تنفّس باك جو تيك الصعداء، ثم رفع يده بخفّة إلى الأعلى.
عند تلك الإشارة، أعاد المحارب سيفه إلى غمده وتراجع خطوة إلى الوراء.
“أوي، يكفي أن تنهض الآن. لِمَ تركع هكذا أيضاً؟ ومهما كان الحال، هل تظن أنّي سأمد يدي على ابنك؟ كم أهتم بك أنا في الأصل!”
ابتسم وهو يضحك بمرح، ثم ربّت على كتف إيم دايسنغ.
كان إيم دايسنغ يرتجف رعباً، لا يعرف ما يفعل.
“يا… يا سعادة الدايغام…”
“لا تقلق. أنا أعرف قلبك جيداً، وأتفهمه. صحيح أنّها خادمة، لكنها إنسان، فكيف يمكن فصلها عن ابنتها بالقوة؟ لذلك خصيصاً من أجلك فعلت ما فعلت. راحة بالك هي راحتي، أتفهمني؟”
“…….”
“أيعقل أنك لم تستوعب بعد مدى عمق قلبي هذا؟”
حقاً، كلام لا يليق إلا بمجنون.
طَق. سُمِع صرير أضراسه وهو يعضّها بقوة، عاجزاً حتى عن المقاومة.
“لِجلالتك… أرفع رأسي شاكراً على نعمة كالسماوات.”
انحنى إلى الأرض حتى التصق جبينه بالتراب، مؤدياً تحية مذلّة.
لم يكد يُنهي كلمات شكره المتكسّرة حتى ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي يونغسان، راضياً.
“خذوا الطفلة.”
سحب–.
أومأ الحارس الذي رفعني برأسه مطيعاً، وسار إلى الأمام.
لم أتمالك نفسي، فانفجرت بالبكاء من فرط القلق الذي لم أحتمله.
“هُوُه، أوووه، أواااه…!”
وقبل أن أصرخ باكية أكثر، تقدّمت زوجة إيم هيونشيك فجأة إلى الأمام.
“ماذا تفعلين!”
رغم زجر المحارب المرعب، قالت برجاء وبصوت متوسّل:
“أردت فقط أن أُعطي الطفلة شيئاً ضرورياً لها. إن أمسَك بهذا، لن تبكي.”
“…ما ذاك؟”
“قطعة قماش. إنها تحب هذا الحرير كثيراً. انظروا، ألم تتوقف عن البكاء بمجرد أن رآتها؟ هل يمكنني ربطه حول معصمها؟”
تردّد الحارس قليلاً، ثم أومأ قصيراً بالموافقة.
عندها هرعت مسرعة، وربطت حول معصمي القماش الذي تشاركته مع الزعيم.
غير أنّ أصابعها كانت ترتجف بشدة وهي تلفّه ثلاث مرات وتشدّ عقدته بقوة.
والدموع كانت تسيل من عينيها بلا توقف.
“ستكون بخير. ستكون بخير… لا تبكِ، أتفهمي؟”
همست لي كأنها تردّد تعويذة.
كانت تظن أنّ بكائي الشديد قد يزيد احتمالية إيذائي.
حدّقتُ في يدها التي تربط القماش على معصمي.
ثم مددت يدي الصغيرة، ووضعتها فوق يدها.
ارتجفت فجأة، ورفعت رأسها لتنظر في عيني.
“أنا بخير. لا تقلقي.”
قصيرة كانت المدة، لكنهم قد اعتنوا بي.
حتى إن غادرت، أردت أن أوصل لهم كلمات شكر.
‘حتى لو أخذني ذلك المجنون، فلن أستسلم بسهولة أبداً…’
مسحت دموعي بعزم.
ارتبكت قليلاً وهي تحدّق في وجهي المتماسك، ثم شهقت تبكي وأطبقت فمها بيدها.
“هيا بنا!”
دفعها الحارس عن كتفها، ومضى بخطوات سريعة.
“أمّاااه…!”
وأنا في أحضان الحارس، أبصرت آخر مرة وجوه آل إيم دايسنغ وهي تبتعد.
صرررغ.
ما إن أُغلِق الباب حتى دوّى من الداخل صوت أنين متألم.
كان بكاءً مريراً، صراخَ ذوي الضحايا الذي سمعته حتى في حياتي السابقة. لم تعد أونيوني في هذا العالم.
لقد رحلت وهي تحاول حمايتي…
تذكرت صدر أونيوني الدافئ الذي كان يضمني بحنان.
شدَدتُ بيدي على قماش القدر الملفوف حول معصمي.
ثم خطرت ببالي كلمات الزعيم الأخيرة.
“لو حدث لا قدّر الله، أن تقعي في خطر جسيم…”
“ضعي هذا القماش أمام الباب الكبير.”
“مهما حصل… سأعلم بذلك حتماً، وسآتي إليك.”
حين نصل، لن أتأخر لحظة عن رمي هذا القماش أمام البوابة.
***
“سيدي الزعيم، لنعد إلى المقر الآن.”
وقف غاون في وجهه، حاجباً بصره.
لكن الزعيم دفعه جانباً بهدوء.
“سأنظر قليلاً بعد.”
لا يزال بصره متجهاً نحو البيت ذي القرميد أسفل التل.
ذاك البيت… الذي ترك فيه الطفلة قبل أشهر.
تنفّس غاون بعمق ومسح وجهه بيديه جافلاً.
‘كيف آلت الأمور إلى هذا الحد؟’
لقد كان من الجيد التخلي عن الطفلة.
لكن المشكلة بدأت بعد ذلك.
فعلى الرغم من عودتهم إلى المقرّ الجبلي، لم يعد الزعيم كما كان.
تناقص طعامه، ونومه، وتدرّبه، وكلامه… كل شيء انخفض بشكل ملحوظ.
إلى حدّ أنّ صحته تدهورت، وصار وجهه أشحب من ذي قبل.
ومرّ شهران على هذا الحال، حتى لم يستطع الزعيم أن يتمالك نفسه، ففتح فمه وقال:
“يجب أن أذهب لأطمئن إن كانت الطفلة بخير.”
كان للمقرّ الجبلي قواعد صارمة.
فإلى جانب الاستعداد للخروج أو الاستطلاع من أجل النهب، لم يكن يُسمح أبداً بالنزول إلى القرى.
فهم في النهاية مطاردون من قِبل الجنود الحكوميين، ولا خيار لهم سوى الالتزام.
لكن الزعيم كسر هذه القاعدة مرّتين.
المرة الأولى حين خاطر من قبل لإيجاد عائلة تتبنى الطفلة، والآن مرة أخرى…
*م-لانها بنته الحقيقية٠٠٠٠*
‘أتراه يقول إنه سينزل فقط لأنه يشتاق لرؤيتها؟’
اختلق الزعيم ذريعة، مدعياً أنّه يريد شراء بعض الضروريات بنفسه، لكن غاون لم يصدّقه.
‘كان عليّ أن أدرك الأمر منذ ذلك اليوم العاصف حين خاطر بحياته متسلقاً الجدار الجليدي.’
أحسّ غاون بشعلة تتأجج ثانية في عينيه.
فالزعيم لم يكن سوى رأس عصابة قطاع الطرق التي جمعت خيرة المقاتلين، وهو ولي العهد المخلوع كيم غانغدو، بطل الحروب السابق.
ولذلك فإنّ القوى المؤيدة له تنتشر في أنحاء البلاد، وكلّهم يجمعون على أنّ الأمل الأخير لتجاوز هذا الزمن المضطرب يكمن في ولي العهد المخلوع كيم غانغدو.
وبالنسبة لشعب مملكة دايهوك، وللأجيال القادمة، كان شخصية محورية لا بديل عنها.
‘وهذا الرجل يغامر بحياته من أجل طفلة مجهولة الأصل والمنشأ…؟’
أما غاون، المخلص للزعيم إخلاصاً تاماً، والعاقد العزم على إسقاط السلالة الملكية، فلم يكن الأمر بالنسبة له إلا مدعاةً للارتباك والغضب.
لذلك شعر بالارتياح حين أُبعِد الطفلة، آملاً أن يعود الزعيم إلى ما كان عليه سابقاً.
لكن الزعيم استمر على حاله نفسه لأشهر، حتى صار غاون على وشك الجنون.
“سيدي الزعيم، أرجو أن تنتظر قليلاً بعد، أليس كذلك؟”
ذلك الصباح، ولأنهم لم يستطيعوا ترك المقرّ خالياً أكثر من ذلك، تقرر أن يعود دوفيل أولاً. أما الزعيم فقد خرج متأخراً قليلاً مع غاون إلى التل.
لكن الزعيم لم يجب على إلحاح غاون. وقبل أن يعاود غاون الحديث، تكلّم الزعيم بوجه متجمّد.
“هناك أمر غريب.”
“ماذا؟!”
“لا أرى الطفلة. بل يبدو أنّ أحدهم مات. أسمع بكاءً، وأرى آثار دماء خفيفة. وأيضاً… أمام البوابة آثار حوافر خيل كثيرة. لا شك أن أحدهم جاء ورحل.”
انعقد حاجباه بقلق شديد.
“غاون، اذهب فوراً إلى السوق، واستعلم عمّا حدث هنا. فلا بد أن الأخبار قد انتشرت بحلول الآن.”
ابتلع غاون تنهيدة، ثم انحنى مطأطئ الرأس.
‘هل يمكن أن يحدث أمر جسيم في قرية بائسة كهذه؟’
لكن بما أنّ الطفلة لم تعد ضمن مسؤولياتهم، لم يكن ينوي معارضة أمر الزعيم.
“نعم. سأعود بسرعة. رجاءً انتظر قليلاً…”
“سأتبع آثار الحوافر لمطاردة من أخذوها. وسأترك علامات لتعرف مكاني، فبمجرد أن تنتهي تعال إليّ.”
ارتسمت الدهشة على وجه غاون.
“ولكن، سيدي الزعيم… لا نملك أي معلومات مؤكدة بعد، وإن تحركت الآن…”
هوووش–!
لم يُمهله الزعيم حتى يتم كلماته، إذ قفز فجأة واختفى في طرفة عين.
عضّ غاون شفته السفلى وهو يتبعه بعينيه.
“كما توقعت… بمجرد أن يتعلق الأمر بتلك الطفلة، يفقد صوابه.”
ثم استدار غاون بوجه بارد قاسٍ.
مهما كان الثمن…
عليه هذه المرة أن يقطع صلة الزعيم بتلك الطفلة إلى الأبد.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 31"