الفصل 41
في اليوم التالي.
“ها قد انتهيت!”
استيقظتُ باكرًا هذا الصباح استعدادًا للاحتفال الذي سيُقام اليوم، وارتديت تنورة قرمزية اللون مع سترة حريرية جميلة.
كان ثوبي زاهي الألوان والتصميم، فيبدو لطيفًا وجذابًا للغاية، تمامًا كما لاحظ الزعيم في المرة السابقة.
“يا صغيرتي!”
ما إن أنهيتُ استعداداتي حتى اندفع العم كَيتونغ إلى خيمتي.
“كما توقعت، صغيرتنا جميلة جدًا.”
قال ذلك مبتسمًا برضا وهو يقترب.
“هيّا، لقد أعددت لكِ أشياء كثيرة! فلنذهب معًا! الزعيم بانتظارك! سأحملك أنا!”
“نعم!”
رفَعني العم كَيتونغ فجأة، ووضعني على كتفيه كأنني أمتطي صهوة جواد.
وانطلق بي نحو الساحة الكبرى، حيث سيُقام الاحتفال.
وبعد أن قطعنا مسافة قصيرة، رأيتُ من بعيد الزعيم ودوفيل وغاون يجلسون بانتظاري.
‘يا للروعة.’
رغم أن الاحتفال يُقام في مخبأ الجبل، إلا أنهم ارتدوا جميعًا ملابس رسمية تليق بالمناسبة.
“آه!”
“يا لها من لطافة…!”
تعالت أصوات الدهشة من اللصوص المتجمعين حين ظهرتُ أمامهم.
اقترب الزعيم بخطوات واثقة ومدّ يده نحوي دون تردد، ففتحتُ ذراعيّ على الفور وارتميتُ في أحضانه.
“أنتِ جميلة جدًا اليوم.”
قالها وهو يلتقي بعينيّ ويهمس برقة.
مع أنني سمعت كلمات مشابهة من الآخرين، إلا أن سماعها من الزعيم جعل وجنتَيّ تحمران خجلًا.
“هيهِه…”
شعرت بسخونة وجهي، فأخرجت شفتيّ في خجل.
“لكن، ألا تشعرين بالبرد قليلًا؟”
مدّ الزعيم يده وأخرج قلنسوة فروية بنية اللون.
“ارتدي هذه أيضًا. لقد أعددتها مسبقًا لتناسبك.”
ألبسني إياها بعناية، وربط الشريط أسفل ذقني بإحكام.
كانت القلنسوة مزينة من الأعلى بزخارف على شكل أذنين دائريتين، مما جعل مظهري يبدو أكثر لطافة.
“يا إلهي، كم هي جميلة!”
صاح أحد اللصوص من الخلف بانبهار، وقد بدا عليه التوتر. لا شك أنه هو من صنع هذه القلنسوة بيده.
ابتسم الزعيم برضا.
“حسنًا، لننطلق. سنقوم أولًا بجولة ليتمكن الجميع من رؤيتك.”
رفعني الزعيم بين ذراعيه وسار بخطوات واسعة وواثقة.
“إنها تلك الطفلة!”
“لم أرَ وجهها من قبل، لكنها لطيفة جدًا.”
“يبدو أن الزعيم في مزاج رائع اليوم، أكثر من أي وقت مضى!”
سمعت همسات اللصوص في كل مكان ونحن نمرّ.
‘عددهم أكبر بكثير مما توقعت.’
أدركت عندها سبب أمر الزعيم بجمع الجميع.
‘يبدو أنه استدعى حتى أولئك الذين أرسلهم إلى المناطق البعيدة.’
أي أنهم عادوا جميعًا إلى المخبأ بعد سماعهم أمر الاستدعاء.
وبعد أن أتم الزعيم الجولة، عاد بي إلى مقدمة الساحة أمام الموقد الكبير وتوقف هناك.
كان عدد اللصوص كبيرًا لدرجة يصعب حصرهم، مصطفّين في صفوف طويلة.
‘الجميع ينظر إليّ…’
شعرت بالحرج وبدأ وجهي يحمرّ من شدة الانتباه الموجّه نحوي.
“تنحّوا جانبًا.”
تحرك اللصوص على الفور مفسحين الطريق.
“أوه؟”
اتسعت عيناي من الدهشة.
‘ما هذا…؟’
تقدّم الزعيم بي إلى الأمام حتى وقفنا في منتصف المشهد المذهل.
عندها أدركت ما كنت أراه.
زهور منحوتة من الجليد.
‘ما هذا؟ هل صنعوها بأيديهم؟’
كانت الزهور الجليدية مصطفّة بكثافة حتى بدا المكان كأنه حقل متجمّد متلألئ.
“هل أعجبتكِ؟”
سأل الزعيم وهو يبتسم ابتسامة خافتة.
“سمعتُ أنك تحبين الأشياء التي تلمع، لذا أعددتُ لكِ هذه. إنها زهور خاصة لا تُرى إلا في الجبال الباردة.”
حينها فقط فهمت سبب احمرار يدي الزعيم والعم كَيتونغ البارحة.
‘لقد كانا ينحتان هذه الزهور من الجليد بيديهما…’
مدّ الزعيم يده والتقط زهرة جليدية وقدّمها لي.
كانت تتلألأ عن قرب، أجمل حتى مما بدت عليه من بعيد.
“في الأيام السعيدة، يجب أن تكون هناك زهور وجواهر، أليس كذلك؟”
قال الزعيم بابتسامة دافئة، وعيناه السوداوان اللامعتان تلمعان بجمال آسر وهو ينظر إليّ.
“لكن حتى لو ذابت هذه الزهور، فسأصنع لك غيرها مرارًا وتكرارًا، كلما رغبتِ.”
وسأبقى إلى جانبك دائمًا.
رفع الزعيم الزهرة الجليدية عاليًا نحو السماء، ورفع اللصوص كؤوسهم تحيةً له.
“اسمعوني جميعًا!”
ثم رفع صوته فجأة.
“اعتبارًا من اليوم، أعترف بهذه الطفلة كأحد أفراد جماعتنا، وأرغب في تبنّيها كابنتي.”
‘هاه؟ سأصبح ابنة ولي العهد المخلوع؟’
اتسعت عيناي دهشة، فالتقت عيناي بعيني ولي العهد المخلوع الذي نظر إليّ بنظرة دافئة، كأنه يسألني إن كنت أوافق.
ومن تلك النظرة، شعرتُ بمشاعر حانية مفعمة بالاهتمام تجتاحني، فأطبقت شفتيّ وأومأت برأسي موافقة.
فبدا عليه الارتياح، وتابع كلامه من جديد.
“كما أنني أودّ أن أمنح هذه الطفلة اسمًا.”
في تلك اللحظة، انقشعت الغيوم التي كانت تغطي السماء، وأشرقت أشعة الشمس الساطعة.
وتحت وهج الشمس، ازدادت زهور الجليد المنحوتة بعناية بريقًا وتألقًا، حتى بدت كزهور حقيقية تخطف الأنفاس قبل أن تذبل.
“سوليونغ.”
نطق ولي العهد المخلوع بالاسم، ثم نظر نحوي، وكانت عيناه السوداوان تتلألآن تحت الشمس كحجر الأوبسيديان.
“تُكتب بـ ‘ثلج – سُول’ و’إشراق – يونغ’.”
“……!”
“أي: من تُضيء الثلج البارد بنورها.”
انحنى حاجباه قليلاً بابتسامة دافئة، ومدّ يده ليمسح برفق بعض خصلات شعري الصغيرة عن وجهي.
في تلك اللحظة، تساقطت نُدف بيضاء من الثلج من السماء. كان مشهد الثلوج المتهاطلة وسط أشعة الشمس المتلألئة غاية في الجمال والروعة.
“نحن نعيش دائمًا في هذه الجبال الباردة التي تغطيها الثلوج، لكن بوجودكِ بيننا، سيصبح كل شيء أكثر دفئًا ونورًا. لذا…”
مدّ ولي العهد المخلوع يده نحوي وقال:
“انضمّي إلينا، يا سوليونغ.”
كانت كلماته أشبه بسؤال لطيف، لا بأمر قاطع.
نظرتُ إلى يده الممتدة نحوي.
خلال هذه الفترة القصيرة، حدثت أشياء كثيرة.
مررتُ بتجارب اقتربت فيها من الموت… وحاولتُ حتى مغادرة هذا المكان.
كما اختبرت مشاعر غريبة لم أشعر بها في حياتي السابقة.
واكتشفت أن هذا المكان هو عالم داخل رواية.
ولأول مرة في حياتي… وجدت شخصًا يطلب أن نصبح عائلة.
شخصًا رأى فيّ نورًا، بعدما كان الجميع يتجنبني ويتجاهلني.
شخصًا احترمني واعتنى بي بطريقة غريبة لكنها مليئة بالحنان.
كيف لي أن أرفضه؟
سُرّق.
مددت يدي وأمسكت بيده.
شعرتُ بانقباض في صدري، مزيج من الفرح والعاطفة.
وفجأة، راودتني رغبة عارمة في أن أنطق بالكلمة التي كانت تحوم على لساني منذ لحظات.
رفعت يدي الصغيرة، وغطّيت أذنه، واقتربت منها وهمست بصوت منخفض لا يسمعه سواه.
“أ… أبي.”
لو فكّرت في الأمر، لوجدت أنني لم أنطق هذه الكلمة منذ زمن طويل جدًا.
لأنها كانت تذكّرني بـ’ذلك الرجل’.
فكلمة ‘أبي’ كانت بالنسبة لي جرحًا غائرًا لا يندمل.
لكن حين نطقتها بصوتي للمرة الأولى بعد وقت طويل…
‘الآن… لا بأس، أليس كذلك؟’
أدركت أنني لم أعد أتألم أو أتأذى من هذه الكلمة.
لأن ‘الأب’ بالنسبة لي الآن، لم يعد ذاك الشخص، بل هذا الرجل الغريب والعجيب أمامي… الدافئ لدرجة تُبكيني.
“ساه…”
حينها، تجمّد ولي العهد المخلوع في مكانه، وقد اتسعت عيناه بذهول.
كان نفس التعبير الذي أبداه حين رآني متأنقة في المرة السابقة، لكن هذه المرة كانت عيناه ترتجفان بشدّة أكبر.
“اهمم!”
احمرّت أذناه خجلًا، وبدا عليه الارتباك.
“اهممم، اهممم!”
لم يستطع قول شيء، فاكتفى بالتمايل قليلًا ووجهه يزداد احمرارًا، ثم قال بصوت مرتجف:
“شكرًا لكِ… لأنكِ قبلتِ الانضمام إلينا، يا ابنتي… يا سوليونغ.”
ناداني بلطف شديد، وبصوتٍ مفعم بالعاطفة والحنان.
ثم ضمّني بقوة بين ذراعيه، وأمسك بكأسٍ مملوءة بالنبيذ في يده الأخرى، ورفعها إلى فمه وشربها دفعة واحدة.
“وووااااااه!!”
وما إن أنهى كأسه حتى ارتفعت هتافات اللصوص من حولنا بصيحات الفرح.
ضحكتُ معهم جميعًا من أعماق قلبي، وقضيت وقتًا سعيدًا مليئًا بالبهجة.
ولعلّ ذلك كان السبب في أنني لم ألاحظ…
أن هناك من كان يحدّق بي بنظرة حادّة تملؤها الكراهية.
التعليقات