تابعنا السير بخطوات حذرة حتى اقتربنا من العمارة. عندها، انفتح شباك من الطابق العلوي، وظهر منه رجل صائحًا بصوت آمر:
ــ غادرا هذا المكان حالًا، وإلا حدث ما لا تُحمدا عقباه!
ارتسمت على وجهي ابتسامة صغيرة، ورفعت صوتي قائلًا:
ــ هل تهددنا الآن؟
ــ سأضع رصاصة في رأسك إن لم تغادر فورًا!
أجبته ببرود:
ــ يبدو أنك تتخيل كثيرًا.
اقترب مني أصيل وهمس بتوتر:
ــ ما الذي ترجوه من استفزازه؟ لنغادر قبل أن يطلق النار فعلًا.
هززت رأسي باستهزاء، وقلت بثقة:
ــ لا تقلق، لن يفعل شيئًا.
لم يطق الرجل صبري، فأظهر نفسه من النافذة، موجهًا مسدسه نحونا. لكن ما إن وقعت عيناه عليّ، حتى تغيّر وجهه تمامًا. خفّض سلاحه، وارتسمت ابتسامة عريضة على محيّاه وهو يقول:
ــ هذا أنت يا جاري! ظننتك قد ودّعت الدنيا.
بادلته بابتسامة مقتضبة:
ــ يبدو أنني ما زلت صامدًا. افتح الباب بسرعة قبل أن يظهر أي متحول.
هزّ رأسه موافقًا وقال باستغراب:
ــ متحوّلين؟ آه، تقصد أولئك الزومبي…
أغلق النافذة، و قبل وصوله بلحظات خاطبني أصيل متسائلا بصوت منخفض
ــ هل هو صديقك؟
نظرت إليه بتعابير ضبابية و أجبته بإبتسامة مصطنعة
_ نعم … عرفته البارحة فقط . إنه شخص طيب … ربما
أبدا أصيل ملامح خيبة خفيفة.. قبل أن يفتح لنا لحسن الطريق للدخول
بعد دخولنا أقفل لحسن كل شيء كما كان،
صعدتُ مباشرة دون انتظاره نحو الطابق الثاني.
مررت بجانب شقة جاري القديم، أو بالأصح الخائن الذي ضحى بي لأجل ابنته.
كاد الغضب يدفعني لاقتحام بابه، لكن لحسن الذي لحق بي أوقفني بقوله:
ــ لا أحد هناك… في الحقيقة، العمارة كلها خالية.
تنفست ببطء ورددت دون الرغبة بمعرفة التفاصيل:
ــ آه فهمت.
اتجهت بعدها إلى الشقة المقابلة، أخرجت مفاتيحي، وأدخلتها في القفل.
فتح الباب بانسياب، ودخلت.
تبعني أصيل ولحسن، و أخذ كلٌّ منهما يتفحّص المكان.
قال أصيل وهو يلتفت من حوله:
ــ إذن… هنا تعيش. أين عائلتك؟
أجبته بغير اكتراث
_ أعيش وحدي.
سرت نحو المطبخ، فتحت الثلاجة، وأخرجت قارورة ماء باردة. رفعتها إلى فمي، وشربت بنهم حتى انقطع نفسي.
لأنزلها عن شفتي وأطلق زفيرًا طويلًا،
ثم عدت إلى الصالة حيث جلس أصيل ولحسن بصمت.
سألت لحسن بلهجة مباشرة:
ــ هل أنت متأكد أنه لا يوجد أحد في العمارة؟
أجاب وهو يشيح بنظره:
ــ أعتقد ذلك… خصوصًا بعد مجزرة البارحة.
اعتدل أصيل في جلسته، ثم قال باهتمام:
ــ ما الذي حدث؟
بدأ لحسن بالكلام:
ــ حسنا، ما جرى هو أن…
قاطعته قبل بدايته بالسرد لطغيان الإرهاق على جسدي
_ أعتذر، لكنني أحتاج إلى الراحة. أرجو منكما أن تغادرا شقتي الآن و سنتكلم عما سنفعله بعد قليل
نهضا دون جدال، وغادرا.
أغلقت الباب بإحكام، ثم توجهت مباشرة إلى غرفتي. الظلام كان دامسا كما أحبه .
خلعت حذائي، ثم نزعت قميصي ، أبقيت على القميص الداخلي.
ارتميت على السرير، وأغمضت عينيّ. لم تمض لحظات حتى غلبني النعاس لأغط بنوم عميق، متناسيًا كل ما يجري في الخارج.
مجزرة الحي
في الليلة الماضية، وبعد الخطاب المشؤوم الذي ألقاه الرئيس، عمّ الهلع أرجاء العمارة. أصوات البكاء اختلطت بالصدمة، بينما غلب الغضب على وجوه أغلب السكان رفضًا لقراراته الجائرة.
لم يطل الوقت حتى اتفق أهل الحي على الخروج مجتمعين للاحتجاج، وكنت واحدًا منهم.
مع حلول الليل، حضرت الشرطة مدعومة بالعسكر، مصطفّين بوجوه متجهمة وبنادق مصوَّبة استعدادًا لتنفيذ أوامر صارمة. حاول السكان التماسك والتصدي للقرار، لكن القائد تقدّم بخطوات واثقة وأمر ضباطه برفع أسلحتهم نحونا، مهددًا بإطلاق النار إن لم نتراجع فورًا.
بدأ الخوف يتسلل إلى القلوب شيئًا فشيئًا، فانكسر صمود الكثيرين، وبدأوا بالعودة إلى منازلهم. غير أنّ ما لم يكن في الحسبان حدث فجأة؛ إذ ظهر أحد المتحولين بين الجموع، ينقضّ على الناس، ناشرًا الفوضى والرعب. صرخت بأعلى صوتي:
ــ اهربوا!
لكن الصراخ علا من كل صوب، واختلط بأوامر القائد الذي لم يتردد في إعطاء الإشارة بإطلاق النار على الجميع. الرصاص توهّج في الظلام، وتعالت أصوات السلاح، حتى
ظهر قطيع كامل من الزومبي محاصرا الشرطة من الخلف و هاجمها على غفلة منهم
ليتملك الرعب الضباط و العساكر لعدم امتلاكهم الوقت لتجهيز أنفسهم و اصبحوا يطلقون بشكل عشوائي
استطاع قلة قليلة جدا من الناس النجاة من هذه الكارثة
لقد خسرت والدي و اخر فرد من عائلتي بهذه الليلة و كل ذلك بسببي
لقد أنقذني من بين أنياب أحد المتحولين، ليتلقى هو العضة في كتفه ثم ابتسم رغم شدة الألم الذي يشعر به و قال آخر كلماته بينما صوته يرجف ألما و بفم يسعل دما
_ انج يا بني … أحبك
لينقض عليه بعدها متحولان اخران و يمزقان لحمه و هو يصرخ ألما
أصبح كل شيء أسود حولي و عم الهدوء المكان و كل ما صرت أسمعه هو صراخ والدي والدموع الحبيسة التي قاومها عبثًا
انقضّ عليّ أحد الجنود المتحولين، طرحني أرضًا بوزنه الثقيل.
حاولت مقاومته بقوة يائسة، حتى لمحت الخنجر في حزامه. نزعت الخنجر وغرسته في عنقه مرارًا حتى خرّ جثة هامدة فوقي. نزعت مسدسه وأطلقت النار على الوحوش التي التهمت جسد والدي، حتى أسقطتهم واحدًا تلو الآخر.
اقتربت منه مجددًا، جلست بجانبه. كان ما يزال حيًّا بالكاد، يرمقني بعينين نصف ميتتين. ارتجفت يدي وأنا أرفع المسدس صوب قلبه.
ــ هذه الطريقة الوحيدة… التي ستريحك يا أبي… (انهارت دموعي) أحبك… أحبك.
ضغطت على الزناد.
كانت تلك الرصاصة أثقل ما حملت في حياتي.
عدت للعمارة جريا متفاديا و قاتلا الزومبي في طريقي
و عند دخولي اتجهت لشقتي بالطابق الأول … دخلتها و ارتميت على الأرض أبكي بحرقة حتى غلبني النعاس
التعليقات لهذا الفصل " 12"
دحين لما يعضهم المتحول ما يموتوا يصيرون زيه طيب لما يأكلهم ما يموتون ؟