لكنني لم أستطع قراءة أي شيء بسبب الحروف التي لم تكن مكتوبة بالإمبراطورية.
“…لا أفهم شيئًا على الإطلاق.”
“باختصار، اسم المرض الذي أُصِبتِ به هو نَفَس الموت.”
“نَفَس الموت…؟”
مجرد سماع الاسم المريب جعل وجهي يتجهم تلقائيًا.
رفع هيريس إصبعه السبابة وهو جالس على حافة السرير، فانبعث دخان من أطراف أصابعه.
وتجمّع الدخان المتشابك ليشكّل جمجمة.
“سُمّي بذلك لأن المصاب يموت قليلًا في كل مرة يتنفس.”
“هذه أول مرة أسمع عنه.”
“طبيعي. فهو مرض قديم يعود لعهود غابرة. وحتى في زماني كان نادرًا للغاية. فلا عجب أن يكون أكثر ندرة الآن.”
نفخ بخفة فتلاشت الجمجمة المزعجة.
“إنه مرض متعب، يقتل القلب ببطء شديد. وفي حالتكِ، مات ثلثا قلبك تقريبًا.”
“…ما الخلاصة؟ هل تريد أن أستعد للموت؟”
لم أكن أنتظر سماع هذا النوع من الكلام. اجتاحتني موجة من الضعف والكآبة.
“لا يمكن ذلك. علاجه صعب، نعم، لكنه ليس مستعصيًا. بل هناك من شُفي منه بالفعل.”
انتفضتُ كما لو لامستني نار.
“…هناك علاج؟ إذن يمكنني العيش؟”
“طبعًا. قلت لكِ، أنتِ لن تموتي.”
“هيريس!”
قفزت من مكاني، واندفعت نحوه. اقترب وجهي من وجهه حتى لم يبقَ سوى مقدار قبضة يد بيننا، ففوجئ هو وتراجع قليلًا.
أمسكت بيده بشدة وصرخت:
“ك… كيف؟ ماذا أفعل؟ ما الذي نحتاجه؟ فقط قل لي! سأجلب كل شيء!”
كنت أراقب شفتيه بيأس مترقبًا أن يتكلّم، لكنه رمش فقط وظل ينظر إلى يدينا المتشابكتين.
“آه… آسفة. لم أقصد… توترت قليلًا.”
فجأة أمسك بيدي من جديد، وابتسم بعينين راضيتين.
“تحضير الدواء صعب، لكننا نحتاج أولًا إلى عشبة الألف عام وإلى عالِم عقاقير.”
“هاه؟ عشبة الألف عام؟”
“نعم، الحصول عليها ليس سهلًا، وهذا ما يقلقني…”
هاه؟ صعبة؟ ما الذي يقوله؟ هذه العشبة تنتشر هنا كالحشائش!
“على كل حال، دعينا نترك العشبة جانبًا الآن و—”
لم ينتظر كلامه أن يكتمل، فقد قفزت من مكاني بدهشة جعلتني أشعر بأن القوة عادت إلى جسدي الضعيف.
“سيسي؟”
“تدري… بخصوص تلك العشبة. أظن… أظن أنني أستطيع حلّ الأمر.”
***
أخذت هيريس إلى الحديقة وأشرت إلى الأعشاب المبعثرة على الأرض.
“تادا!”
أطلقتُ مؤثرًا صوتيًا بفمي وأنا أستعرض عشبة الألف عام.
هيريس مرّر يده على شعره بدهشة.
“هذه العشبة لم تكن تظهر بهذا الكمّ من قبل.”
“ربما قديمًا، أما الآن فهي كثيرة جدًا. نقتلعها ونرميها مثل الأعشاب الضارة. وبعض الأماكن يعطونها كعلف للخنازير!”
“علف خنازير…؟”
ضحك هيريس بدهشة واضحة.
“لقد قَلِقتِ بلا داعٍ.”
“لكن هل يمكن حقًا استخدامها لعلاج مرضي؟ فهي بالكاد تعمل كخافض للحرارة…”
“الخافض للحرارة هو النسخة الفاشلة من الدواء.”
تغيّر مفعول العشبة بحسب طريقة تحضيرها، والخافض الشائع هو نتيجة تحضير فاشل كما قال.
“إذا صُنعت بالطريقة الصحيحة، أصبحت علاجًا فعالًا جدًّا لقلبك المريض.”
“يا الهي… لم أتوقع أن تلك العشبة المزعجة ستكون دوائي.”
جلست على ركبتي وملست على العشبة بمحبة.
“جميلة… جميلة فعلًا.”
لأول مرة بدت عشبة الألف عام محببة إلى قلبي.
“بما أن العشبة متوفرة، لم يبقَ سوى إيجاد العالِم المختص.”
“لكن… هل يوجد عالِم يفهم مرضًا مضى عليه خمسمئة عام؟ هل يوجد كتاب وصفات موروث مثلًا؟”
رفعت بصري نحو هيريس بعدما زالت شكوكي تجاهه، ونظرت إليه بعينين لامعتين.
“همم، كان هناك كتاب بالفعل.”
“كان؟”
“أغلب الظن أنه احترق عندما حرقتُ القصر الإمبراطوري.”
خرجت الكلمات من فمه ببرود لا يناسب حجم الكارثة، فانطفأت ملامحي فورًا.
قفزت مثل نابض ممسكةً ياقة ثيابه.
“أنت! هل تقول هذا وأنت تبتسم؟ أعده! أعد الكتاب الآن!”
“واو… هذه أول مرة يمسك أحدهم بتلابيبي. شعور غريب.”
هل هذا الرجل مجنون؟ ما الذي يجده ممتعًا في هذا الوضع؟!
“جيّد. إذًا سأجرب اليوم كثيرًا.”
وهززته كما لو كنت أنفض الغبار عنه.
“ألم تجد شيئًا آخر لتحرقه؟ يا عديم الضمير! يا شيطان!”
“وهذه أول مرة ينعتني فيها أحد بالشيطان بسبب أمر كهذا.”
يا إلهي… سأصاب بارتفاع ضغط الدم.
“الكتاب احترق، صحيح، لكن ما زال هناك مَن يعرف طريقة التحضير. لذا اتركي عنكِ القلق، و— ما رأيك أن تتركي تلابيبي الآن يا آنسة؟”
أبعد يدي عن رقبته برفق وكأنه يدلل طفلاً.
سألته ببرود:
“ومن هي؟”
“ماغو فلين. امرأة ثلاثينية، شعرها أحمر وعيناها خضراوان. قصيرة عني قليلًا… ربما 180 سنتيمترًا. ذات بنية قوية، ولديها ندبة طويلة عند الفم.”
“تعرفها جيدًا؟ هل هي من نسل العالِم القديم؟”
سؤالي كان طبيعيًا، لكنه اكتفى برفع كتفيه بلا مبالاة.
“تقريبًا. ليست من النوع الذي يستقر في مكان محدد، لذا من الصعب تحديد مكانها، لكن أظن أننا سنجدها خلال شهرين.”
“شهرين؟ لا يمكنني الانتظار كل هذا.”
“وماذا ستفعلين؟”
رفعت إصبعي الإبهام والسبابة، وهززتهما.
رنّة المال.
“بهذا… كل شيء يُحل.”
لست أملك الصحة، لكن… أملك المال.
ومَن يملك المال؟ يملك كل شيء.
حان وقت استخدام ثروة عائلة الدوق.
***
ذهبت فورًا إلى الخادم الأكبر، وأمرت بإحضار العالِمة فورًا.
ورغم حيرته، نفّذ أوامري بدقة.
‘مع نفوذ العائلة ومعلوماتها، إيجاد شخص واحد ليس مشكلة.’
كنت أطير من الخفة في طريقي إلى غرفتي.
“هيريس، عدت.”
كان يجلس بارتياح على الأريكة ينتظرني.
جلست أمامه وقلت بحماس:
“أخبرتُ الخادم. سيجدونها بسرعة.”
بمجرد صنع العلاج، سأكون قد أفلتّ من موت محتوم.
‘جيّد. سأركز على العثور على العالِمة الآن.’
ثم انحنيت له بامتنان.
“شكرًا. كل هذا بفضلك.”
ارتسمت ابتسامة جميلة على وجهه… جميلة لدرجة تأسر القلب، لكنها أثارت في داخلي شعورًا غريبًا… مزعجًا قليلًا.
“سيسي، لم تنسي، صحيح؟ وعدتِني أن تحققي أمنيتي إذا اكتشفتُ المرض.”
“طبعًا، فقط اطلب.”
“سيسي. تعلمي السحر.”
“السحر؟ لكنه لن يفيدك في شيء!”
أمال رأسه بابتسامة.
“تعلّمي السحر… وافتحي القيود المفروضة عليّ.”
“القيود؟”
“أتذكرين حين سألتِني إن كان يمكن فكّها؟”
نعم… كنت متوترة وأردت إبعاده عني… ولم أُعر الأمر اهتمامًا.
“أنتِ الوحيدة القادرة على فكّها.”
“أنا؟ لماذا؟”
“لأن لديكِ موهبة.”
“أنا… لدي موهبة؟”
إن كان الساحر الأسطوري يعترف بذلك، فلا بد أنني أملك بالفعل قدرات خفية.
“إذًا… كل هذه المساعدة… كانت لأجل هذا، صحيح؟”
ضحك بخفة.
“ما هذا الكلام؟ أنا فقط أوفي بوعدي.”
عقدت حاجبي. أي وعد؟ لم أعده سوى بتنفيذ أمنيته.
“لكن قل لي… هل تلك القيود حقًا من صنع أغاف؟”
حينها كنت غارقة في توتري ولم أستوعب، لكن جعله يتبع أوامري بلا قيد ولا شرط… كان خطرًا جدًا.
‘لو أنني طلبت منه تدمير العالم…؟ سيحدث ذلك فعلًا.’
أغاف—الرجل الذي ساهم أكثر من أي شخص في ختم هيريس—لن يمنح شخصًا حرر هيريس قدرة خطيرة كهذه.
قلت بيقين:
“لا، أليس كذلك؟”
“لو كان أغاف هو من وضعها في يدي…”
توقف قليلًا، ثم ابتسم ابتسامة وحشية.
“لراهنت بكل ما أملك على تمزيق حنجرته.”
كانت كلماته قاتمة بشكل لا يدع مجالًا للشك.
“إذن من هو؟”
“سر.”
همس وهو يضع إصبعه على فمه.
“لذا… اكتشفيه بنفسكِ.”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 6"