى الصباح!
“إذن، القائد غاون سيغادر الجبل غداً صباحاً؟”
نعم، هكذا قال. لحسن الحظ، كنت قد فكرت مسبقاً في كيفية التعامل مع هذا الوضع المفاجئ قبل أن أغفو.
أول ما كان عليّ التأكد منه هو ما إذا كانت مجريات القصة الأصلية قد انحرفت تماماً. والنتيجة التي توصلت إليها كانت ‘لا’.
لأن في القصة الأصلية، يموت الزعيم وتُباد نصف عصابة قطاع الطرق بعد نحو خمس أو ست سنوات من الآن.
[كان ذلك عندما كنت في الثانية عشرة من عمري.]
كنت أتذكر تماماً قول باك دوهيول هذا، ولهذا استطعت الاستنتاج.
إذن ما يهم الآن هو متى سيعود غاون.
“قد يستغرق الأمر وقتاً أطول مما نظن.”
‘الزعيم قال بنفسه إن الأمر قد يستغرق وقتاً طويلاً.’
صحيح، ففي زمنٍ لا وسيلة تنقّل فيه سوى الخيول، ولإقناع القوات المتفرقة في الأقاليم، فلا بد أن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً جداً.
بمعنى آخر، بعد هذه الليلة لا أدري متى سأرى غاون مجدداً.
‘هل سيتمكن غاون من تفادي فخ عائلة باك عندما يعود؟’
عضضت شفتي من القلق.
‘أم هل سأتمكن أنا من ملاحظة نواياه قبل أن يخوننا؟’
لو رحل الآن، فقد لا تسنح لي الفرصة لأقترب منه ثانية.
‘لا! هذا ليس وقت التردد! يجب أن أفعل شيئاً الآن!’
مسحت اللعاب عن زاوية فمي ووقفت بسرعة.
ثم بدأت بالمشي بخفة كي لا أوقظ مالجا وبوجي، مثل قطةٍ تسرق خطواتها خفية.
صرّ الباب بصوتٍ خافت عندما فتحته، حتى أنني حبست أنفاسي وأنا أتحرك ببطءٍ وحذر.
هوووو–!
كانت الرياح الباردة تعصف في الخارج. ضممت ثيابي حولي ومشيت بحذر في اتجاه خيمة غاون التي كنت قد حددت موقعها من قبل.
‘آه، الجو بارد جداً.’
كانت المسافة إلى خيمته طويلة نسبياً، ورغم أننا في بدايات الشتاء، فإن الثلوج كانت تتساقط خفيفة في هذا الجبل المرتفع، مما جعل الرؤية ضعيفة والمشي صعباً.
‘يا ويلي، خرجتُ حافية القدمين!’
لم أجد وقتاً لارتداء الحذاء وأنا أتسلل. كان البرد يلسع باطن قدميّ مع كل خطوة أغوص فيها في الثلج.
‘لكنني وصلت تقريباً…!’
تابعت خطواتي الصغيرة بخفة حتى بدأت خيمة غاون تظهر لي في الظلام.
تقدمت خطوة أخرى مفعمة بالأمل، وفجأة–
هوووش! باااق!
شعرت برياحٍ حادة تمر بجانبي، ورأيت سيفاً ضخماً يخترق الهواء قرب أذني.
“هاه؟”
أدرت رأسي ببطء، ورأيت–
“!”
“كيااااااانغ!”
ذئباً وقد اخترق السيف جمجمته تماماً.
‘كان يستهدفني؟’
لابد أنه كان يتسلل نحوي بخطى صامتة تحت ضوء الفجر الخافت.
‘كنت… سأموت لولا هذا.’
ارتخت ساقاي وجلست على الأرض من هول الموقف.
“أنت.”
رفعت رأسي على صوتٍ هادئٍ عذب.
وسط ندف الثلج البيضاء، كان غاون واقفاً. بدا كأنه كان يتدرب طوال الليل، إذ كان يرتدي زيه الحربي الكامل.
نظر إليّ بعينين حادتين وقال بنبرة باردة:
“هل تودين الموت؟”
“آه…؟”
حدّقت فيه مذهولة، ثم نظرت إلى الذئب الميت مجدداً.
‘لا بد أنه… أنقذني؟’
كنت متأكدة من ذلك.
لو لم يفعل، لالتهمني الذئب دون شك.
‘إذن كيم غاون… أنقذني أنا؟’
لم أستطع استيعاب الأمر. أردت قول شيء، لكن الكلمات علقت في حلقي.
وأخيراً، بعد تردد، خرج مني سؤال غبي:
“أنتِ… أنقذتني؟”
“ولِمَ؟ هل يزعجك الأمر؟”
قالها غاون ببرودٍ معهود، فلوّحت بيدي بسرعة.
“لـ… لا طبعاً! لكن، لماذا…؟!”
من سينزعج من إنقاذ حياته؟! لكنّ ما حيرني هو أنّ من أنقذني كان غاون نفسه.
“كان بإمكانك تجاهلي، حتى الزعيم لم يكن ليراك!”
“……!”
ارتجف كتفاه بخفة وكأنه ارتبك. وبعد أن أدار عينيه متردداً، قال أخيراً:
“لا تسيئي الفهم، الزعيم أمرني بإنقاذك فحسب.”
“كذب! وماذا عن المرة السابقة مع الأفعى؟!”
تلك المرة كدتَ تقتلني بنفسك!
لقد هددتني بجدية، ومنذ متى وأنت تطيع أوامر الزعيم أصلاً؟!
“حينها لم يكن الزعيم قد ألغى أمره بعد… هاه، ولماذا أشرح لكِ هذا أصلاً؟”
تنهد غاون بملل وهو ينظر إليّ من علٍ.
“كفي عن الهراء وعودي إلى مكانك.”
ثم ضرب بخفة على مؤخرتي بغمد سيفه، كأنه يريد دفعي للعودة.
لكنني لم أكن أنوي تركه يرحل بهذه البساطة.
“انتظر لحظة!!”
وقفت أمامه بثبات، فرفع حاجبيه بدهشة، غير أنني تجاهلت ذلك وقلت ما أردت قوله حقاً.
“هل يعني هذا أنك… لم تعد تكرهني؟”
ارتبكت قليلاً فانتهت الجملة بنبرة مرتجفة.
تجهم وجه غاون فوراً.
“أيّ سؤالٍ هذا؟”
“قلتَ إنك تكرهني…”
‘لا، لا تبكِ الآن!’ لكن مشاعري الطفولية فاضت رغماً عني، وشعرت بالدموع تملأ عيني.
كنت أتظاهر طيلة الوقت بأنني بخير، لكن في أعماقي كنت خائفة وقلقة جداً.
“آسفة!”
حدث هذا من قبل أيضاً… مع فيلسوك.
لقد توسلتُ إليها بالاعتذار بصدق، لكنني فشلت في كسب عفوها.
كنت أحاول التكفير عن خطايا عائلتي بكل جهدي، لكن في النهاية قُتلت على يد أقارب من قتلهم والدي.
عادت إليّ تلك المشاعر العاجزة التي شعرت بها آنذاك.
‘هل قدري أن أُكرَه مهما حاولت؟’
خصوصاً إن كان غاون يكرهني هكذا…
‘ماذا لو علم بقية اللصوص بالحقيقة ذات يوم؟ هل سيكرهونني جميعاً أيضاً؟’
“هههك…”
مسحت دموعي سريعاً بكمّي. لكنّها لم تتوقف بسهولة. وبعد أن تكررت المحاولات، نظرت أخيراً إلى غاون.
كان ينظر إليّ بصمت.
وجهي متورم من البكاء، رموشي مبللة بالدموع.
لكنه ظل يحدق بي دون أن يقول شيئاً لفترة طويلة، ثم قال أخيراً:
“ولِمَ البكاء على شيءٍ كهذا؟ ما أهميته؟”
تذمر بنبرةٍ خافتة.
“لا تقولي لي أنكِ ستشيين بي للزعيم لأني أبكيتك…”
“جئت لأودّعك!”
“…ماذا؟”
ارتعشت حاجباه بدهشة، فأمسكت بطرف ثوبه بسرعة.
“وداع؟ جئتِ في هذا الوقت المبكر فقط لتقولي هذا؟”
“نعم! أرجو أن تعود بخير!”
قلت ذلك بحزمٍ وابتسامةٍ مشرقة، وكأنني لم أكن أبكي قبل لحظات.
تغير تعبير وجهه قليلاً.
رغم أنه كان بارعاً في إخفاء مشاعره، إلا أنني شعرت بتردده هذه المرة.
“هل… تطلبين مني أن أعود؟”
همس بهدوء. فأومأت برأسي.
“نعم. هذا بيتك، أليس كذلك؟ لذلك عليك أن تعود إليه.”
في الحقيقة، وأنا في طريقي إليه كنت أفكر بما يجب أن أقوله له.
‘كان يمكنني قول كلماتٍ لطيفة، أو أن أرجوه أن يعود سريعاً، لكنني قررت غير ذلك.’
قررت أن أقول له ما كنت أتمنى سماعه دائماً عندما أغادر منزلي.
“عد سالماً، بخير.”
‘لأن غاون… شخصٌ طُرد من بيته.’
كان طبيعياً أن يشعر بالريبة والكراهية نحوي، أنا الدخيلة الغريبة التي اقتحمت مكانه.
فهو أُجبر على مغادرة مسكنه، وهذا الجبل هو منزله الوحيد.
لذلك قلت له بصدق:
“سأبقى هنا أحرس المكان، حتى تتمكن يا عمّي غاون من العودة إليه.”
أردت أن يعلم أنني، مثله تماماً، أريد حماية هذا المكان الذي يحميه هو أيضاً.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 47"