كيف حال إقليم وينسلي هذه الأيام؟ وهل العائلة بخير؟ الأمر ليس سوى أن الآنسة ساشا تقيم حالياً في قصر الدوق دوزخان. هي تودُّ مقابلتك، فإذا لم يكن لديك مانع، يمكنك زيارتنا في أي وقت. إذا لم تكن ترغب في ذلك، فسأقوم أنا، أختكِ، بترتيب كل شيء.
-مُرسلة من لايلا، التي تشتاق لعائلتها دائماً.]
بعد أن أرسلتُ الرسالة إلى روين، سُمِح لنيفي بالبقاء في قصر الدوق لفترة أطول. لم يطلب يوليان من نيفي المغادرة مرة أخرى، لكنه ظلَّ متحفظاً. وبما أنَّ نيفي كانت تخاف يوليان أيضاً، لم يلتقِ الاثنان، وكنتُ أنا الوحيدة التي تتنقَّل بينهما، في حالة انشغال دائم.
في البداية، شعرتُ بثقل وجود نيفي، لكن مع مرور الوقت، أضافتْ صخباً لطيفاً إلى قصر الدوق الهادئ. ولم تكن ذات طباع صعبة، مما جعل الخادمات يصفنها بأنها ضيفة سهلة الخدمة.
أفضل ما في الأمر هو أنَّ وجود نيفي وفَّر لي ذريعة لركوب الخيل كثيراً، بحجة تعليمها الركوب.
كنتُ على وشك الذهاب لركوب الخيل اليوم أيضاً، لكنَّ دعوة وصلتْ في الصباح الباكر.
[بمناسبة حلول موسم الوفرة، يُقيم القصر الإمبراطوري مسابقة صيد. يُرجى من دوق ودوقة دوزخان تشرّيفنا بالحضور وإضاءة المكان.]
كما قال كايزاك، كانت العائلة الإمبراطورية تُقيم مسابقة صيد. لا بدَّ أنَّ الأميرة أبيغيل تُدبِّر مكيدة في هذه المسابقة. كيف يمكنني حلُّ هذه المشكلة لضمان إبعاد الأمير كين نهائياً؟
في تلك اللحظة، اقتربتْ مني آنا بحذر.
“الآنسة ساشا تنتظر.”
“آه، هل حان الوقت بالفعل؟”
كنتُ غارقة في التفكير في خطة للتفوُّق على الأميرة أبيغيل لدرجة أنني لم أشعر بمرور الوقت.
“أخبريها أن تنتظر قليلاً.”
“حسناً يا سيدتي.”
بدَّلتُ ملابسي على عجل إلى زيِّ ركوب الخيل وخرجتُ. كانت نيفي تقف في القاعة، وقد ارتدتْ زيَّ ركوب الخيل أيضاً.
رأتني نيفي وابتسمتْ لي وهزَّتْ يدها. بالطبع، لم تنسَ الانحناء بأدب بوجه عابس، ربما بعد أن وبَّختها خادمتها الواقفة بجانبها.
يبدو أنها ليست فتاة سيئة…
ابتسمتُ في حرج ونزلتُ إلى القاعة عبر الدرج.
“كيف تسير إقامتكِ في قصر الدوق؟”
سألتُها سؤالاً مُعتاداً كنوع من التحية، فأجابتْ نيفي على الفور وكأنها كانت تنتظر ذلك.
“جيد جداً!”
“هذا جيّد.”
“يبدو أنَّ الخدم والخادمات في قصر الدوق جميعهم يتمتَّعون بالرقي. إنه مكان رائع حقاً.”
كانت نيفي تسير بخطوات خفيفة، مملوءة بحيوية فائقة. ابتسمتُ مع تنهيدة وأنا أسير بجانبها.
ربما كانت نيفي قريبة من أن تكون فتاة طيبة. لكن روين كان يقول دائماً: “أريد أن أتزوَّج شخصاً يُمكنني أن أتعلَّم منه الكثير.”
بصراحة، لم تبدُ نيفي كشخص يُمكن أن يقود أحداً. على الرغم من أنني أردتُ أن تكون نيفي بمثابة خطة احتياطية لي، إلا أنني لم أنوِ إجبار روين على شيء لا يُريده.
لم تكن نيفي تعلم شيئاً عن أفكاري، وبدتْ سعيدة للغاية وهي في طريقها إلى ساحة الركوب. تشبَّثتْ بذراعي وهي تبتسم. حاولتْ خادمة نيفي أن تقول شيئاً، لكنني أشرتُ إليها بيدي لأمنعها.
في مكان خاص كهذا، يمكن تجاوز هذا القدر من الألفة. كما أنني كنتُ أجد صعوبة في التقيُّد بالآداب الصارمة للسيدات النبيلات.
“عندما أفكر في الأمر، كنتِ تتفوقين في ركوب الخيل منذ طفولتكِ يا صاحبة السمو الدوقة الكبرى. ما هو سرُّكِ؟”
“لا أدري. فقط اركبي.”
عبَّرتْ نيفي عن غيظها بوجه ماكر.
“هذا ما يفعله الموهوبون!”
ضحكتُ في النهاية لأنَّ كلام نيفي كان مضحكاً. بدا أنها راضية بضحكي، فازدادتْ حماستها.
أُعجبتْ نيفي بحصان ذي فراء أبيض ناصع وله بقعة رمادية على مؤخرته. بدا الحصان سعيداً أيضاً بنيفي التي كانت تتحدَّث معه وتتصرف بلطف. عندما يتوافق الحصان والفارس، يصبح تعلُّم الركوب أسهل.
“أحسنتِ. اركلي مؤخرته برفق.”
“ماذا لو تألَّم الحصان؟”
بالغتْ نيفي في ردِّ فعلها. لم أستطع إلا أن أضحك على قولها.
“لن يشعر بأيِّ شيء مهما ركلتِ بقوة.”
عند كلامي، ركلتْ نيفي مؤخرة الحصان بحذر شديد. كان مجرَّد لمسة خفيفة. ظلَّ الحصان واقفاً، هزَّ رأسه قليلاً، ولم يتلقَّ أيَّ إشارة.
بينما كنتُ على وشك أن أقول شيئاً لنيفي العابسة، اقترب خادم ببطء.
“يا سيدتي، أعتذر على الإزعاج. وصلتْ إليكِ رسالة. هل تودِّين رؤيتها الآن أم أضعها في غرفتكِ؟”
“مَن المرسل؟”
“مكتوب عليها ‘ليتي’.”
ليتي؟ عبستُ. كانت علاقتي بشوان قد انتهتْ تقريباً. فلماذا يُرسل لي رسالة الآن؟ هل ينوِي أن يُسدِّد دَين المعلومات عن آري بطريقة أخرى؟ على أيِّ حال، لن يضرَّني أن أتحقَّق من الأمر.
“أعطِني إياها.”
ابتعدتُ قليلاً عن نيفي ومزَّقتُ الرسالة دون اهتمام كبير.
[إلى صديقتي.
لقد ابتعدتُ طويلاً. هل يمكنكِ أن تسامحيني على عدم تواصلي بسبب حدث كبير في عائلتي؟ لقد غفر والدي أخيراً لأخي الأصغر الطائش. أمي وأخي الأصغر كانا يزوران والدي كل يوم ليتوسَّلا إليه الصفح. لكني قلقة أكثر من أن أكون سعيدة. أتمنى أن يُصبح أخي الأصغر شخصاً محترماً بعد هذا الحادث، لكن هذا مجرَّد أمل.]
كانت هذه الرسالة المُنظَّمة كأنها شأن عائلي، تُخبرني بأنَّ الأمير كين قد أُطلق سراحه من الحبس، وأنَّ السبب وراء ذلك كان الأميرة أبيغيل والإمبراطورة سيليا.
ضيَّقتُ حاجبيَّ وحدَّقتُ في الرسالة. كنتُ أعرف بالفعل أنَّ الأمير كين قد أُطلق سراحه. لم يكن السبب مهماً جداً بالنسبة لي. بدا أنَّ شوان أراد أن يُحذِّرني، لكن إذا كان يعتقد أن هذا يكفي لتسوية دَينه، فهذا سوء تقدير فادح.
طويتُ الرسالة مرة أخرى ووضعتُها في المظروف ومددتُها للخادم.
“أغلقها وأعدها إلى المرسل.”
بدا الخادم مندهشاً من كلامي، لكنه انحنى على الفور وعاد أدراجه. نظرتْ إليَّ نيفي باهتمام وقالتْ بإعجاب:
“صاحبة السمو مشغولة حقاً. لا تملكين وقتاً للترفيه. هل هكذا يكون حال سيّدة قصر بهذه الضخامة؟”
هززتُ رأسي. لأكون صريحة، شعرتُ أنني كنتُ أكثر انشغالاً في حياتي السابقة عندما كنتُ ماركيزة.
في النهاية، المسألة المهمة هي وجود من يُساعد في الإدارة. على عكس كايزاك، ساعدني يوليان في أدقِّ التفاصيل، والأهم من ذلك، منحني صلاحيات واسعة للتعامل مع الأمور بنفسي حتى لو لم أتَّبع قراراته. كان هناك أوقات أكون فيها مشغولة، لكن لم أشعر بالضيق أبداً.
لكن إذا قلتُ إنَّ الفضل يعود ليوليان، فمن المحتمل أن تلمع عينا نيفي وتُلحُّ عليَّ للحصول على المزيد من القصص، لذا اكتفيتُ بتقديم نصيحة بسيطة.
“ستضطرين إلى القيام بهذه الأمور عندما تُصبحين سيّدة لعائلة ما في المستقبل.”
“هل سأتمكَّن من القيام بذلك؟ أنتِ تعلمين يا صاحبة السمو الدوقة الكبرى، أنا خرقاء جداً.”
“يمكنكِ أن تتعلَّمي. إدارة الإقليم أمر ممتع أكثر مما تتخيَّلين. خاصة إذا كان هناك مَن يُقدِّر جهودكِ.”
“صاحب السمو الدوق؟”
آه، ظهرتْ علامات الحيرة على وجهي، فسألتْ نيفي بمرح وهي تضحك وكأنها تُداعبني.
“يبدو أنَّ صاحب السمو الدوق زوج لطيف حقاً.”
لم أستطع أن أنكر ذلك. كان يوليان زوجاً لطيفاً جداً، ومن الصعب إيجاد مثله. أومأتُ برأسي على مضض، فضحكتْ نيفي بصوت عالٍ.
“وجهكِ أصبح أحمر. يا صاحبة السمو الدوقة، أنتِ لطيفة جداً.”
“نيفي.”
“آه، أنا آسفة.”
“سأسامحكِ لأننا وحدنا الآن.”
عندما تكلَّمتُ بصرامة، أومأتْ نيفي برأسها على الفور. لكنَّ وجهي كان لا يزال محمَّراً. لوَّحتُ بيدي وضَرَبْتُ مؤخرة حصان نيفي. عندها، بدأ الحصان في السير ببطء.
“آه! ماذا أفعل!”
على عكس نيفي المذعورة، سار الخادم الواقف بجانبها وهو يمسك باللجام بهدوء.
“افعلي ما علَّمتُكِ إياه للتو. كوني حذرة، فالخوف سيُثير الحصان.”
بعد لحظات من الارتباك، بدأتْ نيفي تستعيد هدوءها ببطء. امتطيتُ حصاني واقتربتُ من نيفي بسرعة. عندما وازنتُ سرعتي مع حصانها، قالتْ نيفي بوجه متورِّد:
“هذا ممتع.”
لقد كانت فتاة سريعة التأقلم حقاً. في المرة السابقة التي أركبتها خلفي، شعرتْ بالخوف في البداية وتشبَّثتْ بخصري، لكنها سرعان ما شعرتْ بالحماس ولوَّحتْ بيد واحدة في الهواء. ويبدو أنَّ الأمر يتكرَّر هذه المرة أيضاً.
تجوَّلنا في ساحة الركوب لوقت طويل. نيفي، التي كانت تخاف من أقلِّ اهتزاز للحصان في البداية، عرفتْ كيف تركض بخفَّة بعد فترة وجيزة.
بعد عدة دورات ونزولنا عن الخيل، اقتربتْ آنا ومسحتْ وجهي بمنشفة. ثمَّ قدَّمتْ لي الماء دون أن أطلب. لقد كانت خدمة سلسة. نزلتْ نيفي من الخيل وتنهَّدتْ بإعجاب.
“آنا خادمة رائعة حقاً.”
أجبتُ ببراعة:
“أنا محظوظة بحُسن اختياري للناس.”
“هذا صحيح تماماً. أحياناً تبدو كصديقة.”
لو أنَّ شخصاً آخر قال ذلك، لكان ذلك يعني أن الخادمة وقحة، لكن نيفي قالتْها كإطراء خالص. خاصة وأنَّ خادمة نيفي كانت تبدو كوالدتها أكثر من كونها صديقتها. قالتْ نيفي بحسد:
“كانت لديَّ خادمة كصديقة لي عندما كنتُ طفلة.”
“لماذا لم تُبقِيها بجانبكِ؟”
“أُصيب شقيقها بمرض خطير، واحتاجتْ إلى المال. أردتُ مساعدتها، لكن والدي غضب جداً عندما علم أنني أُحاول إنفاق المال على خادمة. حتى أنه راقب مصروفي ومنعني من بيع مجوهراتي.”
كان الكونت ساشا شخصاً كهذا بالفعل. بما أنه كان يسرق الأموال المخصَّصة للأحياء الفقيرة ويُقدِّمها للأمير كين، فماذا تتوقَّع منه؟
شعرتُ بالأسف لكونه أصبح شخصاً كهذا. وعندما عبَّرتُ عن أسفي، تملَّك نيفي تعبير مرير أيضاً.
“لذلك كتبتُ لها خطاب توصية صادقاً لكي تتمكَّن من الحصول على وظيفة ذات أجر أفضل. لم يتدخَّل والدي في هذا القدر على الأقل.”
نادراً ما تجد سيدة نبيلة تفعل كلَّ هذا من أجل خادمتها. عادةً ما يستسلم الناس ويقولون إنهم لا يستطيعون فعل شيء إذا كانت الشابة صغيرة ووالديها بخيلين. بينما كنتُ أُغيِّر انطباعي عن نيفي، نظرتْ إليَّ بتمعُّن وقالتْ:
“المكان الذي أوصيتُ به خادمتي هو عائلة الماركيز إريانت.”
عند كلامها، فُتِح فمي قليلاً. لم تكن نيفي تتحدَّث عن هذه القصة لتحسين صورتها أو كدردشة عابرة. كانت تُقدِّم لي عرضاً.
عندما لم أقلْ شيئاً، بدأتْ نيفي الحديث بنفسها.
“هل هذا يكفي مقابل أن تسمحي لي بلقاء روين؟”
لم تكن هناك حاجة لتردُّد طويل. كنتُ أبحث عن طريقة لزرع شخص في عائلة الماركيز إريانت. والآن، هناك شخص مزروع بالفعل، ويدين لنيفي بفضل كبير.
— لديَّ الكثير الذي يمكنني فعله!
تذكَّرتُ ما صرختْ به نيفي بحدة قبل فترة وجيزة. لم تأتِ نيفي لمجرَّد التشبُّث بي.
لا بدَّ أنها قدَّرتْ العلاقة بين القصر الإمبراطوري وبيني بطريقتها الخاصة، وجهَّزتْ أوراق مساومتها قبل مجيئها إلى هنا. وعندما خفَّ حذري قليلاً، ألقتْ بورقتها الرابحة.
“أنتِ.”
حدَّقتُ في نيفي مباشرة. لم تعد تبدو فتاة لطيفة بريئة. كانت تعرف جيداً ما تملك وما تُريد الحصول عليه. سألتُها وأنا أُشدِّد على كلِّ كلمة:
“ما هو الشيء الذي تُريدينه حقاً؟”
لم تنزعج نيفي من نبرتي العدوانية على الإطلاق. ابتسمتْ ببهجة وكأنَّ الأمر طبيعي.
التعليقات لهذا الفصل " 48"