لم أُعِر نافذة الإشعار هذه المرة أيضًا أي اهتمام.
فليكن مهمةً إجبارية، فما الذي سيفعله إن لم أنفذها؟ قلت إنني لن أفعل، فماذا يمكنه أن يصنع؟!
“حسنٌ أنني أنهيت ما في الثلاجة مسبقًا.”
كنت متحسرًا قليلًا لأنني لن أتمكن من متابعة قراءة المانغا، لكن ذلك لم يكن كافيًا ليُعيد إليّ حماسي المفقود. فتمدّدت كما أنا على سطح البار.
لا أعلم كم مضى من الوقت وأنا في هذه الحالة.
كنت غارقًا في حالة من الضبابية، لا نائمًا ولا مستيقظًا، فقط أسبح في اللاوعي.
[أقصى ما يمكنكِ الوصول إليه هو أن تصبحي نادلةً من الدرجة الثانية. كوكتيلاتك بلا روح، بلا روح!!]
آه، إنها ذكرى من أيام التدرّب.
كنت أتعرض للتوبيخ كثيرًا. وكنت حينها أهاب مدير البار لدرجة أنني أكاد أبكي بمجرد أن يرفع صوته.
[أتظنّين أنني أتعمد تحقيركِ؟ وأنتِ لم تتخطَّ بعد مرحلة التدرّب، ولا تملكين أي جائزة حتى الآن؟]
سمعت ذلك من كبير السقاة ذات مرة، فعضضت على نواجذي وصممت على إثبات نفسي، حتى تمكنت من الفوز بجائزة لاحقًا.
أن أعيش بهذا الكسل والدعة كان أمرًا نادرًا.
فقد عشت دومًا في عجلة من أمري، لا أرغب في أن يحتقرني أحد، وأطمح لأن يُعترف بي كنادلة حقيقية.
لكن، حين أعود بالذاكرة، أتساءل: لماذا كنت أجهد نفسي إلى هذا الحد؟
في النهاية، حياتي انتهت بطريقة عبثية تحت عجلات دراجة نارية ملعونة.
“كان عليّ أن أعيش بهذه الطريقة منذ البداية.”
همست لنفسي بكلمات لا يسمعها أحد، ثم غرقت في نومٍ عميق.
❈❈❈
<تنبيه> بقي على انتهاء الفترة التجريبية المجانية: 0 يوم.
توقفت المهام التي كانت تتوالى عليّ طوال الأيام الماضية كأنها تلاحقني، وظهرت نافذة إشعار أخيرة تنذر بيوم النهاية.
لم تختفِ، ولم تُغلق، بقيت أمامي كإنذار نهائي لا مفر منه.
ولكن، وماذا في ذلك؟ حتى لو بذلت كل جهدي، كان من المستحيل بيع آلاف الكوكتيلات في عشرة أيام فقط.
‘لقد متُّ في الواقع على أية حال’.
قرقر بطني.
رغم شعوري بالإحباط، إلا أن جسدي ظل صادقًا. أجل، كنت جائعًا. والمشكلة أن مخزون الطعام في الحانة قد نفد.
الكوكتيل متوفر بكثرة، لكن لا يمكنني شربه على معدة فارغة. سيكون ذلك قاسيًا حتى عليّ.
“لا يزال الوقت نهارًا… ربما أستطيع الخروج والبحث عن شيء للأكل.”
المنطقة حولي عبارة عن غابة، فلا بد أن أجد ثمارًا أو نباتات صالحة للأكل.
وقبل أن أخرج، مررت بالحمّام لغسل وجهي، لكنني فوجئت بوجهي في المرآة…
لقد تحوّل لون شعري إلى زهري!
‘ لون زهري ناعم كبتلات الكرز…’
لم أقم بتفتيح شعري قط، وهذا اللون غريب عني تمامًا.
بل وحتى لون عينيّ أصبح بنفسجيًا.
تملكني الارتباك، فبدأت أتحسّس وجهي يمينًا ويسارًا. لم يتغيّر سوى اللون، أما ملامحي فهي هي.
“لكن…”
لماذا يبدو كل شيء طبيعيًا؟
شعري الأسود وعيناي البنيتان أصبحا غريبين عليّ فجأة.
كأنني… استعدت لوني الحقيقي لتوّي…
“ما الذي يحدث؟”
لم يكن ثمة من يمكنه أن يجيبني عن هذا الشعور الغريب.
سقطت في عالمٍ لا أعرفه، فما أهمية لون الشعر والعينين؟!
“ولِمَ أعير الأمر اهتمامًا أصلًا؟”
تمتمت بغير مبالاة، ثم أمسكت بسلة وبدأت بالمشي على غير هدى.
وما إن ابتعدت عن حدود البار الذي كان يبدو نظيفًا نسبيًا، حتى بدأت الغابة الكثيفة تُحيط بي.
لا أعلم كم مشيت.
لكن ألوان الطبيعة من حولي بدأت تزداد كآبة، كأن الظلال احتوت كل شيء.
‘ أشعر ببعض البرودة…’
كان من الأفضل أن أرتدي شيئًا فوق هذا. فركت ذراعيّ المكشوفتين وأنا أتلفّت حولي.
“وجدت شيئًا!”
وأخيرًا، ظهر في مجال نظري شيء مثير للاهتمام.
فطر ضخم يصل طوله إلى خصري، لونه ضارب إلى الحمرة، تعلوه بقع صفراء كأنها مرسومة بعناية.
‘ألا يبدو كفطر سام؟’
مددتُ يدي نحو الفطر، ثم توقفتُ فجأة.
الثمار التي تدلّت بكثافة من الأشجار بدت غريبة الشكل أيضاً. ظننتها مجرد ثمار سوداء، لكن ما إن اقتربتُ حتى فتحت أجنحتها فجأة وانطلقت في الهواء.
“خفافيش؟ إذًا تلك الثمار كلها كانت… أوه، لا!”
فُرفِرت الأجنحة فجأة!.
وفي لحظة واحدة، انطلقت أسراب الخفافيش معاً في السماء، فارتبكت وسقطت جالسة على الأرض.
“آه، أوه… هذا مؤلم…”
لم يبدُ أنها تنوي إيذائي، لكنني شعرتُ بالخوف على أي حال.
“ربما كان من الأفضل أن أذهب إلى سفينة القراصنة وأطلب بعض المعلّبات.”
تمالكت نفسي ونهضت وأنا أنفض التراب عن ملابسي.
في تلك اللحظة—
<تنبيه> تحذير! هذه المنطقة خارج نطاق سيطرتك.
جعلتني رسالة النظام أستفيق من ذهولي فورًا.
حتى لو كنتُ قد وصلتُ إلى مرحلة “لا يهمني شيء”، فإن الموت مرة أخرى لم يكن ضمن الخطة.
اندفعت أركض دون أن ألتفت خلفي، وفجأة… انهالت عليّ وابل من السهام.
“آه!”
لم تصبني مباشرة، بل خدشت كتفي فقط. لهذا، ظننت أن الأمر لا بأس به—
‘آه؟’
دارت الدنيا من حولي فجأة، وسقط جسدي أرضًا.
“الهدف سقط!”
“اخفضوا الأقواس. سأتحقّق بنفسي.”
سمعتُ صوتًا يقترب من غير بعيد.
حاولتُ النهوض، لكن جسدي لم يطاوعني.
اقترب مني أحدهم، ورفعتُ رأسي بصعوبة لأنظر إليه.
كان رجلاً ضخم الجثة، ينظر إليّ بوجه مصدوم.
“امرأة؟”
انحنى على ركبتيه ثم رفعني بين ذراعيه.
“أحضروا الترياق حالًا!”
صرخ صرخة مدوّية، ثم دون أي تردّد، مزّق قميصي عند الكتف وغرس وجهه في موضع الجرح.
شفاه رجل غريب امتصّت السم من جلدي بشراسة.
“آه… يؤلم…”
“تبًا. إن لم أُخرج السم، فالوضع سيكون خطيرًا.”
راح يمصّ الجرح ويبصق الدم المسموم، ثم يعيد الكرة مرارًا.
أنفاسه الحارّة لامست كتفي العاري.
“أحضرتُ الترياق!”
“افتحي فمك جيدًا. طعمه مرّ قليلًا.”
ما إن انسكب السائل في فمي، حتى شعرت بالغثيان.
“يجب أن تبتلعيه.”
يده الكبيرة أطبقت على فمي، ورفع ذقني بلطف.
ما إن نزل الدواء في حلقي حتى عادت الرؤية تدريجيًا إلى طبيعتها.
“هاه…”
كنت مرهقة حدّ الانهيار.
بين الجوع والصدمة، بدا أنني سأفقد وعيي مجددًا.
أسندت رأسي إلى صدره وسكنت تمامًا.
“اسمحي لي أن أتابع.”
مزّق الرجل قميصه هذه المرة، وربط به جرح كتفي بإحكام.
‘آه…’
عندها فقط استوعبت أنني كنتُ نصف عارية أمام رجل غريب.
بل ذلك الرجل الغريب…
لعق جلدي…
ومصّه مرارًا وتكرارًا…
“وجهك محمرّ. هل أنتِ بخير؟”
“أظنني… بخير، نوعًا ما…”
“إذًا، افتحي فمك.”
“هاه؟”
نفذتُ ما طلبه دون تفكير، وفجأة، دسّ قطعة حلوى بين شفتيّ.
“لتخفيف المذاق.”
أنزلني بلطف على الأرض.
وكان قميصي قد تمزّق تمامًا، فغطّيت صدري بكلتا يديّ.
“أعتذر. لم أراعِ الآنسة جيدًا.”
خلع معطفه وألقاه عليّ.
كان يناسبه تمامًا، لكنه بدا ضخمًا جدًا عليّ.
رائحة مسك دافئة علقت بأنفي.
“…”
استعدتُ أنفاسي أخيرًا، ورفعت نظري نحوه.
زيّه العسكري المحكم أظهر تفاصيل جسده القوي.
على ظهره كان سيف ضخم يقارب طولي.
ولمّا رفعتُ رأسي أكثر لأرى وجهه، وجدتُ نفسي أحدّق في وجه وسيم صارم.
شعر أسود أنيق، وعينان زرقاوان بلون البحر المتجمّد.
ملامح وجهه كانت قوية ومتناسقة، تمامًا كأبطال الروايات.
“هل هناك مشكلة؟”
بدا وكأنه ينبض بهالة باردة وقوية.
شعرتُ وكأنني غزالة تقف أمام نمر متأهّب.
“الكثير من المشاكل، في الواقع…”
لم أستطع مجابهة نظراته، فانخفض صوتي لا إراديًا.
لكن كان لا بدّ من قول شيء.
ضممتُ قبضتي وواجهته بنظري مجددًا.
“أصبتني بسهم أثناء مروري فقط! سهم مسموم حتى! لقد كدت أموت!”
ما إن نطقت بالكلمات، حتى انفجر الغضب داخلي.
أنا الضحية هنا! جلست في مكاني بهدوء ثم تلقّيت سهمًا في كتفي! كيف لا أغضب؟.
“لماذا تطلق السهام فجأة على الغرباء؟”
“دعيني أطرح عليكِ سؤالاً بدوري.”
نظر إليّ بعينيه الجليديتين.
“ما الذي تفعلينه في هذا المكان؟”
“هذا المكان…؟”
حاولت الرد بثقة، لكنني لم أكن أعرف حتى اسم المكان.
“أنا دوق الشمال. كنت أطارد وحشًا عبر الجدار الجليدي حين اكتشفت ‘البوابة’.”
“بوابة؟”
“نعم. وعادةً، خلف تلك البوابة يوجد وحوش. نطلق على تلك المناطق اسم ‘الزنزانات’. وقد ظننت أن هذه زنزانة كذلك.”
كانت عيناه الحادتان تراقباني، كأنهما تفحصان كل خلية في جسدي.
“أعتذر إن كنت قد تورطتِ بسببي، لكنني أقولها صراحةً—أنتِ مشبوهة. من أنتِ بحقّ؟”
“أنا فقط… بارتندر.”
“بارتندر؟”
ضاقت عيناه.
“أقصد، أصنع الكوكتيلات. أخلط الكحول مع مكونات أخرى.”
“أي أنك تديرين بار؟”
أومأت برأسي.
“لكن ذلك لا يفسر سبب وجودك هنا.”
“حانتي قريبة من هنا.”
“ما اسمها؟”
“…ذلك…”
ترددت في الإجابة.
الاسم الذي ظهر تلقائيًا في النظام… كان محرجًا للغاية.
طال صمتي، فابتسم وقال بنبرة خفيفة:
“حسنًا، أريني الطريق. شعرت بالعطش، وسأسدد دَيني برفع مبيعاتك.”
ظاهريًا كانت جملة لطيفة، لكنني أدركت النوايا التي تخفيها.
‘يريد التأكد من صحة كلامي.’
طريقة أكثر ذكاءً من مجرد اتهامي بالكذب.
“حسنًا، من هذا الاتجاه.”
ما دمت لم أكذب، فلا داعي للتردد. تقدّمت بخطى واثقة.
“سيدي الدوق! نحن…—
“لا تبتعدوا كثيرًا. انتشروا في المنطقة وانتظروا.”
“أمرك!”
تحرّك الفرسان بانضباط دقيق وفق أوامره.
‘دوق الشمال… هذا تمامًا كما في الروايات الرومانسية.’
وهكذا، وجدت نفسي أرافق دوقًا لا أعرف اسمه، متجهاً إلى حانتي الغامضة.
__________________________________________
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار!!⭐•
حسابي على الإنستا:
https://www.instagram.com/empressamy_1213/
حسابي على الواتباد:
https://www.wattpad.com/user/Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 5"