2
الفصل الثاني
كانت تنزل السلالم في الفيلا بترقُّب، تراقب المشهد من حولها ببطء. حتى وصلت إلى الأسفل، تحدَّثت رئيسة الخدم واقفةً أمامها وهي تنحني برأسها قليلًا:
«سيدتي، الإفطار جاهز والجميع في انتظارك.»
نظرت إليانور إلى الاتجاه الذي أشارت إليه كبيرة الخدم أماندا، لكن قبل أن تتجه هناك التفتت إلى أماندا وتحدثت بصرامة:
«ميسا، لا أريد أن أسمع هذا الاسم مرةً أخرى في ممتلكاتي.»
انحنت كبيرة الخدم باحترام وقالت بفهم:
«سأتأكد من كسر قدم تلك الخادمة العصية وطردها.»
و قفت لحظه في شك ثم قالت :
«فقط اطرديها لا داعي لكسر قدمها…»
أشارت إليانور للخادمة أن ترحل، ثم دخلت إلى غرفة الطعام.
نهض الرجل العجوز وضرب بيده على الطاولة وهو يصرخ:
«انتظر حتى تأتي ابنتي وتضع حدًّا لغطرستك!»
«ماذا هناك؟»
قطعت إليانور الحدث بدخولها قاعة الطعام.
«أمي!»
ركضت إيريس إلى أحضان أمها عندما رأتها، بينما بادلتها إليانور الحضن بحنان.
وقف الرجل العجوز وابتسم بغطرسة وهو ينظر إلى زوج ابنته الذي كان يُكمل طعامه بلا اكتراث، ثم تمتم قائلًا:
«لنرَ إلى متى ستستمر غطرستك.»
نظرت إليانور بين زوجها ووالدها، لكن قبل أن تتحدث، تكلم والدها قائلًا:
«ابنتي، انظري إلى زوجك! يريد أن يطردني من مجلس إدارة المجموعة!»
في تلك اللحظة تذكّرت إليانور أنها أثارت ضجة مع زوجها في حياتها الماضية، ولم تفكر إلا في مدى قرفها من أن تعيش كل هذه الأحداث مجددًا.
لم تدرك حتى أن نظراتها، بينما سرحت في الماضي، أصبحت باردة تحيطها هالة مخيفة جعلت الرجل العجوز يصمت خوفًا.
«أمي؟!»
أعادها صوت ابنتها إلى الواقع، فابتسمت بلطف لها، ثم رفعت نظراتها نحو والدها. لكن ابتسامتها لم تكن حنونة كما كانت لابنتها، بل كانت باردة.
«آسفة، أبي، لكن أعتقد أن أمور الشركة أنتم بالغون بما يكفي لتحلوها من دوني.»
قالت ذلك ثم أسقطت ابتسامتها الزائفة، لتعود ابتسامتها الحنونة مجددًا وهي تنظر إلى زوجها:
«عزيزي، سأوصل إيريس اليوم… وأتمنى لك يومًا جيدًا.»
قالت هذا ثم قبّلت خده قبل أن تأخذ طفلتها متجهة إلى السيارة.
رغم جمود وجهه، إلا أنه لم يستطع إيقاف ارتعاش زاوية عينيه عندما لامست شفتيها وجهه. لم يكن ذلك تأثرًا منه، بل بسبب تصرفها غير المعتاد.
«تلك العاهرة عديمة الفائدة!»
زمجر الأب بغضب وهو ينظر في الاتجاه الذي خرجت منه ابنته للتو.
لكن في اللحظة نفسها التي خرجت فيها تلك الكلمات من فمه، كانت السكين تشق طريقها بجانب وجهه، تاركةً خدشًا عميقًا. تراجع الرجل العجوز وسقط جالسًا على الكرسي.
«يبدو أني أصبحت متساهلًا معك أكثر من اللازم.»
قال ذلك وهو يمسح زاوية فمه بالمنديل.
«لدرجةٍ جعلتك تنسى من هو تشارلز آشفورد… لكن لا مشكلة.»
نهض تشارلز، ثم أشار بيده لمساعده الذي كان يقف بصمت في زاوية الغرفة:
«أوقف جميع أنواع الدعم، وأصدر أوامر بمنعه من دخول الشركة.»
أشار الرجل العجوز تجاهه بغضب.
«أنت لا تستطيع فعل ذلك؛ مجلس الإدارة لن يسمح لك.»
ابتسم تشارلز بسخرية وهو يقترب من الرجل العجوز، ثم وضع يديه على جانبي الكرسي الذي يجلس عليه وانحنى فوقه بهالته المرعبة التي تقشعر لها الأبدان.
«عليك أن تكون شاكراً لكونك والد زوجتي وجد ابنتي، وإلا لكنت دفنتك مكانك.»
ابتعد الرجل العجوز وهو ينظر إلى عيون ذلك الرجل التي تشعرك بأنها دوامةٍ قادرة على ابتلاع العالم بأكمله.
انسحب تشارلز وخرج من غرفة الطعام بينما كان مساعده خلفه.
«حقّق لي فيما تفعله زوجتي.»
أمر المساعد بصوته المهيب وهو يدخل السيارة وخلفه أسطول من الحراس.
«حسناً، سيدي.»
انحنى المساعد ثم ذهب لتنفيذ المهمة.
كانت إليانور تجلس في السيارة بجانب ابنتها، التي كانت تقصّ على والدتها جدولها الدراسي الخاص باليوم، لكن إليانور لم تكن تسمع أيًّا مما تقوله ابنتها، فقد كانت غارقة في عالمها الخاص بين شظايا الذكريات.
«أبي، ستساعدني على الخروج من هنا، صحيح؟»
كانت ترتدي ملابس السجن وهي تجلس خلف ذلك الزجاج الفاصل، تمسك الهاتف الأسود بيديها وتنظر إلى والدها الجالس في الجهة الأخرى من الزجاج.
«أساعدكِ؟… نعم، بالتأكيد سأساعدكِ، لكن عليكِ أولًا أن تخبريني أين زوجكِ.»
تعجبت إليانور من السؤال وردّت تلقائيًا:
«أين سيكون؟ إنه في المنزل أو في الشركة.»
ضرب بيده على الزجاج بغضب:
«هل ستتظاهرين بأنكِ لا تعرفين أنه أخذ ابنته، واستولى على أموال الشركة، وغادر البلاد؟!»
صُدمت إليانور ثم تمتمت بصوت مرتجف:
«ابنتي؟… لا، لا، مستحيل!»
«إن لم تخبريني الآن إلى أين ذهب…»
قاطعها صوته الغاضب، فأفاقت من شرودها وقالت:
«أبي، حقًا، أنا لا أعلم!»
ضرب الزجاج مرة أخرى والغضب يملؤه:
«اللعنة!»
«أبي، أرجوك، ساعدني على الخروج من هنا!»
رفع نظراته إليها وقال ببرود:
«الشركة تفلس بالفعل، هل تعتقدين أنني متفرغ لهذا الأمر التافه؟»
نهض وهو ينفخ بضجر، ثم غادر تاركًا إياها تنظر إلى ظهره المنسحب.
«نعم… كيف لي أن أنسى هذا؟»
تمتمت بصوت خافت.
«أمي؟!»
استيقظت على صوت ابنتها، ذلك الصوت الطيفي الذي كان دائمًا كألحان الربيع.
Chapters
Comments
- 2 - تشارلز آشفورد منذ ساعة واحدة
- 1 - قبل 15 عام منذ 13 ساعة
التعليقات لهذا الفصل " 2"