{ الصورة التوضيحية | 𝑹𝒂𝒊𝒏𝒃𝒐𝒘 𝑴𝒊𝒍𝒌 }
تحرّكت بحذر، مكتومة الخطى. كان بإمكاني سماع صوت خافت لقرقعة تأتي من جهة المطبخ.
“لماذا المطبخ؟”
ليس مكانًا منطقيًّا للبحث عن أشياء ثمينة.
“لا تخبرني بأنهم يبحثون عن سلاح…”
بل سيكون ذلك أفضل في الواقع، فهذا يعني أنهم لم يأتوا مسلحين في الأصل، بما أن أقصى ما يمكن العثور عليه في المطبخ هو سكاكين أو شوك.
وإن حدثت مواجهة، فإن طول عصا الممسحة سيمنحني الأفضلية.
عندما خطوت خطوة أخرى، شهقت حين لمحت بركة حمراء عند قدمي.
إن كان المتسلل قد أُصيب، يمكنني أن أستجمع بعض الشجاعة وأُخرجه من هنا.
أي خوف كنت أشعر به قد تلاشى منذ أن تعكّر صفو نومي الثمين.
“الفرصة الآن!”
اقتحمت المطبخ بصيحة قتالية. وما إن انفرج الستار المعلّق عند مدخله، حتى ظهر لي من كان السبب في الفوضى التي حلّت بمحل الكوكتيل الخاص بي.
“هاه؟”
وقفت أنا، التي رفعت عصا الممسحة عاليًا، متسمّرة في مكاني.
كان صبيًا لا يبدو أن عمره يتجاوز العاشرة، يحدّق بي بنظرة خائفة.
–دَفّ.
أسقط الصبي الخبز والزجاجة التي كانت بيده. تبع نظري ما سقط على الأرض.
كانت تلك الزجاجة تحتوي على كرز الكوكتيل.
الكرز، المصبوغ بأحمر قانٍ، كان يلمع كالجواهر—مثالي للزينة.
“هل كانت تلك البركة الحمراء مجرد كرز كوكتيل مسكوب؟”
عبق غريب الحلاوة تصاعد إلى أنفي. شعرت بالحرج، فحككت مؤخرة رقبتي وخفّضت عصا الممسحة. كان واضحًا أن لهذا “اللص” الصغير حكاية، لذا بدا الحديث أولوية.
“مهلًا، كيف دخلت إلى هنا؟”
“هَق، أ-أنا، أ-أنا…”
“لا بأس، لستُ غاضبة. لا تبكِ، فقط أخبرني ما الذي يجري؟ ربما يمكنني مساعدتك إن كان قد حصل شيء.”
تحدثت بلطف، محاولةً تهدئة الطفل.
لاكن رغم جهدي، انفجر باكيًا.
“واااااااه!”
“أوه، يا إلهي.!”
كيف يُواسى طفل باكٍ؟ لقد واسيت الكثير من البالغين السكارى، لكن لم يحدث أن تعاملت مع طفل من قبل.
“مرحبًا أيها الصغير، تريد شيئًا خفيفًا؟ ستشعر بتحسّن إن أكلت شيئًا حلوًا.”
“هَق، أُمّيييييي!”
لم يبدو أن الطفل سمعني، بل استمر في البكاء والنحيب. حتى حين حاولت إعطاءه قطعة شوكولاتة، لم يتفاعل.
“بكاؤه يرنّ في رأسي…”
رغم أن الوضع مزعج، إلا أنني باعتباري بالغة، يجب أن أتصرف.
ثم لمعت في رأسي فكرة جيدة.
“نونا ستصنع لك كوكتيل خاص. انتبه جيداً، حسناً؟”
( نونا تعني الأخت الكبرى)
وتظاهرت بالتماسك بينما أخرجت كأس مارتيني، على شكل مخروط مقلوب.
غمست حافة الكأس أولًا في طبق مملوء بالحليب المُكثف. رفع الصغير نظره إليّ، وقد أثار الفضول اهتمامه.
“الخطوة التالية، نغطّي الحافة برشّات ملوّنة.”
دحرجت حافة الكأس المغطاة بالحليب فوق حبات الرش، فزينتها بألوان زاهية.
أحمر، أصفر، أخضر، أزرق—كرات صغيرة اندمجت معًا وزيّنت الجزء العلوي من الكأس.
“تا-دا! ما رأيك؟”
“الـ… الكأس شكله حلو.”
“صحيح؟ هذه فقط الزينة. عليك إكمال الباقي بنفسك.”
“أ-أنا؟”
أخذ الطفل يعبث بأصابعه بتوتر.
“الأمر بسيط جدًا. فقط صبّ هذا الحليب في الكأس. لكن لا تلمس الحافة، حاول صبّه في المنتصف.”
حين قدّمت له الكأس المزيّنة مع الحليب، بدا عليه الارتباك.
رغم التردد، صبّ الحليب ببطء داخل الكأس بصمت.
“لا تلمس الحافة، لا تلمس…”
–غلَغ، غلَغ.
امتلأ الكأس بالحليب.
“هاه؟”
عند التقاء الحليب بالرش، بدأت الألوان الزاهية تتسرّب إلى السائل الأبيض.
بدلًا من أن تمتزج، تمددت الألوان للخارج، محوّلة الحليب العادي إلى لوحة فنية.
“واو! واو! حليب قوس قزح! أنا صنعته!”
<شكل حليب قوس قزح>
هتف الطفل بحماس، كأنه لم يكن يبكي قبل لحظات. ابتسمت بفخر لرؤية ردة فعله. أنفه الأحمر جعله يبدو لطيفًا جدًا.
“ما رأيك، أيها النادل الصغير؟”
“أحبه! هل يمكنني أن أشربه؟”
“أكيد، إنه لك.”
وبدون تردد، شرب الطفل الكأس بأكمله.
“كريمي ولذيذ! مزاجي أصبح ملوّن ايضاً! هيهيهي.”
“صحيح؟ أنا ايضاً أحب هذا.”
طعمه ليس مذهلًا—مجرد حليب حلو وخفيف، يشبه طعم الآيس كريم الذائب قليلًا.
لكن رؤية تلك الألوان الزاهية تزيد من متعة التجربة.
لو أضفت إليه بعض الفودكا أو الروم، لكان كوكتيلًا رائعًا، لكن الحليب وحده كافٍ لنادلنا الصغير.
[ < إشعار > تمّ إكمال مهمة خفيّة!
قدّمت “كوكتيلًا غير كحولي” لزائر قاصر للمرة الأولى.
المكافأة: 10 آيس كريم بنكهة العلكة. ]
“والآن، هل ستخبرني ما الذي يجري؟”
سألت وأنا أربّت على رأس الطفل.
“كنت أتمشى في الغابة مع أختي الصغيرة…”
“الغابة؟ أين والداك؟”
“والداي تخلّوا عني أنا وأختي في الغابة.”
اختفت الابتسامة المشرقة على وجه الطفل في لحظة.
تخلّي والدين عن طفلين بهذا العمر في الغابة…
“مثل قصة ‘هانسل وغريتل’ أو شيء كهذا…”
تمتمتُ دون تفكير، فاتسعت عينا الطفل فجأة.
“نونا، أنتِ تعرفينني؟”
“هاه؟”
“لقد ناديتِني بهانسل. هذا اسمي.”
رمشتُ بدهشة، مذهولة رغم معرفتي بأن هذا البُعد متصل بالقصص المألوفة.
“أم، نونا؟…”
“آه، آسفة! فقط شردت قليلاً بأفكاري. أمم، يبدو وكأنني أعرفك بطريقة ما.”
“واو، مذهل!”
“هاها.”
في الحقيقة، لقد قرأت القصة الخيالية التي هو بطلها، لكن شرح ذلك سيبدو غريبًا، لذا آثرت الغموض.
“لكن، حقًا، كيف دخلت إلى هنا؟”
“رأيت الباب فدخلت. كنت جائعًا، كما تعلمين. نونا، أكلت ذاك الخبز وتلك الكرزات. آسف.”
“إن كنت جائعًا، فلا بأس بأن تأكل شيئًا. لقد تفاجأت، لكن لا بأس.”
“أكلت أيضًا رقائق البطاطس، والموز، واللحم، والفول السوداني، والذرة.”
تحدث هانسل وهو يشهق، لكن معرفتي بأنه وجد طعامًا كافيًا ليأكله أشعرني بالارتياح. كل الجهد الذي بذلته لجمع الطعام من أبعاد مختلفة لم يذهب سُدى.
“في سنّك، يجب أن تأكل كثيرًا. هل لا تزال جائعًا؟ يمكنني إعداد شيء لك.”
“أنا شبعان الآن.”
ربّت هانسل على بطنه المستدير بفخر وهو يجيب.
“وأين أختك؟ هل هي هنا بالمصادفة؟”
بينما كنت أتلفّت وأسأل، امتلأت عينا هانسل الكبيرتان بالدموع مجددًا.
“ل–… لا أعلم. أضعتُها. لأني دخلت أي مكان فقط لأنني كنت جائعًا…”
“لا بأس. سنبحث عن أختك سويًّا.”
رغم أن الأمر مزعج، إلا أنني لا أستطيع تجاهل أطفال يتضورون جوعًا.
قمت على عجل بتجهيز بعض السندويشات وعصير الفواكه.
“حسنًا، لننطلق. أرني الطريق.”
“نعم، نونا!”
أسرع هانسل نحو الباب وفتحه. ومن أمامي، انكشفت غابة غريبة غير مألوفة، وأنا لحقت به بتراخٍ.
‘هل يمكن أن يؤدي الباب الأمامي إلى أبعاد مختلفة؟.’
تذكّرت التنبيه الذي قال إنّ عليّ تخيّل البُعد الذي أريد الذهاب إليه.
‘هل يتصل الباب ببُعد الشخص ذاته إن لم يكن من ضمن نظام هذا المكان؟.’
تمتمت لنفسي، حينها انطلق صوت تنبيه خافت.
–دينغ!
[ < إشعار >: صحيح! يمكن للزوار العودة إلى بُعدهم الخاص عبر الباب الذي دخلوا منه.
يرجى إبلاغ أي زائر تائه أو ضائع بهذا الأمر. ]
استدرت لأرى الباب المألوف يقف هناك في مكانه.
“هذا هو الباب الذي قلت لك عنه! حين دخلت من خلاله، انتهى بي الأمر في مكانك.”
“أرى…”
كان بناءً بسيطًا. الباب الذي ظهر في بُعد هانسل وغريتل كان متصلًا بباب بار الكوكتيل الخاص بي.
[ < إشعار > في حالات نادرة، قد يظهر “باب” خارج المحل. ]
ويبدو أنني قد اختبرت إحدى تلك الحالات النادرة بالفعل.
‘ذاك السيد الثري ظهر في الغابة.’
تساءلت عن المعايير التي تحدد ذلك، لكن شرح النظام توقف عند هذا الحد. لم أكن فضولية بما يكفي للبحث عن المزيد.
الأهم من هذا كله، كان علينا أن نجد غريتل الآن.
“غريتل! أين أنتِ؟!”
صاح هانسل واضعًا يديه حول فمه ليضخّم صوته. صوته كان قويًّا بعد أن امتلأ بطنه بالطعام.
“غريتل! أين أنتِ؟!”
انضممت إليه، أصرخ بدوري دون تردد. كنا نظن أننا سنجدها بسرعة، لكن يبدو أنها ابتعدت كثيرًا عن هذه المنطقة.
“غريتل! أخوك هنا!”
“غريتل! هناك طعام! تعالي لنأكل!”
كم من المسافة يمكن لطفلة أن تقطعها؟.
وحين بدأ القلق يتسلل إلى صدري بأننا لن نجدها، ظهرت فتاة تشبه هانسل تمامًا في الطرف المقابل.
“هل يمكن أن تكون هذه…”
“غريتل!”
قبل أن أتمّ سؤالي، ركض هانسل نحوها أولًا. تصرفه وحده كان كافيًا للإجابة.
“وااااه، غريتل. أين كنتِ؟ بحثت عنك في كل مكان!”
رغم أن الأمر كان مرهقًا، إلا أنه لم يكن سيئًا أن أشهد لمّ شمل دافئ بين الأشقاء.
“من الذي يصرخ هكذا؟ هاه! ما هذا الشيء اللزج على ملابسك؟ قلت لك أن تأكل دون أن تتسخ!”
“لكن، لكن…”
“أين كنتَ بحق؟ اختفيتَ فجأة، وقلقت عليكَ كثيرًا!”
“رأيت بابًا. ظننت أنه قد يكون هناك شيء نأكله…”
“لكن، كيف تدخل هكذا فحسب؟! لا تعلم من قد يكون بالداخل!”
كنت قد تخيّلت فتاة هشة تبكي وتبحث عن شقيقها كحال هانسل، لكن في الواقع، كانت غريتل فتاة قوية مثيرة للدهشة.
“من هذه الأوني؟”
“إنها صاحبة المنزل الذي دخلتُه.”
ابتسمت وأنا أقدّم لهما السندويشات، لكن نظرة حذرة ارتسمت بوضوح على وجه غريتل.
“لماذا تُعطينا طعامًا؟”
“هم؟”
” لا أحد يُعطي طعامًا لأحد دون سبب. هذا مريب.”
نبرة غريتل المتزنة كانت باعثة على الاطمئنان في الواقع. عندما يتخلّى الأهل أنفسهم عن أطفالهم، كيف لها أن تثق بالغرباء؟.
“لكن، لا بدّ أن يكون هناك من…”
اقتربت منها وتابعت حديثي بهدوء.
“يعتني بالأطفال الجائعين.”
“…”
عند كلماتي الهادئة، ومض في عيني غريتل بريق خافت.
__________________________________________
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار!!⭐•
حسابي على الإنستا:
https://www.instagram.com/empressamy_1213/
حسابي على الواتباد:
https://www.wattpad.com/user/Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 12"