في وقت متأخر من تلك الليلة، زارتني نيفي. كانت مرتدية فستاناً فاخراً، لكن شعرها الذي كانت قد صفَّفتْه بعناية كان مُبعثراً للغاية.
اعتقدتُ أنَّ الأجواء كانت جيدة بينها وبين روين لأنها كانت تمسك يده قبل قليل، لكنها بدتْ مُنهكة تماماً الآن.
“لماذا هذا الوجه؟ تعالي إلى هنا.”
أشرتُ إليها بيدي وأنا جالسة على السرير. اقتربتْ نيفي مني بتردُّد وخطوات خجولة. بدا وجهها مُلبَّداً بالغيوم، فعرفتُ تقريباً ما حدث لها.
“نيفي…”
عندما تمتمتُ بتعاطف، عضَّتْ نيفي على شفتها. كان من المؤلم رؤية الفتاة التي كانت تنفجر بالبكاء في كلِّ مرة تُريد فيها البكاء تحاول جاهدة كبت دموعها. عندما مدَدْتُ يدي، اقتربتْ نيفي مرة أخرى. كانت الآن على بُعد خطوة من السرير.
“آنا، هلّا أعطيتِني منديلاً؟”
“نعم يا سيدتي.”
“… لا داعي. أنا بخير.”
هزَّتْ نيفي رأسها، لكن وجهها كان على وشك البكاء. سحبتُ ذراع نيفي وجعلتُها تجلس على طرف السرير. جلستْ نيفي بلا قوَّة وهي تستنشق.
“أعلم أنَّ صاحبة السمو ستشعر بالارتياح إذا رفضني روين… لكن لم يكن لديَّ أحد آخر أذهب إليه. أعلم أنه تفكير أحمق، لكن شعرتُ أنَّ صاحبة السمو ستُواسيني…”
بعد أن استمرَّتْ نيفي في الشهقات لفترة طويلة، بدأتْ دموعها الغزيرة تتساقط كحبات المطر. ارتجف كتفاها بشدة.
“هل يمكن أن تواسيني لمرة واحدة؟ حقاً، ليس هناك أحد في العالم يدعم حبي…”
أشفقتُ على نيفي التي انفجرتْ بالبكاء، ففتحتُ ذراعيَّ بالكامل. لقد آلمني أنَّ أحداً في العالم لا يدعم حبها.
اندفعتْ نيفي إلى ذراعيَّ وعانقتْني بشدة. ثمَّ بدأتْ تبكي وهي تُلطِّخ كتفيَّ بالدموع. تنهَّدتُ وربَّتُّ على ظهر نيفي.
“أكره روين كثيراً! لماذا كان لطيفاً معي! إذا لم يكن يُحبني، فلا يجب أن يكون لطيفاً! لقد جعلني أقع في حبه! يمكنني التخلِّي عن عائلتي من أجل روين في أيِّ وقت! يا ليته لم يكن وسيماً إلى هذا الحد!”
عانقتني نيفي حول عنقي وبكتْ بشدة، وهي تشتم روين قدر استطاعتها. مسحتُ دموعها بمنديل، ثمَّ عانقتُها مرة أخرى، ومسحتُ أنفها، ثمَّ عانقتُها مرة أخرى، وكرَّرتُ ذلك مراراً وتكراراً.
بعد أن بكتْ نيفي طويلاً، ابتعدتْ عن ذراعيَّ أخيراً. لكنها لم تكن تنوي المغادرة.
“صاحبة السمو، هل يمكنني النوم هنا اليوم؟”
كان السؤال الذي طرحتْه وهي تتلوَّى مليئاً بالدلال. كانت الفتاة اللطيفة لطيفة حتى عندما كانت عيناها مُنتفختين من البكاء. اضطررتُ إلى الضحك بشدة، خاصة وأنني كنتُ منهكة بسبب يوليان.
“حسناً. لننم معاً.”
كانت خادمة نيفي حائرة، لكن لم يكن لديها خيار سوى الموافقة لأنني وافقتُ. أحضرتْ خادمة نيفي ملابس النوم، ونمنا جنباً إلى جنب. تحدَّثتْ نيفي بصوت لا يزال رطباً، لكنه كان مليئاً بالإثارة.
“واو، هذه هي المرة الأولى التي أنام فيها مع صديقتي.”
“هل أنا صديقتكِ؟”
قرصتُ أنف نيفي قليلاً. لكن نيفي أصدرتْ صوتاً ساخطاً.
مرَّرتُ خصلة شعر نيفي خلف أذنها. أغمضتْ نيفي عينيها بتراخٍ، وكأنها مرتاحة.
“كيف عرفتِ؟”
“لأنكِ كنتِ رائعة منذ الطفولة. هل تعلمين؟ هناك الكثير من الفتيات اللاتي يُعجبن بكِ.”
هذا غير صحيح. كنتُ أعرف كم من الناس يضحكون عليَّ ويحسدونني ويحدِّقون بي في الحفلات. كان اللقب المهين “المرأة التي تزوَّجتْ من وحش من أجل السلطة” يلاحقني دائماً. ضحكتُ وكأنَّ الأمر غير منطقي.
عندها، قفزتْ نيفي فجأة على السرير. انجرفتْ الأغطية، ودخل هواء بارد، لكن نيفي لم تكترث.
“هذا صحيح حقاً. الجميع يُسمُّون الدوق والدوقة الجميلة والوحش ويقولون إنها قصة رومانسية جداً.”
“الجميلة والوحش؟”
ضحكتُ. يوليان رجل لطيف جداً لدرجة أنه لا يمكن أن يكون وحشاً. وهو وسيم للغاية أيضاً.
“لقد أقمتما حفلات وحضرتما مسابقة الصيد بعد زواجكما. الجميع يحسدونكما على علاقتكما الجيدة.”
“هل تنتشر مثل هذه الشائعات؟”
“ليست شائعات. في رأيي، علاقتكما جيدة حقاً. أوه، بالمناسبة، هل تعلمين أنَّ هناك شائعة أخرى تقول إنَّ الدوق وسيم جداً لدرجة أنه لا يمكن أن يُسمَّى الوحش؟”
“حقاً؟”
“نعم، حقاً! لا بدَّ أنَّ الفتيات الشجاعات كنَّ يختلسن النظر إلى الدوق كلما ظهر. في الواقع، لقد تفاجأتُ عندما رأيتُه. ماذا كانت تلكَ الشائعة التي تقول أنه يأكل البشر… بل يبدو وكأنه يتغذَّى على الندى فقط. إنه لا يزال مُخيفاً، رغم ذلك.”
ضحكتُ وأعدتُ نيفي إلى السرير. غطَّيتُها بعناية بالغطاء، لكن عينا نيفي كانتا تتلألآن دون أن يغلبهما النوم.
“هل زواجكما زواج حب حقاً كما تقول الشائعات؟ متى بدأتِ في الإعجاب به؟”
“نيفي، لِننم الآن.”
“لماذا؟ ألا يمكنكِ إخباري؟ سأحتفظ بالسر.”
ربَّتُّ على كتف نيفي. لكن نيفي لم تكن طفلة صغيرة، ولم يكن من الممكن أن تنام بهذه الطريقة. تنهَّدتُ وفتحتُ فمي في النهاية.
“زواجنا مُرتَّب، هذا صحيح.”
“لكن علاقتكما جيدة إلى هذا الحد؟”
“لأنَّ الدوق شخص جيد.”
“لأي درجة؟”
“ماذا؟”
“لأي درجةٍ تحبينه؟”
قلتُ إنه شخص جيد، فماذا تعني بـ ‘لأي درجةٍ تحبينه؟’ كنتُ في حيرة من أمري. لكن نيفي كانت تتوق إلى الإجابة، فاحتضنتْني وتوسَّلتْ. لم يكن لديَّ خيار سوى الإجابة للهروب من احتضانها.
“أُحبُّه كصديق. وهو كذلك أيضاً. نحن محظوظان بالنسبة لزوجين مُرتَّب زواجهما.”
اعتقدتُ أنني أجبتُ جيداً، لكن نيفي نهضتْ بسرعة أكبر من ذي قبل، ورمتْ الوسائد في الهواء، وتفجَّر غضبها.
“لماذا، لماذا تفعلين ذلك؟”
“إذا كانت هذه صداقة، فأنا ليس لديَّ أيُّ أصدقاء!”
“لكن يوليان وأنا حقاً…”
“من يُمسك بيد صديقه هكذا!”
ثمَّ أمسكتْ وجهي بكلتا يديها فجأة. شعرتُ بالخدر في وجنتاي لأنها أمسكتْهما بقوة.
“ني، نيفي؟”
“من يُمسك بوجه صديقه هكذا!”
بقيتُ صامتة مع وجنتاي المُضغوطتين بشدة. كانت نيفي تنفي كلَّ مظاهر المودة التي تبادلتُها أنا ويوليان تحت اسم “الصداقة”.
“أنتما بالغان، لكنكما لا تعرفان شيئاً عن الحب أكثر مني!”
عندما سمعتُ هذه الكلمات، شعرتُ وكأنَّ صخرة كبيرة سقطتْ على قلبي. هل أنا أقل معرفة بالحب من الفتاة التي رُفضتْ وبكتْ بشدة اليوم؟ أنا التي أعيش حياتي الثانية؟ اعتقدتُ أنني لا أُمارس الحب، لا أنني لا أعرفه…
ضربتْ نيفي صدرها وكأنها مُحبطة، ثمَّ سقطتْ على السرير.
“آه، أنا التي رُفضت اليوم، ما الذي أتحدَّث عنه. لم يعد الأمر ممتعاً. لِننم.”
“حسناً، حسناً. تصبحين على خير.”
“وأنتِ أيضاً، صاحبة السمو.”
قالتْ نيفي ذلك، وبعد فترة وجيزة، بدأتْ أصوات تنفُّسها العميق تُعلن نومها.
“هيه، روين… أيُّها الوغد السيئ…”
“ماذا؟”
عندما استدرتُ لأنها شتمتْ فجأة، بدا وكأنها تحلم. ربَّتُّ على ظهر نيفي. ثمَّ عانقتْني نيفي وتمسَّكتْ بي بقوة.
“أحبك… أيُّها الوغد.”
كانت الدموع تتجمَّع في زاوية عيني نيفي وهي تهمس بذلك. على الرغم من أنني شعرتُ بالأسف على الفتاة التي عانتْ من حسرة اليوم، إلا أنني كنتُ لا أزال أحسد نيفي. كان حبها الذي يمكنها أن تندفع إليه بكلِّ قلبها جميلاً للغاية.
عندما رأيتُ دموع نيفي، تذكَّرتُ كلماتها الصارخة:
— من يُمسك بيد صديقه هكذا! من يُمسك بوجه صديقه هكذا!
هل يرانا الآخرون أنا ويوليان على أننا قريبان؟ هل تصرُّفي تجاه يوليان غريب جداً؟
استلقيتُ ونظرتُ إلى السقف المظلم. تذكَّرتُ المحادثة التي أجريتُها مع يوليان قبل قليل.
— ربما يجب أن نبقي مسافة بيننا لبعض الوقت.
اعتقدتُ أنَّ يوليان سيعترض. لكن يوليان فكَّر للحظة ثمَّ أومأ برأسه. بعد ذلك، افترقنا دون أيِّ حديث آخر. لم أفعل أيَّ شيء بعد مغادرة يوليان. لولا مجيء نيفي، لربما كنتُ سأظلُّ شاردة الذهن طوال الليل.
عند التفكير في الأمر، كان هذا هو الخطأ في المقام الأول. ألم أتوقَّع أنَّ يوليان سيُفرط في حمايتي، خاصة مع وجود قاتل؟ إذا استمرَّ الأمر على هذا النحو، فربما…
قد أقع في حب يوليان.
هل يمكن أن تكون هناك عاطفة أكثر وقاحة من هذه في العالم؟ كان عليَّ أن أُغطِّي رأسي بالكامل بالغطاء وأتخبَّط في الشعور بالخجل طوال الليل.
***
“يا إلهي، صاحبة السمو. هل نومي مضطرب جداً؟”
في صباح اليوم التالي، عندما استيقظتْ نيفي ورأتْ وجهي، لم تستطع إخفاء صدمتها. لمستُ وجهي بوجه محرج.
“عانقتِني وبكيتِ.”
“أنا؟ حقاً؟”
“نعم، كنتِ تبكين وتقولين: روين، أيُّها الوغد…”
“يا للعار!”
بينما كانت نيفي تصرخ بجواري، نظرتُ إلى المرآة بمساعدة آنا. كان مظهري الذي رأيتُه في المرآة المستديرة سيئاً للغاية. كانت عينيَّ حمراوين من الأرق، وكانت هناك هالات سوداء تحت عينيَّ. بدا وجنتاي باهتتين.
“ماذا أفعل، اليوم هو يوم العودة.”
تنهَّدتُ وأنا أنظر إلى المرآة. كان يوماً يجب أن ألتقي فيه بالعديد من النبلاء. وأيضاً… يوليان. لم أُرِدْ أن أُرِي يوليان مظهري الشاحب هذا. لقد سمعتُ نكتة تقول إنني أجمل من آري إريانت… لا! ما علاقة ذلك بالأمر؟
أخبرتُ آنا أن تُجهِّزني بسرعة. أكَّدتُ على كلمة “بسرعة”. أومأتْ آنا برأسها وهي حائرة، لكنها جهَّزتْني بإخلاص.
وعندما فتحتُ باب الخيمة، رأيتُ يوليان يقف أمامي مباشرة. عندما التقتْ عيني بعينيه، غطَّيتُ وجهي وقلتُ لآنا على الفور:
“الشمس حارقة جداً. هلّا أحضرتِ لي قبعة؟ واحدة ذات غطاء وجه.”
التعليقات لهذا الفصل " 64"