شحب وجه الأمير كين عند سماع كلام الإمبراطورة. فإذا وافقت الإمبراطورة، يصبح من الصعب على الإمبراطور أن يرفض. والأهم من ذلك، أن الإمبراطور لم يكن يبدو راغباً في الرفض أيضاً.
جثا الأمير كين على الفور أمام الإمبراطور. حتى الأمير كين، شديد الاعتداد بنفسه، لم يكن سوى ابن عاق أمام الإمبراطور.
“يا أبتي! أرجوك، أرجوك أعد التفكير في الأمر.”
تنهد الإمبراطور ونظر مباشرة إلى الأمير كين.
“الإمبراطورة هي من سمحت، فلماذا تطلب مني أنا؟”
على إثر تلك الكلمات، أسقط الأمير كين رأسه وهو يطحن أسنانه. لكنه لم يلبث أن توجه نحو الإمبراطورة ليجثو أمامها مرة أخرى. وعندما كان على وشك التوسل، قالت الإمبراطورة:
“رأيي لم يتغير. أرغب في تلبية طلب الدوقة دوزخان.”
“إذاً، فليكن الأمر كذلك.”
بسهولة، جاءت موافقة الإمبراطور على رد الإمبراطورة. يبدو أن الشائعات صحيحة بأن الإمبراطور يحب الإمبراطورة رغم مرضها؛ لشدة حكمتها. لم يبدِ الإمبراطور أي تردد في قبول كلامها.
أشار الإمبراطور على الفور إلى رئيس الخدم.
“اذهب مع الخدم وفتش قصر الأمير الثاني بدقة! وابقَ أنت أيها الأمير الثاني هنا. لا تتدخل عبثاً.”
“يا أبتي!”
كان نداءً مؤثراً للغاية. لكن الإمبراطور رمى فنجان الشاي نحو قدمي الأمير كين وصرخ بغضب:
“اخرس! إن عُثِرَ على وصيفتها في قصرك فعلاً، سأقطع لسانك!”
أن يقتني شخص ليس بإمبراطور، وخاصة أمير، عشيقات، يعتبر إهانة للإمبراطور. لم يمض وقت طويل على التاريخ الذي سعى فيه أمير بجيش كبير من العشيقات والأحفاد للعرش، فكيف يجرؤ أمير آخر على اتخاذ عشيقات مجدداً؟
وإذ رأى الإمبراطور ارتباك الأمير كين، لم يعد يحتاج إلى تفتيش القصر لمعرفة الإجابة.
كان الإمبراطور يعلم أن ابنه الثاني مغرم بالنساء، وكان يعلم بكل الشائعات التي تدور حوله، لكنه وثق بأنه لن يتجاوز الخطوط الحمراء. يبدو أن تلك الثقة كانت لا تليق بذلك الأحمق.
نظر الإمبراطور إلى الأمير كين بعيون غاضبة. جثا الأمير كين بصمت بجوار فنجان الشاي المكسور.
“أيتها الدوقة، يمكنك النهوض والجلوس.”
“أنا أخشى أن أفعل ذلك بسبب نِعَم جلالة الإمبراطور العظيمة.”
“قلتُ لكِ انهضي. فلنتحدث أنا وأنتِ عن يوليان… وهل لديكِ هدية لتقدميها لي أيضاً؟”
تحول وجه الإمبراطور إلى وجه مبتسم على الفور. كان تغيير تعابيره سريعاً وكأنه يرتدي قناعاً آخر. شعرت بالقشعريرة من منظره، ولكن على الأقل، كان الوجه الذي يواجهني الآن مبتسماً. ما دام هذا الحجر في يدي، فسوف ينصفني.
نهضت بأدب متظاهرة بالامتثال. وبإشارة من الإمبراطورة، اقتربت إحدى خادمات الإمبراطور بفطنة لمساعدتي على النهوض.
“أجل، أجل. اقتربي أكثر من هنا.”
هل كان يقصد حقاً أن أقف هنا؟
كان الموقف محرجاً جداً، جداً. الأمير الثاني يجثو على ركبتيه بجواري، و الخادمات مشغولات بتنظيف فنجان الشاي المكسور والشاي المسكوب، بينما كان عليّ أن أقف قريبة جداً بين شخصين هما الأجَلُّ قدراً في العالم. أومأت الإمبراطورة بابتسامة حنون، مما جعلني أتمنى أن أعض لساني وأموت.
ومع ذلك، كانت هذه فرصة أيضاً. تحركت بهدوء. شد الإمبراطور يدي وكأنه جدي، وربت عليها بلطف.
بسبب ذلك، اضطررت إلى تقديم الصندوق بيد واحدة، وهو تصرف غير لائق. ظننت أنني سأموت من الإحراج، لكن الإمبراطور لم يبدِ نية في ترك يدي. كانت نظراته وتصرفاته وكأنه يرى حفيدته.
“أوه، أجل. هذا هو.”
لم يبدُ الإمبراطور مهتماً إن كانت يدي واحدة أو اثنتين. كان اهتمامه منصباً فقط على ما بداخل الصندوق.
عندما فتح الإمبراطور الصندوق، ظهر الحجر السحري النادر يضيء بضوء شفاف لامع. لم يكن مصقولاً بعد، لكن هذا جعله يتميز بجمالية طبيعية ممزوجة ببعض الخشونة.
“أليس هذا الحجر يحتوي على قوة سحرية تزيد ألف مرة عن الحجارة العادية؟”
“نعم يا صاحب الجلالة. إنه حجر نادر الوجود.”
“إذاً… كم وُجِدَ منه في منجم إقطاعية دوزخان؟”
ابتسمت وأجبت:
“هل سيكون تصرفي مضحكاً دون أن يسيء لجلالتك؟”
ضحك الإمبراطور بصوت عالٍ وأومأ برأسه. بناءً على موافقته، فتحت ذراعيّ على اتساعهما مثل جبل، ورسمت دائرة كبيرة من أطراف أصابعي حتى قدميّ. بعد الانتهاء من حركتي، وقفت منتصبة وسعلت بخفة. قدمتُ التحية مرة أخرى وواصلت الكلام.
“سامحني على عدم اللياقة يا صاحب الجلالة. لكن هذا الحجم الكبير من الحجر هو ما تم استخراجه بالفعل. لقد فصلت جزءاً منه فقط لأعرضه على جلالتك على الفور.”
اتسعت عينا الإمبراطور من حركتي، ثم ضحك بقهقهة. كانت ضحكة مدوية. والمفاجئ أكثر هو أن الإمبراطورة التي كانت تشاهدني أطلقت ضحكة صغيرة أيضاً.
عندما نظرت إليها باندهاش، غطت الإمبراطورة فمها وهي تبتسم.
“أيتها الإمبراطورة، لم أركِ تضحكين بصوت عالٍ منذ زمن بعيد.”
“تصرفات الدوقة دوزخان طفولية وساذجة، إنها حقاً لطيفة.”
نظرت إليّ الإمبراطورة بارتياح. لقد تفاجأت بأن نظراتها كانت موجهة إليّ وليس إلى الحجر السحري النادر.
“ولي العهد كان وقوراً منذ صغره ولا يمكن العثور على أي تصرف طفولي منه. يسعدني أن أرى شيئاً من هذا القبيل من الدوقة.”
“إذا كان تقصيري قد أسعدكم، فهذا يُسعدني.”
ضحكنا نحن الثلاثة معاً.
باستثناء الأمير كين.
كنت أتحدث عن أن الحجر السحري النادر كان أسود حالكاً عندما اكتشفته لأول مرة، عندما دخل رئيس الخدم على عجل. انحنى رئيس الخدم بوجه عابس بكل احترام، وهرع نحو الإمبراطور ليقدم تقريره بلياقة.
“صاحب الجلالة، لقد فتشنا قصر الأمير الثاني. ولكن…”
“واصل كلامك.”
“…عثرنا على سيدة تتجول في القاعة، ولم تكن السيدة ماريان. بل كانت الآنسة آري إريانت… ابنة الماركيز إريانت المفقودة.”
توترت عروق يد الإمبراطور التي كانت تربت على يدي. تحول وجه الإمبراطور إلى غضب عارم وكأنه وضع قناعاً آخر. ارتفعت حرارة الغضب حتى وصلت إلى جبينه المتجعد.
“سامحيني أيتها الدوقة.”
همس الإمبراطور لي، ثم التقط فنجان الشاي المخصص لي ورماه نحو الأمير كين. لم يكن نحو قدميه هذه المرة. طار الفنجان مباشرة نحو جبهته.
شهقتُ بخوف من تصرف الإمبراطور العنيف. تأوه الأمير كين بألم وأخفض رأسه. سالت دماء حمراء من بين خصلات شعره الفضي.
“يا، يا أبتي… استمع لكلامي…”
“أي كلام تريدني أن أسمع! وهل وجدتم خادمة الدوقة؟”
“نعم. عثرنا عليها بمساعدة الآنسة إريانت. لكنها كانت محتجزة في المخزن، وحالتها ليست جيدة.”
“ماريان…”
انبعث صوت الأسف من فمي. ارتجف جسدي قليلاً كدليل على الصدمة، فشدت الإمبراطورة يدي بقوة.
عندما نظرت إليها، أومأت الإمبراطورة بابتسامة حنونة. ثم تحدثت إلى الإمبراطور نيابة عني:
“صاحب الجلالة، أنا أقدّر رغبتك في تأديب الأمير الثاني، لكن يبدو أن الخادمة ماريان عزيزة على دوقة دوزخان. من الأجدر الإسراع في علاجها.”
توقف الإمبراطور عن غضبه وهو يلهث، ثم أغمض عينيه بقوة. بدا أنه يهدئ غضبه بسرعة. لقد كان شخصاً مخيفاً بكل المقاييس.
“حسناً، عالجوا الخادمة ماريان والآنسة إريانت، وأعيدوا كلاً منهما إلى منزلها.”
بعد ذلك، تحدث الإمبراطور بوجه بارد. نظراته الباردة سقطت على الأمير كين ثم انزاحت عنه دون رحمة.
“يا أبتي! يا أبتي…”
صرخ الأمير كين وهو يقبض قبضتيه بقوة على الأرض. لم يكن فقدانه للنساء اللاتي طمع فيهن سوى خسارة صغيرة جداً. لقد فقد ثقة الإمبراطور. قال الإمبراطور ببرود وكأنه لا يسمع صرخات الأمير كين:
“يتم احتجاز الأمير الثاني في قصره وتغيير جميع خدمه. سيتولى هؤلاء الخدم مهمة مراقبة الأمير الثاني، وفي اللحظة التي يتم فيها الإبلاغ عن اتصال الأمير الثاني بأي شخص، سيتم إعدام كل من اتصل به.”
لكن هذا كان كل ما في الأمر. تساءلت عما إذا كان هذا هو الحد الأقصى للعقاب، حيث لم يستطع قتله في النهاية.
عضضت شفتي خفية. هل هذه هي التكلفة الوحيدة لارتكاب جريمة إهانة الإمبراطور؟
شعرت برغبة عارمة في الاندفاع وقتل الأمير كين على الفور. لا، بل أردت أن أخدش كل ما تحت أظافر الأمير كين بسكين، ثم أنزعها في النهاية، وأحرقه إصبعاً إصبعاً، وأغرقه في عذاب بطيء وطويل.
لكن لم يكن هذا هو الوقت المناسب. على عكس الماضي، لم تسقط عائلتنا ولم نتهم بالخيانة. ولهذا، كان هذا هو أقصى عقاب يمكن أن ينزل به عليه.
كل شيء تغير مقارنة بالماضي. يجب عليّ أن أرسم مساري الجديد أيضاً.
جثوتُ على ركبتي أمام الإمبراطور، محوّلة وجهي الملطخ بالدموع إلى تعابير امتنان.
“صاحب الجلالة، أرجو المعذرة. أنا ممتنة بصدق لرحمة جلالتك التي هي كالسماء. أنا و خادمتي سنكون مواليتين لجلالتك إلى الأبد.”
عندما انحنيت بعمق، أشار الإمبراطور لخادمته. مرة أخرى، ساعدتني خادمة الإمبراطور على النهوض. قدمت التحية مرة أخرى.
في هذه الأثناء، كان الأمير كين لا يزال يرتجف ومتكوِّراً على الأرض. أشار الإمبراطور للخدم دون أن ينظر إليه.
سارع الخدم بسند الأمير كين واختفوا بسرعة. ولم يتبقَ في القاعة سوى الإمبراطور والإمبراطورة وأنا، وعدد قليل جداً من الخدم.
في اللحظة التي أُغلِق فيها باب قاعة الاستقبال، تحولت تعابير الإمبراطور اللطيفة إلى تعابير حادة على الفور.
“أيتها الدوقة.”
“نعم يا صاحب الجلالة.”
قررتُ أن أتجاوب بذكاء مع هذا التحول. تراجعت بخطوات للوراء وعدت إلى المكان الذي كنت أقف فيه أصلاً.
نظر إليّ الإمبراطور بهدوء، ثم تحدث ببطء:
“بفضل الدوقة، عادت قوانين القصر إلى نصابها.”
كان صوته مخيفاً جداً، على عكس ما كان عليه عندما كان الأمير كين في القاعة. أدركت على الفور أن الأمير كين لم يُعاقب بتهمة الخيانة. لقد نال عقاباً فحسب.
ارتعشت من الغضب لهذه الحقيقة. إنهم يراقبون يوليان الذي لم يرتكب أي خطأ لدرجة منع زواجه، بينما ابنه، حتى لو ارتكب جريمة خيانة، فإنه يحاول إنقاذه بأي ثمن؟
إذاً.
جثوتُ على ركبتي على الفور. كانت ركبتاي تؤلماني بشدة لأنني جثوت بقوة قبل قليل، لكنني لم أغير تعابيري، ورفعت صوتي:
“يا صاحب الجلالة، هذا سوء فهم!”
سأل الإمبراطور بفضول كبير:
“سوء فهم؟ ما هو سوء الفهم الذي وقعت فيه؟”
“لم يكن قصدي الكشف عن خيانة الأمير الثاني يا صاحب الجلالة. أعلم أن الدفاع عن سلامتي وإظهار ولائي لجلالتك قد يظهر على أنه عدم ولاء، بسبب تداخل الأحداث بهذا الشكل. لكن كل هذا محض صدفة.”
“أيتها الدوقة، لقد مدحتك، ولكن يبدو أنكِ تتصرفين كأنكِ قد وبختِ.”
“يا صاحب الجلالة، حتى لو لم تسألني عن الجرم، فإن واجبِي هو أن أتقدم وأشرح، وإذا لم يكن شرحي كافياً، أن أتقبل العقوبة دون تردد. هذا ما تعلمته من والدي، الماركيز وينسلي.”
صمت الإمبراطور للحظة. كان ينظر إليّ بعينين نصف مغمضتين. كانت نظرة الثعلب العجوز هذه تجعلني أشعر وكأنه يرى كل ما يدور في داخلي. بقيت جاثية على ركبتي وأنا متوترة.
كان هذا سؤالاً سرياً للغاية. لقد حافظت عائلة الماركيز وينسلي دائماً على الحياد. كان يسأل عما إذا كان الماركيز وينسلي قد قرر دعم ولي العهد ليصبح الإمبراطور القادم بدلاً من الإمبراطور الحالي.
هززت رأسي:
“أقسم يا صاحب الجلالة، هذا ليس صحيحاً على الإطلاق.”
“أثبتي لي ذلك.”
“لو كانت لدي نية أخرى، لما جئت لأقدم الحجر السحري النادر إلى جلالتك. وحتى لو فعلت، لكنت أخفيت بعضاً من كميته. لكن عائلة الدوق دوزخان مستعدة لتقديم الحجر السحري النادر إلى جلالتك في أي وقت، ولذا نحن مستعدون للكشف عن كل شيء.”
كانت استخدامات الحجر السحري النادر متنوعة جداً. على عكس الأحجار السحرية الأخرى، كانت قدرته على تجميع القوة السحرية قوية، مما يسمح بإضافة العديد من الوظائف حتى لأصغر الأشياء، ويسهم كثيراً في التطور التكنولوجي. وبطبيعة الحال، كانت قيمته عالية.
صمت الإمبراطور للحظة. لا بد أنه كان يفكر في كلماتي. يبدو أنه وجد منطقاً في كلامي، ففتح فمه بصعوبة.
“ما هو سبب إبلاغك عن جريمة الأمير في هذا التوقيت بالذات؟”
التعليقات لهذا الفصل " 28"