الفصل 39
“داك-تونغ!”
أوه، كان نطقي يشبه تقريباً اختصار عبارة ‘اخرس واقض حاجتك’، لكن…
مع ذلك! أظن أنه لم يكن سيئاً إلى هذا الحد!
“هع!”
لحسن الحظ، بدا أنّ عمّي داكتونغ قد تقبّل الأمر أيضاً. عيناه تلمعان وهو يكتم فمه بيده، وقد غمرته العاطفة.
ابتسمت بخجل عندها، مطمئنة.
كنت أريد أن أخبرهم بذلك إن التقينا مجدداً.
أنني ما زلت أحفظ أسماءهم جميعاً واحداً واحداً.
“شكراً لكم.”
رغم أنهم لا يعرفون شيئاً عن تربية الأطفال، فقد عاملوني بلطف.
ورغم انشغالهم، كانوا يقتطعون من أوقاتهم ليركضوا إليّ كل يوم.
وحتى أنقذوني حين كدت أموت بعد أن تناولت السم بالخطأ.
كما صنعوا لي الألعاب بأنفسهم، وزيّنوا غرفتي أيضاً… كل شيء فعلوه من أجلي.
في البداية كنت خائفة ومحرجة منهم. لكن الآن لم يعد الأمر كذلك. أردت أن أقولها بوضوح.
“أشكركم… لأنكم لم تكرهوني. يا أعمامي.”
كانوا أول أعمام لي في حياتي.
في حياتي السابقة، حتى أقاربي تخلّوا عني وأداروا لي ظهورهم.
ومنذ أن سُجن والدي واختفى، اضطررت للعيش في دار للأيتام.
لذلك لم أكن أعرف حقاً ماذا يعني أن يكون للمرء عمّ. لكن الآن… أعتقد أنني فهمت.
وما إن همست بذلك بصوتي الصغير، حتى هرع أعمامي سادتونغ إليّ جميعاً دفعة واحدة.
برق–!
شعرت أن جسدي قد ارتفع عن الأرض، فقد راحوا يتناوبون على احتضاني واحداً تلو الآخر.
“ومن ذا الذي قد يكره ملاكاً جميلاً كهذا؟!”
“هذا محال! مستحيل!”
“ليس في الأمر ما يستدعي شكرك أصلاً!”
“بل نحن من ينبغي أن نشكرك.”
ثم قال عمّي داكتونغ بهدوء، وصوته مرتجف بالعاطفة:
“شكراً لأنك جئت إلينا.”
“حقاً… لا تتصورين كم افتقدناكِ.”
“يقولون إن رحيل المرء يُشعر به أكثر من غيابه… لقد كان غيابك فراغاً مؤلماً لنا.”
كلمات مؤثرة تتابعت حتى كادت الدموع تنهمر.
وفجأة–!
انفتح الباب بقوة، واقتحم شخص المكان.
“……!”
لقد كان الزعيم، كيم غانغدو.
ما إن رأيت وجهه المألوف حتى هببت واقفة على الفور.
لكن…
‘ما به؟’
على غير عادته، لم يتقدم نحوي ليحملني، بل وقف في مكانه كأن قدماه التصقتا بالأرض.
حدّقت فيه متعجبة، ثم أملت رأسي قليلاً وسألته بحذر:
“هل جئت؟”
ابتسمت ابتسامة صغيرة مفعمة بالسرور.
“!”
في تلك اللحظة، شحب بصر الزعيم، وعيناه شردتا بذهول.
رأيته من قبل يتأثر ويضطرب، لكن لم أرَه قط بهذا الشكل، وكأن روحه غادرت جسده.
“كح!”
مضت ثوانٍ قبل أن يستعيد وعيه، فسعل متصنعاً كمن يحاول استجماع نفسه. ثم…
صَرصر– صَرصر.
“أوه؟”
ما هذا؟ بدا أنه لم يستعد توازنه بعد… كان يقترب مني محركاً ذراعه ورجله من الجهة نفسها، تماماً كآلة صدئة.
وعندما وصل إلى أمامي، أدار رأسه ببطء شديد نحو اللصوص.
“من الذي زيّن الطفلة؟”
كانت ملامحه جادة وكأنه سيستل سيفه في أي لحظة، مما جعل اللصوص يبتلعون ريقهم بتوتر.
أسرعت مالجا وبوكي إلى الأمام وانحنتا بعمق.
“ذا… ذلك….”
“مولاي الزعيم، لقد أخطأنا حين ألبسناها ثياباً جميلة دون مناسبة… لم يكن يجدر بنا ذلك.”
“يستحقّان مكافأة.”
جميع الحاضرين لم يصدقوا ما سمعوا.
رفعت المرأتان رأسيهما ببطء، عيونهما متسعة دهشة.
“ح-حقاً… تقصد؟”
“أجل. أنتما الاثنتان، ومعكما غاون الذي أحضركما، سأنعم على كل واحد منكم بنصف سِلة من الفضة.”
“شكراً جزيلاً! شكراً مولاي!”
احمرّت وجنتاهما من الفرح، بينما أخذ أعمامي سادتونغ يقتربون بخفة، يضحكون ويهمسون بجانب الزعيم.
“مولاي، لكن رأينا أن لديها الكثير من الثياب الجميلة غير هذه.”
“صحيح! وينبغي أن نقرر ما سترتديه في الحفل. ربما يكون من الأفضل أن نجرب عليها بعض الأزياء منذ الآن، أليس كذلك؟”
كانت نصيحة أعمامي تبدو معقولة بشكل ما، فأخذ حاجبا الزعيم يرتعشان.
“أما ترغبون في رؤيتها بتسريحة أكثر ترتيباً؟ كشَعر مشدود بعقدة واحدة أنيقة؟”
“يقولون إن الأطفال يكبرون سريعاً… ربما لا تستطيع ارتداء هذه الملابس بعد وقت قصير.”
“ماذا…؟!”
رفع الزعيم رأسه سريعاً، والخيبة جلية في وجهه.
وإذ به، قبل أن يستوعب الأمر، تنضم مالجا وبوكي إلى الجو المحموم وقد فتحا الخزانة على مصراعيها.
“هذه بعض الثياب يا مولاي! هل نلبسها اليوم عدداً منها؟”
“انظروا! هذا ثوب صنعناه من جلد أرنب، لتبدو الصغيرة كأرنب بري حين تذهب لجمع الأعشاب البرية! حتى الأذنان مثبتتان فيه!”
‘م-ما هذا…؟ ما هذه الأشياء الغريبة؟! لم يكن الأمر يقتصر على الملابس التي جلبها غاون!’
كانت عيونهن تتلألأ وكأنهن سهِرن الليل بطوله بعد وصولهن إلى الجبل يصنعن لي مجموعة من الثياب.
‘لا يكون الزعيم سيجعلني أرتدي تلك الأشياء، أليس كذلك؟ على أية حال، لا يمكن أن أرتدي مثل هذه الثياب في الحفل!’
نظرت إليه برجاء بالغ.
“نعم. تبدو دافئة للغاية. من الأفضل أن نجرّبها حالاً لنتأكد من ملاءمتها.”
‘…الزعيم؟!’
لكن توقعاتي انهارت، إذ قبل الزعيم الأمر بكل سرور. بل وأصدر أمراً قاطعاً قائلاً أن يُلبسوني إياها في الحال!
‘هذا… لا يُطمئن أبداً.’
بدأ القلق يتسرب إليّ وأنا أحدّق في كومة الملابس الضخمة المتراكمة أمامي. أما أعمامي فسكتوا مكتفين بالابتسام في رضا وهزّوا رؤوسهم.
“آه، دوماً عندي اقتراح يا زعيم… هل نستدعي الرسام؟”
“الرسام؟”
“نعم. أحد أتباع القائد الكبير، بارع في الرسم حد الإعجاز. يُدعى كيم هيونغدو…! أليس من الرائع أن نُخلّد جمال الطفلة في لوحة؟”
“هذا اقتراح حسن. استدعوه في الحال!”
في تلك اللحظة أدركتُ:
‘اليوم… لن يمر بسهولة أبداً.’
بل أيقنت أن الأيام القادمة ستكون طويلة للغاية.
***
استمرّت عملية إلباسي شتى الثياب ورسم لوحات بملامحي يومين كاملين.
‘طبعاً، أنا أيضاً أحب أن أبدو جميلة، وهذا أمر حسن… لكن جسدي لم يعد يحتمل!’
فقد قضيت يومي أتنقّل من ثوب إلى آخر، حتى إذا أقبل الليل، انهرت من الإرهاق فوق الفراش.
“نمِ هانئاً، أيتها الصغيرة. سأبقى بجوارك، فإن احتجت إلى شيء في أي وقت، ما عليك إلا أن تناديني.”
قالت مالجا مودّعة، ثم انتقلت إلى المساحة الصغيرة المخصصة لمعيشتها بجوار خيمتي.
آنذاك فقط حصلت على بضع لحظات من الانفراد.
غطيت جسدي باللحاف وغصت في أفكاري بصمت.
‘ما زلت لا أصدق.’
لقد عدت حقاً إلى مخبأ قطاع الطرق… وقررت العيش بينهم.
شعور غريب اجتاحني، فلم أستطع أن أغفو سريعاً، وظللت أحدّق في سقف الخيمة بعينين مبحلقتين في الظلام.
‘والآن… غداً بالفعل.’
غداً سيكون الاحتفال الرسمي الذي سيُعلن فيه أنني أصبحت فرداً من أسرة العصابة.
مجرد التفكير في إقامة مثل هذا الحدث جعلني أستشعر أكثر فأكثر أنني سأعيش فعلاً هنا، في الجبال.
لكن في الوقت نفسه…
راودني قلق عميق بشأن المستقبل الذي ينتظر هؤلاء الرجال.
‘بعد نحو ست سنوات، سيُقتل نصف أفراد العصابة تقريباً، والزعيم سيلقى حتفه.’
كنت أعلم ذلك من الحوار الذي يرد في القصة الأصلية، حيث يعلنون بفخر أنهم أبادوا عصابة الجبل.
بعد ست سنوات، يموت الزعيم.
وبعدها بوقت قصير، ينجح البطل الذكر في اجتياز امتحان الكُتّاب ويتألق مساره.
‘سأنقذ الزعيم. لا بدّ من ذلك.’
كنت قد عقدت العزم على تغيير مجرى الأحداث مهما كلفني الأمر.
‘لكن… ما الذي يجب أن أفعله أولاً حتى لا تنجح خطط يونغسان؟’
أرهقت ذهني محاولاً استحضار تفاصيل أكثر من النص الأصلي.
‘آه… النعاس يثقلني.’
استسلمت جفوني أخيراً وأنا أكاد أُغمضها.
دَرْك!
انفتح الباب فجأة، ودخل رجل ذو وجه مألوف إلى الخيمة.
التعليقات لهذا الفصل " 39"