تفاجأ الأمير آسلان كثيراً عندما سمع أن المكان الذي أرغب في الذهاب إليه هو قصر الأمير الثاني. لكن سرعان ما استعاد رباطة جأشه، مما جعلني أدرك أنه بالتأكيد ابن الإمبراطور.
“ليس من الصعب أن أذهب معكِ. لكنني أود الحصول على إجابة، حتى لو كانت مبكرة. ما رأيك في اقتراح والدتي؟”
ابتسمتُ ببطء لسؤال الأمير آسلان.
“لم يُعرض عليّ أي اقتراح بعد.”
كانت كلماتي تعني تقريباً: لم تمنحني شيئاً بعد. ضحك الأمير آسلان ضحكة خفيفة على كلماتي الهادئة. كان رجلاً يمتلك ضحكة ناعمة وجذابة. فجأة، تذكرت رجلاً يضحك بصدى أعمق من هذا.
ماذا سيفكر يوليان لو رآني هكذا؟
هل سيشعر بالاشمئزاز ويصفني بالمرأة المَاكِرة؟
من المضحك أن تفكر امرأة هي التي دفعت بجدية نحو زواج سياسي بهذه الطريقة. هززتُ رأسي، فبدى على الأمير آسلان علامات الاستفهام.
“هل هناك شيء يزعجكِ؟”
“لا.”
“إذا كان هناك أي انزعاج، فالرجاء إخباري. أليس كذلك؟ هكذا يمكنني أن أعرف ما تريده الدوقة.”
ابتسم الأمير آسلان بعينين رقيقتين. نظرتُ إلى الأمام وأنا أسير تحت حمايته وقلت:
“كل شيء يجب التفكير فيه ببُطْء.”
أملتُ رأسي قليلاً نحو الأمير آسلان وهمست:
“أنت لا تعرف ما يمكنني فعله يا سمو الأمير.”
ضحك الأمير آسلان مرة أخرى عندما تحدثتُ بهذا الصوت الواثق. يبدو أن إجابتي أرضته.
لم أكن أنوي الانضمام إلى جانب الأمير آسلان على الفور. لم أكن أعرف ما يمكن أن يقدمه، وهو أيضاً لم يكن يعرف ما يمكنني فعله. ومع ذلك، كان لدينا عدو مشترك، لذلك يمكننا أن نتعاون في أي وقت.
بعد ذلك، تبادلنا أحاديث خفيفة. قدم الأمير آسلان وصفاً موجزاً للمباني التي مررنا بها في طريقنا إلى قصر الأمير الثاني، وكنتُ أجاريه كالمرأة النبيلة المُطِيعة.
بعد فترة وجيزة، وصلنا إلى قصر الأمير الثاني. كان قصر الأمير الثاني يبدو فخماً جداً للناظر. ربما كان حتى صباح اليوم يتباهى بزخارفه اللامعة كالطاووس.
لكن الوضع كان مختلفاً الآن. كان حرس القصر الإمبراطوري يحرسون المدخل، وجميع من يدخلون ويخرجون كانوا مسلحين. من الواضح أنهم لم يكونوا يذهبون ويأتون لأمر جيد، حيث كان الخدم المارون إما مرتبكين أو يراقبون المكان بفضول شديد.
وقف الأمير آسلان أمامي أمام قصر الأمير الثاني. عرفه قائد الحرس، فأسرع نحوه وأدى تحية صارمة.
“تحية لسمو ولي العهد!”
تقبل الأمير آسلان التحية بأسلوب لائق وغير مهين، ينم عن سُلْطَة.
“سمعت أن ضحيتين ظهرتا في قصر الأمير الثاني، فجئت لأتفقد الأمر بنفسي. كيف يسير هذا الأمر؟”
عندما سأل الأمير آسلان قائد الحرس، فكر الأخير للحظة ثم قدم تقريراً على الفور.
“ظهر المزيد من الضحايا بعد ذلك.”
“هل تقصد أن المزيد من عشيقات الأمير الثاني قد ظهرن؟”
“نعم. بالطبع نحن نتحقق، ولكن الداخل مُضطرب جداً، وستجد الأمر مزعجاً إذا تجولتَ فيه بنفسك.”
“لا يمكن لجلالة الإمبراطور أن يهتم بمثل هذه الأمور البسيطة، لذا من واجبي أن أتدخل.”
يبدو أن قائد الحرس وافق على قوله، ففتح الباب. لم يسأل حتى عن هويتي التي رافقت الأمير آسلان.
صفقتُ يديّ بهدوء. بدا أن سلطة الأمير آسلان عظيمة جداً. ابتسم لي الأمير آسلان ببراعة.
“لماذا ترغبين في رؤية قصر الأمير الثاني؟”
“خطيبِي السابق موجود هنا.”
اتسعت عينا الأمير آسلان بذهول عند سماع كلامي. لم يحاول إخفاء دهشته؛ لأنها كانت حقيقة مدهشة حقاً.
“خطيب الدوقة السابق، هل تقصدين الماركيز أمبر؟”
“أوه، هل تعلم؟”
“لا تعلمين كم كانت تلك قضية سَاخِنَةة.”
بالتأكيد كنت أعلم. كانت تلك هي الأشياء التي فعلتُها لأنني أردتها أن تكون كذلك. ابتسمتُ بخجل وراقبتُ المكان المحيط.
“إذا لم يكن الأمير الثاني مجنوناً، فلن يكون قد حبس ماركيز…”
وفي تلك اللحظة بالذات.
“سمو ولي العهد! هناك أمر طارئ.”
اقترب قائد الحرس ووجهه شاحب تماماً. بدا الأمير آسلان هادئاً وكأنه يتوقع شيئاً ما.
“أخبرني.”
“عُثر على الماركيز أمبر في القبو.”
اضطررت لتغطية فمي حتى لا يلحظني أحد وأنا أضحك بسخرية. حتى الأمير آسلان، الماهر في إخفاء تعابيره، لم يستطع إخفاء صدمته.
توجه الأمير آسلان مباشرة إلى القبو، ولم يمنعني من اتباعه. وعندما وقفنا أمام القبو، تحدثتُ إلى الأمير آسلان أولاً.
“سمو الأمير، هل تسمح لي بالدخول بمفردي؟”
سأل الأمير آسلان بجدية شديدة:
“هل هذا ما تريده الدوقة؟”
“إنه مجرد شيء واحد من بين أشياء كثيرة. نعم، هذا صحيح. أريد ذلك.”
كنت أعلم أن موقفي قد يكون مُسْتَفِزًّا، لكنني فعلت ذلك. كنت أرغب بشدة في مقابلة كايزاك في هذه اللحظة بالذات.
لأنني استطعت أن أتخيل مدى الشعور بالخيانة الذي سيشعر به كايزاك تجاه الأمير الثاني الآن. من المؤكد أن كايزاك سيتحدث بلا مبالاة الآن.
نظرت إلى الأمير آسلان بعيون مليئة بالإصرار.
تردد الأمير آسلان للحظة ثم أومأ برأسه. شكرته وحملت مصباحاً.
“أيتها الدوقة.”
أدرتُ رأسي ببطء عندما ناداني الأمير آسلان. كيف بدت تعابيري في تلك اللحظة؟ قال الأمير آسلان بعيون مظلمة كالقبو نفسه:
“لا تقتليه.”
لم أجب. اكتفيت بالابتسام.
أديتُ إيماءة احترام صامتة للأمير آسلان ودخلت القبو. كان القبو مظلماً كما يوحي اسمه. أضاءتُ المصباح على الجدران ونزلت السلالم ببطء. كان هناك صوت أنين خافت يُسمع من الداخل. حركتُ المصباح لأرى ما بداخل القفص الحديدي.
“كايزاك. هل أنت هنا؟”
“من، من…”
كان صوت الأنين المتردد بالتأكيد صوت كايزاك. كانت حياتي الزوجية معه قصيرة وطويلة في آن واحد. من المستحيل أن أنسى صوته. ابتسمت وهمست:
“أنا. لايلا.”
“لاي، لا؟ وينسلي…”
“صحيح. لايلا وينسلي. هل نسيت اسم زوجتك؟”
تجعد وجه كايزاك. لم يكن يفهم ما أقوله؛ لأنه لا يتذكر الزواج بي.
لكنني كنتُ أنا من لا يستطيع فهم كايزاك. كيف يمكنه أن ينساني بعد كل ما فعله بي! حتى لو عُدت للحياة ألف مرة، وكررت ذلك ألف مرة، ما كان يجب أن ينساني.
“أيتها المَجنُونَة…”
تمتم كايزاك بكلمات بذيئة، لكنني هززت رأسي. كان قصدي أن يصمت. لو كان كايزاك في حياتي السابقة، لكان صفعني بمجرد رؤية تصرفي. لكن كايزاك الحالي لم يستطع أن يلمسني حتى بأطراف أصابعه.
“هذا يكفي. لدي شيء أريد أن أسأله.”
جلستُ القرفصاء أمام كايزاك. وضعتُ المصباح على الأرض أيضاً. رأيت وجه كايزاك النحيل والغائر، الذي لم يرَ ضوءاً ولم يأكل طعاماً جيداً لفترة طويلة. لم يكن الماركيز أمبر الذي أسر قلوب العديد من الشابات موجوداً.
“كنت تعلم أن عائلة وينسلي لن تدعم الأمير الثاني، أليس كذلك؟ لماذا تزوجتني رغم ذلك؟”
“ماذا… أنا لم أتزوجكِ… آآآه!”
أمسكتُ بيد كايزاك التي كانت قابضة على القضبان الحديدية وسحبتها، ووضعت شعلة المصباح بالقرب من ذراعه. بدأ كايزاك يصرخ بعينين مليئتين بالرعب. لم أبدأ بعد.
“لا تعترض على أي كلمة أقولها. لماذا كنت مخطوباً لي؟”
“ذلك، ذلك بأمر من الأمير الثاني…”
كنت أعلم أن اسمه سيُذكر. لكن سماع ذلك مباشرة أحدث صدمة أكبر. حاولتُ جاهداً ألا ترتجف يدي. لماذا أراد الأمير الثاني أن يدفع بزواجي من كايزاك؟ ما الذي كان سيكسبه من ذلك؟
“لماذا الأمير الثاني؟”
تردد كايزاك للحظة. لكن عندما قربتُ الشعلة أكثر من ذراعه، بدأ يصرخ بألم ويتحدث بسرعة.
“لإلصاق! لإلصاق تهمة بهم! قال إذا أصبحتِ زوجتي، فإن عائلة وينسلي ستكون غافلة وتثق بي، لذلك أمرني بالزواج منكِ.”
“أية تهمة؟”
كانت يدي ترتعش. لأنني كنت أعرف الإجابة التي ستأتي منه.
“خيانة… قال إنه سيجعلهم يرتكبون الخيانة. أرجوك اتركيني، وينسلي… لا، لايلا. ألم تكوني تحبينني ذات مرة؟ ما هو السبب وراء كل هذا…”
لكنني لم أتركه.
“لماذا حاول إلصاق تهمة الخيانة بعائلة وينسلي؟”
“أنا، أنا لا أعرف…”
لا يمكن أن لا يعرف. لا يمكن أن يجهل ما أعرفه أنا. زواجي من كايزاك، أوامر الأمير الثاني، منصب والدي كماركيز، كل هذه الأشياء مجتمعة كانت تعطي الإجابة.
كانت عائلة الماركيز وينسلي عائلة نبيلة خدمت الإمبراطورية على الحدود منذ أجيال. حافظوا دائماً على ولائهم للعائلة الإمبراطورية والحياد. واعتبر الأفراد ذوو الأفكار المماثلة أبي وعائلتنا قادة للحزب المحايد. كان من الطبيعي أن يدعم الماركيز وينسلي ولي العهد، ولهذا كانوا يحذرون منه.
شددتُ قبضة يدي على ذراع كايزاك وسحبتها أكثر، ووجهت الشعلة نحو عنقه. رأيت عيني كايزاك ترتفعان من الألم. ومع ذلك، لم يهدأ غضبي.
“أنا حقاً لا أعرف…”
“لا تكذب! الأمير الثاني ليس ذكياً بما يكفي للتفكير في مؤامرة. إذا لم تكن هذه خطتك، فمن هو صاحبها؟”
“أرجوكِ! أنا حقاً لم أفعل ذلك!”
توسل كايزاك بشكل مُزْرٍ. نظرتُ إليه بعينين محمرتين وصرخت:
“إذاً من يكون!”
شعر كايزاك*بالضغط وبدأ يفكر بوجه مشوه. بدا أنه يحاول التفكير في أي شيء، أي معلومة يبيعها لي إذا كان ذلك يعني التخلص من المرأة المُتَوَحِّشة التي تُلقي نيراناً حارقة على عنقه. توصل كايزاك إلى شيء في النهاية.
“تلك، تلك المرأة. بعد مجيء تلك المرأة.”
“من تقصد؟”
“آه، آري! بعد مجيئها، بدأ الأمير الثاني يطمع في الـ، في العرش.”
بدأت يدي التي تحمل الشعلة تفقد قوتها ببطء. حاول كايزاك استغلال تلك اللحظة واندفع نحو يدي.
لكنني أطلقتُ تنهيدة وألقيتُ الشعلة على جسده. بدأ كايزاك يصرخ بأسف وبدأ يتدحرج على أرضية الزنزانة القذرة.
لكنني لم أعد أراقبه، بل نظرتُ إلى خارج القبو بشرود.
التعليقات لهذا الفصل " 30"