انعكس وجهي في عيني الزعيم الداكنتين العميقتين. مظهر بائس، يترقرق فيه الدمع.
ومع ذلك كان بصر الزعيم يغمرني بعطف لا حدّ له، كأنه يقول لي إن حتى هذا الشكل مني لا بأس به.
هزست رأسي، هزّة بعد أخرى، من دون أن أجرؤ على الرد بصوت مسموع.
“هُب!”
تساقطت الدموع قطرة بعد أخرى، رغم محاولتي كبحها، ففضحتني غصّة باكية.
“لم أرَك منذ مدة، فإذا بك تبكين هكذا بسهولة.”
ابتسم الزعيم ابتسامة خفيفة عقب جوابي الصامت، ثم رفعني بين ذراعيه.
وهاج صوت خافت من التهليل بين قطاع الطرق.
في أحضان الزعيم، عقدت العزم بقوة.
‘لن أسمح أبداً… أن يُترك ليموت.’
لا يمكنني القول بعد إن مجرى القصة الأصلية قد تغيّر تماماً.
فالمشهد الذي شاهدته بنفسي كان واضحاً، سيبذلون الغالي والنفيس للإيقاع بالزعيم.
لذلك…
‘سأحمي هذه العصابة مهما كان الثمن!’
من الآن فصاعداً أنا طفلة قطاع الطرق!
حتى لو كان من أجل بقائي أنا نفسي.
سأنقذ الزعيم والعصابة جميعاً!
***
لم يمضِ وقت طويل على قرار الزعيم بتربية الطفلة في العصابة، حتى انعقد اجتماع ضمّ دوفيل وغاون.
جلس الاثنان حول صخرة ضخمة، تعلو وجهيهما ملامح من الثقل والجدية.
“خسرنا شخصين في هذه الحادثة.”
كان دوفيل أول من تكلم، وقد حاول قدر استطاعته أن يخفي مشاعره، لكن عينيه امتلأتا بحزن لا يوصف.
“خشينا أن نُكشف، فلم نجرؤ حتى على استعادة الجثث.”
“…قل ما لديك.”
هذه المرة كان غاون هو من أجاب.
كان يجلس متكئاً على طرف طاولة في الزاوية بوجه شاحب، يشبه قطة متربصة.
مع أنه تَحمّل بمفرده الدور الأخطر، دور الطُعم، إلا أن براعته الفطرية جعلته يخرج سالماً من دون جرح واحد.
“هل كانت تلك الطفلة أغلى حقاً من أرواح من ضحّوا لحماية الزعيم؟”
رفع غاون رأسه فجأة.
وفي عينيه بريق عتابٍ خفي.
“لقد كان ذلك تهوراً. لم يكن الأمر مقتصراً على من قضوا فحسب… بل كاد الزعيم نفسه أن يفقد حياته بسبب تلك الطفلة. بل مرتين!”
“…….”
“لماذا تُعرّض نفسك للخطر لتُنقذ تلك الطفلة؟ أنت رجل عظيم الشأن. لم تعهدنا منك مثل هذا التهور من قبل. أما نسيت ما ظللت تقوم به طوال الوقت؟”
انفجر غاون بغضب مكتوم.
“بنيت حصوننا خفية عن أعين الأعداء… وسعيت لإنقاذ العامة ورعايتهم. فكيف تفعل هذا الآن!”
لم يستطع دوفيل بدوره كبح نفسه، فأضاف بصوت حاد:
“وفوق ذلك، بعدما اعتمدت الطفلة فرداً من العشيرة رسمياً، فإن اليوم الذي يُكشف فيه حقيقته قادم لا محالة… وسيثور قطاع الطرق بلا شك. وإذا وقع الانقسام بيننا فسيصعب لمّ شمله.”
“صحيح. ألم تكن أنت بنفسك من قال إن بقاء الطفلة هنا لا يجعلها إلا مطارَدة طريدة؟”
“…….”
“لا نعلم بعد سبب خطف يونغسان لهذه الطفلة… لكن ربما انتشرت شائعة بين الناس أن العصابة تحتفظ بطفلة معها.”
طفلٌة تتنقل مع قطاع الطرق.
إن شاع ذلك فعلاً، فكم من العار سيُلحِق بها!
وستظل مطارَدة طوال حياتها.
لهذا قال دوفيل بصوت غاضب:
“هذه الطفلة صارت في خطر بسببنا، وقد تظل كذلك إلى الأبد!”
وبينما يتوالى الاعتراض، فتح الزعيم عينَيه ببطء، بعد أن ظلّ يستمع صامتاً.
ثم قال بهدوء:
“هل انتهيتم من كلامكم؟”
انخفض صوته أكثر، لكن في انخفاضه وُلد شعور غريب بالرهبة.
فصمت الاثنان عاجزين عن أي رد.
سكن المكان بظلال الصمت، وأخذ الزعيم يتفحص دوفيل وغاون بعينيه واحداً بعد الآخر.
ثم نطق بلهجة راسخة:
“إذن سأخبركما اليوم بسبب استدعائي لكما.”
توقف غاون فجأة عند سماع تلك الكلمات.
لقد أدرك أن في الأمر شيئاً مختلفاً عن المعتاد.
واسترسل الزعيم بنبرة هادئة لم يسمعها أحد منه من قبل.
“سأبعث برسائل سرية إلى أنصاري في مختلف الأقاليم.”
“؟!”
هبط غاون عن الطاولة بخطوة مضطربة.
“سأستعين بهم لجمع الجنود حول العاصمة. وقد يستغرق هذا الأمر سنوات طوالاً. فلا بدّ من انتقاء رجال موثوقين بعناية، وجمعهم بأشد الحرص.”
ساد صمت ثقيل. تبادل دوفيل وغاون النظرات.
وكما يحدث حين يبلَغ الإنسان خبراً يفوق تصوره، شحب وجهاهما شحوب الموت.
تمتم دوفيل بشفاه مرتجفة وقد اضطر لانتزاع كلماته انتزاعاً:
“ت… تقصد بذلك…”
“نعم.”
أجاب الزعيم، وقد سطع بريق عينيه وهو يواجه أتباعه بنظرة حادة، معلناً:
“سأستعيد مقامي.”
“……!”
“……!”
اضطربت أنفاس غاون ودوفيل. إنه ما تمنياه دهراً طويلاً.
قلب موازين هذا البلد… وعودة ولي العهد المخلوع، كيم غانغدو، إلى مكانه الحق.
إلا أن الزعيم قد أجّل هذا القرار مراراً. كان له ما يبرر تردده.
أولاً: لم يمضِ على انقضاء الحروب إلا أعوام قليلة، وكان يرى أنه لا يليق أن تُحرق أرض دايهوك من جديد، ولا أن يُلقى بالشعب مرة أخرى إلى أتون الموت، قبل أن تندمل جراحه السابقة.
ثانياً: أن الملك القائم لم يكن سوى أخيه غير الشقيق، الصغير الذي أحبه منذ طفولته. ولأنه رجل رقيق القلب، فقد تهيّب أن يسفك دمه، وصعب عليه أن يقتله رغم كل شيء.
“جلالته… لم يكن ليختار هذا الطريق بإرادته.”
“إنما هو أسير لباك آنسونغ.”
“فإن أُبعد باك آنسونغ وحده… فلابد أن جلالته سيعود إلى رشده.”
كان الزعيم يؤمن بذلك حقاً.
لقد كان يرى أن عدو دايهوك ليس سوى أسرة باك آنسونغ وحدها.
ولذلك، حاول أن يعين الناس بطريقته الخاصة من خارج القصر، وأن يُغنيهم بقدر ما يستطيع، على أمل أن يعي أخوه يوماً أنه لا يجوز له أن يضطهد شعبه.
لكن الآن، أدرك… أنه لم يعد ثمة متسع للانتظار.
“لقد تعهدت أن أحمي. ولذلك سأبني القوة التي تمكّنني من الوفاء بعهد الحماية. سأقاتل كي لا نحيا هاربين بعد اليوم.”
“…….”
“سأقاتل وأنا عازم على الموت. وبذلك، سأحيا… وسأجعل الآخرين يحيون. سأحيا أنا، وأنتم، وكل من في هذه الأرض، وحتى تلك الطفلة.”
وانتقلت نظرات الزعيم إلى الخيمة المجاورة، حيث تنام الطفلة الآن بسلام، تتنفس بأنفاس هادئة.
فأشرق في عينيه بريق حنان مفاجئ.
“أريد أن نصنع عالماً لا نضطر فيه إلى الفرار مجدداً… عالماً لا يولد فيه جائع جديد ولا مضطهد آخر. وحين يجيء ذلك اليوم، أريد أن نكون قادرين جميعاً أن نقول: عشنا بغير خزي، وقاتلنا بغير خزي.”
“…….”
“وعدم إدارة ظهري لتلك الطفلة كان البداية. سأصنع مستقبلاً آخر لأجلها… من أجلكم جميعاً أيضاً. فهلمّ.”
ثم التفت إليهما الزعيم وختم كلامه:
“أعيناني بقوتكما.”
ساد صمت قصير.
لكن التردد لم يدم طويلاً.
فما كان من الاثنين إلا أن انتفضا واقفين في اللحظة نفسها.
“نحن… نطيع الأمر.”
وركعا على ركبتيهما، معاهدين بالولاء.
وكانت تلك بيعة لملك جديد.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 37"