{ • Pictures• }
سئمتُ.
تعبتُ إلى حدّ الاشمئزاز.
وربما كان التعبير الأدق هو أنني أصبتُ بالنفور الكامل.
كل ما كنتُ أُخفيه بشقّ الأنفس انفجر فجأة، تمامًا كفقاعة هواء انضغطت لحدّ الانفجار.
بالطبع، لم يكن الأمر وليدَ لحظة.
المشاكل؟ كثيرةٌ حدّ الغثيان. بل أكثر من اللازم.
“سينا، أنتِ خرجتِ في مهمة إلى بار الفندق، أليس كذلك؟”
“نعم.”
“المدير هناك لم يتوقّف عن مدحك! سمعنا أن الزبائن ما زالوا يسألون عنك!”
“نعم.”
أجبتُ ببرود، بينما تابعتُ تحضير الكوكتيل بانشغالٍ واضح.
لم يكن وقتًا مناسبًا للدردشة. الطلبات كانت مكدّسة أمامي.
مريب.
حين يُلقي هذا الرجل مديحًا لا يُشبهه، فلا بد أن هناك سببًا خفيًا.
.
.
“ولهذا السبب، أريدكِ أن تذهبي للعمل هناك بعد الدوام اليوم. ماذا ستفعلين إن عدتِ مبكرًا للبيت؟ على الأقل تكسبين مالًا، أليس كذلك؟”
تمامًا كما توقّعت.
أدرتُ ظهري للمدير، وقدّمتُ الشراب للزبون.
“…كوكتيل ‘الدايكيري’ الذي طلبتموه.”
“آه، أهذا هو الشراب الذي كان يحبه همنغواي؟ صدّقيني، أنا من كبار معجبيه!”
—همنغواي كاتب مشهور من أصول آسيوية.—
“نعم، لكن همنغواي لم يكن يحبّ الطعم الحلو، لذا كان يفضّل وصفةً تُضاعف فيها كمية الروم وتُحذف منها السكّر. هل ترغب بالنسخة المُعدّلة في الكأس التالي؟”
أجبتُ بابتسامةٍ شكلية وأنا أبدأ بتحضير الكوكتيل التالي.
“يا للروعة! فتاة مثلك تبدو عاقلة ومهذّبة على عكس شباب اليوم. أتمنّى لو آخذكِ معي!”
الزبون—أو لنقل الوقح هذا—تجاهل كلماتي تمامًا وبدأ في إطلاق تعليقاته التافهة.
معجبٌ بهمنغواي؟ أنتَ في عمره تقريبًا، هذا إن لم أكن في عمر ابنتك أصلًا.
“أيتها النادلة! واحد اخرى!”
“عذرًا، لكنك سكران الآن.”
“ما المشكلة؟ أليس من حقي أن أشرب ما دمتُ أدفع؟”
“لكنّك تعاني من مشاكل في الكبد. إن واصلتَ الشرب، فقد—”
“ما هذا؟ كيف تجرؤين على الردّ على زبون؟ أحضري الشراب!”
تدخّل المدير فجأة.
“لكن—”
“من حقّ كل إنسان أن يشرب.”
“بالضبط!”
وافقه الزبون بحماسٍ مزعج.
حسنًا، إنه كبدك وليس كبدي.
عدتُ لتحضير الشراب بصمت، لكن المدير لم يتوقّف عن الإلحاح.
“إذًا، ستحضرين الليلة، صحيح؟ من أجلي، أرجوكِ. أعلم أنك ستوافقين في النهاية كما تفعلين دائمًا…”
“سيدي المدير.”
رغم وجود مئات الأسباب، إلا أنّ تلك الجملة كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.
في لحظة إدراكٍ قاسية، أدركتُ كم كنتُ أعيش كـ”مغلوبة على أمرها”.
أخرجتُ بهدوء الظرف الوردي الذي كنتُ أحتفظ به في جيبي منذ فترة.
“هاه؟ ما هذا…؟”
“تفضّل.”
“أوه؟ جيل اليوم جريء فعلًا، هه. لِنرَ ما لدينا هنا…”
فتح الظرف وهو يهمهم، وقد خُيّل إليه أنه تلقّى اعتراف حبّ.
أوه… ربما كان الظرف سبب هذا اللبس؟
لقد استخدمتُ ظرف تهنئة مزخرف بالورود، كان في الأصل بقايا ظرف دعوة زفافٍ قديم.
حتى ثمن الظرف كنتُ أراه مضيعةً للمال.
“…ماذا؟! استقالة؟!”
“شكرًا لك على كل شيء. أرجو إيداع مستحقاتي في حسابي.”
نزعتُ ربطة العنق، وألقيتُ بها فوق طاولة البار.
كانت مزيّنة بقطعٍ لامعة سخيفة فقط لأنني نادلة أنثى. لطالما أزعجتني.
“هكذا تردّين الجميل؟ أتظنّين أنكِ حصلتِ على منصبك بمهارتك؟ الزبائن يأتون لأنك جميلة لا أكثر!”
“إذن، لمَ لا توظّف نادل ماهر ليحلّ مكاني؟”
“يا لكِ من وقحة!”
“لا أظنّ أن لديك الوقت الكافي لإضاعة أنفاسك هكذا.”
“ماذا؟!”
بعد تقديم استقالتي، لم أعد مضطرة لأن أكون لطيفة أو خاضعة.
الاستقالة صعبة حين تُفكّر فيها، لكن ما إن تُقدم عليها، حتى تشعر أنك تحرّرت من كل شيء.
بوجهٍ صارم، رفعتُ رأسي وتكلّمت.
“هناك سبع طلبات كوكتيل متأخرة. بالتوفيق.”
” سينا! هيه! توقّفي هناك! كيف تتوقعين أن أُدير المكان وحدي؟!”
وهل هذا من شأني؟ أنا أيضًا كنتُ أتحمّل كل شيء وحدي. فليجرّب هو الآن.
تجاهلتُ صراخ المدير، حملتُ حقيبتي، وغادرتُ المكان.
وفي طريقي للخروج، صرخ أحد الزبائن بمرح: “الطلب من فضلك!”
ضحكتُ بخفّة دون أن ألتفت.
طلب إضافي.
كوكتيل مثل “رينبو”، كثير الخطوات وغريب المذاق، غالبًا ما يجعل الزبائن يتذمرون.
والمشكلة أن خمسة على الأقل يطلبونه فقط لأنه يبدو جميلًا.
تركتُ البار الذي عملتُ فيها، مردّدةً لعنات تليق ببارتندر مخضرم.
هل كان هذا المكان سيئًا بشكل خاص؟
الحقيقة أنّ كلّ مكان عملتُ فيه كان متشابهًا.
ربما كنتُ فقط نحسة لدرجة لا تُصدق.
“لقد سئمت.”
وصل بي الأمر أن أحمل استقالتي معي كل يوم…
“أريد أن أعيش مرتاحة. لا عمل، لا جهد… فقط حياة سهلة.”
ربما لهذا السبب سئمت حتى من الوظيفة التي أحببتها يومًا.
تمامًا كالعلكة، تكون حلوة في البداية، ثم تفقد طعمها وتصير مملة ومطّاطة.
ربما يجب أن أعيش كما يعيش الجميع.
أخوض امتحانات القبول، وأدخل الجامعة…
“كل صديقاتي في سنتهم الأخيرة…”
بينما كنتُ غارقة في التفكير، سمعتُ صراخًا:
“انتبهي!”
وفي اللحظة التالية، صدمتني دراجة نارية بقوة.
طار جسدي في الهواء، ثم ارتطم بالأرضية الإسفلتية القاسية.
ألم غامر اجتاح كل جزءٍ مني.
رأيتُ دمي ينتشر حولي، يتوسّع كدوائر الماء.
هل هذه نهايتي؟
بالكاد استقلت، كنت اريد فقط أن أرتاح لأيام قليلة…
يال قدري….
“ماذا نفعل؟! تماسكي!”
“اتصلوا بالإسعاف!”
بدأت الأصوات تتلاشى…
ظننتُ أنها النهاية.
…لكنّني كنتُ مخطئة.
بعد فترة،
—دينغ!
رنّ صوتٌ غريب، وعندما فتحتُ عيني، ظهرت نافذة شفافة أمام وجهي.
<إشعار> تم الدخول إلى “شقّ بُعدي”.
…ما هذا؟
هل تقمّصتُ شخصية أخرى؟
هل كانت الدراجة “شاحنة التجسيد” المشهورة؟
مستحيل… هذا سخيف…
لكنّ أبطال القصص دائمًا ما يقولون نفس العبارة.
رغم أن الاتجاه السائد الآن هو القبول دون اعتراض.
نظرتُ حولي ببطء.
مجال أبيض تمامًا، لا شيء فيه سواي.
لكنّه كان جسدي أنا، لا جسد شخص غريب.
حتى ملابسي كانت كما هي: قميص أبيض، سروال أسود…
ولم تكن هناك آثار للدماء.
ثم تغيّر النص الظاهر على الشاشة:
<إشعار> مرحبًا بك! طوّر عالمك الخاص!
“طوّر؟ طوّر ماذا؟”
مع أنني خبيرة في الألعاب والروايات الرومانسية الخيالية،
إلا أن هذا التطوّر غريب وغير مألوف.
“عادةً أدخل إلى عوالم أعرفها، لاكن البداية هنا مريبة…”
ويبدو أنني نطقت بالنحس:
<إشعار> العضوية المقترحة: “الأساسية” (اشتراك شهري: 9,800 كوينز).
إييييه؟
هل هذا “إكس فليكس”؟!
منذ أن نجح ذلك النظام، والجميع صار ينهب جيوبنا باشتراكاتهم.
بل وحتى العملة هنا مختلفة!
لا أدري إن كانت تلك الـ”كوينز” رخيصة أم باهظة.
<إشعار> يمكنك تصفّح الأبعاد الأخرى بحرّية.
لتجربة محدودة المدة (10 أيام مجانًا)، يُرجى قبول المهمة.
يمكنك الإلغاء في أي وقت.
لكن في حالة عدم الدفع أو الإلغاء… ستُطرَد إلى العالم السفلي.
هل تقبل المهمة؟
[Y] [N]
يعني، حرفيًا: الموت….
تذكرتُ الكثير من قصص التقمّص.
دائمًا ما يبدأون بقبول المهام ليعيشوا، ثم يعانون كثيرًا.
NO معناها N و YES معناها Y
أنا مدتُ يدي نحو N.
فما من شيء أتمسّك به بعد الآن، ولا أريد المزيد من المعاناة.
لكن…
“ما هذا؟ لماذا تهرب؟!”
حاولتُ الضغط على N، لكن فجأة تحوّل الزر إلى Y.
شعرتُ وكأن النظام نفسه يرفض الرفض!
“أي نوع من الأنظمة هذا؟!”
ورغمًا عني، تمّ اختيار Y.
وفجأة، تحطّمت المساحة البيضاء من حولي، وتحولت إلى غابة خضراء مورقة.
شعرتُ بالعشب الناعم تحت كفّي، وسمعتُ تغريد العصافير.
الهواء منعش والمكان مثالي للتقاعد.
إلّا أن هناك مبنىً خشبيًا متهالكًا من طابقين بدا وكأنه سينهار في أي لحظة.
“ما هذا؟”
قبل أن أتمكن من التفكير، ظهرت نافذة أخرى.
<إشعار> من فضلك، أدخل اسم المتجر.
“لا أعلم. سَمِّه أي شيء.”
<إشعار> تم تحديد اسم المتجر: < لا أعلم. سَمِّه أي شيء >.
“م-مهلًا! أريد الإلغاء!”
__________________________________________
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار!!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 1"