مَررتُ بِالرَّدهة التي يَدخُلها النّسيم المُنْعش، وعندما خَرَجتُ، رأيتُ الأميرة أبيغيل وشَعرها مُنْكَمِش لِتَجَنُّب الكلب. كانتْ لا تزالُ جميلة، لكنه كانتْ مَنظراً مُضحِكاً في الوقت نَفسه. كَبحتُ ضَحِكتي بِجُهد وصحتُ على الكلب.
“أيُّها الكَلب! تعالَ إلى هنا!”
نظرتْ إليّ الكُتلة الصُّوفيّة البيضاء العملاقة، التي كانتْ تَنبَح على الأميرة أبيغيل،. لَفَّتْ لِسانها وكأنّها عرفتْ أنّني أدعوها، ثمّ اندفعتْ نحوي. صَرختْ الخادمات الواقفات بِجوارها وهُنَّ مُرتَبكات. بَدا أنّهم ظنّوا أنّ الكلب سيُهاجمني.
لكنَّ الكلب لم يكن حيواناً عُدوانيّاً على الإطلاق. كانَ كَلباً أليفاً. مَدَدتُ ذراعيَّ نحوَ الكلب، فَدَفَع الكلب وَجهه بينَ ذراعيَّ. كانَ كَلباً ذكيّاً يعرفُ كيفَ يتوقّف قبلَ أن يَرتطم بِجَسدي مُباشرة.
لِأنّني ربّيتُ الكثير من الكِلاب، عرفتُ أنّ الكِلاب الذكيّة تعرفُ كيفَ تَتَحكَّم في قُوّتها، ووثقتُ في أنّ هذا الكلب سيفعلُ ذلك أيضاً. إذا لم يفعلْ، فماذا سَيَحدُث سوى أن نتدحرج على العشب؟
“هاهاها، يا لَك من لطيف.”
ضَحكتُ وأنا أُدلّك خَدّي بِخَطم الكلب الطّويل. كانَ فِراؤه الأبيض النّاعم مُحِبّباً جِدّاً. بعدَ عِناق الكلب الكبير لِفترة طويلة، أدركتُ أنّ الأميرة أبيغيل لا تزالُ أمامي وسعلتُ. رَفعتُ رُكبتاي المُنْحنيتين وانحنيتُ نحوَ الأميرة أبيغيل.
“أُحيّي صاحبة السّموّ الأميرة. هل استرحتِ جيّداً في اللّيلة الماضية؟”
شَعرتُ بِالحَرَج قليلاً لِأنّني أحاولُ التّصرُّف بِلُطف فجأة. نَظرتْ الأميرة أبيغيل إليّ وإلى الكلب بالتّناوب بِوَجهٍ مُرتاع، ثمّ نفضتْ ذيل فُستانها بِصوت مُدوٍّ.
“دوقة دوزخان مُتَهوِّرة حقّاً.”
على الرّغم من أنّها لا تُحبّني، إلّا أنّ كلمتها في التّحيّة الصّباحيّة كانتْ قاسية. يا لَها من امرأة مُتَغَطرِسة. فكّرتُ: “لأعتبرها مجرد أختٍ صغرى” و ابتسمت.
“حتّى يوليان قالَ إنّني حيويّة.”
على هذه الكلمات، تَجَمَّد وَجه الأميرة أبيغيل. شَعرتُ بِالسّعادة عِندما رأيتُ التّعبير المُتَضايق لِلأميرة أبيغيل، التي كانتْ تتجاهلني دائماً.
“حَسناً، أنتِ. لِماذا كنتِ في تلكَ الغرفة؟ هل دخلتِ غرفة يول دونَ إذن؟”
“دخول بِدون إذن؟ لقد دخلتْ الزّوجة غرفة زوجها فحسب.”
“لا تنسَيْ أنّ زواجكما هو زواج مصلحة!”
كانتْ لهجتها الشّرسة مليئة بِالغَيْرة. والمِلكيّة تِجاه يوليان.
لم يكن شُعوراً جيّداً أن أعرفَ أنّ هناك شَخصاً آخر يَعرفُ أنّ يوليان هو شَخص جيّد. ربّما لم أكُن مُختلفة كثيراً عن الأميرة أبيغيل.
“هل تجرؤين على إحضار كَلب إلى قصر الدّوق؟ هل تَعتقدين حقّاً أنّكِ سيّدة دوزخان؟”
إذا صرختْ بِصوت عالٍ هكذا، فمن الطّبيعيّ أن يَحذَر الكلب. إنّه كَلب هادئ المَظهر هكذا.
مَسحتُ عُنق الكلب بِلُطف وابتسمتُ. على عَكس البارحة، كانتْ ثِقتي مُتَدفِّقة. سواءً كنتُ أتصرف بِعَقل أو بِجُنون، فإنَّ الأميرة أبيغيل ستكرهني.
“فرد العائلة الجديد يَنبَح على الغرباء. أعذري وقاحتَه.”
كانَ لِقائي بِالكلب قَصيراً، أقصر من الوقت الذي قضيته مع الأميرة أبيغيل التي كانت أمامه. لكنَّ الكِلاب لديها عواطف، وتعرفُ مَن يَهتمّ بِها. انحنيتُ لِوَقت قصير وقلتُ:
“هل ستعودين إلى القصر الإمبراطوريّ اليوم؟ سأُعدُّ كُلَّ شيء بِشكل جيّد.”
بينما كنتُ أستدير، قالتْ الأميرة أبيغيل على ظَهري.
“يا آنسة وينسلي، لم أفقدْ أبداً ما أردتُ الحصول عليه.”
على الصّوت البارد الذي أثارَ الرُّعب، استدرتُ دونَ وَعي، لكنَّ الأميرة أبيغيل كانتْ تبتعدُ وظَهرها إليّ.
***
بعدَ مُغادرة الأميرة أبيغيل، عادَ الهُدوء إلى قصر الدّوق دوزخان. لم أستطعْ تناول الطّعام مع يوليان، لكنّنا كنّا نلعبُ الشّطرنج في بعض الأحيان.
أتذكّرُ أنّه كانَ يَلعب بِجُرأة عِندما لعبتُ الشّطرنج مع عائلتي، لكنّه كانَ يَتَراجع قليلاً عِندما يَلعب مَعي. عندما غضبتُ منه لِأنّه لم يَلعب بِجِدّ، قالَ يوليان بِحَرَج:
“أنا لا أُجاملكِ، لكن خُطواتكِ مِثلكِ، لا أعرفُ إلى أينَ ستذهب.”
اعتقدتُ أنّه كانَ يسخرُ مِنّي لِأنّني ألعب بِشكل عشوائيّ، لكنّه بَدا مُرتبكاً بِصِدق، لِذا قررتُ أن أُسامحه وأنا أضعُ ذراعيَّ. كانَ من المُلفت للنّظر رؤية يوليان يُمسكُ قِطعة الشّطرنج في الهواء ويُفكّر.
بعدَ مُرور بضعة أيّام هكذا، أصبحتُ قريبة جِدّاً من ماريان أيضاً. كانتْ ماريان صديقة جيّدة جِدّاً إذا لم يكن هناك رَجُل بيننا. كانتْ بارعة في الكلام ولديها سِحر يَجذبُ النّاس. لِدرجة أنّني فكّرتُ أنّ الأمير الثّاني قد لا يَنبذها.
ووصلتْ رسالتان كنتُ أنتظرهما.
إحداهما كانتْ دعوة لِحفلة من الماركيزة إريانت، والأخرى كانتْ رسالة من ليتي.
كانَ مكتوباً في دعوة الماركيزة إريانت أنّها تَتَمنّى لِيَ أن أُشَرِّف الحفلة كَما في المرّة السّابقة. بِما أنّني أخذتُ ماريان، التي كانتْ العشيقة السّرّيّة لكايزاك، فلا بُدَّ أنّهم فضوليّون لِمَعرفة آخر الأخبار. بالطّبع، كتبتُ رِسالة قَبول لِأنَّ لديّ شيئاً أُريدُ أن أُريهم إيّاه.
بعدَ ذلك، فتحتُ الرّسالة التي جاءتْ من ليتي.
[إلى صديقتي العزيزة لايلا.
لايلا، أخبرتُ أُمّي عن صديقتكِ.
قُلتِ إنّه سِرّ، لِذا أخبرتُ أُمّي أيضاً أنّه سِرّ.
لكن بَدا أنّ أُمّي أخبرتْ صديقاتها عن صديقتكِ في وقت الشّاي.
أنا آسفة جِدّاً. سأعتذرُ لَكِ بِشكل صحيح في الحفلة القادمة.]
ضَحكتُ وأنا أقرأ الرّسالة. شوان هو طفل شقيّ حقّاً.
كانَتِ الرّسالة التي أرسلتُها إلى ليتي في السّابق تطلبُ منه نَشر شائعة عن ماريان.
كانتْ الشّائعة التي طلبتُ من شوان نَشرها عن ماريان كما يلي:
[ماريان، العشيقة السّرّيّة لكايزاك، هي جميلة خارقة لِدرجة أنّ الآنسة وينسلي تَغارُ منها. إنَّ ماريان أجمل من آري إريانت، التي كانتْ مَشهورة بِجَمالها المُتميّز، ولهذا أخفاها كايزاك سِرّاً لِأنّه لم يَرغب في تَسليمها إلى الأمير الثّاني.]
نشرَ شوان الشّائعة بِشكل صحيح، وأرسلَ لي النّتيجة سِرّاً هكذا. كانَ الأمر مُمتعاً وكأنّنا نتبادلُ الرّسائل المُشَفّرة.
لكن عندما قرأتُ السّطر الذي يليه، تَجَمَّد وَجهي.
[هل تعلمين أنّ صديقكِ السّابق هو صديق لِأخي الثّاني؟
إنّه صديق، لكنّه يَبدو كالأحمق.]
كانَ شوان الابن الأكبر للماركيز إريانت. ليسَ لديه أخ أكبر، ولا حتّى أخ أصغر. والرَّجُل الوحيد الذي يُمكِنُ أن يُشير إليه بِـ “أخي الثّاني” بيننا هو شَخص واحد.
الأمير الثّاني. و صديقي السّابق يجب أن يكونَ كايزاك. إنّه يقولُ إنَّ كايزاك هو مرؤوس الأمير الثّاني. كايزاك هو تابِع الأمير الثّاني…
مُنذ متى؟ لا، هذه الحقيقة ليستْ مُهمّة.
المُهمّ هو أنّني في حياتي السّابقة كُنتُ أستعدُّ لِلزّواج من كايزاك في هذا الوقت. وبعدَ بضع سنوات، رَكَعتُ عندَ قَدَمي كايزاك وتوسّلتُ إليه أن يُعيدني إلى عائلتي. في ذلك الوقت، لم يَحزن كايزاك على مَوت عائلتي، ولا حتّى أظهرَ التّعازي، ونظرَ إليَّ كآفة جاهِلة.
في تلك اللّحظة، جاءني إدراك مُفاجئ.
حتماً، قالَ لي كايزاك:
— يجب أن تعرفي أنّكِ على قَيد الحياة بِفَضل زواجكِ مِنّي.
في ذلك الوقت، اعتقدتُ أنّه كانَ يُبالغ في الثّقة بِوَضعه. لا، لم يكن لديّ وقت لِلتّفكير في أيِّ شيء آخر. لكنَّ كايزاك، على الرّغم من أنّه مُتَغَطرِس، إلّا أنّه لم يكن غبيّاً. من الواضح أنّه تحدّثَ وكأنّه يعرفُ كُلَّ شيء جيّداً.
لِأنّ كايزاك لا بُدَّ أنّه ساهمَ في مَوت عائلتي.
في البداية، كنتُ ألومُ كايزاك، ثُمَّ تحوّل هذا اللّوم تدريجياً إلى غضب. كانتْ رغبتي في الانتقام منه مُلِحّة أيضاً. لكنّني لم أُفكّر أبداً في أنَّ كايزاك سيكونُ عَدُوّاً مُباشراً إلى هذا الحدّ.
كانتْ فِكرة النّوم تحتَ لِحاف واحد مع كايزاك، وإنجاب طِفله، مَصدراً لِلنّفور والاشمئزاز.
مزّقتُ الرّسالة إرباً. لم يَهْدَأ غضبي، لِذا مَسحتُ مكتبي بِيَدي، ممّا جعله فوضويّاً. التقطتُ فنجان الشّاي الذي كانَ على الطّاولة ورميتُه على المِرآة، فانكسر الاثنان وأصدرا صوتاً عالياً.
لكنّني لم أستطعْ قول أيِّ شيء. لم تنزلْ الدّموع أيضاً.
“سيّدتي، سيّدتي، ماذا حدث؟ أرجوكِ، ماذا حدث؟”
اندفعتْ آنا لِتهدئتي. دَفعتها بعيداً. لم أهتمّ بِسقوط آنا، وبدأتُ أتجوّل في الغرفة.
“كايزاك، كايزاك…”
كانَ ما خرجَ من فمي يُشبه بُكاء حيوان مُتَواضع. لم يكن أبداً صَوت دوقة أنيقة. نظرتْ إليّ آنا بِخوف وركضتْ إلى خارج الغرفة.
“سيّدتي، سأُحضر صاحب السموّ الدّوق. حَسناً؟”
“آه… كايزاك…”
أننتُ ووَضعتُ يَدي على وَجهي. كم من الوقت مرَّ وأنا راكعة على الأرض؟ عندما شَعرتُ بِالدّوار وكأنّني أطفو في الهواء.
أمسكني شَخص ما بِقُوّة وِلُطف من كَتفي. رَفعتُ رأسي على لَمسة يَده. كانتْ عيناه الحمراوان تحدّقان بي بِوَضوح.
“يوليان…”
“لايلا.”
نادينا على اسمَي بعضنا البعض. كَأشخاص يَتَحاورون بِذلك فقط.
مِن الغريب أنّه كانَ مُجرّد ذلك، لكنّه كانَ مُريحاً.
بدأتْ دُموعي، التي كانتْ جافّة ومُكبتة، تَنهمرُ. أمسكتْ يَد يوليان الكبيرة وَجنتيّ. تدفّقتْ دُموعي على عُقد أصابعه.
“يوليان، كايزاك خانني.”
“…أنا أعرف.”
لا، هو لا يعرف. لم يكن يوليان لِيعرف ما مَرَرتُ به في حياتي السّابقة. على الرّغم من ذلك، شَعرتُ أنّني مُطمَئنة وكأنّه يعرفُ كُلَّ شيء حقّاً.
عانقتُ رقبته دونَ وَعي. أمسكتْ ذراعاه خَصري وظَهري، وحبسني في حُضنه. بَدا حُضنه الكبير والمُظلِم وكأنّه يُخفيني عن العالم.
دَفنتُ رأسي في كَتفه وتَمتمتُ.
“أُريدُ قَتله. سأجعله بائساً حتّى لَحظة مَوته.”
“…افعلي ما تُريدين.”
“سأقطع أطرافه وأرميها إلى الحَيوانات. وسأتركُ جَسده يَتَعفّن في القبو إلى الأبد.”
“سأُساعدكِ.”
ابتعدتُ قليلاً عن حُضنه ونظرتُ إليه. كانَ يوليان لا يزالُ يُظهِر تَعبيراً لا يُمكِنُ تفسيره. سألتُ بِوَجه مُبَلّل بِالدّموع:
“حقّاً؟”
أومأ يوليان برأسه. بَدا مَظهره مُتداخلاً مع مَظهر رأيته في يوم من الأيّام. عَاوَدتُ الانغماس في حُضنه.
‘أنتَ مُنقِذي حقّاً.’
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 19"