كان واضحًا أن كل ما اشتراه اليوم سيتركه في منزلي الجديد بعد التبنّي.
لكن… كنت أتمنى لو أنه احتفظ فقط بهذا الشيء عنده.
إن لم يكن يتركني لأنه يكرهني… بل لأنه يفعل ذلك من أجلي.
‘أتمنى أن يحتفظ به، ولو لمجرد أن يعتبره ذكرى قصيرة، دليلاً على أنه قدّر هذه الصلة بيننا.’
بهذه الأمنية في قلبي.
ظل الزعيم يتأمل القماش بين يديه بوجه مليء بالأفكار، ثم أخيرًا تناوله مني بحذر.
ها… وكأنه زفر نفسًا ثقيلًا كان حبيس صدره.
‘الآن… هذه هي اللحظة.’
راقبته بعينين ثابتتين، ثم فتحت فمي.
فإن كان هذا اليوم هو الأخير، فهناك كلمات أردت أن أقولها له مهما كان.
لقد تدربت عليها مرارًا في الخفاء قبل أن نأتي إلى هنا.
“شكـ… رًا.”
ارتجف صوته بدهشة وهو يردد وكأنه لا يصدق أذنيه:
“ماذا… قلتِ؟”
“شكـ…رًا جزيلاً.”
رفعت عيني نحوه وقلت بوضوح مرة أخرى.
كانت هذه أول مرة أنقل له كلماتي الحقيقية بشكل كامل.
“على… رعـايتي.”
“…….”
“شكـ…رًا.”
سحب الزعيم القماش بين يديه، وظل صامتًا للحظات طويلة.
كان وجهه معقدًا جدًا، وكأن الكلمات تثقل لسانه فلا يستطيع النطق بها.
ارتعشت رموشه السوداء الطويلة قليلًا.
فتح شفتيه ثم أغلقهما مرارًا، وكأنه يبحث عن جواب لا يجده.
وفي تلك اللحظة…
“يا زعيم! لقد عدنا!”
“أيعقل أنكم… اشتريتم كل هذا؟!”
ظهر غاون ودوفيل فجأة، ويداهما محمّلتان بالأسلحة الجديدة ولوازم المعيشة.
استعاد الزعيم هدوء ملامحه بصعوبة، ثم التفت إليهما.
“أحضرتما الورق والحبر والفرشاة أيضًا؟”
“نعم، بالطبع.”
أخرج غاون ودوفيل بسرعة الورق والحبر والفرشاة ليريانه.
“جيد. لنذهب إذن. احملا الأغراض.”
“لكن… ما كل هذا الكم الهائل؟! يا زعيم، ما الذي تمسكه بيدك؟ أهو لنا؟”
“إنه لي.”
وحين حاول غاون أن يمد يده ليرى، أسرع الزعيم يخفي القماش الذي كنت قد ناولته إياه.
كان فعله رقيقًا جدًا، أشبه بمن يتعامل مع شيء غالٍ للغاية، وهذا جعلني أشعر بغصة غريبة في صدري.
“لا تشغل بالك بما يخص غيرك. احمل الأغراض فحسب.”
“…نعم، حاضر.”
تمتم غاون باستياء خافت، ثم تعاون مع دوفيل لرفع الأمتعة الثقيلة دفعة واحدة.
وكان المكان الذي توجهنا إليه بعد ذلك…
بطبيعة الحال، منزل والدي بالتبنّي المنتظر.
“انتظروا. سأكتب رسالة بنفسي.”
جلس الزعيم مباشرة على الأرض، بسط الورق أمامه، طحن الحبر بعناية، ثم أمسك بالفرشاة.
سويش- صوت الفرشاة على الورق.
لم أصدق عيني وأنا أرى الخطوط الأنيقة تتشكل على الورق بانسياب.
حتى أنني فركت عيني بيدي الصغيرتين وعدت أنظر ثانية.
‘هل يُعقل أن لصًّا جبليًّا يكتب بخط جميل إلى هذا الحد؟’
لم أستطع فهم جميع الكلمات المكتوبة بالحروف الصينية، لكن شيئًا واحدًا كان واضحًا.
إنه أفضل من رأيت يخط بالفرشاة في حياتي.
‘ما حقيقته أصلًا؟’
حبست دقات قلبي المتسارعة، وغرقت في التفكير.
‘أشعر وكأن شيئًا ما يوشك أن ينكشف لي….’
لكن فجأة، نهض الزعيم بعدما أنهى كتابة الرسالة، فقطع عليّ تدفق أفكاري.
ثم من دون تردد، طوى الرسالة بإحكام ووضعها تحت السلة التي كنت أجلس فيها.
‘صحيح. لن نلتقي مجددًا بعد هذا، فما الفائدة من التفكير الزائد؟’
راقبتُه وهو يجهّز النهاية بسرعة وهدوء، وحاولت طرد أي أفكار أخرى من رأسي.
أخيرًا، وضع الزعيم كيسًا ممتلئًا بالنقود بين كومة الهدايا والملابس بجوار سلتي.
فجأة!
مد يده فجأة وأخرجني من السلة، رافعًا إياي إلى الأعلى.
ثم قابل عينيّ بابتسامة مشرقة.
“لقد حان وقت الوداع.”
آه… لماذا؟
في تلك اللحظة، شعرت للمرة الأولى بصدق أن هذا… سيكون الوداع الأخير.
ربما لأن ضوء الغروب كان يكسوه نصف وجهه.
لكنني وجدت ملامحه الوسيمة تبدو أكثر إشراقًا من أي وقت مضى.
حدقت عيناي إليه بصمت، بينما صدري يوجعني كأن شيئًا يضغط عليه.
لسبب ما، شعرت بحرقة في عيني وبوخز في صدري.
ضغطت بيدي الصغيرة على صدري بقوة.
‘لا… لا يجب أن أضعف. لا أريد أن أكون جزءًا من عائلة مجرمة مرة أخرى…أبدًا، أبدًا…’
أخفيت رجفتي، وأومأت برأسي بإصرار.
حاولت أن أبدو متماسكة قدر الإمكان.
خفضت رأسي كي لا ألتقي بعينيه مجددًا.
سويش.
حينها، لامست أصابع الزعيم يدي الصغيرة.
بإصبعه وإبهامه أمسك بيدي، دون أن يبتعد.
وبلا وعي، شددت قبضتي على أصابعه.
ظل ينظر إليّ بصمت.
حتى أنني رأيت نفسي منعكسة في عينيه السوداوين.
‘أنا… أظهر تعبيرًا حزينًا الآن.’
بعد أن وُلدت من جديد كطفلة.
عندما أرى انعكاسي في عيون الآخرين.
دائمًا ما أشعر وكأنني أرى شخصًا آخر، لا نفسي.
لكن للمرة الأولى…
شعرت وكأنني أرى نفسي من حياتي السابقة، لا مجرد طفلة جميلة ولطيفة.
‘مع أنني أعلم أنني لا أستحق أن أُحَبّ من أحد.’
‘إلا أنني في النهاية كنت أتشبث مجددًا بحب الآخرين، وأعطي قلبي، ثم أبقى وحيدة أبكي بحماقة.’
“أنتِ طفلة مميزة.”
توقفت أنفاسي فجأة عند كلمات الزعيم التي قطعت مجرى أفكاري، فشهقت بعينين متسعتين.
شعرت بالخجل يتدفق حتى احمرّت أطراف أذنيّ.
“لقد رأيت أطفالًا كثيرين طوال حياتي. لم أرعهم بنفسي، لكن… كان لدي إخوة كُثر. وقد شاهدت أطفالًا يموتون وهم عالقون في خضم الحروب أيضًا. لكن… لم أرَ قط طفلة مثلك.”
“…….”
“رغم أنك صغيرة… إلا أنني كنت أشعر دائمًا وكأنك تفهمين كل ما أقول بشكل يثير الدهشة. رأسك الصغير هذا ممتلئ بالأفكار. أما نظراتك حين تنظرين إليّ… فكم تحمل من أشياء عظيمة. كأن السماء والأرض جميعها قد استقرت داخلك. لا أستطيع أن أصف كم كان ذلك عجيبًا وغموضًا.”
…عانقني أخيرًا، رافعًا جسدي الصغير إلى صدره، يحتويني بدفء.
بلمسات خفيفة، بلمسات خفيفة.
كانت يده تمسدني من رأسي إلى ظهري، وما زالت دافئة كما كانت عندما التقينا لأول مرة.
“أه…”
انتهى ذلك العناق القصير والعميق، فابتسم من جديد رافعًا طرف شفتيه.
“أنا من يجب أن أشكركِ على وجودكِ معي كل هذه الفترة.”
قال بوضوح وإخلاص.
“شُـ-كْرًا.”
كانت تلك إجابتي التي لطالما تدربت عليها بجد… كتحية أخيرة.
“انسِي ما حدث في الجبل. شاهدي الكثير هنا، وجرّبي كل ما تستطيعين تجربته. ابحثي عما تريدينه وحققيه، وعيشي بسعادة.”
“…….”
“أنتِ طفلة تستحقين ذلك تمامًا.”
نظرت إلى الزعيم مذهولة للحظة.
كان في نظرته شيء يجمع بين الأسى والفرح معًا،
وحين وصلني ذلك المزيج الغريب من المشاعر، شعرت بوخز مؤلم يمر في صدري.
“لكن إن حدث….”
وفجأة انبعثت منه هالة قاتمة خافتة، وجو من البرودة لفّ المكان.
“لو حدث، ولو بالصدفة، أن وقع لكِ خطر ما.”
إحكام.
أخرج قطعة قماش مربوطة بالأقدار، ولفها حول معصمي الصغير، وربطها بعقدة فضفاضة.
“ضعي هذه عند الباب الأمامي.”
مددت أصابعي أتحسس بحذر القماش الذي شدّه الزعيم.
نقشت بعينيّ النقوش الذهبية المرسومة عليه، مرارًا وتكرارًا، كي لا أنساها أبدًا.
ثم رفع رأسه بهدوء والتقت عيناه بعيني من جديد.
“عندها، ومهما كان الأمر، سأعلم به. وسآتي إليكِ حتمًا.”
أومأت.
لم أدرِ كيف، لكن رأسي انحنى موافقة. ثم…
بإحكام.
مددت يدي وأمسكت بقوة بأصابعه.
هذه المرة نظرت إليه مباشرة، وهززت رأسي بقوة أكبر.
‘شكرًا لك. بصدق. أنا أيضًا أتمنى أن تبقى بخير.’
أردت قول ذلك، مرارًا وتكرارًا.
لكنني كنت صغيرة للغاية… لم أستطع.
“أه…….”
خرج صوت أنين من شفتي بغير وعي، من فرط الاختناق في صدري.
وكأنه أراد أن يقول شيئًا آخر، حرّك الزعيم شفتيه قليلًا، ثم أغلقهما بصمت.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 22"