لم يكن يونغسان يتوقع هذا السؤال، فارتفعت حاجباه وظهر على وجهه أثر خفيف من الارتباك.
غير أنه سرعان ما محا تعابيره وأطلق زجرًا صارمًا.
“أتسأل لأنك تجهل؟ ألم أقل لك عشرات المرات؟ إنه أمر لازم للإمساك بالخائن كيم غانغدو!”
كيم غانغدو.
ولي العهد المخلوع الذي يُشاد به كبطل.
لقد أُرسل إلى ساحة المعركة، وفي تلك الأثناء حشد يونغسان الجنود ونصّب أخاه الأصغر، أي حفيده، على العرش.
لكن المشكلة أن انتصاراته المتكررة في الحرب الطويلة مع القوى الخارجية لا تزال تُذكر حتى اليوم، وما زال الشعب يرفعه على الأعناق.
لذا، كان على يونغسان أن يقبض عليه بأي ثمن.
فهو، الحاذق في قراءة الموازين السياسية، كان يدرك أنه ما دام كيم غانغدو حيًّا، فسيأتي يوم يقف فيه حجر عثرة في طريقه.
‘يقال إنه الآن، فرارًا من الملاحقة، اختبأ مع رجاله في الجبال وصار منقطِعًا كقاطع طريق…’
لكن لا أحد يدري.
ذلك الوحش الذي يشبه اليَكشا قد يشهر سيفه في أي لحظة نحو عنقه.
ولما طالت مدة البحث دون جدوى، إذ بالقدر يمنحه فرصة غير متوقعة.
“إنها نسخة من كتاب فنون الحرب التي دوّنها الدوهيول وهو في الخامسة، بناءً على ما تفوّه به حينها.”
نعم، لقد كان ابنه الأصغر عبقريًّا في فنون الحرب.
وما إن أدرك موهبته حتى بدّل خطته.
فأنزل ابنه بنفسه إلى هذه المنطقة الوعرة التي يُعرف أن كيم غانغدو كثيرًا ما يظهر فيها، وألحق به عبيدًا أقوياء ليمسحوا تضاريس الجبال ومنعرجاتها.
‘لكن، كيف له الآن أن يحدّق في عيني مباشرة ويطرح علي مثل هذا السؤال؟’
كان منذ صغره مطيعًا وديعًا، يتبع أوامره دون اعتراض.
لذا، لم يتخيل يومًا أن يسمع منه مثل هذا الكلام.
‘ما الذي تغيّر فيه يا ترى؟’
وبينما كان يونغسان يراقب ابنه بعين فاحصة، يلتقط أنفاسه، تكلّم باك دوهيول من جديد.
“نعم. أعلم أن الهدف من وضع كتاب فنون الحرب هو القبض على الخائن كيم غانغدو. غير أني… سمعت شيئًا. قيل إنه يوزّع الأرز على الشعب الجائع.”
“ما الذي تهذي به الآن؟”
ارتعشت أطراف يونغسان قليلًا عند سماع هذا القول المستهجن الذي خرج من ابنه.
“ساورتني الشكوك يا أبي. هل حقًّا، قتل ذلك الرجل يُعد عملًا في إنقاذ الأبرياء وحماية الضعفاء؟”
لم يُجب يونغسان سريعًا، بل عضّ على شفتيه صامتًا.
أما دوهيول فلم يتراجع، بل قبض على كفيه بقوة وتابع:
“قلت إن كتاب فنون الحرب ضروري للإمساك بكيم غانغدو. وأنا طوال الليلة الماضية فكرت كثيرًا في الأمر. شعرت أني كتبت ذلك الكتاب بدافع أن يكون قوة تحمي شعبنا. لكن… هل حقًّا الإمساك بكيم غانغدو هو السبيل لحماية الشعب…؟”
تـــشـــااااااانغ!
لم يستطع دوهيول إتمام كلامه.
فكوب الشاي الذي انطلق من يد يونغسان مرّ بمحاذاة أذنه ليصطدم بالجدار ويتحطم إلى شظايا متناثرة.
تسلل إلى ذهنه خاطر مرعب: ‘لو ارتفع قليلًا فقط، لكانت جمجمتي هي ما تحطّم، لا الكوب.’
ارتجفت يداه بلا توقف، وحاول أن يفتح فمه فلم يخرج منه صوت.
كل ما استطاع فعله هو ابتلاع ريقه بصعوبة، وهو يواجه نظرات والده المشبعة بالغضب.
“أ… أبي…”
“اصمت. لن أمنحك فرصة للصفح ثانية.”
طرقعة! لقد لامست يد يونغسان محبرة الحبر أمامه.
“هل الأمر بسبب تلك الطفلة؟ هل ما تفعل الآن مردّه إليها؟”
راح يحدّق فيه بعين ثاقبة لا تغفل عن شيء.
“ماذا… ماذا تقصد؟”
وفي لحظة قصيرة، خانه وجهه وأفلت منه تعبير فضح ما في داخله.
عندها ضحك يونغسان بقهقهة باردة وقد أدرك الأمر.
“لابد أن أعرف من أي بيت هي تلك الطفلة، لأعاقبها بما تستحق. ذنبها أنها تجرأت على إفساد عقل ابن أسرة باك آنسونغ! أيها الحرّاس! أحضروا لي ذلك الخادم الذي أعاد الطفلة إلى بيتها!”
“أبي! ليست للطفلة أي ذنب! إنها ليست سوى طفلة، بالكاد في عمر المشي!”
صرخ دوهيول بوجه شاحب.
“أرجوك، تروّا…”
“لا جدوى.”
مدّ باك آنسونغ يده تحت الطاولة وأخرج منها سوطًا من شجر القضبان البيضاء.
“سأبدأ بعقابك أولًا. تعال وارفع سروالك.”
“تلك الطفلة لم تفعل بي شيئًا! حتى الماء لم تسكبه عمدًا! كل ما حدث أننا تبادلنا بضع كلمات، لا أكثر، لا أقل!”
“كلمات؟ حسنًا قلت! أخبرني إذن، ماذا قالت لك تلك الآثمة؟”
للحظة فكّر أن يلزم الصمت. لكنه أدرك أن لا فائدة.
‘أبي يعرف كل ما يجري في هذا البيت. وسيعذّب الخدم حتى ينتزع منهم أدق التفاصيل عما جرى بيني وبينها.’
إن كان الأمر كذلك، فقد رآه أخف ضررًا أن يبوح هو بنفسه، عسى أن يخفف ذلك من غضب أبيه.
شدّد دوهيول على صوته بكل ما فيه من رجاء وهو يحاول تبيان أن الطفلة بريئة، ثم قال من جديد بلهجة متضرعة…
“آه، لا معنى لها… لم تكن سوى كلمات عابثة قد يقولها طفل صغير. لقد قالت لي فقط أن أعيش وأفعل ما أريد… لذلك انغمست في تفكير وحدي، أتساءل إن كان حقًّا ما أفعله هو ما أريده. هذا لا يعدو أن يكون رأيي وحدي.”
“أن أعيش وأفعل ما أريد؟ هكذا قالت؟ وهي بعدُ طفلة في عمر المشي، لا يُنتظر منها حتى أن تنطق كلامًا صحيحًا؟”
“ذلك هو…….”
وبينما دوهيول متردد لا يجد جوابًا، خطرت في ذهن يونغسان ذكرى قديمة.
‘حين يولد طفلي مستقبلًا… أريد أن أجعله يعيش ويفعل كل ما يشاء. ومن أجل ذلك سأبذل كل ما بوسعي.’
كان ذلك كلام رجل، وهو ولي عهد، كان يجدر به أن يحمل عبء العرش ويورثه لابنه، لكنه لم يكن يفعل سوى إطلاق مثل هذه الترهات الحالمة.
رجل كان يعتقد دائمًا بوجوب خدمة رجاله بإخلاص، ومعاملة الشعب كالأب الراعي.
بل إنه كان، كعجوز مترهل، يتصفح كتب التربية بحجة أنه يريد الاستعداد لطفله الذي سيولد قريبًا.
ذلك الرجل لم يكن سوى كيم غانغدو، أكثر من أبغضه يونغسان في هذه الدنيا.
ولكن، لماذا؟
ما إن تذكر كيم غانغدو حتى انبثق في ذهنه، كأنه مشهد كاذب، وجه الطفلة التي صادفها في السوق قبل أيام.
كأنها… الطفلة نفسها التي أمر بقتلها قديمًا قد عادت حيّة أمامه.
‘مستحيل. تلك الطفلة قتلت بأمري يقينًا.’
شعور لا يُطاق من الغصة والقلق أخذ يملأ صدره.
كان في وسعه أن يسأل دوهيول مباشرة، وهذا أضمن.
ولكن…
‘لا. هذا الولد، لم يعد بوسعي أن أثق به تمامًا.’
صرخ يونغسان فجأة منادياً من بالخارج:
“أيها الحرّاس! أدخلوا عليّ خادم دوهيول حالًا! ثمة أمر لا بد أن أتحقق منه بنفسي!”
“أمرُك، يا مولاي! سأحضره في الحال!”
دَرَرَك–!
وما إن صدر الأمر، حتى بدا كأن الرجل كان ينتظر منذ البداية، إذ دخل ساميونغ على الفور.
“مولاي الداهية…! أنا ساميونغ بين يديكم!”
نظر دوهيول بوجه قلق إلى ساميونغ ثم إلى أبيه، يتناوبه الاضطراب.
فقد راوده الخوف من أن ينطق الخادم بكلام قد يضر بالطفلة.
“ثمة سؤال أطرحه عليك. سمعت أن تلك الطفلة التي جاءت البارحة أصيبت بكاحلها، فاستدعيتُم طبيبًا لعلاجها. أهذا صحيح؟”
“نعم، صحيح يا مولاي!”
“إذن… في ظهر قدمها، ألم يكن ثمة شيء مميز؟”
تجعد جبين ساميونغ وهو يسترجع ذاكرته، ثم أشرق وجهه وتكلم جازمًا:
“نعم! كان هناك! شامة على شكل نجمة، يا مولاي!”
“……!”
في تلك اللحظة، تبدلت نظرات باك آنسونغ فجأة.
ترك السوط من يده ونهض واقفًا دفعة واحدة.
“أمتأكد أنت؟ دوهيول، وأنت؟ ألم ترَها بعينيك؟”
كان هيبته مهيبة مخيفة، لكن دوهيول شعر بغريزته أن قول الحقيقة سيجلب كارثة، فارتجل ردًا مراوغًا:
“أما أنا… فلم أرها جيدًا يا أبي…….”
“إذن نذهب حالًا لنتحقق بأنفسنا. أين بيت تلك الطفلة؟ هيا، تكلم فورًا!”
“كان… كان بيت النبيل إيم دايسنغ، صاحب الرتبة الخامسة يا مولاي.”
“أيها الحرّاس! أما زال أحدكم بالخارج؟”
بَغتة–!
قفز يونغسان واقفًا دفعة واحدة.
ومشهد استعجاله العاجل، كأن الأمر خطر جسيم، جعل دوهيول يتمايل للحظة ثم ينهض مسرعًا بعدما كان جاثيًا.
“سأذهب الآن لرؤية ذلك الرجل إيم دايسنغ بنفسي! أرسلوا الإشعار وهيئوا لي الحصان فورًا! بسرعة!”
أطلق باك آنسونغ أوامره بصوت مدوٍّ، وقد بدا أن حال ابنه لم يعد له عنده أي اعتبار.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 29"