8
عدتُ إلى قصر الكونت وينسلي في العربة. كانتْ عائلتي جميعاً في استقبالي. ربما لأنّهم لم يكونوا يعلمون بعد بما فعلتُه في الحفلة.
والدي، الذي كانَ يُربّت على كَتفي مُعرباً عن ارتياحه، دعا العائلة بأكملها إلى المكتب في صباح اليوم التالي.
طارتْ صحيفة في طريقي وأنا أدخلُ المكتب. كانَ والدي شخصاً مُهذّباً حتى مع أبنائه، ولم يقمْ بمثل هذا التّصرف من قبل. لِذلك، شَعرَتْ باقي العائلة بالذّهول، أمّا أنا فلا.
كنتُ أعلمُ بالفعل أنّ والدي سيغضب. جَثوتُ بِبُطء على ركبتي أمامه.
“أبي، يَجب أن تُخبِرنا على الأقل بما فعلتْه أُختي…”
حاولَ رويين تهدئة والدي، لكنّ وجه والدي العابس لم يلين.
“لايلا! هل كلُّ ما كُتِبَ في هذه الصّحيفة حقيقة؟”
أغلقتُ عينيّ وبقيتُ ثابتة. تناوَبَ رويين النّظر إليّ وإلى والدي، ثمّ التقطَ الصّحيفة بِحَذر.
“زواج الدّوق دوزخان والابنة الكبرى للكَونت وينسلي… ما معنى هذا، يا أُختي؟”
سألني رويين بِصوتٍ مُرتبك. قبلَ أن أتكلّم، قالَ والدي بصوتٍ يَكتمُ غضبه:
“خاضت لايلا مُبارزة مع ماركيز آمبر في حفل اجتماعيّ، مُراهِنةً بِشَرَف الدّوق دوزخان.”
“ماذا، ماذا قلت؟”
نادراً ما كانتْ أمّي الأنيقة تَنفَعِل بهذا الشّكل. شَعرتُ بِما اقترفتُه بِكُلِّ كياني. لا بدّ أنّ هذا كالصّاعقة التي نزلَتْ من السّماء على عائلتي، وخاصّة والدي ووالدتي.
“أنا آسفة.”
صَمَتَتْ عائلتي للحظة على اعتذاري، لكنّ أمّي صَرَختْ بِصوتٍ عالٍ:
“كيفَ يُمكِنُكِ أن تفعلي هذا بنا! لقد وافقتِ على الذّهاب إلى الحفلة لِتَقولي إنَّ الأمر ليسَ حقيقيّاً!”
“لكنني لم أُفكّر في ذلك مُنذ البداية. أنا أُريدُ الزواج من صاحب السموّ الدّوق دوزخان.”
“إذاً، ما الذي يُنقِصُكِ لِتتزوّجي ذلك الرّجل!”
لم تستطعْ أمّي إكمال كَلامها وغَطّتْ وَجهها بِيَديها وبدأتْ في البُكاء. كانَ بُكاؤها حزيناً لِدرجة أنّها نَسِيَتْ كرامتها كَزوجة كونت. عندَ سماع بُكائها، شَعرتُ بِألمٍ يُشبهُ نَزعَ القَلب.
لكنّ كُلَّ هذا كانَ من أجل عائلتي.
وقفتُ ورفعتُ طرفَ تَنّورتي، مُؤدّيةً تحيّة رسميّة بِجدّيّة لم يسبقْ لها مثيل. لم تَقتربْ عائلتي، واكتفوا بالنظر إليّ.
“أرجوكُم، اسمحوا لي بالزّواج من صاحب السموّ الدّوق دوزخان. إذا لم تسمحوا، سأنضمّ إلى فُرسان الإمبراطور ولن أتزوّج أحداً أبداً. ولن أعودَ إلى المنزل أيضاً.”
فَتَحتْ عائلتي أعينها في صَدمة. شهقتْ أمّي وأمسكتْ بِمُؤخّرة عُنقها. سارَعَ آدم بِدَعمها، لكنّه كانَ مشغولاً أيضاً بِمُحاولَة النّظر إليّ بِعَدَم تصديق.
في ظلِّ هذا الوَضع، سألني والدي بِصوتٍ أكثر هدوءاً بعدَ أن تَمكّن من السَّيطرة على غَضبه قليلاً.
“هل يُمكِنكِ أن تُخبِريني بالسّبب؟ إذا كنتِ قد أحببتِ الدّوق، سأحترم مَشاعركِ.”
ابتسمتُ وهززتُ رأسي على كلامه. لم أستطعْ أن أقولَ الحقيقة، ولم أُرِدْ أن أكذب على عائلتي.
“هذا زواجُ مَصلحة، يا أبي. هناكَ شيءٌ أُريدُ الحصول عليه بِالتّأكيد من خلال هذا الزواج.”
لم يَبقَ لي في هذه الحياة سوى بضع سنوات. لِذا، كانَ أملي الوَحيد هو سَلام عائلتي. حتّى لو لم تَرغبْ عائلتي في ذلك، كنتُ أُريدُه.
“أرجوكُم، احترموا اختياري الأنانيّ.”
دَوى بُكاء أمّي بهدوء في المكتب مرّة أخرى. أحاطَ والدي كَتِفها ورَبّتَ عليها بِثُقل. ألن يُوافقَ هذه المرّة أيضاً؟ على الرّغم من كُلِّ هذا الخِذلان… في تلك اللّحظة.
قالَ والدي بِتَعبير مُتألّم:
“أشعرُ أنَّ إيقافكِ أمرٌ مُستحيل.”
“أنا آسفة يا أبي.”
كرّرتُ هذه الكلمات كالـبَبغاء. هزَّ والدي رأسه وهو يسمع اعتذاري. لم يكن ذلك يعني قَبول الاعتذار، ولم يكن أيضاً رَفضاً لِرَغبَتي.
تنهّدَ والدي تنهيدة طويلة وقال:
“لتبقَ لايلا فقط. الجميع، اُخرُجوا. لايلا، ساعديني في كتابة الرّسالة التي سنُرسلها إلى الدّوق.”
بعدَ أن قالَ والدي ذلك، طَلَبَ من رويين الاهتمام بِأمّي المُتعثّرة. خرجَ رويين وآدم مع أمّهما، ووقفتُ أنا في مكاني للحظة. كانتْ عيناي تدمعان بِشدّة، على الرّغم من أنّنا لم نكن في فصل الشّتاء.
***
بعدَ فترة وجيزة من انتهاء حَفلة الماركيزة إريانت، كانَ عليّ المُغادرة إلى الشّمال لِلتّحضير لِزفافي.
عانقتني أمّي، التي لم تُرِدْ إرسال ابنتها الصّغيرة إلى الشّمال، وقالتْ: على الرّغم من أنّها كانتْ تُلقي عليَّ كَلِمات اللّوم قبلَ أيّام، إلّا أنّ حِضنها كانَ لا يزال دافئاً ومُريحاً، حتّى أنّ عينيّ دمعَتْ.
“ماذا أفعل؟ أنا لا أُريدُ إرسالكِ.”
أمسكَ آدم، شقيقي الأصغر، بِيَدي بِقوّة بجوار أمّي وقال:
“أُختي، لِنهربْ فقط. ألا يُمكِنُ أن نطلب من صاحب السموّ الدّوق دوزخان المجيء للعيش هنا؟”
كانَ وجهُ آدم المُتَوسِّل، بِصراحة، لَطيفاً. ابتسمتُ وأنا ألمسُ خَدَّ آدم النّاعم الذي لا يزال طفوليًا أكثر من كونه رجوليًا. “سأحميكَ هذه المرّة حتماً، آدم.” بِهذه النّيّة، قَبّلتُ جَبينَ آدم.
“هل تظنّين أنّني ما زلتُ طِفلاً؟”
كانَ شقيقي الأصغر لطيفًا حتّى وهو يَتذمّر.
عندما أعلنتُ أنّني سأذهبُ أبكرَ قليلاً من الموعد المُحدّد، أُصيبتْ عائلتي بالذّعر طبعاً. لكن كانَ من الأفضل لي أن أعتادَ على شؤون قصر الدّوق دوزخان في أسرع وقت مُمكِن. وبهذه الطّريقة، يُمكِنني الاقتراض من قوّته بِشكل أكثر فاعليّة. عانقتُ أمّي وقُلتُ:
“لديّ الكثير لِأفعله. يجب أن أبدو جميلة لِعائلتنا في حفل الزّفاف.”
على كلامي، شَهَقتْ أمّي وهي تمسحُ دموعها. عانقني إخوتي أيضاً واحداً تِلو الآخر. وقفَ أبي في الخلف ونظرَ إليّ، ثمّ اقتربَ منّي و احتضن كَتفي بِقوّة.
“مهما كانَ ما تُريدين فِعله، لا تُرهقي نَفسكِ.”
أومأتُ برأسي بِقوّة. على الرّغم من أنّني لن أستطيعَ الوَفاء بِذلك الوعد، إلّا أنَّ هذا هو الشيء الوَحيد الذي يُمكِنني أن أمنَحَهُ لِوالدي.
سألتْني أمّي وهي تُجفّف دموعها بمِنديل بِقَلق:
“هل يجب أن تأخذي تلك الفتاة معكِ؟”
أشارتْ أمّي بِرأسها بخفّة إلى ماريان. الفتاة التي اتّخذها كايزاك عشيقة قبلَ الزّواج.
كانَ من الطبيعيّ أن لا تُعجِبَ ماريان عائلتي، لِأنّني كنتُ سأتزوّج كايزاك.
لكنني أومأتُ بِرأسي بِحَزم.
“لديّ استخدام خاص لِماريان.”
عندئذ، لم تستطعْ عائلتي منعي أكثر.
تركتُ عائلتي خلفي وصعدتُ إلى العربة. على الرّغم من أنّني خُنتُ عائلتي، إلّا أنّهم عاملوني بِدِفء حتّى النّهاية. كيفَ لا يُمكِنني حِماية هؤلاء الأشخاص المُحبّين؟
عضضتُ شفتيّ وأخذتُ عهداً على نفسي مرّة أخرى.
طوالَ الطّريق إلى إقليم دوزخان الشّماليّ، كانتْ آنا تَبكي وتَشهَق. ابتلَّ مِنديلها بالكامل بِالدموع، واضطررتُ لإعطائها مِنديلي، لكنّه أيضاً لم يَدُم طويلاً. كانَ الأمر يبدو وكأنَّ آنا هي التي تُباع، لا أنا.
“لِماذا تبكين هكذا؟”
على سؤالي، لَوّتْ آنا مِنديلها وأجابتْ. كانَ وَجهها مُرتبكاً، وكأنّها لا تستطيعُ أن تُفرِغ غضبها في سيّدتها التي تَخدمها.
“كنتُ فخورة بِسيّدتي لِأنّها طيّبة وذكية وجميلة. كنتُ أُؤمِنُ بِأنّها ستتزوّج شخصاً وسيماً مثل الماركيز كايزاك…”
أخذتُ المِنديل من آنا على كلامها المُثير للشفقة. ثمّ مسحتُ عينيْ آنا.
“آنا، هذا الزّواج ليسَ أسوأ مِمّا تظنّين.”
“لكن، لكن…”
“عندما تكونين بِجانبي، ستعرفين بِشكل طبيعيّ. صاحب السموّ الدّوق دوزخان هو شخصٌ أفضل بكثير ممّا تتخيّلين.”
كانَ صوتي مليئاً بالثّقة، ففَتَحتْ آنا عينيها بِاتّساع في حَيرة.
“كيفَ عرفتِ… آخ!”
كانتْ صرخة آنا مُتزامِنة مع مَيل العربة بِقوّة. انسكبتْ آنا بالكامل على مَجال رؤيتي. كانَ هذا بسبب مَيل العربة نحوي. استوعبتُ آنا بِصعوبة، لكنَّ جَسدي اصطدمَ بالعربة بِقوّة. لم يخرُج صُراخٌ مِنّي بِسبب الصّدمة المُفاجِئة.
“يا آنستي! يا آنستي!”
نادَتني آنا وهي لا تعرفُ ماذا تفعل. في الخارج، كانتْ الخيول تَصْرُخ من الألم، وسُمِعَ صوتُ السّائق وهو يَجهدُ لِإخراج العربة من الحفرة.
“أحضروا، أحضروا النّاس!”
صرختُ نحو الخارج وأنا عاجزة عن الحركة. سمعتُ السائق وهو يَركضُ بِخُطوات مُتسرّعة.
“آنا، ابقَي هادئة. سيكونُ الأمر سيّئاً إذا غاصتْ العربة أكثر.”
“حسناً، حسناً!”
أجابتْ آنا هكذا، لكنّها ظلّت قَلِقة، سائلةً: “أينَ نحنُ بالضبط؟” و “يا آنستي، ما الذي سَقَطْنا فيه بالتّحديد؟”.
مرّتْ عِشرُون دقيقة على الأرجح. ربّما كانتْ دَقائق فقط. لكن بسبب إصابتي في ساقي، شعرتُ أنّ كُلَّ لحظة تمرّ بِبُطء.
بينما كنتُ أُكافِح من أجل تحمُّل الإصابة وقلق آنا، في تلك اللّحظة.
طَق!
فُتحَ الباب المُغلق بِقوّة بِشيء ما. دخلَتْ يَدٌ كبيرة وقويّة عبرَ الباب. في اللّحظة التي تراجعتُ فيها دونَ وعي، سَنَدَتْ تلك اليَدُ ظَهري بِلُطف.
“آه…”
لم يكن هناك وقت للتّردُّد. سَحبتني تلك الذّراع إلى الخارج وهي تَحمِلني، ورفعتْ رُكبَتي بِيَدها الأخرى. ووجدتُ نَفسي مَحْمُولةً كَطِفلة.
قبلَ أن أتمكّن من شُكره، رَنَّ في أذني صوتٌ خفيض ومألوف.
“أنتِ مُصابة.”
رفعتُ رأسي ونظرتُ إليه.
“صاحب السموّ الدّوق…”
الرّجل الذي يرتدي نِصفَ قِناع ونِصفَ رِداء. عَيناه الحمراوان الغائرتان في بشرته الشاحبة نظرتا إليّ. عندما أدركتُ مَن هو، حاولتُ بِسرعة أن أخرجَ من حِضن يوليان.
“أُفّ…”
كانَت مُكافحتي صعبة بِسبب إصابة ساقي. عانقني مرّة أخرى وعبّر عن ضَجره.
“ابقَي هادئة.”
“لكن هذا تصرُّف غير لائق على الإطلاق.”
“إذا مَشيتِ هكذا، ستتفاقم الإصابة.”
“هذا…”
“أليسَ من المُخجِل أكثر أن لا تتمكّن العروس من المَشي لوحدها في حفل الزّفاف؟”
استمرّ يوليان في الكلام وهو يَمشي. كانتْ كُلُّ كَلِمَة يقولها صحيحة، لِذا لم أستطعْ الرّد. شَعرتُ وكأنّني طِفلة تُوبَّخ.
“لا يُمكِنُني الدّخول بكِ إلى حفل الزّفاف وأنا أحملكِ هكذا.”
“نعم، أنا آسفة.”
اعتذرتُ على الفور. عندئذ، أدركتُ. لم يكن صوتُ يوليان حادّاً على الإطلاق. تساءلتُ، وفي تلك اللّحظة، رفعتُ رأسي قليلاً وسألتُ:
“هل كُنتَ تَمزح للتو؟”
لم يُجِب يوليان. لا أعرف ما إذا كانَ مُندهشاً لِدرجة أنّه لا يستطيعُ التّصديق، أم أنّه خَجِل، لكِنّني قرّرتُ أنّه كانَ خَجِلاً.
هل هذا هو الحُبُّ الذي يُعمِي الأبصار؟ لطالما بَدا لي كايزاك قبيحاً يوماً بعدَ يوم، لكنّ وجهه النّصفيّ، الذي التقيتُ به بعدَ فترة طويلة، بَدا أكثر وسامة من ذي قبل.
“كم من الوقت ستحملني؟”
“حتى العربة. بعدَ ذلك، سأُسلِّمكِ إلى الخادِم.”
“آه…”
تمتمتُ بخيبة أمل، فصَمَتَ يوليان للحظة ثم سأل:
“ما الأمر؟”
لففتُ ذراعي حول كَتفه لِأُثبِّت نَفسي. لم تكنْ نِيّتي التّودُّد. كانَ الأمر فقط أكثر راحة. وهكذا، وأنا أحضنُ عُنقَه، قُلتُ:
“كنتُ أتمنّى أن تحملني إلى غُرفتي. سيكونُ شَرَفاً لي.”
صَمَتَ يوليان لِفترة طويلة هذه المرّة. بَدا وكأنّه لن يتكلّم على الإطلاق.
وضعني يوليان في عَرَبته وعادَ إلى الخلف. حَرّكتُ فَخذي الذي لا يتحرّك بِجُهد والتصقتُ بنافذة العربة.
عندما أخرجتُ رأسي من النّافذة، رأيتُ يوليان يمسكُ زاوية العربة ويرفعها. سَحبَ العربة من الحفرة التي سَقَطتْ فيها إلى مَكان آمن. على الرّغم من أنّه رجل بالغ، إلّا أنّ هذا عملٌ لا يُمكِنُ القيام به بِقوّة عاديّة على الإطلاق.
“ما هذا…”
كانتْ قوّته هائلة لِدرجة أنّه يُمكِنُ للمرء أن يتساءل عمّا إذا كانتْ الشّائعات الخاطئة حول كونه وَحشاً قد انتشرتْ بِسبب قوّته الوَحشيّة، وليسَ مظهره.
صَفّقتُ لِيوليان الذي عادَ إلى العربة. لم يكن هناك أيُّ فارس يمتلكُ هذه القوّة بينَ الفُرسان الذين رَأيتُهم عندما كنتُ في كتيبة الفُرسان. شعرَ قَلبي بالخفقان، لِدرجة أنّني أردتُ رؤيته وهو يُلوِّح بالسّيف.
نظرَ إليّ يوليان وكأنّه يسألني عمّا أفعله، فأجبتُه على الفور.
“هذا مُذهل. هذه هي المرّة الأولى التي أرى فيها شخصاً بِهذه القوّة!”
عندما صَرَختُ كَطِفلة طائشة، أمسكَ يوليان برأسه وكأنّه مُنزعِج.
“هل أنتِ صاخبة هكذا دائماً؟”
لم تكنْ كَلِمات يوليان باردة، بل بَدَتْ قَلِقة. بَدا وكأنّه قَلِق بشأن مُستقبله. هززتُ كَتفي وابتعدتُ قليلاً. لِأُوفِّر له مَكاناً لِلجلوس.
“إذاً، هل ستَفسخ هذا الزّواج؟”
على سؤالي، ابتسمَ يوليان بِخُفية تحتَ يده التي كانَتْ تَلمِس جَبينه. لم يكن قَصدُه أن يُريني إيّاها، لكنني رأيتُها بِوضوح. بَدَتْ شَفتا يوليان الحمراوان واللّطيفتان اللّتان ظَهرتا نِصفَيْن.
دخلَ يوليان العربة وهمسَ:
“لا يُمكِنني فِعلُ ذلك.”
***
كانَ إقليم دوزخان بارداً، لِدرجة أنَّ اسمه ‘الشّمال’ لم يكن غريباً. لم يكن الثّلج يتساقط طوالَ العام، لكن كانَتْ فيه جِبال وعِقاب كثيرة.
كانتْ الثّروة الحيوانيّة أكثر ازدهاراً من الزّراعة في إقليم دوزخان، وكانتْ فيه الكثيرُ من الحيوانات ذات الفراء التي يُمكِنُها تحمّل الفصول الباردة.
بِما أنّ فيه الكثير من الجِبال، قيلَ إنَّ الزّوار يضيعون في كثير من الأحيان. قالَ يوليان إنّه جاءَ لِاستقبالي، خَشية أن تضيعَ سيدته الجديدة.
كانَ الأمر مُضحكاً لِدرجة أنّ سيّدته لم تَضِعْ فحسب، بل سَقطتْ عربتها في حفرة.
ضحكتُ بِخِفّة وأنا أتذكّرُ ذُهول يوليان.
“لِماذا تضحكين؟”
“لا شيء.”
أجبتُ بِفُتُور والتصقتُ أكثر بِنافذة العربة.
اعتادَ النّاس على القول إنَّ إقليم دوزخان أرضٌ قاحلة وجافّة. لم تكنْ أرضاً خِصبة بِالتّأكيد.
لكنّ قول النّاس إنَّ هذه الأرض لا قيمة لها هو مُجرّد حَسَد. كانتْ رائعة جداً.
الهواء البارد، والأرض والأشجار المرتفعة، والنّاس المليئون بالحيوية من جميع الأعمار.
خاصّة النّاس، لقد توقّفوا جميعاً عن السّير وانحنَوا بِشكل مُستقيم عندَ مُرور عربة الدّوق دوزخان.
كانَ النّاس، الذين كانَ من المُفترض أن يكونوا الأكثر خوفاً من الدّوق الوحش، يُظهرون الاحترام جميعاً.
“مُقاطعة رائعة.”
همستُ وأنا أنظرُ إلى الخارج. عندما استدرتُ، شَعرتُ وكأنّ يوليان كانَ ينظرُ إلى خَدّي بابتسامة ناعمة.
“يا صاحب السّموّ؟”
“لِماذا تنادينني؟”
“أنتَ لستَ مثل الشّائعات على الإطلاق.”
ابتسمَ يوليان ابتسامة خالية من الغَرض.
“أنا لستُ مُختلفاً إلى هذا الحد.”
“أنتَ مُختلف تماماً. أهل العاصمة لن يتخيّلوا أنّك تستطيعُ أن تبتسم هكذا.”
لمسَ خَدَّه. أعجبني ذقنه الخالي من أيّ شَعرة. بَدا ذلك يُعبّر عن جديّته ونظافته.
اعتادَ الرّجال في هذا العُمر على ترك لِحاهم غير مُرتبة لِيبدوا أكثر نُضجاً، لكنّهم لا يتخيّلون أنّ زوجاتهم يَكرهن ذلك بِشدّة.
“لديّ سؤال. بما أنَّ حفل الزّفاف قَريب، هل يُمكِنني أن أسأل شيئًا؟”
“أيُّ شيء.”
نظرتُ إليه بِتَمَعُّن وسألتُ. كانتْ العربة لا تزال تسيرُ بِسُرعة، وكانَ شَعرنا يَتطاير مع الرّياح.
“ما سبب رَغبتك في إنجاب طِفل؟”
لِسبب ما، لم أُفكّر في أنّ هذا الشّخص، الذي لم ألتقِ به كثيراً، سَيرغَب في إنجاب طِفل بِدُون حُب. لِذا سألتُ. خَفَضَ يوليان نظره وأجاب:
“أنتِ تسألين عن شيء واضح. لِأُؤمّن وريثاً.”
خَفَضَ صوته إلى الأعماق. كانَ الأمر وكأنّه يَستخرِجُ شيئاً من الظّلام.
“هذا هو الشيء الوَحيد الذي يُمكِنُه حماية إقليم دوزخان.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 8"