—
لم تكن تتوقّع أن يكون ذلك الشخص هو هو…
“مـ… مستحيل…”
خرجت الكلمات منها متقطّعة، مشوّشة، غير مصدّقة لما ترى.
فجأة، دوّى صوته العميق من بين جموع الفتيات:
“أيتها المزعجة!”
استدارت بسرعة لتجد أمامها شابًا بملامح مثالية، كأنّه خرج للتو من غلاف مجلة مشهورة.
كان طويل القامة، بشرته صافية، عيناه الخضراء تلمعان ببريق ساخر، وشعره الابيض ينسدل بخفة على جبينه.
ملابس المدرسة كانت عليه وكأنها مصممة خصيصًا له، أزرار قميصه مفكوكة بشكل فني، وربطة عنقه معقودة بإهمال أنيق.
“العـ… عجوز؟!” صرخت بفزع، مشيرة إليه.
أمسك بيدها فجأة، وسحبها بسرعة خارقة نحو المخرج الخلفي للمدرسة، وسط ذهول الجميع.
كانت تجرّ خلفه كدمية، وكل ما استطاعت قوله أثناء الجري هو:
“لماذا تركض كأننا في سباق موت؟!”
توقف أخيرًا عند الزاوية الخلفية للمبنى، ونفخ بضيق:
“كفي عن مناداتي بالعجوز. هنا، أنا مجرد طالب أكبر منك… وأوسم طبعًا.”
قالها بتعجرف وهو يدفع خصلات شعره للخلف.
رفعت حاجبيها وقالت بتهكّم:
“أنت ما زلت عجوزًا… حتى لو لبست ملابس المدرسة! ولماذا ترتدي زي مدرستنا أصلاً؟!”
ابتسم بسخرية، وكأنّه يتلذذ بالصدمة على وجهها:
“أليس واضحًا؟ أبدو وسيمًا فيه، أليس كذلك؟”
أطلقت ضحكة ساخرة:
“آه، ثقة لا تُقهر.”
اقترب منها خطوة وأجاب بجدية:
“أنا هنا لأراقبك. أعطيتك مهلة لتغيير مصيرك… إن فشلتِ، سأسترجع الألبوم.”
شهقت:
“مراقبتي؟! هل جننت؟! أنا لستِ مهرجًا في سيرك!”
أدار ظهره ببطء، ثم دار بجاذبية مفرطة، كأنه نجم أفلام درامية، وقال:
“احترمي نفسك. أنا طالب في صف أعلى، وهذا وحده يكفي لتقفي باعتدال أمامي، وايضا تحدثي معي بالحترام.”
رفعت كتفيها بسخرية:
” نننننننن…. طالب في الأعلى، عجوز في الحقيقة… نفس الشيء.”
زمّ شفتيه:
“اسمي الآن… فريد. ناديني بذلك.”
توقفت لوهلة، تذكّرت فجأة الألبوم… فاقتربت منه، قربت وجهها، ونظرت في عينيه:
“لدي سؤال… لماذا لا تظهر في الصور؟ هذا غريب.”
ابتسم بابتسامة جانبية مشوبة بالغرور:
“أنا صاحب هذا الألبوم. ولا أحب أن أظهر فيه.”
ثم أردف بنبرة ماكرة:
“أنا وسيم جدًا، وإن ظهرت، ستُفتنين بي وتنسين مهمتك.”
ضحكت بصوت عالٍ:
“حقًا، أنت حقا..حقا مغرور.”
وفي تلك اللحظة، كانت عيون الطلاب خلف نوافذ الصفوف تراقبهم…
بعضهم يتهامس، وبعضهم يصرخ:
“من هذا الوسيم؟!”
“هيه! إنها تتقرب من كل جديد!”
“أهذه من تُدعى لفينيا؟ كانت تملك ميكل، والآن روكي… والآن هذا أيضاً؟!”
“سحقا… انا احسدها.”
“واو اريد حياته.. حقا.”
حتى ميرا وميكل وقفا مذهولين، يراقبان المشهد:
“هل… تعرف كل الطلاب الجدد؟” قالت ميرا وهي تنظر إلى ميكل بقلق.
لكنه لم يرد، فقط بقي ينظر نحو لفينيا، وشيء غريب يلمع في عينيه.
—
في الصف
عادت لفينيا إلى صفها، والهمسات تلاحقها، تتسلل من خلف الكراسي، بين الجدران، على ألسنة الزملاء:
“أوه، هل رأتِ كيف كان ينظر إليها؟”
“أعتقد أن فريد وسيم أكثر من ميكل.”
“هذه الفتاة تتنقل بين الفتيان كما تتنقل بين الأحذية!”
لكنها تجاهلتهم.
جلست في مقعدها، أخرجت دفترها، وتظاهرت بالانشغال…
الصف كان هادئًا على غير العادة.
في السابق، كانت ضحكاتها تملأ المكان، مواقفها العفوية، سخريتها من ميكل، تنمرها الظريف على ميرا، وحماسها الذي يشعل قلوب الجميع وحتى المعلمين.
“لفينيا! توقفي عن الكتابة على المقعد!”
“لكنني كنت أشرح نظرية فيزيائية على شكل قصة رومانسية!”
“لفينيا! لا تجلبي قطتك للفصل!”
“لكنها تفهم الرياضيات أفضل من بعض الطلاب!”
أما اليوم… فالصمت كان سيد المشهد.
—
خرج الجميع.
في زاوية المدرسة، رأت ميكل وميرا يسيران معًا.
كان ميكل عادة يتجه مباشرة للتدريب… أما الآن، فقد كان يرافق ميرا، وكأنه يحرسها .
ضحكت لفينيا بمرارة:
“من ما تحميها؟ مني؟بففف سخيف… “
أدارت ظهرها، وانطلقت نحو البوابة.
لكنها لم تكد تبتعد حتى ظهر روكي بجانبها، يحمل حقيبته على كتفه.
“هل يمكنني السير معكِ؟ لقد اشتقت لثرثرتك.”
ابتسمت، قلبها بدأ ينبض مرة أخرى بشيء لا تعرفه:
“حسنًا… لكن لا تندم لاحقًا.”
—
وبينما كانا يسيران، جاءت خلفها همسات خافتة من بعض الفتيات:
“أرأيتم؟ معها روكي الآن!”
“هذه الفتاة مخادعة!”
“إنها متلاعبة، معها ثلاثة فتيان: ميكل، وروكي، والطالب الجديد… ما اسمه؟ فريد؟”
ولوهلة، تداخل الخيال مع الواقع…
تخيلها الجميع جالسة على كرسي احمر فاخر و منصع بالجواهر، فستانها الوردي يلمع كأنها ملكة من عصر الفكتوري، وحولها يقف روكي ممسكًا بيدها اليسرى، ميكل يمسك يدها اليمنى، وفريد يحني رأسه نحوها بابتسامة ساحرة.
الكل ينظر إليها…
بعضهم بغيرة، بعضهم باحتقار…
لكنها لم تَعُد تهتم.
رفعت ذقنها نحو السماء وقالت:
“دعوا الكراهية تأتي. فأنا… لست نادمة على كوني أنا.”
—
التعليقات لهذا الفصل " 9"