الفصل 35
‘سريع!’
كان يحرك قدميه بسرعة هائلة، وكأن تدريبه اليومي في الجبال لم يذهب هباءً.
أما أنا، الملتصقة بين ذراعيه، فلم أجرؤ حتى على فتح عيني.
الريح العاتية كانت تصفع وجهي، وتخترق أذني بحدة مؤلمة.
“أسرعوا باللحاق! هيا!”
لكن من يطاردوننا لم يبدو أنهم سيتخلّون عن المطاردة.
هييييينغ-!
حتى وقع حوافر الخيل الثقيلة أخذ يقترب أكثر فأكثر.
‘إنهم يطاردوننا على ظهور الخيل. إن استمر الحال هكذا فسوف يدركوننا سريعاً!’
رفعت بصري نحو الزعيم وأنا أشد قبضتي بعصبية.
كان العرق البارد يتصبب من جبينه، والدم ينهمل بغزارة من ظهره حيث استقرت السهام.
‘ما العمل؟ هل يمكننا الاستمرار في الهرب على هذه الحال؟’
كنت أعض شفتي بشدة من فرط القلق والاضطراب.
لحسن الحظ أنهم لم يروا وجه الزعيم بعد، لذلك لم يتعرفوا عليه.
لكن إن وقعنا في قبضتهم، فلن يطول الأمر قبل أن يُكشف أنه ولي العهد المخلوع كيم غانغدو.
‘ربما الأفضل أن أطلب منه أن يتركني ويهرب وحده…’
وبينما كانت هذه الفكرة القاسية تخطر ببالي…
“كخاخ!”
“كاه!”
“من هناك!”
انغرزت فجأة سهام في صدور أولئك الذين كانوا يلاحقوننا بدقة.
أدار الزعيم رأسه بسرعة ليتأكد.
“سيدي، أسرع بالذهاب!”
“لقد تأخرتَ.”
لقد كان كيم غاون.
ذلك الرجل الذي يشبه ثعلباً عجوزاً عاش ألف عام، والذي كنت أشعر نحوه دوماً بمسافة نفسية.
لكن الآن، في مثل هذا الموقف، لم أشعر بفرح أعظم من رؤيته!
“سأتولى استدراجهم! نلتقِ عند مدخل الجبل.”
“كن حذرًا.”
لم يجب غاون بعدها، بل أطلق السهام على الأعداء وهو يركض بسرعة خاطفة.
أما الزعيم فلم يتردد، فاندفع يركض بي بين ذراعيه بأقصى ما أوتي من سرعة.
“هاه…”
لا أدري كم ركضنا، حتى تأكد الزعيم من أن لا أحد يتعقبنا، فتوقف خلف جدار منزل مهجور يلهث قليلاً.
لكن…
“هناك! ذهب من ذاك الاتجاه!”
لم يطل وقت التقاط الأنفاس.
وللوصول إلى مدخل الجبل حيث وعد غاون، شق الزعيم طريقه بين بيوت القرية وهو يركض بسرعة.
‘مدخل الجبل!’
لم يعد في داخلي أي أثر لذكريات محاولاتي المستميتة للهرب من هنا من قبل.
الآن لم يكن في قلبي سوى شعور غامر بالارتياح!
“ها هو هناك!!”
لكن في تلك اللحظة، طوقتنا تماماً فرقة فرسان باك جو تيك الذين طاردونا حتى النهاية.
الشيء الوحيد الذي كان يعطينا بصيص أمل هو أن غاون كان يركض بكل قوته من بعيد باتجاهنا.
ومع ذلك، كان واضحاً تماماً…
أننا من حيث العدد، في وضعية خسارة ساحقة.
‘ما العمل؟’
وبينما أغمضت عيني بقلق شديد…
پاپاپاپاك-!
سمعنا فجأة صوت السهام وهي تنغرس، لكنها لم تتجه إلينا، بل أصابت أولئك الذين يطاردوننا!
“سيدي الزعيم!!”
كان ذا ملامح صارمة، وعضلات ضخمة وجسد برونزي.
إنه نائب الزعيم كيم دوفيل.
وفوق ذلك، كان أعمامها والعم سادو يتبعونه خلفه!
وعلى الرغم من أنني لم أرهم منذ زمن، إلا أنني تعرفت عليهم على الفور.
“ارموا السهام!”
“آآآه!”
پاپاپاپاك-!
كان دوفيل يحمي الزعيم بكل عناية، بينما كانت فرقة الرماة التي يقودها تصيب الأعداء بدقة قاتلة.
“غااااه!”
ممسكاً بسيف ودرع، انقض دوفيل بسرعة مذهلة نحو الأمام، وشق طريقه بين الأعداء كأنما يطير، قاطعاً أعناقهم بلا تردد.
‘رائع!’
كنت أرتجف وأنا أراقب كيف كان يسقط الكثيرون مع كل ضربة من سيفه.
حينها شد الزعيم ذراعيه حولي أكثر، يحتويني في صدره.
“اترك الأمر لي هنا. أنت أسرع بالذهاب!”
“احذر أن يتعقبك أحد.”
“أمرٌ مفهوم! اتبعوا الزعيم!”
مع صرخة دوفيل، انطلق الزعيم مرة أخرى يركض عبر طرق الجبل.
وكأنهم يحرسونه، رافقه عدد كبير من اللصوص يحملون شتى أنواع الأسلحة.
پاك-!
“كخاخ!”
سمعنا صرخات بعضهم حين سقطوا مصابين بسهام طائشة.
‘لا! هذا سيء!’
أخذت أتحرك باضطراب بين ذراعيه، لكن الزعيم ضغط برأسي إلى صدره حتى لا أرفع وجهي.
“سيدي الزعيم!”
بينما كنا نركض، دوّى صوت غاون الذي لحق بنا متأخراً.
حتى وهو على صهوة جواده، كان يشد القوس ويطلق السهام، فيسقط كل من كان يطاردنا واحداً تلو الآخر.
تعلقت أكثر بذراعَي الزعيم وأنا أتابع تلك المعركة التي كانت أشد ضراوة مما توقعت.
إحساس خانق بالذنب كان يلتف حول جسدي كله.
‘كل هذا… فقط من أجل إنقاذي….’
كانت رائحة دم الزعيم، النافذة إلى رئتي كخنجر، تمزق قلبي ألماً لا يحتمل.
***
بريق-!
وحين فتحت عيني من جديد، وجدت نفسي ممددة في مكان مألوف.
‘لقد عدت إلى معسكر الجبل!’
سقف كوخ خشبي،
جلد نمر مفروش على الأرض،
أثاث بسيط بدا وكأن اللصوص قد صنعوه بأيديهم،
صخرة ضخمة موضوعة في الوسط، وأسلحة متناثرة هنا وهناك،
وحتى النسيم العليل الذي يحمل عبق الجبال ويداعب أنفي.
كل شيء كان كما هو من قبل، لم يتغير شيء… باستثناء أن حجم الفراش الموضوع تحتي قد زاد بعض الشيء، ربما لأني كبرت قليلاً.
‘أين الزعيم؟’
نهضت بسرعة وأنا أبحث بعيني عنه، متذكرة أنه كان مصاباً.
وما إن فُتح باب الكوخ حتى دخل شخص فجأة.
“عم…؟”
لقد كان العم سادونغ!
ويبدو أنه جاء بتكليف للعناية بي، إذ كان يحمل في يده منشفة مبللة.
توك-!
لكنها سقطت من يده على الأرض، ثم قفز من فرط تأثره.
“يا إلهي! الصغيرة! الصغيرة عادت!! تعالوا جميعاً وانظروا!!”
صرخ حتى احمر وجهه، فما لبثت أن اندفعت وجوه مألوفة مسرعة إلى الداخل.
“آه، آه! الصغيرة!”
كان أول الواصلين العم مالتونغ، الذي جلس على الأرض فجأة وكأن ساقيه فقدتا قوتهما.
“تنحّ قليلاً!”
“دعني أمر!”
قفز بعض اللصوص فوقه بخفة، ثم تدفقوا إلى الكوخ جماعات جماعات.
لقد هرعوا في عجل كبير لدرجة أن بعضهم دخل حافياً دون أن ينتعل حذاءه.
“لقد عدتِ حقاً!”
“يا إلهي، كم كبرتِ.”
“يا إلهي، هل كنتِ تأكلين جيداً؟ تبدين أنحف بكثير!”
“كيف احتملتِ مثل هذا البلاء؟ هاه؟”
“صغيرتي! أما زلتِ تذكرين عمك؟ هاه؟”
“هَه، وكيف لها أن تذكرك؟ أتذكر أنت نفسك ما حدث حين كنت بعمر سنة؟”
“قد تتذكر! صغيرتنا عبقرية! أليس كذلك؟ تذكريننا، أليس كذلك؟”
ظل أولئك اللصوص الأشعثون يتشاجرون فيما بينهم ويذرفون مشاعرهم المتدفقة، حتى أحاطوا بي من كل جانب كجدار بشري، يحدقون بي بأعين متوهجة.
أما أنا…
“ههي.”
لم أتمالك نفسي من الضحك بخفة.
“ه-هي تضحك؟”
“يا سلام، ما أجمل ضحكتها.”
“هل أسعدكِ لقاء أعمامكِ إلى هذا الحد؟”
“نعم.”
“……?!”
توقف اللصوص عن الثرثرة فجأة، وقد عقد الدهش ألسنتهم، ويبدو أن السبب كان كلمتي القصيرة.
حينها ابتسمت من جديد وأنا أراهم على تلك الحال.
‘حقاً… لم أتصور أنني سأكون سعيدة هكذا برؤيتهم من جديد.’
الغريب أن هؤلاء الرجال بدوا لي كما كانوا حين التقيتهم لأول مرة، لكنني الآن لم أعد أشعر تجاههم بالخوف أو الضيق.
‘ربما لأن المكان يضج بالحياة؟’
ففي حياتي السابقة، لم يكن لدي سوى ذكريات عن غرفة ضيقة أقضي فيها أيامي وحيدة.
حتى في طفولتي مع والدي، وحتى في أيامي حين كنت أتشبث بالعمل بلا هوادة…
كلما عدت إلى البيت، لم يكن يستقبلني سوى صمت بارد يلفني.
لعل ذلك السبب في أن…
‘هؤلاء الناس… هذا المكان… هذه الأجواء….’
رغم أنني شعرت بهم غريبين مثقلين عليّ حينها، إلا أنني…
‘أظن أنني كنت أفتقد هذا بالفعل.’
ارتسمت على وجهي ابتسامة عريضة.
ثم رفعت بصري نحو اللصوص المحيطين بي وقلت:
“لقد عدت، يا أعمامي.”
“خخخخ!!”
صرخ بعض اللصوص بأصوات غريبة، ثم أمسكوا صدورهم وسقطوا جالسين على الأرض بقوة.
بينما وقف آخرون مذهولين، تحدق أعينهم في الفراغ.
“صغيرتي!!!”
“لن ندعكِ ترحلين… حتى لو متنا!”
“كيف أتركك تذهبين عني…!”
“إن كنتِ سترحلين…!”
“اخرجوا.”
تواصلت العبارات المليئة بالشجن، وكأنها مقطع من أغنية حزينة لا نهاية له.
لكن لحسن الحظ، حسم صوت حازم الوضع
“الزعيم هنا!”
اصطف اللصوص على الفور إلى جانبين بانتظام، فاتحين طريقاً مألوفاً أمام الزعيم.
التعليقات لهذا الفصل " 35"