ضاقتْ عينا يوليان. أومأ لكبير الخدم، ثمّ جلسَ على حافة السّرّير.
“يا كبير الخدم! انتظرْ لِلَحظة!”
صرختُ، لكنّ كبير الخدم، الذي كانَ في النّهاية رَجل بخدم يوليان، لم يتوقّف أبداً. لم يَبقَ سوى يوليان وآنا، ووَجه آنا كانَ صارِماً أيضاً.
بَدا أنّ آنا أيضاً لم يُعجِبها أنّني لم أستدعِ طبيباً. رَكعتْ آنا أمامَ يوليان وتَفوّهتْ بِما لم يكن يَجب أن يُقال.
“أجرؤُ على القول. في الواقع، ارتفعتْ حَرارتها فجأة اليوم. لكنّها تناولتْ دواء خافِضاً للحَرارة فقط وذهبتْ لِتناول العشاء، قائلة إنّه يَجب عليها رعاية الأميرة. أرجوكَ استدعِ طبيباً. أتوسّل إليكَ.”
عبسَ يوليان وهو ينظرُ إلى آنا، التي كانتْ تُحني رأسها بِقوّة. تحوّل وَجهه القاسِي إليّ مُباشرة.
“يا زوجتي.”
“الأمر ليسَ خطيراً. إنّها مُجرّد نَزلة بَرد خفيفة، ولا يُمكِنُني أن أُهمل واجبي كَسيّدة للقصر.”
“أبيغيل لا تُحبّكِ على أيِّ حال، فَلِماذا تبذلين كُلَّ هذا الجُهد؟”
فَجأة شَعرتُ بِالظُّلم عندَ سماع ذلك. نَظرتُ إلى يوليان بِغضب. لا بُدَّ أنّني جُننتُ. على الرّغم من أنّني فكّرتُ هكذا، إلّا أنّ جَسدي المُحمَل بِالحُمّى لم يُطِعني.
“لِأنّني شعرتُ بِالانزعاج عِندما فكّرتُ أنّك ستنزع قناعك وتتناول الطّعام أمامَ الأميرة.”
بَصقتُ كلمات حادّة ومُتَذَمِّرة، ثمّ غطّيتُ فمي.
يا لَها من كلمات غبيّة! أليسَ الأمر وكأنّني أُحبّه؟
أغمضتُ عينيَّ بِقوّة وفتحتهما، وهززتُ رأسي.
“تأذّتْ كرامتي لِأنَّ الاستفزاز الذي وَجّهته إليّ الأميرة كانَ حقيقيّاً.”
هل قُلتُ ذلك بِشكل جيّد؟ أنزلَ يوليان نَظره، ثمّ رفعه بِبُطء. كانتْ نَظرته جادّة ومليئة بِالقلق. هل كانَ قَلِقاً عليّ؟ خفقَ قَلبي.
“لن أتناول العشاء مع أبيغيل مرّة أخرى. لِذا لا تقلقي بِشأن ذلك.”
“حقّاً؟ … ولن تشرب الشّاي أيضاً؟”
“لن أفعل. إذاً، هل ستتلقّين العلاج الآن؟”
كُنتُ سعيدة، لكنّني صَمتتُ كَساعة الوقواق المُتَعطِّلة عندَ هذه الكلمات. عندما أوشكَ يوليان على سؤال المزيد، سَمِعنا صوت طَرق على الباب. قبلَ أن أتمكّن من مَنعه، نادى يوليان عليهما، ودخلَ كبير الخدم والطّبيب الغرفة فاتحين الباب.
“هل ناديتَني؟”
“لقد كانتْ زوجتي مُصابة بِالحُمّى مُنذ الظّهيرة.”
انحنى الطّبيب بِاحترام وبدأ في فَحصي. لِأنّه كانَ من الغريب الاستمرار في القول إنّني لا أُريد ذلك، لم يكن لديّ خيار سوى أن أستسلم لِجَسدي وأنا أشعرُ بِالقلق.
لكن لم يكن القلق وَحده هو ما أشعرُ به. كانَ هناك قَدْر ضئيل من التّوقُّع.
تَوقُّع أن يكونَ هذا الطّبيب بارعاً جِدّاً، وأن يَكتشفَ مرضي مُبكِّراً ويُخبرني بِالعلاج. أو أنّ هذا الطّبيب قد يكون مُختلفاً، على الرّغم من أنّ لا أحد من الأطبّاء السّابقين، حتّى أثناء حَمْلي ووِلادتي، اكتشفَ مرضي.
حاولتُ تهدئة قَلبي النّابض ونظرتُ إلى يوليان. كانَ يوليان ينظرُ إلى الطّبيب بِوَجهٍ جادّ للغاية.
“ماذا الآن؟”
عندَ كلمته القصيرة، نظرَ إليّ الطّبيب، ونظرتُ إلى الطّبيب. ابتعدَ الطّبيب عنّي وقالَ:
“أعتقدُ أنّها مُصابة بِنَزلة بَرد.”
بمجرد سماع كلمة نَزلة بَرد من الطّبيب المُسِنّ، ضَحكتُ بـ “ها”. خيبة الأمل من التّوقُّع الفارغ أرهقتني.
“هل سَمِعت؟ إنّها مُجرّد نَزلة بَرد عاديّة. لا تُزعجني دونَ سَبب.”
لم أقصدْ ذلك، لكنّ صَوتي خرجَ بارداً للغاية. حَرّكَ يوليان شَفتيه وكأنّه يريدُ أن يقولَ شيئاً، لكنّه استدارَ وغادرَ.
“استريحي إذن.”
لا أعرفُ كم أراحتني هذه الكلمة التي ألقاها قبلَ أن يغادر. وَكلتُ الوَصفة الطّبيّة التي أعطاها الطّبيب إلى آنا ولم أُصغِ إليها. على أيِّ حال، كانَ هذا الطّبيب الغبيّ مُقيماً بالقرب من قصر الدّوق، ويُمكِنُني استدعاؤه في أيِّ وقت.
المُهمّ بالنّسبة لي لم يكن دواء البَرد هذا.
بل إلى أيِّ مَدى أصبحتُ مُتَراخية.
الحياة الزّوجيّة المُمتِعة والمُريحة أكثر مِمّا كنتُ أتوقّع جعلتني أسترخي.
كيفَ نسيتُ ما يجب أن أفعله!
استلقيتُ على السّرّير وانتظرتُ حتّى يَهْدَأ القصر.
كانَ الوقت الأفضل لِاستقبال الضّيوف عندما تبدأ آنا في النّعاس. نهضتُ من السّرّير ووَضعتُ شالاً. ثمّ أخذتُ مِصباحاً صغيراً يكادُ يُضيء قَدَمي.
خرجتُ من الغرفة بِحَذر دونَ إيقاظ آنا. كانتْ ضَيفتي التي عليها الكثير من الشّائعات مُقيمة في الطّابق الثّالث. عندما وصلتُ إلى باب الطّابق الثّالث، أدركتُ أنّ هناك شَخصاً أمامي.
“مَن هناك؟”
كانَ عليّ أن أحافظ على سِرّي، لِذا اخترتُ الكشف عن الطّرف الآخر بدلاً من إخفاء نَفسي. اقتربَ شَخصٌ من الظّلام، وكانَ شَخصاً مألوفاً لي.
“أنا.”
“كبير الخدم. ماذا تفعلُ هنا في هذا الوقت من اللّيل؟”
“الرَّجُل العجوز لا ينام. كنتُ أتفقّدُ القصر لِأتأكّد من أنّ كُلَّ شيء على ما يُرام.”
هذا ليسَ غريباً. كانَ كبير الخدم يَتَجوّل في القصر عدّة مرّات في اليوم. بل أنا التي كنتُ غريبة لِوُجودي هنا في هذا الوقت.
“حسناً، يُمكِنُك الذّهاب الآن.”
اتّبعَ كبير الخدم تعليماتي بِاحترام، لكن كانَ من الصّعب اعتباره شخصًا يخدمني. لم يكن من الممكن أن أُجبره على الحفاظ على السّرّ. لم يكن لديّ خيار سوى أن أتركه يذهب. قالَ كبير الخدم وهو ينحني بِاحترام:
“يجب أن أُبلِغ سَيّدي بِكُلِّ شيء.”
اتّسعتْ عيناي على كَلامه. لم أُفكّر في أنّ كبير الخدم سيقولُ ذلك.
الجميع يَعلمُ أنّ كبير الخدم خادم يوليان مُنذ زمن طويل. وأنّه شَخصٌ مُخلِص جِدّاً.
كانَ من الطّبيعيّ أن يُبلِغ كبير الخدم يوليان بِتَصرّفاتي. لم تكن هناك حاجة لِلقول، وكُنّا نَعلمُ ذلك جيّداً. على الرّغم من ذلك، أخبرني كبير الخدم بِالحقيقة. كأنّه يطلبُ الإذن.
“…صحيح. لا تقلق يا كبير الخدم.”
منذ مجيء الأميرة، أدركتُ أنّ كبير الخدم كانَ مُتعاطفاً معي أكثر مِمّا كنتُ أتوقّع. رددتُ بِلُطف أيضاً.
انحنى كبير الخدم مرّة أخرى وصعدَ إلى الطّابق الرّابع.
بعدَ التّأكُّد من اختفاء كبير الخدم تَماماً، طرقتُ أخيراً باب غرفة الضّيوف في الطّابق الثّالث. سَمِعتُ خَشخَشة بسيطة من الدّاخل، ثمّ فُتِحَ الباب.
استقبلتْني امرأة جميلة بِمَظهر ناعم، وكأنّها استيقظتْ للتوّ.
كانَ عُمرها حوالي العشرين، لكنّها كانتْ ناضجة ومُغرية نوعاً ما. لكن كانَ من الصّعب اعتبارها جَمالاً خارقاً في العالم.
في حياتي السّابقة، كانتْ دائماً تَتَأسف على ذلك. العيش كَعشيقة لِنَبيل، كانَ الشّيء الوحيد الذي ازدادَ لديها هو النّحيب على مَظهرها والخوف من الشّيخوخة التي كانتْ تقتربُ بِبُطء.
“ماريان.”
ماريان، المرأة التي حصلتُ عليها من خلال مُبارزتي مع كايزاك، كانتْ كذلك.
“كيفَ حالُكِ؟”
بِمُجرّد أن استعادتْ ماريان وعيها، رَكَعتْ أمامي على الفور.
“حَسناً، بِفضلِك…”
كانَ صَوتها يرتجف، لكنّها كانتْ بصحّة جيّدة جِدّاً. كانَ هذا مُتوقَّعاً. بعدَ إحضارها إلى قصر الدّوق دوزخان، أعطيتُ ماريان غرفة جيّدة وملابس جيّدة وطَعاماً جيّداً.
أرسلتُ لها طبيباً عندما كانتْ تشعرُ بِأيِّ انزعاج، واعتنيتُ بِدرجة حرارة ماء الاستحمام والحَلويّات. لَم يكن من المُمكِن ألّا تكونَ بخير.
لكنّها كانتْ قَلِقة. لا بُدَّ أنّها فكّرتْ أنّ المرأة التي كانَ يَجب أن تكرهها كانتْ تُطعمها، فَهَل ستأكلها؟
“لا ترتجفي هكذا. لقد كنتُ لَطيفة مَعكِ لِأنَّ لديَّ شيئاً أُريدُكِ أن تفعليه.”
عندَ هذه الكلمات، لَمَعتْ عينا ماريان بِقلق. اخترتُ ماريان ليسَ فقط لِتَوجيه ضَربة إلى كايزاك، ولكن لِأنّني كنتُ أعرفُ أنّها الشّخص المُناسب.
التقيتُ ماريان عدّة مرّات في حياتي السّابقة. كانتْ ماريان في حاجة ماسّة إلى المال لِأُمّها المَريضة، ولهذا اعتمدتْ على جَسدها لِكايزاك، على الرّغم من أنّها عرفتْ أنَّ كونها عَشيقة نَبيل ليسَ أمراً مُشرِّفاً.
كانتْ ماريان تشعرُ بِالذَّنب تِجاهي، وأرادتْ التّخلّي عن حياة العشيقة في أيِّ وقت، لكنّها لم تَتَخلَّ عنها أبداً. لقد فعلتْ أيَّ شيء من أجل المال، لكنّها لم تكن امرأة سَعيدة.
لِذا، فكّرتُ. ماذا لو أعطيتُها المال أولاً وأخرجتها من كونها عَشيقة كايزاك؟
ستتركُ ماريان كايزاك دونَ أن تنظرَ إلى الوراء. لِأنّها أيضاً احتقرتْ كايزاك الذي تخلّى عن زوجته الأُولى ولعبَ مَعها.
“لديكِ أُمّ مَريضة، أليسَ كذلك؟ إذا فعلتِ ما أطلبه، فلن تقلقي بشأن نفقات الدّواء والمعيشة لَكِ ولِأُمّكِ لِمُدّة طويلة. سأُغيّر هُوِيّتكِ، لِذا لن تضطرّي إلى العيش كَعشيقة أيِّ شخص. بالطّبع، لن تتمكّني من العيش في العاصمة.”
“هذا، هذا لا يَهُمُّني.”
“قد يكون الأمر خَطيراً بعض الشّيء.”
تَرَدَّدتْ ماريان لِلَحظة، ثمّ قالتْ بِصَوت أكثر استقراراً مِمّا كانَ عليه مُنذ قليل.
“لقد سئمتُ من العيش كَامرأة مُختبئة. سأفعلُ أيَّ شيء إذا حُلّتْ مُشكلة دواء أُمّي ومُستقبلها.”
كانَ وَجه امرأة مُستعدّة لِفعل أيِّ شيء. أعجبني تعبيرها كثيراً.
“حَسناً، سأخبركِ بِما يجب عليكِ فعله.”
شَعرتُ بِالقلق أيضاً. هل ستسيرُ الأمور كما خَططتُ؟
لكن لا بُدَّ أن أفعلها. لم يكن لديّ وقت لِتَجميع القُوّة. كانتْ هذه هي الطّريقة الأكثر فاعليّة لِلَفت انتباه الخَصم على الفور وسَحْبه أمامي.
“ستذهبين مَعي إلى المُجتمع. وهناك، ستلفتين نَظر الأمير الثّاني وتصبحين عَشيقته.”
عندَ هذه الكلمات، أحنت ماريان رأسها.
“مُرغمة على أن أكونَ عَشيقة شَخص آخر مرّة أخرى.”
اعتقدتُ أنّها ستقولُ ذلك. انحنيتُ لِأَتّخذَ وَضع ماريان. ظَلَّتْ نَظرة ماريان مُثبّتة على الأرض.
“هذا هو المَظهر الذي سيَراه النّاس. بِالتّحديد، ستكونين جاسوسة.”
العشيقة والجاسوسة. كانَ الفَرق كبيراً جِدّاً. كانَ تَعبير ماريان أكثر إشراقاً عندَ سماع ذلك. لَمَعتْ عينا ماريان مرّة أخرى.
“ماذا يجب أن أفعل؟”
ابتسمتُ وقلتُ:
“أولاً، يجب أن تُصبحي أجمل امرأة في الإمبراطورية. لِتنتشر شائعة بأنّكِ أجمل من الآنسة آري إريانت الشّهيرة، لِدرجة أنَّ الأمير الثّاني يَتوقُ إليكِ.”
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 17"