بدأت أمشي بين الرفوف و أنا أنادي عليه بنفس الأسلوب … حتى سمعت بعض الخشخشة قادمة جهة الثلاجات
أخرجتُ خنجري ببطء، وبدأت أخطو على أطراف أصابعي متتبعًا مصدر الصوت الذي اخترق سكون المكان. كل خطوة كنت أضعها بحذر شديد،
اقتربت شيئًا فشيئًا حتى صرت على بُعد لفة صغيرة إلى اليمين.
في لحظة خاطفة، اندفعتُ للأمام بتوتر… لكنني توقفت فجأة وقد صُدمت من المشهد أمامي.
كان أصيل متربعا على الأرض، منهمكًا في نهش قطعة خبز بالكاشير صنعها بيديه، يأكل بنهم، وإلى جواره قارورة ماء نصفها فارغ موضوعة على الأرض.
حين التقت عيناي بعينيه، رفع رأسه نحوي بسرعة، ثم قال بفم ممتلئ بالكلام الممضوغ: ــ “أ… هممم… أتريد… القليل؟”
تنهدت بخيبة، وأعدت الخنجر إلى مكانه ببطء، ثم تجولت بعيني في المكان أراقب ما حولي، قبل أن أقول بنبرة هادئة: ــ “يبدو أن الكهرباء لا تزال تعمل… الأنوار في المحل مضاءة، والثلاجات لا تزال تبرد.”
_ بالمناسبة لقد سمعت صوتا صادرا من تلك الغرفة بالخلف . قالها أصيل قبل أخذه لقضمة اخرى من شطيرته
أخرجت الخنجر مرة اخرى و تقدمت بخطوات سريعة و حذرة لغرفة العمال
كان الباب مردودا
فتحت الباب أكثر لأرى منظرا محزنا
كان هنالك عامل ميت و ظهره مسند على الجدار و المحزن بالأمر أنه مات جراء طلق ناري مع أنه لم يكن هنالك أي بقع صفراء على جسده توحي بتحوله
دخلت للغرفة و غطيت جزءه العلوي بغطاء كان مفروشا على الطاولة
لأغادر الغرفة بعدها و أنا أفكر بالحالة التي وصلنا إليها
أن يصل الأمر لقتل شخص طبيعي فقط لشكهم أنه متحول لهو أمر خطير
ذهبت إلى أصيل لأخاطبه بجدية
_ يا أصيل
_ ماذا
_ عندما نكون في الشارع إياك و الثقة بأي أحد
_ و لما هذا
_ لأن الأمر لا يقتصر على الهروب و مقاتلة الموتى فقط … بل حتى الأحياء
_ لماذا . استغرب أصيل سؤالي أكثر
_ لقد وجدت شخصا ميتا بطلق ناري بتلك الغرفة . قلتها و أنا أشير لغرفة العمال
انصدم الآخر من كلامي ثم فكر قليلا و رد
_ ربما قد كان وحش-
_ لقد كان إنسانا … أنا متأكد . قاطعته قائلا تلك الكلمات التي اخترقته كالسيف
_ و مالذي سنفعله من الآن فصاعدا
_ كن الطرف المسيطر دائما . قلتها بعد صمت بسيط
_ مالذي تعنيه بذلك
_ لماذا في رأيك أنني أثق بك
_ لأنني أنقذتك في تلك البناية
لأرد على أصيل بحماس
_ بالضبط … و هنا أنت الطرف القوي و المسيطر … لا أستطيع تخيل أن الشخص الذي أنقذ حياتي سيخونني … لذا مالذي سأفعله
_ أن تكون الشخص الذي ينقذ الناس و ليس العكس . رد علي أصيل بعد فهمه للأمر
_ و الآن بما أننا انتهينا من هذا دعنا نغادر هذا المكان
رفع أصيل الستارة المعدنية ببطء، وأطلّ برأسه ليتأكد من سلامة الطريق. بعد أن مسح بعينيه المكان جيدًا، خرج بخطوات حذرة، فتبعته أنا، وأعدت إنزال الستارة خلفي وأقفلتها بإحكام.
سرنا لبرهة، لا يسمع في الشارع سوى وقع خطواتنا وهدير الريح الخفيف .
فجأة، قطع أصيل الصمت بنبرة متشائمة وهو ينظر للأرض:
ــ لدي شعور سيئ من مرورنا عبر هذا الطريق.
توقفت للحظة، مستغربًا من كلماته، لأسئله عن السبب
ليجيبني بعدها و هو يشير بسبابته نحو الأرض .
ــ لأن طريقنا هذا هو نفسه الطريق الذي سلكه أولئك الوحوش.
شعرت ببرودة تسري في صدري وأنا أتابع بعيني تلك الآثار، بينما أدعو في نفسي ألا نصادفهم
بعد دقائق طويلة من السير، تنفّست الصعداء حين لاح حيّي أمامي أخيرًا. أشرت بيدي نحو بناية متوسطة الارتفاع وقلت: ــ يا أصيل… أترى تلك البناية هناك؟
أجابني وهو يتفحّصها بعين متوجسة: ــ نعم، أراها. ما بها؟
ــ شقتي بالطابق الثاني.
قطّب جبينه وهو يحدّق في المدخل: ــ لا أظن أنّهم ينتظرون زوارًا.
استغربت كلامه، فسألته: ــ ولِمَ تقول ذلك؟
ــ انظر بنفسك… المدخل مغلق، وسيارتان وضعتا أمامه لتسدّ الطريق.
ثبت بصري أكثر، فإذا بي ألحظ تفاصيل لم أنتبه لها من قبل: جثث متناثرة في الشارع، أغلبها لمتحوّلين، بينهم رجال شرطة. آثار الرصاص واضحة على أجسادهم، وبعضهم ممدّدون على الإسفلت بدمائهم اليابسة.
التعليقات لهذا الفصل " 11"
دحين في ناس كانوا يجرون بالشارع بعدين يلحقوهم هذولا المتحولين و ماتوا (#~~#)