ما إن أنهت كلامها، حتّى أحسّت بتيّارٍ من الهواء يمرّ بجانب عنقها.
خفض إيريك رأسه، وأسند ذقنه إلى الشّريان في عنقها، متّخذًا وضعيّة تداخل الأعناق، وقال: “أنتِ تعرفين جيّدًا، أنّني لن أرفضكِ أبدًا.”
وعندما تحدّث، اهتزّ حلقه قليلًا، فأثار ذلك رعشةً دغدغت عنقها.
لم تتمالك بولي نفسها، فمدّت يدها تضغط على حلقه ودفعته قليلًا، قائلة: “يمكنك أن تكذب عليّ، لكن لا تكذب على نفسك … لقد قلتُ لك شيئًا ما عدّة مرّات هذا الصّباح، هل أنصتّ إلى أيٍّ من ذلك؟”
ارتبك تعبيره للحظة، كأنّه لم يفهم ما كانت تشير إليه.
لكن بعد لحظة، أدرك ما تعنيه، واحمرّت أذناه وعنقه في الحال.
حين فعل ذلك فعليًّا، لم يُفكّر كثيرًا.
كلّ شيء كان مدفوعًا بالغريزة.
رغم أنّه لم يسبق له أن اختبر أمور الرّجال و النّساء ، إلّا أنّه لم يكن يجهل تمامًا تركيب الجسد البشري—فقد أمضى وقتًا طويلًا في فحص البشر كما يفحص الجزار اللّحم النيّء.
عندما وقف خلف بولي، ينظر إلى الأسفل ويفكّ فستانها، كان يمتلك ذهنيّة جزار في البداية.
توقّف إيريك للحظة، ثمّ فتح معطفه الأسود ولفّها بداخله.
وبعدها أدخل ذراعه تحت ركبتيها، وحملها خارج العربة.
رمشت بولي، ولم تمانع.
***
كان صوت الضّحك والجدال يتردّد من غرفة المعيشة؛ يبدو أنّ أفراد السّيرك كانوا في الفيلا أيضًا.
كانوا يلعبون الورق.
و كانت فلورا سيّئة الحظّ ، تخسر في عدّة جولات ، وقد أصبحت مَدينة بأسبوع من أعمال المنزل.
راحت تتدلّل على العجوز فريمان قائلة: “خالتي، سأعطيكِ نقودًا، هل يمكنكِ مساعدتي في غسل الأطباق؟ أنا متعبة جدًّا من الرّقص كلّ يوم، وليس لديّ طاقةٌ لغسل الأطباق.”
فقالت العجوز فريمان: “هذا لا يجوز. الآنسة كليرمونت قالت إنّ لعب الورق لا بأس به، لكن لا يجوز المراهنة بالنّقود. ذلك يُغيّر النّكهة.”
ما إن سمعت فلورا اسم بولي، حتّى ذبلت تمامًا واستسلمت لحقيقة أنّها ستغسل الأطباق لأسبوع كامل.
لو كانت ما تزال كما كانت في السّابق، لاعتبرت ذلك مهمّةً بسيطة لا تُعدّ عملًا أصلًا.
لكن بعد لقائها ببولي، لم تلمس الماء البارد أو الأطباق الدهنيّة أبدًا.
أقصى ما كانت تفعله هو تمشيط أعراف الخيول وإطعامها العشب.
يمكن القول فقط إنّ الآنسة كليرمونت كانت على حق.
القمار الخفيف لا يمكن أن يكون متعة، وترك المال خارج الرّهان لم يكن خيارًا أيضًا.
في تلك اللحظة، سُمِع صوت مفتاح يُدخَل في القفل.
صرخت فلورا بحماس وركضت نحو الباب.
لا بدّ أنّ بولي قد عادت في هذا الوقت!
لكنّ الّذي وقف عند الباب كان الرّجل المقنّع.
كان طويل القامة على نحوٍ مخيف، وكان وجهه في الظّل، حتّى أنّ ظلّه وحده كان كافيًا لجعل الشّعر يقف من الفزع.
ما إن التقت عينا فلورا بفتحات قناع الرّجل ، حتّى شعرت بالقشعريرة تسري في جسدها، ومعدتها تلتفّ كقطعة قماش تُعصر.
وفجأة، لاحظت فلورا أنّ هناك شيئًا ملفوفًا داخل معطف الرّجل الأسود … و للوهلة الأولى ، بدا وكأنّه شخص.
ابتلعت فلورا ريقها البارد، وازداد وقوف شعر جسدها.
هل يمكن أن يكون هذا الرّجل قد لفّ جثّة داخل معطفه وأعادها إلى الفيلا؟
ولماذا يفعل ذلك؟
هل ينوي توريط الآنسة كليرمونت؟
كانت حرارة جسد إيريك مرتفعة جدًّا، يبعث دفئًا متواصلًا.
وبعد بقائها داخل معطفه لبعض الوقت، لم تتمكّن بولي من التحمّل، فأخرجت رأسها لتستنشق بعض الهواء النّقي.
و من يعلم أنّ فلورا ستكون أيضًا هنا؟ احمرّ وجهها خجلًا ، و قد شعرت بالحرج كأنّ أولادها قد ضبطوها و هي تتصرّف بمشاعر حميمة.
قالت: “عزيزتي، ما بكِ؟ وجهكِ شاحب جدًّا.”
عندما رأت فلورا بولي ، أطلقت زفرةً طويلة ، وبدأ الدّم يتدفّق في أطرافها التي كانت قد تنمّلت من الخوف.
فتحت فمها لتقول شيئًا، لكنّها ما إن التقت نظرات إيريك الباردة، حتّى ارتجفت وولّت هاربة.
فما إن رأى أفراد السّيرك إيريك ، حتّى خفّت أصواتهم ولم يجرؤ أحد على التكلّم مجدّدًا.
ولم يعد الجوّ أكثر انسجامًا قليلًا إلا بعد دخول بولي إلى غرفة المعيشة.
تحدّثت معهم لبضع كلمات، ثمّ فتحت حقيبة يدها، وطلبت منهم الاقتراب لتسلّم الهدايا.
نظر الجميع إلى بعضهم بعضًا، ولم يجرؤ أحد على الاقتراب من بولي—فقد كان إيريك واقفًا دائمًا خلفها، مثل شبحٍ طويل وبارد، يحرسها عن كثب.
لم يكن أمام بولي خيارٌ سوى أن تمشي بنفسها وتوزّع الخواتم واحدًا تلو الآخر.
وبعد وقتٍ طويل، كان ثيودور أوّل من كسر الصّمت، وقال:
“آنسة كليرمونت، لماذا تهديننا خواتم فضّيّة؟”
ابتسمت بولي و قالت: “طبعًا، لأتمنّى أن نبقى دائمًا عائلة. بصراحة، أنا لستُ شخصًا موهوبًا جدًّا. شهرة السّيرك اليوم ليست بفضل جهودي وحدي … لو لم تكن ثقتكم وتعاونكم، فبمجهودي أنا وحدي، ربّما لما تجاوزنا العرض الافتتاحي أصلًا”
“….”
“أنا أعلم تمامًا، حين كانت سمعتي على المحكّ، اقترب منكم كثيرون في الخفاء، أرادوا استخراج شهادات سلبيّة عنّي من أفواهكم، وبعضهم عرض عليكم ما يصل إلى خمسمائة دولار. لكنّكم لم تساوموا ورفضتم مباشرةً. هذه الثّقة ثمينة جدًّا بالنّسبة لي.”
لم يتكلّم أحد.
فالجميع شعر غامضًا بأنّ هناك أمرًا غير طبيعي.
كلمات بولي لم تبدُ كعبارات شكر ، بل أشبه بخطاب وداعٍ مُعدّ سلفًا …
“أمّا سبب إعطاء هذه الخواتم فهو …” ، تردّدت بولي لحظة ثم قالت: “لو اضطررت يومًا إلى المغادرة مؤقّتًا ولم أستطع الإشراف على أمور السّيرك، فعليكم أن تطيعوا أوامر إيريك”
صرخت فلورا: “لا!”
لكنّ ماربيل غطّت فمها وسحبتها خلف الأريكة.
قالت إميلي: “آنسة كليرمونت ، لا أفهم … هل تمرّين بصعوبات؟”
فقال ريفريز على الفور: “إن كانت المشكلة ماليّة، فأنا أستطيع المساعدة.”
التفت الجميع إليه.
هزّ ريفرز كتفيه و قال: “ولماذا تنظرون إليّ هكذا؟ أنا أحبّ الأجواء هنا فعلًا، ولا أريد للسّيرك أن ينتهي بهذه الطّريقة. عندما كنتُ محاميًا في نيويورك، ادّخرت أربعة أو خمسة آلاف دولار. إن كنتِ بحاجة، يمكنني أن أقدّمها لكِ”
وقال ثيودور أيضًا: “… أنا أيضًا ادّخرت بعض المال، ليس كثيرًا كريفزر، لكنّه عربون تقدير بسيط”
كان إيريك يُراقبهم ببرود، يتنفّس بصوتٍ عالٍ، يرتجف فكّه قليلًا، مثل وحشٍ على وشك فقدان السّيطرة.
من الواضح أنّ بولي لا تنتمي إليه وحده.
فهي المحور هنا، الدّعامة الرّوحيّة لكلّ من حولها، والجميع يتنفّسون من دفئها.
ما إن سمعوا أنّها قد تغادر، حتّى بدا واضحًا عليهم الذّعر.
نعم، فهم في الأصل أُناسٌ رفضهم هذا العالم “الطّبيعيّ”، ولم يحصلوا على مكانتهم الحاليّة إلا بسبب بولي.
فماربيل كانت فتاةً ضخمة القدمين تُعاني من تضخّم الأطراف السّفليّة.
وبفضل بولي، أصبح ماضيها معروفًا في نيو أورلينز، ونُشرت صورها في الصّحف والمجلّات عدّة مرّات.
وكان الوكلاء يأتون أحيانًا ليسألوها عن نهاية عقدها، رغبةً في استقطابها للعمل في فرقٍ أخرى.
أمّا إميلي، فكانت غارقةً في مستنقع الظّلام في الماضي.
فهي لم تولد فقط بتشوّهٍ بأربعة أطراف ، بل حُوِّل الجنين في رحمها إلى عيّنة محفوظة وعُرض علنًا لإثارة الجدل.
لكن بولي جعلتها تدرك أنّ ضعفها الطّبيعيّ لم يكن السّبب في عدم قدرتها على تحمّل ماضيها—بل إنّ هؤلاء الرّجال المتظاهرين بالنّزاهة لم يكونوا هم أنفسهم قادرين على رؤية الجنين مُحوّلًا إلى عيّنة.
وأمّا فلورا، فقد تحوّلت من “فتاة السّحليّة” القبيحة المشوّهة إلى طالبة باليه.
ثورن ، و ثيودور ، و ريفزر … لولا بولي ، لبقي ثورن ، بعقله البسيط و شخصيّته الجبانة ، “رجل الفيل” مدى الحياة ، مجرّد ظلّ لتشوّهٍ آخر…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 90"