ضعفت ساقاها، وكأنّ كل الدم تدفّق إلى رأسها، تاركًا أطرافها خاوية.
فخفضت رأسها وعضّت ظهر يدها بقوّة، محاوِلة تهدئة نبضها المتخبّط.
لكنّ ما أدهشها أنّ المكان أمام دار الأوبرا غصّ بعربات مصطفّة في طابور طويل.
إنّما … وسط هذا الزحام ، لا يكاد أحد يتكلّم.
الصمت مهيمن ، لا يُسمع إلا أنفاسهم المتقطّعة.
نظرت بولي حولها، فوجدت الجميع يرتدون أزياء تنكّرية غريبة؛ يبدو أنهم جاؤوا لحضور حفل التنكر في الأوبرا.
شاهدت مَن يرتدي زيّ لويس الحادي عشر، وآخرين كإيروس و سايكي من الأساطير الإغريقية، وآخرون طلاء ذهبي يغطي وجوههم، كأنهم يريدون التنكّر كشمعدانات.
وبالرغم من هذه الأزياء الطريفة، كان وجوههم شاحبة وصامتة.
كأنهم لا يذهبون إلى حفل، بل إلى مثواهم الأخير.
و حفل التنكر هذا … فصل مألوف في الرواية الأصلية.
لكن حتى بعد قراءتها للرواية والمسرحية والفيلم، لم تستطع بولي تخمين لِم يقيمون الحفل الآن.
ألم تُعلن الحكومة حظر التجوال ليلًا؟
فكيف تجرّأ هؤلاء على القدوم إلى دار الأوبرا؟
تابعت بولي السير مع طابور العربات ، حتى دخلت إلى ساحة الأوبرا.
قفزت من العربة، ومشت مع الزحام.
كان المكان يغصّ بأشخاص غريبي الهيئة، نساء ورجالًا، والجميع شاحب وصامت.
وفي الزاوية، كانت سيّدة تصبّ غضبها على الرجل بجانبها:
“من أين جاء هذا الشبح؟! ولماذا لا تتدخّل الشرطة؟!”
فهمس الرجل متوسّلًا: “عزيزتي ، اخفضي صوتك … لقد رأيتِ بنفسك ، الشرطة متواطئة معه … في كل مرّة تحصل جريمة ، يدّعون أنها مجرّد دمية … و الحاكم وحده يعلم ما السُّم الذي دسّه لرئيس الشرطة!”
قالت: “كل من هنا أسماء لامعة … مستحيل أن يكون الجميع خاضعين له!”
فقال الرجل بذعر: “اخفضي صوتك … لقد رأيتِ بنفسك … يعرف حتى عن ذلك الأمر … من يدري مَن خاننا و أبلغه … ربما أحدهم عقد صفقة قذرة معه …”
لم تسمع بولي بقيّة الحوار.
لكنّها فكّرت لحظة، وفهمت.
إيريك يستخدم أسرارهم لابتزازهم.
كل من حضروا إلى الحفل هم وجوه باريسية معروفة، ويخشون الفضيحة.
وقد أتوا مرغمين، يتوجّسون من بعضهم، ويتشككون أن فيهم من يتعاون مع الشبح.
وأثناء تلك الشكوك، تسربت الأسرار.
ولا شكّ أن خطة إيريك شديدة الذكاء.
لم يصنع الجثث الزائفة للتهرّب من الشرطة فحسب، بل ليدمّر مصداقية الشرطة، ويوحي للناس بأنها متواطئة معه.
ولو لم تكن هذه الوهم متقنة، لما صار بمقدوره إحكام سيطرته عليهم.
لكنّ بولي شعرت في ذات الوقت أنّ صبره أوشك على النفاد.
فجمعُ هذا العدد في مكانٍ واحد مخاطرة.
وأيّ خطأ قد يقلبهم عليه.
إلا لو كان لديه … وسيلة مرعبة لإجبارهم على الخضوع.
وفورًا، خطر ببالها المتفجرات المدفونة تحت دار الأوبرا.
وتصبّب جبينها عرقًا باردًا.
… هل يُعقل أن يصل به الأمر إلى هذا الحد؟
وفي تلك اللحظة، خرج موظف يرتدي زيًّا رسميًّا، وأعلن بصوتٍ مرتجف: “سيّداتي و سادتي … الحفل التنكّري على وشك البدء … من فضلكم من هذا الاتجاه.”
في ذلك الصمت الجنائزي، تقدّمت بولي أولًا، متعمّدة تجاوز الموظّف والدخول.
لكنه أوقفها: “لو سمحت … عليك أن تخبرنا بمن تتقمّص شخصيّته”
توقّفت بولي، وخلعت قبّعتها البانامية، كاشفة عن شعرها الأسود الحريري.
لأول مرة منذ شهرٍ كامل، تكشف شعرها أمام الناس.
قالت: “بولي كليرمونت.”
“….”
“سألعب دور بولي كليرمونت.”
شحب وجه الموظف ، و ارتجفت أسنانه ، و تمتم:
“لا … لا يمكنكِ التنكّر باسم الآنسة كليرمونت …”
سألت: “لماذا؟”
تردّد الموظف، ثم استدار مسرعًا إلى الداخل، كأنما ليُخبر أحدًا.
وبعد دقيقتين، ظهرت فتاة شابّة، طويلة، ركبتاها منحنيتان قليلًا، وجهها مستدير بلون ثمرة خرما ناضجة.
عرفت بولي وجهها فورًا — كانت فلورا بعدما كبرت.
بدت فلورا غاضبة وحائرة.
لكن ما إن نقل لها الموظّف الاسم ، حتّى رفعت رأسها بتبرّم … ثم اتّسعت عيناها.
ابتسمت لها بولي بلطف: “فلورا … مضى زمن”
ظنّت فلورا أنّها ماتت و اعتلت النعيم.
فها هي ترى الآنسة كليرمونت … التي ماتت منذ ثلاث سنوات.
لكن سرعان ما لاحظت أنّ بينهما فوارق دقيقة.
فشَعر الآنسة كليرمونت كان بنيًّا مائلًا للاحمرار.
أما هذه فشَعرها حالك السواد، وبشرتها ليست شاحبة كالتي كانت تشبه مريضة أنيميا، بل نضرة كبتلة زنبق.
غير أنّ عينيها … كانتا مختلفتين.
عينا قطة برّيّة، لماحة، مخادعة.
همست فلورا: “يا إلهي … الآنسة كليرمونت … هل هذه أنت حقًّا؟”
ابتسمت بولي و سألت: “وأين ماربيل والبقيّة؟”
شهقت فلورا، واغرورقت عيناها، ثم اندفعت إلى حضنها، تبكي كطفلة عثرت بأهلها بعد ضياع.
والموظف واقف مذهول.
فهو لم يعرف أصلًا من هي بولي كليرمونت.
لكنه يعلم أنّ هذا الاسم … محرم ذكره في دار الأوبرا.
منذ نصف عام، كان أحد الممثّلين يقرأ صحيفة، وضحك قائلًا:
“أنظروا لهذه المرأة … تجمع حفنة شواذ و تحبسهم في بيت رعب ، و تكسب المال … في نيويورك يدعونها ‘رائدة أعمال’!”
ضحك أحدهم: “ربما ليس مرعبًا فقط …”
فقال الممثّل: “أكيد … من يدفع مالًا ليُفزِع نفسه؟ أنا أظنها تستغلّهم.”
وكانت هذه الأحاديث عاديّة في الاستراحة.
لكن في تلك الليلة، أثناء عرضه، تزحلق الممثّل فوق المسرح، وكُسر عموده الفقري، ومات فورًا.
قال الفنيّون إنّ رقبته انكسرت، وظهر عموده الأبيض.
ثم توالت حوادث مشابهة … كلّها مرتبطة باسم “بولي كليرمونت”.
قال البعض: إنّها زوجة شبح الأوبرا. و ذكر اسمها في المكان محرّم.
فلورا … كانت الوحيدة التي تتواصل مع الشبح.
و مع هذا … ها هي الآن تنادي الغريبة أمامها “الآنسة كليرمونت.”
والمصيبة … أنّ بولي كليرمونت ماتت قبل ثلاث سنوات.
فهل تكون هذه المرأة … شبحًا آخر؟
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 101"