رغم أنّه كان يرغب بشدّة في أن يعرف داروغا بأنّ بولي تحبّه …
فدالوغا كان شاهدًا على النصف الأوّل من حياته، ويعرف أكثر من أيّ شخص آخر مدى قبحه، ورعبه، واشمئزاز ماضيه.
شخصٌ كان معدمًا، ثمّ فجأة حصل على كنزٍ نادرٍ في هذا العالم—كيف له ألّا يرغب في التفاخر به؟
فقط فكرة أن تصبح علاقته ببولي علنيّة، وأن يعرف الجميع أنّ بولي هي زوجته، كانت كافية لإثارة حماسته؛ حتى أنّ صدره ارتعش قليلًا، واضطرّ إلى أن يأخذ نفسًا عميقًا كي يهدأ.
كان عليه كبح رغبته في التفاخر بها علنًا.
فقط الصيّادون من يتفاخرون بفريستهم أمام الملأ.
أمّا العلاقة بينهما الآن فلم تعد علاقة صيّاد و فريسة.
لم تكن بولي تدري بما كان يفكّر فيه إيريك، أو حتّى بوجود شخصٍ آخر في “شقة البحيرة”.
ومنذ أن بدأ إيريك يصنع ثيابًا لنفسه، أصبحت بولي مهووسة بفكرة تنسيقه وتلبيسه.
كان دائمًا يرتدي معاطف سوداء.
ورغم أنّ الأسود هو اللون الأكثر أمانًا للرجال، ويناسبه كثيرًا، فإنّها كانت تتمنّى لو يرتدي ألوانًا أفتح، لا تكون ثقيلة لهذه الدرجة.
لذا، جعلته يذهب إلى الطابق الأرضي ليشتري أقمشة من الكشمير بلونٍ بنيّ داكن، ورماديّ فاتح، وأبيض نقيّ.
الثياب التي كان يرتديها سابقًا كانت من متاجر الملابس الجاهزة، وكانت التصاميم عاديّة نسبيًّا.
وكان سرّ أناقته يرجع إلى تناسق جسده المثاليّ.
لكن هذه المرّة، صنعها بنفسه، والنتيجة كانت أفضل بلا شكّ.
ولكي تضمن ألّا يتعامل مع الأمر بتكاسل، أشرفت بولي بنفسها على عمليّة الخياطة كاملة، وحرصت على أن يقصّ القماش وفقًا لطوله، وعرض كتفيه، ومحيط خصره.
والنتيجة النهائيّة كانت مذهلة فعلًا.
كان يبدو رائعًا وهو يرتدي معطفًا طويلًا بنيًّا داكنًا.
وخاصةً عند منطقة الجانبين، حيث كان القصّ نظيفًا ومتقنًا، والانحناءة الداخليّة لم تكن بارزة، لكنّها كانت كافية لإبراز خطوط بطنه شبه المثاليّة.
ظلت بولي تحدّق فيه بإعجابٍ لبعض الوقت، ولم تستطع مقاومة رغبتها في لمس عضلات بطنه الجانبيّة.
فبالإضافة إلى دماغه، كانت هذه ثاني أكثر منطقة جذّابة فيه.
الكثير من الناس يعتقدون أنّ عضلات البطن جميلة، لكن في الواقع، فإنّ الخطوط العضليّة المتشابكة على جانب البطن هي الأكثر إثارة.
في كلّ مرّة كان يدير لها جانبه ويخلع قميصه، كانت تتمنّى لو تستطيع تثبيته على السرير وتقبيله.
لكن للأسف، كانت في دورتها هذه الأيّام، فقلبها يرغب وجسدها يعجز.
تنهّدت بولي وهي تُبعد يدها عنه بأسفٍ واضح.
كانت قد ندمت سابقًا على ترك أمتعتها في الفندق، لكن من كان يظنّ أنّ إيريك سيصنع لها فوطًا صحّيّةً قابلة للرمي لمجرّد كلماتٍ عابرة قالتها له؟
… لقد انبهرت مجدّدًا من مستوى ذكائه.
وبعد أن تجاوزت صدمتها، حثّته فورًا على أن يُقدّم طلبًا لتسجيل براءة اختراع.
فحين تبدأ الحرب ، سيُباع هذا النسيج عالي الامتصاص حول العالم على شكل ضمادات.
لكن، إن أمكن، كانت بولي لا تزال تأمل ألّا تشهد حربًا على الإطلاق.
فكّرت، بما أنّ تسلا تمكّن من تقييد عودتها عبر الحقول الكهرومغناطيسيّة، فهل يمكنها أن تطلب منه إيجاد ممرٍّ إلى الماضي والمستقبل، كي تعود مع إيريك إلى العصر الحديث؟
إن استطاعت إعادته معها، فذلك سيكون الأفضل.
وإن لم تستطع، فلتبقَ هنا إلى الأبد.
المشكلة الوحيدة كانت أنّ مشاعر إيريك لم تستقرّ بعد، لذا قرّرت أن تؤجّل الحديث معه في هذا الأمر.
بولي كانت صبورة جدًّا.
فهي تحبّه بكلّ ما فيه، بما في ذلك قلبه شديد الحساسيّة.
الاقتراب من الوحش، ترويض الوحش—كان مجرّد بداية لهذه العلاقة.
أن يعتاد حياةً دافئة وآمنة، دون الحاجة إلى القتل لكي ينجو—هذا هو الغاية من كلّ شيء.
لقد غيّر طبيعته تقريبًا لأجلها، وهي أيضًا لديها الصبر الكافي لتنتظره حتى يعود إلى الحياة الطبيعيّة.
وحتى إن لم يستطع أن يصبح شخصًا “عاديًّا”، فهذا لا يهم.
فهي لم تحبّه أصلًا لأنّه عاديّ.
***
في الجانب الآخر، كان داروغا قلقًا في غرفة التعذيب حتى كاد ينزف.
لقد مضى أسبوعٌ كامل دون أن يتبادل أيّ حديثٍ مع إيريك.
في تلك الأيّام، كان إيريك فقط يجلب له الطعام بانتظام، ويسأله إن كان يريد المغادرة.
وكان داروغا يجيب دومًا: “لا”.
كان يتوقّع أن يجلس إيريك ليتبادل معه بعض الكلمات—ففي “شقة البحيرة” كلّها، لعلّه الوحيد المستعدّ للحديث مع هذا الشيطان.
لكنّ إيريك كان يدير ظهره ويرحل، دون أدنى رغبةٍ في الكلام.
أصاب داروغا الحيرة، لكنّه تذكّر أنّ إيريك ليس شخصًا كثير الكلام، فشعر بالراحة.
لكن مع مرور الأيّام، وعدم قدرته على لقاء تلك المرأة المختطفة، بدأ يشعر بقلقٍ متزايد!
في خياله، كانت تلك المرأة قد تعرّضت للتعذيب حتى تغيّرت ملامحها.
وحتى إن لم يفعل إيريك شيئًا بها، فإنّ رؤيتها لوجهه الحقيقيّ فقط كفيلة بإحداث ضررٍ نفسيٍّ كبير لها.
وبالحديث عن وجهه الحقيقيّ، فهذه النقطة تحديدًا كانت أكثر ما لا يفهمه داروغا.
فمن قبل، كان إيريك شديد التكتّم على ملامحه. وأيّ شخصٍ يجرؤ على نزع قناعه ، كان يُعذَّب حتى الموت بأبشع الطرق.
لكن مؤخرًا ، بدأ أحيانًا ينسى أن يرتدي قناعه!
وقد نظر داروغا خلسةً إلى وجهه المشوّه.
وحين أدرك إيريك أنّه ليس مرتديًا لقناعه، لم يعد ردّ فعله مرعبًا كما كان. بل لم يظهر على وجهه أيّ انفعال، بل وضع الطبق بهدوء وغادر.
…ما الذي حدث لهذا الشيطان القبيح ، الذي فقد كلّ ثقته بنفسه ، لدرجة أنّه يخلع قناعه بإرادته؟
لم يستطع داروغا أن يجد جوابًا.
وبعد مدّةٍ أخرى، تمكّن من اكتشاف نمط حياة إيريك—فهو ينزل إلى الطابق الأرضيّ كلّ يومين لشراء بعض الأغراض.
لسببٍ ما، بدا هذا الشيطان متحمّسًا جدًّا لتغيير ملابسه مؤخرًا، والثياب التي يرتديها لا تتكرّر أبدًا تقريبًا.
كلّما فكّر داروغا أكثر، ازداد توتّره.
كان مثل نملةٍ على مقلاةٍ ساخنة—أيّ تغيّر في تصرّفات إيريك كان يشعره بعدم الأمان.
ففي بلاد فارس، كان إيريك قادرًا على كلّ شيء، وشيطانًا خسيسًا يرتكب جميع الموبقات.
لم يكن أحد يعرف من أين جاء بكلّ تلك المعرفة المخيفة، فقد كان واسع الاطّلاع إلى درجةٍ مرعبة ، يعرف عن كلّ شيء ولو قليلًا.
لكنّ هذا وحده لا يفسّر خوف الملك منه، ولا فزع الفُرس من وجوده.
فالسبب الحقيقيّ وراء رعبهم من إيريك، كان أساليبه التي لا تنضب في القتل.
كان داروغا يعتقد أحيانًا أنّ إيريك اخترع غرفة التعذيب ليس بأمرٍ من الملك، بل لأنّه يستمتع بالقتل.
في قصر مازندران، لم يكن إيريك يُسارع في تنفيذ الإعدام.
بل كان يترك السجناء يهربون أوّلًا، ثمّ ينتظرهم ليختبئوا، و يظنّوا أنّهم نجَوا، ثمّ يتعقّبهم بناءً على آثارهم، ويشنقهم واحدًا تلو الآخر.
كان يمتلك ذكاءً خارقًا، ودمًا باردًا، يستمتع بصيد ضحاياه، ويعتبر الأرواح بلا قيمة … أيّ مخلوقٍ كهذا لا يمكن أن يكون سوى شيطان.
داروغا كان رجلًا طيّبًا تغمره الشفقة.
ومنذ أن أطلق سراح إيريك، وهو يعاني من كوابيس متكرّرة، دائم القلق من أن يقوم هذا الشيطان بشيءٍ مروّعٍ تجاه الآخرين.
فكلّما وقعت حادثةٌ، أو مأساةٌ تمسّ الأرواح، كانت ردّة فعله الأولى—”ربّما إيريك هو الفاعل”.
وإن لم يتمكّن من إنقاذ تلك المرأة فلن يسامح نفسه أبدًا ما دام حيًّا.
فبسببه، بسببه وحده، صارت ضحيّةً لهذا الشيطان.
وفي أحد الأيّام، بينما كان إيريك في الطابق الأرضيّ يشتري أغراضًا، صرخ داروغا بأعلى صوته من داخل غرفة التعذيب: “النجدة—النجدة—!”
لكن للأسف، كانت غرفة التعذيب عازلةً للصوت بالكامل.
ومهما صرخ، لم يكن لصوته أن يصل إلى الخارج.
فكّر أن يرمي شيئًا ليُحدث صوتًا، لكنّ الغرفة كانت مصمّمة بإحكامٍ لا يترك أيّ منفذ. حتى حين ادّخر بضع ملاعق خزفيّة، لم يكن قادرًا على رميها إلى الخارج.
لم يكن يتوقّع أبدًا أن تكون المرأة هي من يعثر عليه أوّلًا.
***
خلال هذه الفترة، كانت بولي تشعر بالملل، فبدأت باستكشاف “شقة البحيرة” من أوّلها إلى أقصاها.
ما لم تتوقّعه، هو أنّ إيريك كان يحتفظ بـ”سيزار”—ذلك الحصان العربيّ الأبيض من السيرك ، ذو الطبع المزاجيّ.
مرّت ثلاث سنوات، وطباع سيزار أصبحت أسوأ. كان يكشر عن أنيابه حين يراها، ككلبٍ مدلّل، ما جعلها ترغب بصفعه.
لكنّ بولي لم تتردّد، وارتدت معطف إيريك.
وبالفعل، حين اقتربت منه مجدّدًا، خضع الحصان، ودفن رأسه في العشب، وكأنّ شيئًا لم يحدث.
وبالإضافة إلى الإسطبل، عثرت بولي أيضًا على مخزنٍ سرّيّ، وكان مليئًا بأغراضها.
—الفساتين التي ارتدتها، القبّعات، السروج التي استخدمتها، أواني الطعام التي لمستها، حتّى الكتب التي قلبتها مرّتين فقط.
إذًا، فالثياب التي كانت في خزانة نيو أورلينز لم تكن سوى نسخٍ مقلّدة.
رمشت بولي بعينيها، ولم تستطع أن تمنع نفسها من تخيّل ما فعله إيريك بهذه الأشياء.
وحتى إن لم يفعل شيئًا فهي تتمنّى أن تراه يفعل أشياءً غير بريئة.
لكن للأسف، لم يكن إيريك قد عاد بعد من الطابق الأرضيّ، لذا لم تستطع سوى أن تتخيّل.
وفي تلك اللحظة، خطرت لها فجأةً فكرة: أين موقع غرفة التعذيب الأصلية؟
فإيريك بالتأكيد لن يسمح لها بزيارتها، لذا لم يبقَ أمامها سوى محاولة العثور عليها بنفسها.
ولحسن حظّها، فإنّ إيريك، قبل وقتٍ طويل، كان قد وصف لها آليّات غرفة التعذيب بالتفصيل.
ربّما كان حينها يحاول إخافتها … أو ربّما كان قد أدرك ميولها الغريبة، فأخبرها همسًا بكلّ تفاصيل بنائها، وكيفيّة تعذيب المحكومين، وكيفيّة فتح الأبواب المخفيّة.
بالنسبة لإيريك، كان ذلك منذ ثلاث سنوات.
أمّا بالنسبة لبولي، فقد حدث قبل شهرين فقط، لذا لم تنسَ طريقة فتحها أبدًا.
وبينما كانت تدقّ وتقرع وتختبر، استطاعت في النهاية أن تفتح غرفة التعذيب بالفعل.
وفي اللحظة التي فُتح فيها الباب السرّي، شهقت بولي—لم تكن تتوقّع وجود شخصٍ محتجز بالداخل.
حدّقت إلى داروغا للحظات، وخمنت هويّته على الفور.
لا بدّ أنّه الفارسيّ من الرواية الأصليّة.
ففي القصّة الأصلية، كان هذا الفارسيّ يتمتّع بشخصيّة نبيلة. لم يكتفِ بإنقاذ إيريك من الملك ، بل ظلّ يتتبّع أخباره ، محاولًا إنقاذ من عذّبهم.
و لولاه ، لما اجتمعا كريستينا و راؤول يومًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 109"