في تلك اللحظة، ومن غير وعي مني، وجدت نفسي أركض. انطلقت بسرعة جنونية باتجاه المنزل، جسدي كله يرتجف والهواء يقطع صدري. كنت أسمع خلفي أنفاساً ثقيلة، قريبة جداً، كأن أحداً يلاحقني. لم أتجرأ على النظر وراء ظهري.
وحين اقتربت من البناية التي أسكنها، اختفى ذلك الصوت فجأة. لكنني لم أتوقف. صعدت السلالم قفزاً، ثلاث درجات دفعة واحدة، حتى وصلت إلى باب شقتي. أخرجت المفاتيح بيد مرتجفة، فسقطت مني على الأرض. التقطتها بسرعة، حاولت مرة أخرى حتى تمكنت من إدخالها في القفل. فتحت الباب، دخلت وأغلقته خلفي بقوة.
ثم جلست على الأرض مسنداً ظهري إلى الباب، أتنفس بصعوبة. صدري يعلو ويهبط بعنف، ويداي ما تزالان ترتجفان. بقيت صامتاً، أحاول أن أستوعب ما رأيته… وأن أقنع نفسي أنني ما زلت في مأمن، ولو لليلة واحدة.
مرت تلك الليلة دون أن يغمض لي جفن. كنت ممدداً على السرير، أراقب السقف كأن عيني معلقتان به، والظلام يحيط بالغرفة من كل جانب. كل صوت خافت في الخارج كان يوقظ بداخلي ارتعاشة جديدة: نباح كلب بعيد، أزيز سيارة عابرة، وحتى حفيف الرياح في النوافذ. كنت أشعر أن الليل أطول من المعتاد، كأنه يرفض أن ينتهي.
بعد بضع ساعات من التيه في الخوف، بدأ عقلي يستوعب ببطء حجم الكارثة التي ربما تقترب. “إن كان ما رأيته حقيقياً… فهذا لا يعني إلا شيئاً واحداً: أن كل شيء على وشك الانهيار.” تلك الفكرة وحدها جعلتني أعتدل جالساً، ألتقط هاتفي بيد مرتجفة وأبحث في الإنترنت.
بدأت بمقاطع فيديو قصيرة عن “طرق النجاة في الكوارث”، ثم وجدت نفسي أغوص في مقالات عن الجوائح الكبرى: كيف عاش الناس؟ كيف وفروا الطعام والماء؟ كيف تحصّنوا؟ وكيف قاتلوا من أجل البقاء؟ ومع كل مادة أقرأها، يزداد يقيني أن ما ينتظرنا ليس مجرد حادثة عابرة.
جلست إلى المكتب الصغير في الزاوية، وأمام الضوء الشاحب للهاتف بدأت أدوّن ملاحظات سريعة في دفتر قديم:
• الماء أولاً.
• المؤونة القابلة للتخزين.
• أدوات طبية بسيطة.
• وسيلة للدفاع… أي وسيلة.
• موقع استراتيجي هو الأهم
كنت أكتب بعجلة، كأن الكلمات قد تسبق الأحداث القادمة.
وحين تسللت خيوط الفجر من النافذة، شعرت أن جسدي أثقل من الرصاص، لكن رأسي ما يزال مشتعلاً بالأفكار. أمسكت الهاتف مرة أخرى. البطارية بالكاد صمدت
دخلت جهات الإتصال لأنقر على أول اسم مدون به ” كمال” و اتصلت
رنّ الهاتف بضع ثوانٍ قبل أن يأتيني صوت كمال، متقطعاً، مثقلاً بالنعاس:
“ألو… من؟ … سراف؟ ما الأمر؟”
لم أتمالك نفسي، خرج صوتي حاداً كالسهم:
“كمال! لماذا لم تجب على اتصالاتي البارحة؟ أين كنت؟!”
خيّم صمت قصير على الطرف الآخر، لم يُسمع فيه سوى زفير متثاقل، ثم جاء صوته بطيئاً، كأن الكلمات تُسحب منه سحباً:
“أعرف… أعرف أنني قصّرت… لكن صدّقني، نفد شحن هاتفي فجأة، وبقيت عاجزاً عن الاتصال بك أو المجيء إليك. حاولت أن أجد حلاً… لكن الليل سبقني، وغلبني الإرهاق.”
كان صوته واهناً، يحمل اعتذاراً لم يشفع في تهدئة الغضب الذي يشتعل بداخلي
بعد تبريرات كمال الواهنة، ساد صمت قصير بيننا لم أسمع فيه إلا أنفاسي المتقطعة. ضغطت على صدغي محاولاً أن أتماسك، ثم قلت متنهدًا، بصوت خافت لكنه حازم:
“حسناً… هذا لا يهم الآن. لدي موضوع مهم لا يحتمل التأخير. تعال إلى شقتي بعد ساعة.”
ارتفع صوته قليلاً، مستغربًا:
“بعد ساعة؟! ظننتك ستطلب مني الحضور حالاً… كما تفعل دائماً.”
أجبت ببرودٍ سريع، كأنني لا أريد التوسع في الحديث:
“أنا خارج لشراء بعض الأغراض… لن أتأخر.”
لم أترك له مجالًا للرد أكثر، وأغلقت المكالمة ببطء، بينما نظري ما زال معلّقًا على الملاحظات التي كتبتها في الليل الطويل
جهزت نفسي لكن قبل الخروج اتجهت لغرفتي
فتحت خزانتي الخشبية التي ترك الزمن أثره عليها؛ أطرافها متشققة، وطلاؤها الباهت يشي بقدمها. أزحت الباب ببطء فصدر صرير خفيف، ثم مددت يدي بين الملابس المطوية حتى التقطت ظرفًا أبيض كنت قد وضعته هناك منذ أيام. بدا عادياً مثل أي ظرف، لكنني أردت أن أتأكد من محتواه. فتحته بعناية، وإذا بداخله مبلغ لا بأس به من المال،
ذلك المبلغ الذي أعطاني إياه والدي كمصروف
وضعته في جيبي و خرجت من شقتي
و بعد نزولي للطابق الذي أسفل مني خرج أحد من تلك الشقة
لقد كان مراهقا مظهره يشبه جماعة البارحة و بسبب ذلك تذكرت أحداث الليلة الماضية و أصابني الغثيان
توقف ذلك المراهق بعد رؤيته لي بتلك الحالة و سئلني
_ هل أنت بخير يا صاح
أجبته نازلا من الدرج محاولا عدم إطالة هذه المحادثة
_ بخير بخير شكرا على سؤالك
سبقته بخطوات سريعة خارج المبنى، متجهاً نحو المتجر، غير أنني شعرت به يلاحقني . مع كل خطوة أخطوها كان المراهق يخطو خلفي مباشرة، كأنه ظل ثقيل يلتصق بي. في البداية قررت تجاهله، متعمداً النظر إلى الأمام وكأن وجوده غير مهم،
التعليقات لهذا الفصل " 4"
اسمه لحسن ؟؟؟ كذا بدون الف بس لام ؟