—
كانت الشمس تتسلل من بين الأغصان، حين وافقت لفينيا على عرض روكي للخروج في نزهة خفيفة بعد الدوام.
سارا معًا على طريق ترابيّ يتعرّج بين الأشجار، والضحكات تتناثر من حولهما .
روكي، كما هو دائمًا، خفيف الظل، يستمع للفينيا بكل حماس، و هي تقلد المعلمين بطرائف لا تُقاوَم.
بينما لفينيا كانت تضحك بحرارة… شيء لم تفعله منذ زمن.
جلسا على حافة النهر الصغير، رمى روكي الحصى يحاول تخطي الأمواج الصغيرة، وكل مرة يخسر يتظاهر بالانهيار الدرامي.
“هل تعلمين؟” قال فجأة، وهو يراقب انعكاس السماء في الماء،
“أنتِ تشبهين هذا الجدول… تبدين هادئة، لكن بداخلك جريانٌ لا يتوقف.”
توردت وجنتاها، قبل أن تقاطعهما خطوات غير متوقعة.
ظهر صديقه القديم، نفس الفتى الذي كان معهم في أول اصطدام له بلفينيا.
كانت نظرات لفينيا نحوه صارما، و كأنه على وشك سرقة شيء يخصها.
لينادي “روكي” و هو يشر له.
“ربما علي الذهاب الان لفينيا اراكي لاحقا.”
كانت لفينيا تأمل قضاء بعض الوقت معه:
“حسنا… اراك غدا في المدرسة الى اللقاء.”
عادت لفينيا إلى منزلها عند المغيب. كانت الشمس تُقبّل الأفق، والألوان تتداخل كلوحة مرسومة بالماء.
لكن ما فاجأها هو الصوت، والضحك، وصرخات الأطفال.
في الساحة، كان ميكل يلعب مع أطفال الحي كرة السلة، يتنقل بينهم بحركات رشيقة. ما إن رأته حتى خفق قلبها…
هو نفسه، الفتى الذي أجبرها أيام الطفولة على التدرّب معه يوميًا، رغم تذمّرها وصراخها المستمر.
كل عصر، كان يُمسك بكرة السلة ويطرق بابها.
“هيا، لديكِ عشر رميات اليوم!”
“لااااا، أكرهها!”
“إن لم تلعبي، سأخبر أمكِ أنك كسرتِ مزهريتهم!”
وهكذا… تعلمت، أصبحت ماهرة، دون أن تدري أنها كانت تخزن ذاكرة مليئة بالحركات، الضحك، والعرق المختلط بالأمل.
“لفينيا! تعالي!”
صرخ أحد الأطفال.
ركضت مترددة، لكنهم أمسكوها وسحبوها بلطف.
“نحن نحتاجكِ في فريقي!” قال طفل صغير.
نظرت إلى ميكل، الذي اكتفى بالنظر إليها بصمت، لكنه لم يمانع.
وبدأت المباراة…
كانت لفينيا تلعب بمهارة لافتة، تضحك، تتهرب من الدفاع، ترمي بدقة، والجميع يصفق لها بحماس.
نظرات ميكل لم تفارقها، كانت تراقبها بخليط من الذكريات والدهشة.
وما إن انتهت، ومسحت العرق من جبينها، استدارت للمغادرة…
لكن صوته أوقفها:
“لفينيا… انا اعلم بكل شيء مسبق عن ميرا!!.”
توقفت مكانها. ثم استدارت نحوه. تسأله: “ماذا تقصد؟”
قال بصوت منخفض:
“أحتاج لبعض الوقت… لأكشفها….”
ثم صمت. أما هي، فتابعت السير ببطء، و هي تفكر بكلامه .
—
صباح اليوم التالي
كان يومها تكرارًا للماضي…
نفس الكره، نفس النظرات، نفس العبارات الساخرة.
وفي الحصة الأخيرة، بينما كانت تحدق في الفراغ، سقطت فكرة في ذهنها.
خطة. خطة جهنمية.
وضعت قلمها، وابتسمت دون أن يراها أحد.
“ربما هذه فرصتي…. لأثبت انني قادر على تغيير مستقبلي..”
—
ملعب المدرسة
كان ميكل في الملعب، يتدرّب بعزم.
يركض، يقفز، يرمي الكرة بحرفية.
وعلى المدرجات، كانت ميرا تُصفق وتصرخ باسمه، محاطة برفيقاتها.
أما لفينيا، فقد كانت تنتظر فرصتها.
وحين عادت ميرا إلى الصف مع صديقاتها لاخذ حقيبتهم، وجدن لفينيا تجلس وحدها في المقعد الأخير، شاردة حزينة.
“أوه، انظري من هنا… الملكة الساقطة.” قالت ميرا بسخرية.
لم تردّ. بقيت تنظر للأسفل.
تابعت إحدى الفتيات:
“لقد أصبحتِ وحيدة. لا أحد يريدكِ الآن.”
رفعت ميرا حاجبها وقالت:
“تتذكرين أول لقاء بيننا؟ كنتِ النجمة في الإعدادية، وأنا… مجرد فتاة جديدة تتبعكِ كالظل. كنتِ كل شيء. أردت أن أكون مثلك، في طريقتك، ملابسك، وحتى ضحكتك.”
صمتت، ثم اقتربت منها وهمست:
“والآن؟ لقد سرقتُ ميكل منكِ. لقد كنتِ مجرد طريق… طريق استخدمته للوصول إليه.”
“انا حقا اشفق عليك انت مجرد فتاة ساجذة غبية…. كلبة ميكل المطيعة.”
استدارت ميرا للمغادرة، ضحكت بسخرية.
لكن عند الباب… توقفت.
كان ميكل، وروكي، وعدد من الطلاب واقفين هناك، وقد سمعوا كل شيء.
ارتسمت الصدمة على وجه ميرا، تراجعت خطوة للخلف.
أما لفينيا، فنهضت بهدوء، ابتسمت، وقالت بصوت ثابت:
“أنا أيضًا… جيدة في التخطيط، يا ميرا.”
ثم مرّت من جانبها، دون أن تنظر.
بدأت ميرا بمحاولة تبرير كلماتها، لكن ميكل لم ينطق.
خيبة أمل واضحة في ملامحه، خذلان صامت، و سعادة خفية في قلبه.
“ميرا لم اتوقع ان تكوني من هذا النوع… لقد خدعتني.” قالها ميكل بكل برودة.
جلست ميرا على الأرض، تمسك رأسها، تبكي.
“لا ميكل… انها هيا من جعلتني اقول هذا الكلام.”
—
في الخارج
خرجت لفينيا مع روكي.
نظر إليها وقال بابتسامة خفيفة:
“كان هذا… مذهلاً. الثأر بطريقة ناعمة.”
ابتسمت له، وهمست:
“شكرًا لمساعدتك… أنت من أخبر ميكل بالمجيء.”
هز رأسه بإيجاب.
“والآن، هل ستعودين كما كنتِ؟ تلك الفتاة المشرقة، الضاحكة، التي تجعل حتى المعلمين يعجزون عن مواجهتها؟”
نظرت إليه، والريح تداعب خصلات شعرها الاسود الطويل.
كانت الشمس تغرب، والسماء تتلون بالبرتقالي.
عينها لامعت بشجاعة جديدة.
“نعم، سأعود.”
في تلك اللحظة، خفق قلب روكي.
نظر إليها بعمق… وكأنّه رآها لأول مرة من جديد.
—
عادت لفينيا إلى المنزل، قلبها ينبض بالإثارة.
هل فعلًا غيّرت مصيرها؟
فتحت درج مكتبها، أخرجت الألبوم، نظرت إليه بعينين تتوقان لمعرفة الجواب.
وما إن فتحت الصفحة الأولى…
حتى دقّ باب غرفتها.
—
التعليقات لهذا الفصل " 10"