استفاق سراف في صباح اليوم التالي وقد غمره نشاط لم يشعر به منذ زمن، كأن جسده قد استعاد شيئًا من الحياة .
أخذ سراف حماما ساخنا. ثم ما لبث أن خرج وهو يزفر زفرة طويلة بعد أن لمح ندبته المشؤومة على صدره، تلك التي لم تفارقه يومًا. اكتفى بنظرة صامتة في المرآة، ثم ذهب لغرفته ليرتدي ثيابا نظيفة
ما إن فرغ حتى سمع طرقًا خفيفًا على الباب. فتحه ليجد لحسن واقفًا بملامح مرهقة، لكنه ابتسم ابتسامة باهتة ودعاه للدخول.
جلس الاثنان في الصالة، فافتتح لحسن الكلام قائلاً:
ـ صباح الخير، لقد أطلت في نومك حقا
رفع سراف حاجبيه باستغراب، فأجابه:
ـ صباح النور… وكم نمت يا ترى؟
ـ يوماً كاملاً.
تفاجأ قليلاً، ثم تمتم:
ـ يوماً كاملاً… عجباً. وهل حدث ما يستحق الذكر في غيابي؟
وقف لحسن ببطء، ثم قال وهو يتجه نحو الباب:
ـ يوجد أمر عليك أن تراه بعينيك.
خرج الاثنان من العمارة، وهناك انحنى لحسن مشيرًا إلى الأرض:
ـ انظر… هذه الآثار.
رمق سراف التربة الموحلة، وقد انطبعت عليها آثار أقدام لا حصر لها. تمتم دون اكتراث ظاهر:
ـ آثار أقدام… ثم ماذا؟
شد لحسن على كلماته، وصوته يوحي بقلق :
ـ ليست آثاراً عابرة، إنها لقطيع من المتحوّلين… كل ليلة يحومون حول الحي، ومع كل مرور يزداد عددهم أكثر.
ظل سراف صامتًا لبرهة، ثم أجاب وهو يشيح بوجهه:
ـ لن يستطيعوا الدخول ما دامت السيارتان تسدان المدخل، زد على ذلك أنهم ينجذبون إلى الصوت، سنخفض أصواتنا ليلاً… المشكلة انتهت، هيا بنا نعود.
عدنا لشقتي لأجد أصيل يبحث عني فيها
جلسنا ثلاثتنا بالصالة لأخاطبهم قائلا
_ حسنا سأعطيكم المهام الرئيسية و الفرعية لليوم
صمت قليلا ثم استأنف حديثه
_ أول شيء هو تفتيش جميع الشقق بالعمارة ثانيا هو البحث عن أي شيء مفيد كالطعام و الأدوات الحادة … ثالثا جمع أي شيء مفيد من جثث الشرطة و العساكر بالخارج و أقصد بالمفيد المسدسات و الرشاشات
مال برأسه قليلاً ثم أضاف
_أما المهمة الفرعية فهي القيام بحملات بحث عن ناجين ففي النهاية أكبر شخص بالغرفة هو أصيل على ما يبدو
استغرب أصيل للحظة من كلام سراف، ثم ارتسمت على وجهه ابتسامة خفيفة قبل أن يقول بهدوء
ـ عمري سبعة عشر عاماً فقط.
إجابته بقيت تتردد على أذني الإثنين كالصاعقة
(سراف و لحسن) …
(سراف و لحسن) ماذاااا؟! أتمزح معنا؟!
(سراف) حسا دعونا لا نضيع الوقت أكثر و نبدأ بتأدية المهام
قبل أن يبدأ الثلاثة عملية التفتيش، توجهوا إلى غرفة الحارس في الطابق الأرضي لجلب المفاتيح. حاول سراف دفع الباب بكتفه، غير أنّ الخشب الصلب حال دون فتحه.
تقدم أصيل، وبركلة واحدة حطّم القفل فانفتح الباب على مصراعيه.
كان المكان غارقًا في الفوضى؛ القمامة والملابس البالية متناثرة في كل زاوية، والروائح العفنة تزكم الأنوف.
دخل أصيل ولحسن يبحثان عن المفاتيح، فيما بقي سراف عند الباب يراقب.
لكن فجأة، تحرك شيء تحت كومة من الثياب والنفايات… لقد كان الحارس نفسه، وقد تحول إلى واحد من أولئك المتحولين .
نهض مترنحًا، متأهبًا للانقضاض على أحدهما، غير أن عينَي سراف التقطتا المشهد قبل فوات الأوان.
صرخ محذرًا:
ــ انتبها!
ثم اندفع إلى الداخل، ممسكًا بكيس قمامة ورماه على وجه المتحول، ليحجب عنه الرؤية للحظة وجيزة.
استغل أصيل تلك اللحظة، رفع طاولة صغيرة بكل قوته ولوّح بها، ثم هوى بها على جسد الحارس ليسقط أرضًا فاقدًا لتوازنه. لم يتردد أصيل، بل تقدم بسرعة، وكسر إحدى أرجل الطاولة، ثم بدأ يهوِي بها على رأس المتحول مرارًا حتى سكنت حركته تمامًا.
جلس بعدها يلهث وقد غطى العرق جبينه.
أغلق لحسن الباب بإحكام، واتفق الثلاثة أن يتعاملوا مع الشقق بحذر أشد.
صعدوا درجات السلالم مع تفتيشهم للشقق المتواجدة بكل طابق حتى وصلوا الطابق الرابع والأخير، وهناك تفرقوا؛
سراف إلى شقة، وأصيل ولحسن إلى الشقة المقابلة.
فتح سراف باب شقته، فاندفع ضوء خافت إلى الداخل كاشفًا عن ظلام كثيف يملأ المكان. سرعان ما هبت رائحة عفنة خانقة، جعلته يتأفف في صمت.
أخرج خنجره، وبدأ يتقدم بحذر.
حاول تشغيل المصباح، لكنه كان معطلاً. تعمق في الممر الضيق، فوجد كل الغرف أبوابها مفتوحة إلا غرفة النوم. هناك، كان الباب مغلقًا من الداخل.
طرق عليه قائلاً
ــ هل من أحد هنا؟ إن لم أسمع جوابًا، فسأقتحم المكان على افتراض أنه خالٍ من الأحياء.
مرت لحظات صامتة بدت طويلة كدهر، ثم جاءه صوت مبحوح من خلف الباب:
ــ مَن… هناك؟
ارتبك سراف للحظة، ثم أجاب بسرعة:
ــ أنا سراف… أسكن في الطابق الثاني.
رد الصوت بخفوت متوجس:
ــ ما الذي تريده؟ لِمَ اقتحمت شقتي؟… أأنت لص؟
ــ لا… أعتذر حقًا عن الإزعاج. نحن نحاول فتح جميع الشقق وجمع الموارد المهمة وتخزينها في مكان واحد، كي نتمكن من الصمود في وجه أي هجوم خارجي كالمتحولين… أو حتى البشر .
صمتت لبرهة، ثم جاء صوتها متهدجًا:
ــ وماذا عن الهجوم من الداخل؟… هل تستطيعون مجابهته؟
تجهم سراف متعجبًا:
ــ ماذا تعنين بذلـ…
وفجأة، سُمع صوت تحطم زجاج من جهة المطبخ. علت شهقاتها من خلف الباب، وقالت والدموع تغمر صوتها:
ــ هذا ما أعنيه…! أرجوك أنا طبيبة، إن كنت تريد مساعدتي… ضع حدًا لأبي وأخي الصغير.
لم يكد يستوعب كلماتها حتى خرج رجل وطفل، متحولان من ظلال المطبخ .
شد قبضته على خنجره، وقلبه يخفق بقوة.
ركضا نحوه بسرعة . فاضطر للانسحاب وهو يلهث
ــ لا أستطيع مجابهتهما معًا… يجب أن أفصلهما.
نادَى رفاقه، لكن لم يأتِ أحد.
تراجع مسرعًا إلى المطبخ وأغلق الباب الخشبي خلفه، الذي كانت تتوسطه قطعة زجاج مربعة.
بدأ يبحث بجنون بين الأدراج حتى عثر على قفازات المطبخ الجلدية وارتداها.
في تلك اللحظة، كان المتحولان يحاولان تحطيم الباب.
اندفع سراف، محطِّمًا الزجاجة الصغيرة في الباب بعنف، ثم ابتعد سريعًا.
أدخلا رأسيهما وذراعيهما يحاولان التمدد نحوه.
هناك، لمح مقلاة حديدية موضوعة على الطاولة. قبض عليها بقوة، تقدم بحذر، وتفادى أذرع الأب الممدودة، ثم هوى بها بكل ما أوتي من قوة على جمجمته.
ارتجّ جسده وسقط على الأرض والمقلاة ملتصقة برأسه.
لكن و بلحظة سريعة يصعد الإبن فوق جسد الأب و يقفز للهجوم علي
حاولت سحب المقلاة لكنها أبت ليصبح المتحول الصغير على بعد شعرة من الإنقضاض علي
التعليقات لهذا الفصل " 13"