لكن فجأة سمعنا صوت محرك سيارة يعمل قريباً منا، فالتفتنا بسرعة لنرى عبدو يشغّل سيارته وينطلق بها مسرعاً.
قال أصيل بغضب واضح: ــ “وغد سمين.”
تنهدت بارتياح وقلت: ــ “لحسن حظنا أنه رحل الآن… كان سيصبح عبئاً في المستقبل.”
صمت قليلاً، ثم أردفت: ــ “دعنا نرحل قبل أن يتجمع هؤلاء المتحوّلون جراء الضوضاء.”
ــ “حسناً، إلى أين نذهب الآن؟” سألني أصيل.
أجبته: ــ “شقتي قريبة من هنا… سنستغرق قرابة نصف ساعة سيراً على الأقدام.”
ابتسم أصيل وقال: ــ “قد الطريق أيها القبطان.”
في البداية قررت العودة عبر طريق السوق، لكنني غيرت رأيي حين اقتربت من الثانوية الواقعة قبله، إذ كان المكان يعجّ بالمتحوّلين. لذلك سلكت الشوارع والأزقة الخالية في العادة.
خلال سيرنا في الأزقة الضيقة، كان الهدوء الموحش لا يقطعه سوى أصوات أنفاسنا وخطواتنا الحذرة، لكن بين الفينة والأخرى كنا نصادف بعض المتحوّلين. بعضهم كانوا جاثمين على الأرض، منهمكين في التهام جثث ضحاياهم، ينهشون اللحم بأصوات مقززة وكأنهم كلاب ضالة عثرت على وليمة. كنا نتجاوزهم بصمت، نتفادى أي احتكاك قد يلفت أنظارهم إلينا. أمّا الآخرون ممّن انتبهوا لوجودنا، فقد تكفّل أصيل بمواجهتهم. كان ينقض عليهم بسرعة، يطعن بخنجره دون تردد، ثم يتراجع بخفة، وكأن الأمر أصبح بالنسبة له عادة مألوفة.
لكنّ تلك الثقة التي بداخله جعلته يستخفّ بخطر أحدهم. كنا نسير بمحاذاة جدار رمادي متشقق، حين خرج متحوّل فجأة من أحد الممرات الجانبية. أصيل رفع خنجره بخفة وقال ساخرًا: ــ “هذا لي… لن يستغرق الأمر سوى لحظة.”
ابتسم بثقة وتقدم بسرعة، لكن ما حدث بعدها لم يكن بالحسبان
المتحوّل أطلق زمجرة غليظة وانقضّ بحركة لم نتوقعها، سريعة كلمح البرق.
تجمدت في مكاني لجزء من الثانية، لكنني لم أتردد بعدها.
تقدمت بخطوات حادة ورفعت خنجري بكل قوتي، ثم غرست نصله في جانب رأسه، مخترقًا العظم بصوت مقيت.
اهتز جسده لوهلة ثم تهاوى على الأرض جثة هامدة، بينما سحبت خنجري بقوة.
استدرت بسرعة نحو أصيل، وعيناي تبحثان عن أثر دم أو جرح: ــ “هل أنت بخير؟! أأصابك؟”
رفع يديه لنرى سويا ما حدث، لكن ولحسن الحظ لم يصب بخدش وقال بنبرة فيها بعض الضحك المتوتر: ــ “لقد كان أسرع مما توقعت… لكنه لم ينل مني. مجرد خدش في القماش فقط، لا تقلق.”
تنفست الصعداء ومسحت نصلي على ثوبي لأزيل الدماء العالقة، ثم نظرت إليه بجدية أكبر: ــ “لا تستهِن بهم مرة أخرى… خطوة واحدة خاطئة، وسينتهي كل شيء في لحظة.”
خفض أصيل رأسه قليلاً، وكأنه يعترف بخطئه، ثم قال: ــ “معك حق… لقد اندفعت أكثر مما ينبغي.”
ربتّ على كتفه بإيجاز قبل أن أتابع السير: ــ “هيا…دعنا نتحرك … لا وقت لدينا للراحة”
تابعنا المسير حتى لمحت المتجر من بعيد. بدأت أهرول حتى وصلت إليه، لكنه كان مغلقاً.
قال أصيل باستغراب: ــ “ما هذا المكان؟ لماذا توقفت هنا؟”
ــ “لقد كنت أعمل هنا… ولدي هذه.” أخرجت سلسلة المفاتيح من جيبي.
ــ “وماذا سنستفيد من دخولنا للمتجر الآن؟”
قبل أن أجيبه، شعرت بالأرض تهتز قليلاً، وسمعنا معاً وقع أقدام يقترب من بعيد.
تمتمت بانزعاج: ــ “تبا… يجب أن نختبئ الآن.”
تساءل أصيل بقلق: ــ “لماذا؟ ما المشكلة؟”
انحنيت وأنا أفتح القفل لرفع الستارة المعدنية وقلت: ــ “أنا إنسان شعاري في الحياة هو الفوز دون مخاطرة… وفي حالتنا هذه، لدي شعور سيء. سنختبئ هنا ريثما يمرّوا.”
رفعت الباب حتى بان المدخل الزجاجي، حاولت فتحه لكنه كان مقفلاً. شتمت مع اظهار بعض تعابير الغضب و التوتر
سألني أصيل بقلق أكبر: ــ “ما المشكلة الآن؟”
ــ “إنه… مغلق.”
ــ “أليس المفتاح بحوزتك؟”
ــ “هذا الباب يقفل من الداخل فقط… وهذا يعني شيئاً واحداً.”
بدأت أطرق الباب بقوة وأنادي على العم لزهاري، لكن بلا إجابة.
حينها تقدم أصيل، وبركلة قوية حطّم المدخل الزجاجي ودخل مسرعاً: ــ “أنزل الباب المعدني بسرعة… لقد اقتربوا!”
فعلت ما قال، وأسرعت بإنزال الباب، ثم تراجعت خطوات إلى الوراء وعيوني معلّقة على المدخل.
وما هي إلا لحظات حتى سمعت خطوات ركض لعدد قليل من الناس، تلتها بلحظات وقع أقدام جحافل راكضة يرافقها زمجرات وصراخ المتحوّلين… و مع مرور ثواني معدودة بدأ ينخفض صداهم حتى توقف تماما
التعليقات لهذا الفصل " 10"
شخصية اصيل عاجبتني 😀👍