أخبرتُ الأميرة أبيغيل أنّ يوليان كانَ يخجلُ مِنّي، لكن هل كانَ الأمر كذلك حقّاً؟ لم يكن الأمر كذلك. كانَ ببساطة لا يريدُ أن يُريني وَجهه الحقيقيّ. كانَ هذا طبيعيّاً، لِأنّني لم أكسبْ ثِقته إلى هذا الحدّ.
“سأحضرُ عَشاء اللّيلة على أيِّ حال.”
إذا لم أحضرْ أنا، فسيَخلع يوليان قِناعه ويتناول الطّعام مع الأميرة أبيغيل. لم أُرِدْ ذلك.
“سيّدتي…”
نادتني آنا الواقفة في الخلف بِحَذر. استدرتُ، فسألتني آنا وهي تلمسُ شَفتيها وكأنَّ الأمر مُحرج لِلتّفوّه به:
“هل تُحبّين صاحب السموّ الدّوق؟”
“ماذا؟!”
سألتُ في دهشة. كانَ صَوتي عالياً لِدرجة أنّ آنا نظرتْ إلى الباب. لو سَمِعَنا أحد في الخارج، لَظنّوا أنّني أُوَبِّخ آنا.
“لا تقولي شيئاً سَخيفاً.”
همستُ بِصوت مُنخفِض. رفعتْ آنا كَتِفها وتَظاهرتْ بِعدم الاهتمام.
ليسَ لديّ الحقُّ في حُبِّه.
الأهمّ من ذلك، من المُستحيل أن يُحبّني يوليان، لِذا ستكونُ هذه عِلاقة حُبّ من طرف واحد. ليسَ لديّ وقت لِإضاعة العواطف هكذا.
ابتلعتُ خافِض الحَرارة الذي أعطتني إيّاه آنا وأغمضتُ عينيّ لِبَعض الوقت. قُمتُ بِتَغيير ملابسي المُبلَّلة بِالعَرَق البارد. انخفضتْ الحَرارة قليلاً، لكنّ وَجهي بَدا شاحباً، فوضعتُ المزيد من أحمر الخدود على وَجهي.
“كيفَ أبدو؟”
نقرتْ آنا على الماكياج ونظرتْ إلى وَجهي بِعِناية.
“إذا لم يَنظُر أحد عن قرب، فلن يلاحظوا.”
“حقّاً؟ هذا مُريح.”
تنهّدتُ بِارتياح. لم أُرِدْ أن أُظهر أيَّ ضَعف أمامَ الأميرة أبيغيل.
اتّكأتُ قليلاً على آنا ومَشيتُ إلى غرفة الطّعام. عندما وصلتُ إلى باب غرفة الطّعام، وَقفتُ بِشكل مُستقيم دونَ الاتّكاء على آنا. رتّبتُ حنجرتي بِخفّة وتَحَقَّقتُ من ملابسي مرّات عديدة.
“هل أنتِ بِخير حقّاً؟”
“أشعرُ أنّني بخير. الآن…”
“زوجتي.”
كِدتُ أن أسقُط من الصَّدمة من ذلك الصّوت المُنخفِض. استدرتُ في ارتباك، لِأجد خَيالاً كبيراً واقفاً هناك.
كانَ يوليان. بَدَتْ آنا وكأنّها لاحظته قَبلي، لِأنّها كانتْ مُرتبكة.
“يوليان.”
تَمَتمتُ باسمه. على الرّغم من أنّني رتّبتُ حنجرتي بِجِدّ، إلّا أنّ صوتاً خَشناً خرجَ. رتّبتُ حنجرتي بِسُرعة.
“هل أنتِ مَريضة؟”
لقد كانَ مُجرّد بَحَّة في الصّوت، لكن يوليان اكتشفَ ذلك كالشَّبح. لم أتمكّن من الاعتراف بِمرضي، لِذا تَلَعثمتُ مُقدِّمةً الأعذار.
“لا. أعتقدُ أنّ السّبب هو أنّني نِمتُ في الظّهيرة.”
“وَجهكِ شاحب.”
على كَلامه، نَظرتُ إلى آنا بِغضب. قُلتِ إنَّ الأمر لن يَنكشِف! لكنّ آنا بَدَتْ بريئة.
“لا يجب أن تُلومي الخادمة. هذا خَطؤكِ لِأنّكِ مَريضة. ما الذي تُعانين منه؟”
“نَزلة بَرد خفيفة.”
“لا تبدو خفيفة. لِماذا لا تعودين إلى الغرفة وتستريحين؟”
تَجاهلتُه بِقَصد. من المُحتَمل أنَّ يوليان جاءَ إلى هنا لِرؤية الأميرة أبيغيل. وإذا غادرتُ أنا، فستدعو الأميرة أبيغيل يوليان لِتناول الطّعام، ولن يتمكّن يوليان من رفض ذلك لِأنّها ضيفة.
“لا أعرفُ لِماذا أنتِ مُتَعنِّدة.”
نَظَرَ إليّ يوليان بِاستياء لِإصراري بِصَمت.
بِسببك! فكّرتُ في نفسي، ثُمَّ فكّرتُ بِماذا أرفضُ هذا المُشاحنة السَّخيفة.
في تلك اللّحظة، اقتربتْ يَده الكبيرة. تفاجأتُ من الظّلِّ المُقترِب وتراجعتُ. لكنَّ يَده لم تتوقّف، واقتربتْ لِتَلمسَ جبهتي.
“لديكِ حُمّى.”
شَعرتُ بِرغبة في الاتّكاء على يَده في تلكَ اللّحظة. لكنّني أمسكتُ ذيل فُستاني بِقوّة وتحمّلتُ. بَدا ذلك كنوع من العِناد، فتنهّدَ يوليان بِطول.
“سأُشارككِ لِأنّه من الصّعب عليكِ أن تستضيفي الضّيف وَحدكِ.”
“لكن…”
لا يُمكِنُه تناول الطّعام إذا لم يَنزع نِصف قِناعه. أجابَ يوليان وكأنَّ الأمر لا يَعنيه.
“لن أنزع القناع. لِأنّكِ لن تكوني مُستعدّة نَفسيّاً بعد.”
“طوال العشاء؟”
رفعتُ رأسي وسألتُ. أضفتُ قبلَ أن يقولَ يوليان أيَّ شيء:
“حتّى لو أمرتكَ الأميرة بِخلعه؟”
هل جُننتُ بِسَبب الحُمّى؟ مُنذ متى وأنا أُقسم على أنّني ليسَ لديّ الحقُّ في حُبِّه، وأنا أقولُ هُراءً كهذا. نَظَرَ إليّ يوليان، ووَضَع يَدي على ذراعه وكأنّه يُرافقني، وأومأ برأسه.
“يُمكِنُني تناول الطّعام لاحقاً.”
“…حَسناً. إذاً، لِنذهب مَعاً.”
بِصراحة، لم أكن واثقة من كيفيّة التّعامل مع الأميرة وَحدي.
اتّكأتُ عليه وكأنّني أتلقّى مُرافقة، وأصبحَ المَشي مُستقيماً أسهل بكثير. فتحَ الخَدَم الأبواب من الجانبين، ودخلنا مَعاً. الأميرة أبيغيل، التي كانتْ جالسة على الكُرسيّ الرّئيسيّ في انتظارنا، ضيّقتْ عينيها ونظرتْ إلينا.
“يول، لِماذا تأخّرتَ هكذا؟”
تَصرّفتْ الأميرة أبيغيل وكأنّني شَخصٌ غير مَرئيّ. تركتُ ذراع يوليان وحيّيتُ الأميرة أبيغيل.
“نحنُ نعتذرُ لِأنّنا جعلناكِ تنتظرين، يا صاحبة السّموّ الأميرة.”
“أوه، جاءتْ الآنسة وينسلي أيضاً. أهلاً بِكِ.”
قالتْ الأميرة أبيغيل وهي تبتسم. كانتْ تُحاول بِجُهد إهانتي.
صحّحَ يوليان كلامها، لكنّ الأميرة أبيغيل لم تَهتم.
“إيبي، إنّها ليستْ الآنسة وينسلي، بل الدوقة دوزخان.”
“أوه، حقّاً؟ هل تزوّجتما زواج مصلحة؟”
حيّيتُها مرّة أخرى وجَلستُ بعيداً عن الأميرة أبيغيل، وبيني وبينها يوليان.
لم أكن أُريدها، وكنتُ أخشى أن يَنكشِف ماكياجي الثّقيل إذا اقتربتُ.
بدأ عَشاء الثّلاثة بِهُدوء. لم يَشرَب يوليان حتّى رَشفة ماء، فَبَدا مَنظر العشاء غريباً للغاية.
قالتْ الأميرة أبيغيل وهي تقطعُ شريحة اللّحم وتأكل:
“يول، يُمكِنُك أن تَخلع قِناعك أمامي. هذا مُزعج. يجب أن تتناول الطّعام أيضاً.”
وقبلَ أن يُجيب يوليان، غطّتْ الأميرة أبيغيل فمها وقالتْ ضاحكة.
“آه، الدّوقة هنا. من المُستحيل أن تَخلع قِناعك أمامَ الغرباء. لقد نسيتُ لِلَحظة، أنا آسفة.”
لم أُجِب. لم أشعرْ أنّ الأمر يستحقُّ الإجابة. ظلَّ يوليان صامتاً أيضاً.
لكنّ الأميرة أبيغيل لم تتوقّف عن الكلام.
“لا أُحبُّ الصّلصة. أحببتُ الصّلصة التي تناولتها في زيارتي الأخيرة. هل هذه أيضاً غيّرتها الدّوقة؟”
بدأتِ الأميرة أبيغيل تَتَذمّر بِشأن كُلِّ شيء. لم أكُن قد أصبحتُ دوقة مُنذ وقت طويل، وكانَ هناك الكثير لِلقيام به في قصر الدّوق. لم أكُن قد أعطيتُ أيَّ تعليمات بِشأن الطّعام بعد، لكن تَذمُّرها بِشأن العشاء لم يكن مُختلفاً عن البحث عن مُشكلة لا لُزوم لها.
“لا أُحبُّ مَفرَش المائدة هذا أيضاً. إنّه ريفيّ. كانَ من الرّائع تركه كما هو، كانَ سَيُظهِر الوَقار. لا أعرفُ مَن لمَسَه.”
كانتْ كُلُّ كلمة تخرجُ من فمها إهانة لي.
وفي النّهاية، قالتْ هذه الكلمات:
“إلى متى سيستمرُّ زواجكما المصلحيّ؟ أنتَ تعلمُ أنّني أنتظرُ ذلك اليوم، أليسَ كذلك؟”
مع هذه الكلمات الأخيرة، سادَ الصَّمت على الطّاولة. صَمتتْ الأميرة أبيغيل وكأنّها تُريدُني أن أقولَ شيئاً، ولم أتمكّن من قول أيِّ شيء، فقد شَعرتُ بِاختناق في حَلقي.
كانتْ نهاية زواج المصلحة هذا مُحدَّدة. ستكونُ كارثة. كانَتْ نهاية هذا الزّواج هي إمّا أن أكشفَ عن مرضي وأغادر، أو أن أموتَ في هذا القصر دونَ حياء.
بينما كنتُ أعضُّ شَفتي السّفلى دونَ أن أتمكّن من قول أيِّ شيء.
“يا صاحبة السّموّ الأميرة، لايلا هي زوجتي. اعتذري عن إهانتكِ.”
انتشرَ صَوتٌ مُنخفِض كَالكهف في الغرفة، وضَغَط عليها. رفعتُ رأسي في دهشة. لم يكن المُتحدّث سوى يوليان. كانَ نَظره على الأميرة أبيغيل.
نظرتُ سِرّاً إلى الأميرة أبيغيل، التي كانتْ أيضاً تنظرُ إلى يوليان وعيناها مُتّسعتان.
“يول، ماذا قُلتَ للتو؟”
“قُلتُ لَكِ أن تعتذري عن إهانة زوجتي. سأعتبرُ إهانة زوجتي إهانة لي. تماماً مِثلما كلام سموّكِ هو كلام القصر الإمبراطوريّ.”
“يول!”
ضَربَتِ الأميرة أبيغيل الطّاولة بِقوّة. ارتعشتْ الأطباق على الطّاولة. قلّبتُ عينيّ وأمسكتُ كُمَّ يوليان بِحَذر. لم أُرِدْ أن يُزعِج يوليان الأميرة بِسَببي.
لكنّ يوليان حوّلَ نَظره إليّ وقالَ:
“يا زوجتي، يبدو أنّكِ مَريضة جِدّاً، لِنصعَد.”
“ماذا؟ لكن…”
وَقَفَ يوليان وحملني كما أنا. عانقتُ رقبته بِسُرعة. فتحَ الخَدَم أبواب غرفة الطّعام، وغادرنا المكان. همستُ في أُذن يوليان:
“كانَ يجب أن نُحيّي الأميرة عندَ المغادرة.”
“سواءً حيّيناها أم لا، فإنَّ الأميرة غاضبة منكِ على أيِّ حال. من الأفضل ألّا نُحيّيها.”
“ماذا؟”
“أعتقد أنكِ كنتِ ستفكرين بهذا الشكل لو كنتِ كعادتكِ.”
أردتُ أن أُجادل بِقوّة، لكنّني صَمتتُ على كلامه. كانَ ذلك صحيحاً بالتأكيد. كنتُ سأفعلُ أكثر من ذلك في العادة. لكن عندما فكّرتُ أنّ يوليان قد يَتَضرّر، تَرَدَّدتُ دونَ وعي.
نَظَرَ يوليان إليّ وأنا بينَ ذراعيه. عندما تقابلتْ عيناي بِعينيه الحمراوين، بَدا وكأنّني أرى شيئاً من قَلبه. كانَ وَجهه بَديعاً.
“هل أنتِ مَريضة لفعل شيء كهذا؟ أم أنّكِ خائفة من سُلطة الإمبراطور؟ إن كنتِ كذلك فهذه ليست عادتكِ يا زوجتي.”
حاولتُ الهَرَب من نَظر يوليان، لكن لم يكن لديّ خيار سوى البقاء بينَ ذراعيه. لم يكُن من الممكن أن أُفْلِتَ منه حتّى لو كافحتُ. شَعرتُ بِالحَرَج دونَ سَبب، فَلَففتُ أصابعي ونظرتُ جانباً.
“قُلتُ إنّني أُريدُ التّدخُّل في صِراع العرش. حتّى أنّ الأميرة هي الأُخت الشّقيقة للأمير الثّاني. سأُعاديها في يوم من الأيّام، لكن ليسَ الآن.”
صعدَ يوليان إلى الطّابق الثّالث وتوجّه إلى غرفة نومي، وقالَ بصوتٍ خفيف:
“من الواضح أنّكِ لم تكوني مَريضة لِدرجة أن لا تتكلّمي.”
“قُلتُ لَك أنّني لستُ مَريضة جِدّاً.”
“يبدو أنّكِ لا تعرفين كيفَ يَبدو وَجهكِ.”
فتحَ الخَدَم الباب، ووَضَعني على السّرّير. شَعرتُ بِحُرارة جَسده الباردة تَقترِب، ثُمَّ تبتعدُ بِشكل لا نهائيّ، وشَعرتُ بِالحنين. نَظَرَ إليّ يوليان، ثمّ قالَ لِآنا:
“بِما أنّ زوجتي مَريضة، استدعي الطّبيب.”
عندَ هذه الكلمات، اتّسعتْ عيناي. طبيب؟ أبداً، أبداً…
“لا!”
أمسكتُ بِذراع يوليان القويّة بِسُرعة. التقتْ نَظرة يوليان بِنَظري في الهواء.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 16"