—
صرخت لفينيا بدهشة وهي تحدق في الصورة الأخيرة، التي تغيّر فيها مشهد موتها.
الخيانة لم تتغير… لا تزال قائمة.
لكن النهاية؟ لم تعد كما كانت.
في السابق، كان صديق طفولتها هو من يدهسها بسيارته…
أما الآن، فقد استُبدل بشخص غريب، رجل مجهول، وجهه مغطى بالظلال، وكأن مصيرها يُعاد تشكيله من جديد.
أغلقت الألبوم ببطء، تنفست بعمق، ثم غرقت في النوم دون أن تشعر.
—
الحلم
كانت تقف وسط ساحة المدرسة… وحدها.
السماء رمادية، والهواء بارد، والوجوه التي تعرفها تمرّ بجانبها… بلا ملامح.
“ميكل؟” نادت بصوت خافت.
لكنه مرّ بجانبها دون أن يراها، يضحك مع ميرا، يشبك يده مع يدها.
“ميرا!” صرخت…
لكن ميرا التفتت نحوها، نظرت إليها بازدراء، وقالت ببرود:
“ألم يحن وقت رحيلك بعد؟”
اقترب منها الطلاب…
ضحكاتهم تحولت إلى صدى جارح…
“غريبة الأطوار.”
“مجرد فاشلة.”
“كانت تظن نفسها محبوبة.”
وفجأة، انشقت الأرض تحت قدميها، سقطت…
سقطت بلا نهاية…
تتردد حولها أصوات مألوفة:
“لقد تخلينا عنك.”
“أنتِ وحدك الآن.”
“دائمًا كنتِ عبئًا.”
—
استيقظت فجأة وهي تصرخ، تنفّست بسرعة، ارتعشت أطرافها، وسقطت من السرير بشكل مضحك، وقد التفّ الغطاء حول جسدها كشرنقة، فقالت وهي تزفر:
“يا لي من عبقرية… حتى السقوط لا أعرف كيف أفعله بهدوء.”
—
في صباح اليوم التالي، وقفت عند نافذتها.
السماء كانت زرقاء صافية، والهدوء يحيط بالحي الساكن.
لمحته.
ميكل.
كان يسير عائدًا من التدريب، شعره مبلّل، قطرات الماء تنزلق على رقبته ووجنتيه، وحقيبة الرياضة تتدلّى من كتفه.
خطواته هادئة… لكن لم يلتفت نحو نافذتها.
وكأنه لم يكن يومًا من عالمها.
—
ابتسمت بسخرية وهي تتذكر…
كانت هي من تصرخ له من الطابق الثاني:
“ميكل! نسيت غدائك، أيها الكسول!”
فيضحك، ويصرخ من الأسفل:
“أنتِ صوت مزعج يا لفينيا! لكن شكرًا!”
كان كليهما دائما يتحدثان من النافذة، في كل الاوقات من دون ملل….
—
في اليوم الثالث، انتهت عقوبتها أخيرًا.
ارتدت ملابسها المدرسية، ربّطت شعرها، وأمسكت حقيبتها.
“هم… هذه المرة سوف ابدء صفح جديدة”.
وقبل أن تخرج، أوقفتها أمها:
“هذه فرصتك لتكوني أكثر نضجًا. لا أريد سماع كلمة شكوى واحدة عنك من المدرسة.”
ردّت لفينيا بنظرة حادة لكنها هادئة، وقالت:
“لا تقلقي… أنا شخص آخر الآن.”
—
خرجت من المنزل، وبينما كانت تغلق الباب خلفها، اصطدمت نظراتها بنظرات ميكل الذي كان يهمّ بالمغادرة في اللحظة ذاتها.
تجمّدت لحظة، ثم تبادلا نظرة… نظرة صامتة، مليئة بالغضب، الحزن، وربما شيء آخر…
شيء يصعب تفسيره.
“الا ان لفينيا تجاهلته كليا و كأنه غير موجود.”
بينما اكتفى ميكل بنظر لها…..
—
عند وصولها إلى المدرسة، بدأت الهمسات تنتشر:
“أوه، انظروا من عاد.”
“هل ما زالت تعتقد أنها مشهورة؟”
“هذه هي التي ضربت ميرا، أليس كذلك؟”
“سمعت أنها غريبة فعلًا… انها تشعر بالغير منها.”
“انظرو اليها… انها تبدو كالزرافة.”
كان الجميع يبتعد عنها، كأنها مرض معدٍ.
حتى مَن كانوا يصفقون لها بالأمس… صاروا اليوم يتجنبونها.
وفي الزاوية، كانت ميرا تدخل المدرسة برفقة صديقاتها، تتظاهر بالخوف:
“أرجوكم، لا تتركوني وحدي… لفينيا قد تؤذيني مجددًا.”
الجميع تعاطف معها، حتى ميكل…
أمسك يدها برفق أمام الجميع.
نظر إليها بنظرة حنان، ومسح على رأسها.
في مشهد أشبه بمشهد رومانسي من إحدى القصص المصوّرة، ساد صمت اللحظة، ثم تعالت همسات الإعجاب:
“واو، انظري كيف يحميها!”
“إنهما الثنائي المثالي!”
“يا له من فارس حقيقي!”
—
دخلت لفينيا الصف، وعيناها تتنقلان ببطء.
الجميع كانوا ملتفّين حول ميكل وميرا.
ضحكاتهم، همساتهم.
في السابق، كان هذا مكانها.
كانت هي مركز الجاذبية، النجمة الأولى.
والآن… أصبحت كظلّ لا يُرى.
رفعت حقيبتها الطويلة، ثم أنزلتها بضربة عنيف على الطاولة:
“آه، سحقًا لهذا العالم السخيف…”
لكن فجأة، سمعَت صوتًا دافئًا:
“مرحبًا… لفينيا.”
التفتت.
روكي.
كان يبتسم، وجهه يشعّ فرحًا.
“اشتقت لكِ. الصف كان مملًا جدًا من دونك.”
احمرّ وجهها، ووضعت يدها على قلبها الذي بدأ ينبض بسرعة غير مألوفة:
“أ-أنا… شكرًا.”
—
رنّ الجرس، وانتهت الحصة الأولى.
خرجت مسرعة من الفصل، تريد فقط بعض الهواء.
لكن ما إن وصلت الرواق حتى لاحظت تجمّعًا كبيرًا من الطالبات.
همسات، ضحكات، هواتف.
“من هو هذا؟”
“إنه وسيم للغاية!”
“أهذا الطالب الجديد من الصف الثاني؟”
مرّت بجانبهم دون اكتراث… حتى سحبها أحدهم من ذراعها برفق.
استدارت.
وعندها كانت…
الصدمة.
—
التعليقات لهذا الفصل " 8"