وجمَت وجوه الموظفين شاحبة من الرعب، تراجعوا خطوة للوراء، وشعرت أجسادهم كلها بالقشعريرة.
وتصاعد همس مشحون بالدهشة والارتياب في القاعة، وبدأ الجميع يرمقونهم بنظرات متوجّسة.
استفاقت فلورا أخيرًا ، و مسحت دموعها على عجل:
“آنسة كليرمونت … فات الأوان … الحفل على وشك أن يبدأ”
سألت بولي بفضول: “حفل ماذا أصلًا؟ و أين إيريك؟”
بمجرد سماع اسم إيريك ، انتفض جسد فلورا:
“لا أعلم … لا أحد يعرف أين هو ، أو ماذا يريد”
لمجرد تذكّرها لما حدث ، ارتجف صوتها: “أنت لا تعلمين… مذ رحيلك، فقد صوابه… ظل مع… الجثة… ستة أشهر كاملة”
وما إن أدركت فلورا أن “الجثة” التي تعنيها هي بولي نفسها ، حتى أسرعت تتلعثم: “أنا آسفة… آنسة كليرمونت…”
لكن بولي لوّحت بيدها: “لا بأس… أعلم.”
رفعت فلورا عينيها إلى بولي، وكادت تسأل: “ألستِ خائفة؟”
ثم غيّرت رأيها وابتلعت السؤال.
فكما كان إيريك يحمل هوسًا مرضيًّا بجثة بولي، معتقدًا أن روحها ستعود، لم تكن بولي بدورها لتخشى تصرفاته المجنونة.
كانت فلورا ترتعد من إيريك … خوفًا يصعب أن يُمحى.
لكنها في قرارة نفسها، أدركت أنّه و بولي … متشابهان بطريقٍ غريب.
قالت بولي: “هيا … لندخل”
تأثرت فلورا برباطة جأشها، وأخذت نفسًا عميقًا، ثم أمسكت يدها وسارت نحو القاعة.
و فجأة … انطفأت جميع الأنوار.
وانغمس الصرح المهيب في ظلام دامس.
وسرت همهمة مضطربة وسط الحشد، كطنين نحلات فزعة.
وفي العتمة، ارتجف صوت فلورا في أذن بولي: “… إنه هنا… إنه هنا…”
نظرت بولي نحو السلم الكبير، ولم تعد تسمع سوى هدير دمائها في أذنيها.
وفي ضوء شحيح، لم تستطع رؤية شيء بوضوح.
لكنها رأت هيئة طويلة، مخيفة تقريبًا، تقف أعلى الدرج العظيم.
ثم …
انطلق صوت بارد مألوف: “مساؤكم سعيد … سيداتي و سادتي”
— صوت إيريك.
مضى زمنٌ طويل منذ سمعت صوته.
شعرت بحرقة حارقة في أذنيها ، و قلبها كاد يثب من بين أضلاعها.
دون وعي، شقّت الحشد متقدمة نحوه.
“أنا دعوتكم إلى هنا” — كان صوته متعب كئيب — “ليس لإقامة حفل تنكّري، بل لأتأكد من أمرٍ واحد”
وكلما تقدّمت، تصادمت الأجساد الغاضبة من حولها، ثم سُحبت من جديد إلى مكانها.
و صاح أحدهم محتجًّا: “أيها الشبح … إلى متى ستستمر بهذه المهزلة؟ لنمت جميعًا إذن!”
ابتسم إيريك بسخرية خفيفة.
“السيد دي روزيير … تظنني لا أميزك حين تنطفئ الأنوار؟
بما أنك متلهف لهذه النهاية … هل أخبرت زوجتك أنك بعت إرث أبيك لعشيقتك؟”
فجأة … صخب.
عائلة روزيير ليست عريقة جدًا ، لكنها متصلة بعائلات من طينة لاروشفوكو.
ومن كان يتوقّع أن هذا النبيل التافه، الذي تزوّج داخل أسرة قديمة، باع أرضه لعشيقته، وترك زوجته في هذا الموقف؟
سرى الحذر بين الجميع.
خاف الكل من أن يتفوه بشيء ، فينكشف سرّه.
روزيير تراجع ، وجهه أزرق أرجواني ، ثم هوى على الأرض.
لم يتغير تعبير إيريك.
لم تعد إهانة هؤلاء تجلب له لذة … بل إرهاقًا.
وكان على وشك المتابعة، حين لمح شخصًا مألوفًا وسط الحشد.
— بولي.
بعد عامين ، عادت الهلوسة.
رآها تقاتل لتصل إليه ، تتعثر ، تتقدم.
هذه المرة ، بدت الهلوسة حقيقية أكثر من أي وقتٍ مضى.
بل إنها لم تهرب ، بل أتت نحوه.
ظلّ يحدّق بها ، بعينٍ متلهّفة و جشعٍ ظاهر.
كان يظن أن بتمرير أحداث القصة ، سيعيدها.
لكن حتى بعد زواج كريستين و راؤول ، لم تعد.
إذن … لم تكن تنوي العودة.
و بمجرد أن أدرك ذلك ، هدأت نفسه تمامًا.
ثلاث سنوات … عذّبته فيها وحشة قاتلة.
كل يومٍ ، كان يتمنى أن يستيقظ فيراها.
لكنه كان يرى وهمًا.
والأوهام لا تشفي ، بل تزيد الظمأ.
حتى كره النوم ، خشية أن يفوّت لحظة عودتها.
كان يعرف … لو استمر هكذا ، سيصير مجنونًا.
و فكّر أحيانًا ، ربما من الأفضل ألّا تعود.
فلو عادت ، لا يدري ما الذي سيفعله بها.
لكنه … كان يبالغ بتقدير نُبله.
و في النهاية … غلبه الاشتياق.
تأمّل دفترها.
و تساءل بلا شعور: إن كنتُ مجرد شخصية في فيلم ، و هذا الفيلم مبنيّ على دار الأوبرا … فلو فجّرتُ دار الأوبرا … و فنيتُ مع النبلاء … هل أتمكن من العبور إلى زمنها؟
لم يعد يهمّه إن كانت ستعود بعد ذلك … كيف سيواجهها؟
فقد تجاوز كل حدود الاحتمال.
ووسط هذا الجنون ، قطع أحدهم الصمت: “ماذا … ما الذي تريد أن تتأكد منه؟”
وردّ صوته بهدوء ، يخفي جنونًا قاتلًا: “إن فجّرتُ المتفجرات تحت دار الأوبرا … هل ستظهر «هي» أمامي؟”
تجمّد الهواء.
لم يصدق أحد ما سمع.
انتشرت شهقات مرعوبة.
ظنّوا أنه دعاهم ليبتزّهم.
فهم صفوة نبلاء فرنسا، دماؤهم مشتبكة مع آل بوربون، والزيجات تربطهم.
لكن لا …
إنه يريد تفجيرهم جميعًا.
قال أحدهم: “… أليست هناك بحيرة تحت المسرح؟! هل وضعت المتفجرات فيها؟!”
و توسل آخر: “… يمكنك طلب المال مباشرة…”
لكن صوته كان جليديًا:
“سيّداتي و سادتي … لست أطلب رأيكم … إنما أُخبركم”
و بينما الحشود تضجّ ، كانت بولي تقتحم الصفوف.
صرخت باسمه ، لكنها لم تنافس ضجيجهم.
رغم ذلك … كانت تعرف أنه يسمعها.
فمن يستطيع تمييز نغمة عازف بيانو وسط سيمفونية يعرف صوتها.
كان إيريك يحدّق بها … عيناه دامعتان ، قلبه يكاد ينفجر.
لم يجرؤ على أن يشيح.
كانت الهلوسة متقنة جدًا.
و ها هو … يسمع صوتها.
تناديه.
في هذه اللحظة ، أخيرًا … شقّت بولي الصفوف ، أمسكت بحاجز السلم الكبير.
و صعدت … خطوة … فخطوة.
في السفينة ، حلمت بهذا المشهد مرارًا.
و في كل مرّة ، كانت الأرض تهتزّ ، ولا تصل.
أما الآن … فكانت الدرجات صلبة.
وفي الظلام، كان يحدّق بها، شهقة أنفاسه تتحوّل لارتعاش، كما لو أن قلبه يرتجف.
تحت نظراته، خفق قلبها أيضًا.
الهواء مشبع.
لو نفخت عليه ، لانفجر.
و حين وقفت أمامه …
مدّت يدها ، بصوت أجش: “… إيريك … لقد عدتُ.”
ظلّ يحدّق بيدها …
ثم ابتسم ابتسامة غريبة:
“أعلم … سآتي إليكِ بعد أن أفجّر المتفجرات”
“…”
تنهدت بولي، ثم طوّقت عنقه بذراعيها، ورفعت رأسها تقبّله.
و همست: “لا يمكنك تفجيرها … لأنني … لا أرغب في أن أموت الآن”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 102"