لم أستطِعْ معرفةَ هويةِ المُتكلّم. لكِنّني عَلِمْتُ الإجابةَ على كلمتِه تلكَ تمامًا.
‘أجل! لديَّ شيءٌ يجبُ عليَّ إنجازُه حتمًا!’
كنتُ مُتَلهِّفةً. ولهذا السَّببِ، تمكّنتُ من التَّمنِّي والشَّوقِ دونَ معرفةِ هويَّةِ الطَّرفِ الآخر. تمنّيتُ أن يُعطِيَني فُرصةً، وأنّني لو مُنِحتُ فُرصةً أخرى، فسأحمِي الجميعَ هذه المرة.
‘إذًا… عُودي… إلى…’
الصَّوتُ الذي كانَ مُتقطِّعًا رَنَّ بعمقٍ في أُذنيّ، ثُمَّ اندفعَ بعيدًا. مَددتُ يَدي لأُمسِكَ بذلكَ الصَّوت، لكنْ لم أَصِلْ إلى شيء. شعرتُ وكأنَّ كلَّ شيءٍ يَتَسرَّبُ من بينِ أصابعي، كأنّني غارقةٌ في مُحيطٍ عميق.
قاوَمْتُ بكلِّ قوَّتي. لم يكن في وُسعي أنْ أنتهيَ هكذا.
أومأتُ برأسي على كلامِ والدي. خرجَ أفرادُ العائلةِ من غُرفتي، كلُّ واحدٍ منهم يُعانقُني أو يُربِّتُ عليَّ.
أجل، كلُّ هذا كانَ كابوسًا مُريعًا. اعتقدتُ أنَّ شيئًا لم يَحدُثْ مُنذُ البداية. لا، لقد قَرَّرْتُ أنْ أُفكِّرَ هكذا.
‘آه.’
سالَ الدَّمُ من فَمي. كانت كميَّةٌ قليلة، لكنَّه كانَ دمًا بوضوح.
غطَّيتُ الدَّمَ الخفيفَ على راحةِ يَدي باليدِ الأخرى بِحُرقةٍ وغَرِقتُ في التَّفكير.
حتماً، حدثَ شيءٌ كهذا في الكابوسِ أيضًا. عَرَضتُ الأمرَ على الطَّبيب، لكنْ لم أحصل على إجابةٍ سِوى أنَّها مُجرَّدُ جُروحٍ في الفَمِ أو الحَلق. ومع ذلك، في نِهايةِ الكابوس، كُنتُ أموتُ وأنا أتَقَيَّأُ دِماءً غزيرة.
ربّما هذهِ المرةَ أيضًا…
جَلستُ على السَّريرِ بِوَهَن.
لقد عُدتُ بالزَّمنِ إلى الوَراء.
كيفَ عُدتُ بالزَّمن؟
تذكَّرتُ اللَّحظةَ الأخيرة.
قبلَ أنْ يُمسك بي الدُّوق دوزخان، كُنتُ جاثيةً على رُكبتيَّ أمامَ التمثال لِساعات. هل وَصَلتْ دِمائي ودُموعي التي قَدَّمتُها؟
“آنستي الشَّابَّة، هل أنتِ جاهزةٌ بعد؟”
عجَّلتْ بي الخادمةُ آنا بحذر. وقفتُ أمامَ المِرآةِ ونظرتُ إلى نَفسي.
كانَ وجهٌ أكثرُ شَبابًا وحيويَّةً ممّا كنتُ عليهِ في الكابوسِ، أو بالحياةِ السّابقة، يُقابِلُني.
شَعري الذي كانَ يَزدادُ جَفافًا كانَ يَتَموَّجُ بِبهاءٍ ويَلمَعُ بجمالٍ ذَهبيّ. بالإضافةِ إلى ذلك، كانَ جسدي الذي كرَّستُه لِلتَّدريبِ على المُبارزةِ قويًّا وناعمًا.
وَقفتُ ساكِنةً ويدي على المِرآة، ثُمَّ استدرتُ. كيفَ يَبدو وجهي ليسَ هو المُهمّ. المُهمُّ هو حمايةُ عائلتي.
نَزلتُ الدَّرجَ إلى غُرفةِ الطَّعامِ فرأيتُ المائدةَ حيثُ جَلستْ عائلتي في حَلْقة. ربّما لأنّني بَكيتُ مُنذُ الصَّباح، فقد رَحَّبوا بي بِحَفاوةٍ أكبر.
لم يُلقِ علينا نظرةً واحدةً بينما كانتْ عائلتي تَموت. لم يُظهِر لي حتى التَّعاطُف. لم أستطِع أن أتخيّلَ العَودةَ إلى فراشٍ واحدٍ مع رجلٍ كهذا مَرَّةً أخرى.
“لا أُريدُ الزَّواجَ من الماركيز أمبر. أُريدُ فسخَ الخُطوبةِ يا أبي.”
كانتْ عيونُ العديدِ من الفتياتِ ما تزالُ واضحةً في ذاكرتي، كيفَ نَظرنَ إليّ بإعجابٍ وغَيرةٍ عندما تقدَّمَ كايزاك لِخِطبتي. في ذلكَ الوقت، شَعرتُ أنا أيضًا بالإثارةِ والرَّجفة. أمَّا الآنَ، فأنا أرتعِشُ من الغَضَب.
نَظرَ أفرادُ عائلتي إلى بعضِهم البعضِ بِحَيرة. كانَ أوّلُ مَن تكلَّمَ هو والدي.
“هل أساءَ إليكِ الماركيز أمبر؟”
كانتْ عائلةُ الكونتِ وينسلي، باستثناءِ أمّي، جميعُهم من حَمَلةِ لقبِ الفارس، وجميعُهم ذوو عَقيدةٍ راسخة. لهذا السَّبب، بمُجرَّدِ أنْ يُعطوا قلبَهم لأحدٍ، لا يَعودونَ عنه.
كانَ هذا صحيحًا بالنِّسبةِ لي أيضًا. كنتُ أنا أيضًا على استعدادٍ لِإعطاءِ كلِّ شيءٍ لكايزاك في حياتي السّابقة. لِذا، كانَ من المُحَيِّرِ لهم أنْ أتَراجعَ بهذهِ السّرعة.
التعليقات لهذا الفصل " 2"