الفصل 15
نزلتُ إلى الأسفل برفقة كبير الخدم وآنا. كانتْ الأميرة أبيغيل قد دخلت الردهة بالفعل. نظرتْ إليَّ وابتسمتْ بِوَجهٍ مُتَغَطرِس. ثمّ قالتْ وكأنّها لا تعلم:
“أوه، صحيح، يوليان تزوّج، أليسَ كذلك؟”
“أهلاً بِكِ، يا صاحبة السّموّ الأميرة. لو كنتِ قد أرسلتِ إخطاراً بِوُصولكِ، لكنّا قدّمنا لَكِ ترحيباً أفضل.”
“حسناً، حسناً، أنا آسفة. نسيتُ الأمر. هل كانَ عليّ أن أدخلَ بعدَ الحصول على إذن من سيّدة القصر؟ لقد كانَ هذا المكان مَكاناً اعتدتُ على الدّخول إليه بحرية. لِذا لم أُفكّر في الأمر.”
هذا مُستحيل. حضرتْ الأميرة أبيغيل حفل زفافنا مُنذ أيّام قليلة.
على الرّغم من أنّ هناك شائعات بأنّ الأميرة تفعلُ ما يحلو لها، إلّا أنّه لو كانت مُتسرّعة حقّاً، لما سَمحَ لها البلاط بالخروج. إنّهم يتركونها لِأنّهم واثقون من أنّها ستتصرف بِما لا يُلحِق الضّرر بِعظمة القصر الإمبراطوريّ.
فكّرتُ لِلَحظة. هل يجب أن أُعاملها بِلطف؟ ربّما يجب أن أفعل. لكنّني عشتُ حياتي كُلّها بِلطف في حياتي السّابقة. وقد انهارتْ تلكَ الحياة. لم أُرِدْ أن أكونَ كذلك بعدَ الآن.
“كيفَ يُمكِنُ أن يكونَ هذا خَطأ سموّكِ؟ لا تقلقي، لِأنّني سأُرحّب بِكِ في أيِّ وقت إذا أرسلتِ إخطاراً مُسبَقاً في المُستقبل.”
قُلتُ لِلأميرة بِلُطف، ناصحةً إيّاها بِأنّها لن تتمكّن من الدّخول إلى قصر الدّوق بِحُرّيّة مرّة أخرى دونَ اتّصال مُسبَق.
“أوه، حقّاً؟”
لكنّ الأميرة أجابتْ بِبَساطة، إمّا أنّها لم تفهم أو أنّها تَتَظاهَر بِعدم الفهم. كأنّها تقول: “افعلي ما يُمكِنُكِ فعله.”
خلعت الأميرة أبيغيل قُفّازيها ومدّتهما إلى كبير الخدم. قَبِلَ كبير الخدم ذلك بِاحترام. كانتْ خِدمة الضّيف النّبيل جزءاً من عَمل كبير الخدم.
لكنّ سلوكها كانَ كما لو أنّ سيّدة القصر كانت تتحدث إلى كبير الخدم بعدَ عودتها.
“ضعهما في المكان الذي اعتدتُ أن أضعهما فيه.”
على أمر الأميرة المُتَغَطرِس، وَقَفَ كبير الخدم بِهُدوء وهو ينحني. أدركتُ أنّه كانَ يدعمني. لا يوجد سَبب لِأن أُهزَم كالحمقاء بينما كبير الخدم يُساعدني.
“كيفَ يُمكِنُنا أن نُعامِل سُموّكِ بِإهمال هكذا؟ لدينا غرفة ضُيوف مُرتّبة بِشكل جيّد، وسنصطحبكِ إلى هناك.”
على كَلامي، ضَحِكَتْ الأميرة أبيغيل ضَحكة مُتَعالِية.
“ليسَ هناك سوى تلك الغرفة في قصر الدّوق دوزخان، لِأنّه لا يوجد الكثير من الخَدَم…”
“ليسَ هناك القليل من الخَدَم؟ لقد وظّفنا مُؤخّراً المزيد من النّاس. لدينا ما يكفي من الأيدي، لِذا لا تقلقي على وضع القصر. كيفَ يُمكِنُنا أن نكونَ مُهمِلين في رعاية ضَيف؟”
“ماذا؟”
بَدَتْ الأميرة أبيغيل مُتفاجئة للغاية. بَدا أنّها كانت على دراية جيّدة بِوضع قصر الدّوق دوزخان السّابق.
“من المُستحيل أن يسمحَ يول بِذلك…”
ابتسمتُ بِهُدوء وقرعتُ الجَرَس. عندئذ، جاءتْ ثلاث خادمات كُنَّ يعملن في مَمَرٍّ آخر وانحنين بِاحترام.
أشرتُ إلى كبير الخدم لِيُسلِّم القُفّازين إلى الخادمة. وبِناءً على إشاراتي، سلّمَ كبير الخدم القُفّازين إلى الخادمة بِوَقار. قَبِلَتْ الخادمة القُفّازين بِاحترام كبير. لم يكن هناك أيُّ خَطأ في آداب السّلوك تِجاه الأميرة.
لكنّ الأميرة أبيغيل بَدَتْ مُنزعجة للغاية من هذا الموقف. رَفعتْ حاجبيها بِغضب وابتسمتْ بِسُخرية.
“أنتِ.”
ضَغطَتِ الأميرة أبيغيل بِقوّة على كَتِفي بِإصبعها السّبّابة. لم أتراجع وَلو خُطوة واحدة. كُنتُ ابنة ماركيز عريق، وهي أميرة نَشأت في رَفاهيّة. لستُ أنا التي تتراجعُ بِسَبب قُوّة إصبعها الضّعيفة.
ازدادَ انزعاج الأميرة أبيغيل، فعضت شَفتيها واستدارتْ بِسُرعة.
“يول! أينَ يول؟”
“يوليان يُؤدّي عمله في المَكتبة. يا كبير الخدم، أخبرْ صاحب السّموّ أنّ الأميرة قد زارته.”
“حسناً يا سيّدتي.”
انسحبَ كبير الخدم، وأشرتُ إلى الأميرة أبيغيل لِأرشدها إلى غرفة الضّيوف. تَبِعتني الأميرة أبيغيل بِتَعبير مُستاء وضحكة ساخرة. بَدا أنّها لم تُعجَب بي على الإطلاق.
كنتُ أعرفُ الغرفة التي اعتادتْ الأميرة أبيغيل البقاء فيها. كانت الغرفة الوحيدة التي كانتْ مُرتّبة بين غُرَف الضّيوف. هذا يعني أنّ الأميرة أبيغيل كانتْ تزورُ هذا المكان بِشكل مُتكرّر. وحتّى الآن، كانتْ تلكَ الغرفة مُرتّبة.
لكنّني قُمتُ بِقصد إرشاد الأميرة أبيغيل إلى مكان آخر. كنتُ أنوي إرشادها إلى غرفة مُختلفة في كُلِّ مرّة لِأُخبِرها أنّه لم يَعُد لديها غرفة خاصّة بها في هذا القصر.
المكان الذي أرشدتُ إليه الأميرة أبيغيل كانَ أكبر وأفخم غرفة ضيوف في القصر. لم يكن يُمكِنُها إيجاد أيِّ خَلَل لِتتذمّر.
“يا لَكِ من وَقِحة.”
بِمُجرّد دُخولها الغرفة، قالتْ الأميرة أبيغيل بِلَهجة وقِحة. لم تَهتمّ بِوُجود أربع خادمات في الغرفة، بِما فيهنَّ آنا.
“كانَ يول خَطيبي. مُنذ أن كُنّا صِغاراً. كانَ يول يَجب أن يكونَ لي.”
“أنا أيضاً كانَ لديّ خطيب. لكنّني تزوّجتُ يوليان، لِذا فنحنُ الآن زوجان.”
“لِماذا أنتِ مُتَشَدِّدة؟ يُمكِنُكِ الطّلاق.”
كانت هي التي تتمسّك بِخِطبة طفولة. لم يكن الطّلاق نادراً بينَ النّبلاء في هذه الإمبراطورية، لكنّ هذا لم يكن شأن يوليان وأنا.
على أيِّ حال، لم يَبقَ الكثير من الوقت لِزواجنا.
هل سيتزوّج يوليان الأميرة أبيغيل بعدَ وَفاتي؟
عندما راودتني هذه الفِكرة، شَعرتُ بِاضطراب في مَعِدتي. عندما اِسوَدَّ وَجهي، اعتقدتْ الأميرة أبيغيل أنّ استفزازها قد نجح، فتحدّثتْ بِوَجهٍ واثق.
“أنا أعرفُ وَجه يول الحقيقيّ. هو لم يسمح لكِ بِرؤيته، أليسَ كذلك؟”
صحيح. كانَ يوليان يرتدي قِناعه حتّى في غرفة النّوم في ليلتنا الأولى.
تَرَختْ كَتِفاي، التي كانت مُفعمة بالحماس حتّى الآن. حاولتُ بِجُهد الإبقاء على كَتِفيَّ مُستقيمتين. لم أُرِدْ أن أضعُف أمامَ الأميرة أبيغيل. أنا زوجة الدّوق مهما قالَ أيُّ شخص.
“لِأنَّ سموكِ هي قريبة يوليان. إنّه يَخجلُ مِنّي. ربّما لِأنّنا زوجان.”
احمرَّ وَجهي بِخفّة، وكأنّنا زوجان حديثان سَعيدان، فضحكتْ الأميرة أبيغيل بِسُخرية، وكأنّها لا تُطيقُ رؤيتي.
ابتسمتُ ورفعتُ ذيل فُستاني لِلإعراب عن احترامي. لم يكن هناك داعٍ لِلتّحدُّث أكثر وتَعرية تَمثيلي النّاقص.
“أرجو أن تستريحي. سأنسحبُ للإشراف على عَشاء اللّيلة.”
انسحبتُ بِسُرعة قبلَ أن أرى ردَّ فعل الأميرة أبيغيل. على الرّغم من أنّني تظاهرتُ بِمُهاجمتها، إلّا أنّني شَعرتُ بِاضطراب أكبر في قَلبي. كُنتُ أشعرُ بِانزعاج في مَعِدتي مُنذ قليل.
صحيح، أنا زوجة الدّوق. على الرّغم من أنّه زواج مصلحة، إلّا أنّني زوجته.
لكن يوليان يُخفي عنّي شيئاً، وأنا أيضاً أُخفي عنه شيئاً. على الأقلّ، سِرُّ يوليان لن يَنتهِك العقد. لكن سِرّي أنا هو انتهاك واضح للعقد.
لا يُمكِنُني أن أُنجِب له طفلاً سَليماً.
عُدتُ إلى غرفتي بِسُرعة، وأبعدتُ الخادمات كُلّهنَّ بِإشارة من يدي. عندئذ، خرجَ الدَّم الذي كنتُ أكتمه من شَفتي. غطّيتُ فمي بِمِنديل وشَعرتُ بِالغَثيان. كانَ قَلبي ينبض بِجُنون.
مِن الواضح أنّ هذا حدثَ أيضاً في حياتي السّابقة. لكنَّ الطّبيب الذي زرتُه في كُلِّ مرّة كانَ يقولُ إنَّ السّبب هو الإجهاد. تَعاطيتُ الدّواء عدّة مرّات، وبَدا أنّني تَحسّنتُ لِبَعض الوقت، فَتَركتُ الأمر. لكن الآن، أنا أعرف.
هذا المَرَض لن يُشفى.
استلقيتُ على السّرّير وأغمضتُ عينيّ.
يا يوليان، لا تسامحني لِأنّني خدعتُك. لن أتجرّأ على حُبّك.
***
شَعرتُ بِتَوَعُّك طوال ذلك اليوم. لربّما كانَ الأمر طبيعيّاً بعدَ أن قُمتُ بِبَصق الدَّم. تَلَوّيتُ في السّرّير لِفترة طويلة. كانَ العرق البارد يَتَجمّع على جبهتي.
شَعرتْ آنا بِشيء غريب لِأنّني لم أُناديها بعدَ مُرور وقت طويل من وقت استيقاظي المُعتاد، فَدَخلتْ بِحَذر في النّهاية.
“آنستي! يا إلهي، ماذا حدث!”
نادتني آنا بِـ “آنستي” بدلاً من “سيّدتي” دونَ وعي منها. بَدَتْ مُتفاجئة جِدّاً لِأنّها لم ترني إلّا في صحّة جيّدة.
فتحتُ عينيَّ المُغْمَضتين وبخّتُ آنا.
“لا يجب أن تُناديني بِـ ‘آنستي’، بل ‘سيّدتي’. الأميرة هنا، لِذا يجب أن تكوني أكثر حَذَراً في كلامكِ.”
“سيدتي، أنتِ مريضة بهذا الشكل، ما أهميّة وُجود الأميرة؟”
كانَ كلاماً غير مُحترَم، لكنّ قلق آنا كانَ واضحاً، وكُنّا نحن الاثنتان وَحدنا في الغرفة، لِذا لم أُعاتبها أكثر.
“كم مَرَّ من الوقت؟”
“قريباً سيكونُ المساء. لقد استعدّيتُ بِشأن العشاء، لِذا لا تقلقي. لكن من الأفضل ألّا تحضري عَشاء اللّيلة. سأُحضِره لَكِ هنا بشكل مُنفصل.”
ضَربتُ يَد آنا التي كانتْ تلمسُ جبهتي وقلتُ:
“هذا مُستحيل.”
بَدَت آنا مُتَحيّرة بِسَبب لَهجتي الحازمة.
“الأميرة تَستخفُّ بي. إذا لم أحضر العشاء وأنا مَريضة، فسوفَ تُمسكُ بي بِسُهولة. يجب أن أكون مُهذّبة قدر الإمكان. ساعديني على النّهوض.”
ساعدتْني آنا على الجُلوس بِحَذر. اتّكأتُ على ظهر السّرّير وتنفّستُ بِبُطء. كانَ الهواء البارد والحارّ في جَسدي مُختلطاً بِعَشوائيّة، وشَعرتُ بِالدّوار.
هل من الأفضل أن أستدعي الطّبيب؟ لكن من الواضح أنّ شيئاً لن يتغيّر.
“أحضري لي خافِض حَرارة. يجب أن أتعافى قبلَ العشاء.”
“حسناً يا سيّدتي.”
“آنا.”
ناديت آنا وهي تُسرِع لِلمُغادرة. نظرتْ إليَّ آنا بِنَظرة جادّة، وكأنّها تُريدُني أن أتحدّث بِسُرعة. تَرَدَّدتُ، ثمّ قُلتُ في النّهاية.
“ماذا يفعلُ يوليان؟”
عندَ هذه الكلمات، تَرَدَّدتْ آنا وكأنّها مُنزعجة من الإجابة. لكن بما أنّني سألتُ، فمن الغريب ألّا تُجيب.
“صاحب السموّ الدّوق… يشربُ الشّاي مع الأميرة.”
لِماذا أشعرُ هكذا؟
أنا ويوليان مُجرّد زوجين بِعقد. لم نَتشارك سريراً في ليلتنا الأولى، ولا قُبلة، ولا حتّى أمسكنا بِأيدي بعضنا البعض. كانَ أقرب اتصال بيننا هو في يوم حادثة العربة. أيُّ رَجُل نَبيل كانَ لِيتصرّف هكذا لِزوجته التي كانتْ تَتَألّم في مَشيها.
ومع ذلك، لم أُرِدْ أن يكونَ يوليان والأميرة أبيغيل في مكان واحد وَحدهما.
بينما كنتُ أُوبّخ نَفسي لِهذه الأفكار، شَعرتُ بِالذَّنب.
“سيّدتي، قاطِعيهما!”
صاحتْ آنا الواقفة بجانبي وهي تَقْبضُ على يَدَيها.
“ماذا؟”
“قاطِعيهما! مهما قالَ أيُّ شخص، فصاحب السموّ الدّوق هو زوجكِ!”
يُمكِنُ لآنا أن تقولَ ذلك لِأنّها لا تعرفُ وضعي. لكن بِشكل غريب، هذه الكلمات التي لا معنى لها أضحكتني. انفجرتُ ضاحكة واحتضنتُ آنا مَرّة واحدة.
“شكراً لكِ، آنا. سأنزلُ لِتناول العشاء بالتأكيد.”
“لكنْ اعتني بِصِحّتكِ.”
مدّتْ آنا إصبعها الصَّغير إليّ. لففتُ إصبعي حولَ إصبعها وهززته مرّتين أو ثلاث مرّات.
“حسناً. يجب أن أكون بصحّة جيّدة لِأُقاطِعهما.”
جعلتُ آنا تُخبِر الجميع أنّني سأحضرُ العشاء. ثمّ أحضرتْ لي آنا خافِض الحَرارة، وقالتْ لي:
“…سيّدتي، صاحب السموّ الدّوق لن يَحضُر العشاء.”
كانت هذه إشارة إلى أنّه لن يَخلع قِناعه أمامي مُطلقاً.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 15"