مزّقت قطعة صغيرة من السندويشة التي كنت قد جلبتها، وتناولت قضمة منها أمام غريتل حتى تشعر بالاطمئنان لتأكل هي الأخرى.
“تفضّلي.”
“…سآكلها.”
رغم أنها ما زالت حذرة مني، بدأت غريتل تقضم السندويشة بتردد.
“أنت أيضًا، كل يا أخي.”
“لقد أكلت بالفعل.”
“حقًا؟ هل يمكن انك تتظاهر بالشبع وأنت لم تأكل اصلاً؟”
رغم نبرتها الحادة، كان في كلماتها قلق واضح على هانسل.
“حقًا. لقد أفرغت تقريبًا مخزوني الكامل من الطعام.”
“أوف!”
ضربت غريتل ظهر هانسل ضربة خفيفة.
ابتسمت وأنا أشاهد تقاربهما الأخوي.
لا بد أن الشعور بوجود أخت مثله مريح.
في داخلي، شعرت بشيء من الغيرة. لم تكن علاقتي مع عائلتي على ما يُرام.
لم تكن سيئة، ولكن…
استحضار ذكريات منزلنا المتناغم ظاهريًا جلب لي شعورًا بالكآبة. لطالما شعرت أنني غريبة فيه، وكأنني لا أنتمي إليه.
لأنني…
“آسفة. أخي غبي قليلاً.”
“…آه.”
كنت غارقة في أفكاري، وعندما رفعت رأسي، رأيت وجه غريتل المنكّس والمعتذر يملأ مجال رؤيتي.
شعرت بالشفقة تجاه الظروف التي أجبرت طفلين طيبين مثل هانسل وغريتل على الجوع.
وبالامتعاض من عالم يجعل هذا النوع من الأطفال ينضجون قبل أوانهم.
لو فقط كان بوسعي مساعدتهما بطريقة ما…
“لا بأس. خذوا هذا لتأكلوه لاحقًا إن شعرتم بالجوع.”
ملأت جيوبهما بالشوكولاتة والحلوى حتى انتفخت، واتّسعت عيونهما من الدهشة.
“كمية كهذه من الطعام الثمين…”
لم أذكر أنه مجرد طعام التقطته من هنا وهناك.
لكن كان بوسعي على الأقل أن أقدم لهذين الطفلين المميزين نصيحةً تساعدهما على التغلّب على قسوة هذا العالم.
“قد يأتي يومٌ تضطران فيه للوقوف في وجه أحدهم. في ذلك الوقت، عليكما أن تثقا ببعضكما وتتعاونا كما تفعلان الآن. إن فعلتما هذا، ستنتصران حتمًا. فهمتما؟”
ما السبب وراء تجوّلهما في هذه الغابة؟
للعودة إلى المنزل.
الطفلان اللذان تخلّى عنهما والداهما، يُؤسران على يد ساحرة. لكن في النهاية، يتغلّبان عليها، ويستوليان على كنزها ليعودا إلى منزلهما ويعيشا بسعادة.
لو أشفقت عليهما الآن وأخذتهما معي، لفقدا فرصة الوصول إلى النهاية السعيدة المكتوبة لهما.
لذا، حتى إن وقعا في قبضة الساحرة، فعلى الأقل أترك لهما نصيحة بسيطة حتى لا ينهارا…
لكن انتظري لحظة. إن تركت الأمر عند هذا الحد، ألا يبدو والداهم في غاية الحقارة؟.
هانسل وغريتل يعانيان كل هذا، ثم يستمتعان بالكنز في النهاية وكأن شيئًا لم يكن؟.
“أطفال، إن حصلتما في يومٍ ما على كنز ثمين، تأكّدا من إخفائه جيدًا.”
“هاه؟”
“قد يحاول الأشرار الاستيلاء عليه. لذلك، عليكما أن تخبئاه في مكان لا يعرفه أحد سواكما. وأظهِراه للبالغين بقدرٍ محدود فقط.”
أمال الشقيقان رأسيهما بحيرة، لكن حين أعدت التوضيح بحزم، هزّا رأسيهما موافقين.
“نعم، سنفعل.”
“وحتى إن عدتما للمنزل، لا تسامحا والديكما ببساطة. يجب أن تحصلا على اعتذارٍ صادقٍ أولًا. فهمتما؟”
كمجرد نادلة تقف خلف البار، هذا أقصى ما أستطيع فعله.
“هم؟ نعم.”
أومأ هانسل وهو يبدو مرتبكًا بعض الشيء.
“لا تقلقي. سأكون حذرة ومنتبهة لأقصى حد.”
قالت غريتل بثقة.
“المرة القادمة، تعالي لزيارتنا إنتِ ايضاً، غريتل.”
“ام! نونا صنعت لي حليب بألوان قوس المطر!”
“حليب قوس المطر؟”
“نعم! حليب ملوّن…”
أخذ هانسل يبالغ في وصف حليب قوس المطر الذي شربه.
“أرجوكِ أعطيني حليب قوس المطر مرة ثانية!”
“في المرة القادمة سأعطيك شيئًا ألذ من حليب قوس المطر.”
ابتسمت وأنا أرد عليه.
حينها ربما يكون آيس كريم البلّور جاهزًا أيضًا. عليّ أن أبحث أكثر عن تصاميم ساحرة لأقدّم لهؤلاء الضيوف الصغار كوكتيلاتٍ لامعة مبهرة.
لوّحت للصغيرين مودّعة، وأنا أتمتم بأمنية صادقة بأن ينجحا في رحلتهما.
آملة أن يتمكنا من هزيمة الساحرة الشريرة، والوصول إلى نهايتهما السعيدة.
عدت إلى المتجر بعد أن تركت وحدي. كان الليل قد حلّ.
وبعد أن رتّبت المكان بشكلٍ سريع، ارتميت على السرير.
“هذا المكان… فعلاً صدع بُعدي.”
لقد التقيت بشخصيات من أبعاد مختلفة بالفعل—من الكابتن هوك إلى السيد من عالمٍ آخر، والمُرتدة إيف، وحتى هانسل وغريتل.
يا ترى، أي ضيف من أي بُعد سأقابل غدًا؟.
“تقديم الفواكه كوجبة خفيفة نال استحسان الزبائن. وتوسيع قائمة الوجبات الخفيفة زاد من الخيارات، وهذا بدوره زاد من طلبات الكوكتيلات.”
هذا التنوع أدى تلقائيًّا إلى ارتفاع كبير في العائدات لكل طاولة. والآن، ما أحتاجه فقط هو المزيد من الزبائن.
كيف يمكنني جذب المزيد من الزبائن؟ هل عليّ تصميم ملصقات ترويجية؟.
قد يكون من الصعب توزيع منشورات باليد، لكن تعليقها في أماكن مزدحمة قد يكون فعّالًا، أليس كذلك؟.
لكن هذا وحده لن يكفي.
ما أحتاجه حقًّا هو التنقّل بين الأبعاد للترحيب بضيوفٍ مميزين.
الضيوف المميزون—الأبطال، والزعماء النهائيون، وأصحاب الأدوار المحورية—لن يأتوا إليّ ما دمت جالسةً في مكاني.
“ومع المكافآت الكبيرة التي تقدمها المهمات…”
كنت مرهقة للغاية، وجفناي يثقلان شيئًا فشيئًا.
من خلال نظري الذي بدأ يتشوّش، ظهرت أمامي نافذة الإشعارات المألوفة من جديد.
[ <إشعار> مهمة متكررة متاحة!
بار الكوكتيل < لا أعلم. سَمِّه أي شيء > أصبحت هدفًا للمُزعجين. اقضِ على هؤلاء الضيوف المزعجين الذين سيضايقونك دون هوادة بسحرهم الخاص!
المكافأة: تتفاوت حسب مستوى الصعوبة ]
❈❈❈
ـــ فوووش!
شقّ سيفٌ هائل جسد الوحش إلى نصفين. سقط وهو يصرخ، وجسده المنقسم ما زال يتلوّى بعنف.
“عنيد.”
انتزع يوهانس سيفه بعنف، ثم هشم جمجمة الوحش بضربة قاضية. حدّق أحد الفرسان في المشهد بدهشة مذهولة.
“هل… هل هذا ممكن حقًا؟ لقد لوّح بسيفه مرة واحدة فقط…”
“ما هذا الرد؟ هل أنت مستجد؟”
“نعم، إنها أول مرة لي أتجاوز فيها جدار الجليد.”
رغم الحديث الدائر، لم يتوقف سيف يوهانس عن الحركة. طعن، قطع، سحق—بأقصى درجات العنف التي يمكن أن يطلقها سيف.
يوهانس لا ديف آشير.
رجل نبيل… ولكنه منحوس.
بلغ مستوى “سيّد السيف” في العاشرة من عمره فقط ، وتولى قيادة “فرسان الأسد الأسود” منذ صغره، محاربًا الوحوش العاتية في المناطق الشمالية القاسية لحماية الإمبراطورية.
لشدة انشغاله في القتال الدائم، لم يظهر في المجتمع المخملي، فتناقل الناس عنه شائعات بأنه أقبح رجل في زمانه، أو وحش محبوس في قلعة الشتاء.
في الحقيقة، وصف “الوحش” لم يكن بعيدًا تمامًا عن الواقع.
بجسده الضخم والهائل، بدا يوهانس بالفعل وكأنه وحش.
بينما امتلأت مجالس النبلاء بالسخرية والنفور منه، كان العامّة يمتدحونه. فمنذ أن ورث منصبه، انخفضت هجمات الوحوش بشكل ملحوظ.
لكن يوهانس نفسه لم يُعر هذه التقييمات أي اهتمام. كان ببساطة… يقتل الوحوش قدر استطاعته.
وفي تلك اللحظة، عاد مساعده و ذراعه الأيمن، سولِك، من مهمته.
“أبلغكم! الوحش الذي قتلناه الآن كان الأخير. المهمة اكتملت!”
“جيد.”
لوّح يوهانس بسيفه بخفة ليطرد الدم عنه، ثم أعاده لغمده.
“فلنعد إذن.”
وبأمر منه، جلب له أحد الفرسان حصانه. امتطاه وانطلق.
كان من المفترض أن يبدأ إجازته بعد انتهاء هذه الحملة التي استمرت أسبوعين.
لم تكن هناك أي خسائر في الأرواح هذه المرة، فالزنزانة الذي كانوا سيغزونها كانت حالة خاصة.
استعاد يوهانس صورة الباب الذي اكتشفه. كان الأمر غير مسبوق. ذلك النوع من “الزنازن” النادر الظهور عادةً ما يحاول جذب البشر بعروضٍ مبهرجة من الذهب والمجوهرات.
لكن ذلك الباب… بدا كأي باب عادي لمنزل شمالي.
ظننت أنه نوع خاص من زنازن الوحوش.
دخول الزنزانة عادةً ما يهدّد حياة الفرد.
لكن يوهانس، بعد تجهيز دقيق، فتح الباب برفقة نخبة نخبة جنوده فقط.
ما إن أحسّوا بحركة، أطلقوا السهام فورًا، لكن الشخص الذي ظهر كان امرأة ضئيلة الحجم، بوجه طفولي.
“أُصيبتني سهامكم وأنا فقط أمرّ بالمكان، أليس هذا خطيرًا؟ وكانت حتى سهامًا مسمومة. كدتُ أموت، هل تعلمون؟”
رغم أنها كانت ترتجف، إلا أن نبرتها بقيت متماسكة وهي تلقي تلك الكلمات، وقد ترك ذلك انطباعًا في ذهنه.
“الاعتذار وحده لا يكفي. لذا، أرجو قبول هذا التعويض المتواضع.”
وما إن أمسكت بقطع الذهب، حتى انفرجت أساريرها فجأة، وكأن شخصًا آخر قد حلّ محلّها.
وجد في تبدّل تعبيرها السريع شيئًا مسلّيًا.
وتغيّر موقفها منه بسرعة كذلك. قبل لحظات كانت تنظر إليه بحذر وكأنها تتعامل مع زعيم عصابة، والآن أصبحت تتحدث معه كزبون.
ليس كلورد، بل كـ”زبون”.
لو كان قد قدّم تلك القطع الذهبية لفلاح عادي، لركع الأخير له شكرًا، لكنه شعر أن هذه المرأة مختلفة.
لم تكن متزنة، ولا متجاوزة للحد، بل بدت مريحة بطريقة عفوية.
“ما نوع المشروبات التي تفضلها عادة، يا سيدي؟”
“البيرة والويسكي، في الغالب.”
“أفهم. هل تحبّ الويسكي صافيًا أم مع الثلج؟”
“صافي. في الواقع، فكرة خلطه تبدو غريبة عليّ.”
الحوار الذي دار بينهما بحثًا عن الخيار المناسب كان ممتعًا هو الآخر.
حانة تقدم مشروبات غير محددة؟ كان أمرًا جديدًا عليه.
والمشروب الناتج… كان مذهلًا.
كان يوهانس قد اعتاد على شرب الشمبانيا والبيرة الثقيلة كلٌّ على حدة، لكن عندما تذوّق ذلك الكوكتيل لأول مرة، صدمه الطعم المكثّف.
أظنها سمّته كوكتيل… أشعر برغبة شديدة في تذوق رشفة أخرى من ذلك الشراب المميز.
__________________________________________
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار!!⭐•
حسابي على الإنستا:
https://www.instagram.com/empressamy_1213/
حسابي على الواتباد:
https://www.wattpad.com/user/Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 13"