عندما أمسكتْ يد يوليان الطّويلة والكبيرة بقطعة الشّطرنج، بدتْ رائعة بشكل يفوق الخيال. كانَ جانبه، الذي لم يتحرّك حتّى أثناء تفكيره في حركته وهو يمسكُ بِحصانٍ في الهواء، وسيماً أيضاً. كنتُ جالسة على بُعد قليل بجانب لوحة الشّطرنج، أنظرُ إلى يوليان.
“يا صاحب السّموّ، لا يبدو أنّ هذه هي المرّة الأولى أو الثّانية التي تلعبُ فيها الشّطرنج.”
قالَ والدي بِوَجهٍ مُعجَب وهو يلعبُ الشّطرنج بِهُدوء. بَدا والدي سعيداً لِأنّه وَجدَ خَصماً رائعاً بعدَ فترة طويلة.
كانَ ذلك مُتوقَّعاً، لِأنّه لم يكن هناك أحد يُمكِنُه التّغلّب على والدي في الشّطرنج، لا في المنزل ولا بينَ أصدقائه. لِذا كانَ من الطّبيعيّ أن يكونَ سعيداً بعدَ أن وَجَد مُتَغيِّراً يُدعى يوليان.
“مَن علّمكَ؟”
“أُمّي.”
“لا بُدَّ أنّها كانتْ امرأة حكيمة وقويّة.”
أثنى والدي بِصِدق. بَدا وكأنَّ حاجبيْ يوليان ارتخيا قليلاً على كَلامه. أعجبني ذلك أكثر.
“عندما يكون لديك وقت، العب الشّطرنج مع ابنتي أيضاً. لن تشعرَ بالملل.”
أمالَ يوليان رأسه ونظرَ إليّ. بَدا وكأنّه مُتفاجئ من أنّني ألعبُ الشّطرنج.
“زوجتي تلعبُ الشّطرنج؟”
“ماذا؟”
تَجَمّدتُ لِلَحظة لِأنّني لم أُفكّر في أنّ يوليان، الذي كانَ يُناديني دائماً بِـ ‘أنتِ’ و ‘سيّدتي’، سيستخدمُ هذا اللّقب. لكنّ يوليان بَدا هادئاً، وكأنّه لم يكن يَقصِد شيئاً خاصّاً.
“أُختي فارسة بالفِطرة. بِالإضافة إلى مهاراتها في المبارزة، لا يوجد أحد يَتفوّق عليها في الإستراتيجيّة. حتّى والدي كانَ يُفاجَأ في كثير من الأحيان.”
تكلّمَ رويين بِفخر عني.
“من الطّبيعيّ أن تكونَ أُختي ماهرة في الشّطرنج. حتّى والدي يُفضّل لَعب الشّطرنج مَع أُختي على الفُرسان أصدقائه.”
“صحيح، لم أفُز على أُختي وَلو مَرّة واحدة.”
تدخّلَ آدم الأصغر أيضاً. شعرتُ بِوَجهي يَحترق من مَديح إخوتي.
“أنا في الواقع جيّدة نوعاً ما.”
لكنّ هذا الفم الذي لا يُمكنُني السّيطرة عليه أطلَقَ تلك الكلمات. ضحكت عائلتي بِصوت عالٍ، لِأنّهم وَجدوا كَلِماتي مُضحكة. كانَ الأمر جيّداً حتّى تلك النّقطة، لكنّ والدي زادَ الأمر سُوءاً.
“لايلا ليستْ ماهرة في الشّطرنج فحسب، بل هي ماهرة في لعب الورق أيضاً. لم أُفكّر في أنّها ستكون ماهرة في البوكر. أليست طِفلة صريحة ونشيطة في العادة؟ إنّها بريئة أيضاً.”
“أبي…!”
احمرَّ وَجهي. لم يكن من السّهل سماع كلمة “بريئة” أمامَ زوجي. لكنّ والدي لم يتوقّف عن الكلام، مُتحمّساً لِمدح ابنته.
“ابنتي، على الرّغم من أنّني أنا مَن أنجبتُها، إلّا أنّها لا ينقصها أيُّ شيء. إنّها مخلصة ولديها الكثير من المودّة. لديها أيضاً فُروسيّة وتتطوّع دائماً لِمُساعدة الضّعفاء. إنّها جميلة جداً لِدرجة أنّها تُقارَن بِابنة الماركيز إريانت. ما رأي سموّك؟”
“لا، لا تُجِب. لا داعي لِذلك.”
وقفتُ من مكاني وأمسكتُ بِكَتِف يوليان. عندئذ، نظرَ يوليان إليّ. عيناه ذات اللّون الأحمر القُرمزيّ الواضحة مَسحتْ جبهتي وزاويتي عينيّ وذقني بتمعن.
“أوافق.”
انخفضَ صوته إلى لوحة الشّطرنج. ارتجفتُ بِجَسدي كُلّه، مُرتبكة.
“هل أنتُم جميعاً تُحاولون إحراجي؟”
“إحراج؟ أنا سعيد لِأنَّ صاحب السموّ يعتبركِ شَخصاً نبيلاً.”
قالَ والدي وهو يبتسم. لم يَهتمَّ أحد بِأنّني كنتُ أرتجف.
“يا صاحب السّموّ، لا تهتمّ.”
رفعتُ ذيل فُستاني وحيّيتُ بِخفّة، لِأُعبّر عن اعتذاري. أردتُ أن أُقلّل من حِمل يوليان.
لكنّ نَظرة يوليان كانتْ غريبة. أمسكَ بِيَدي ووقفني. ثمّ نظرَ إليّ مُباشرة وقالَ:
“أعلمُ أنّ زوجتي شَخصٌ نَبيل. لن أكونَ مُتهوّراً مِثل خَطيب زوجتي السّابق.”
إذا قُلتُ إنَّ هذه الكلمات لم تَتَغلغل في قَلبي، فسأكون كاذبة.
وَقفتُ كالغبيّة، ووَضعتُ يَدي على يَده، ثمّ أنحنيتُ.
“نعم، يا صاحب السّموّ.”
سألَ يوليان، ربّما لِأنّه لم يُعجِبه جوابي المطيع:
“إلى متى ستُنادينني بِـ ‘صاحب السّموّ’، يا زوجتي؟”
“…حتى تغادرَ عائلتي كُلّها.”
قُلتُ بِوَجهٍ مُحمَرّ. ضَحِكَت عائلتي كُلّها بِصوت عالٍ، لِأنَّ إجابتي كانتْ مُضحكة مرّة أخرى. ابتسمَ يوليان أيضاً ابتسامة خفيفة.
عندما تحوّلَ خَصم يوليان في الشّطرنج إلى رويين، سحبتْ أمّي ذراعي.
“لايلا، لِنُحضِر بعض الشّاي.”
كانت الخادمات يقمن بصنع بِالشّاي، لِذا لم نكن بِحاجة إلى إعداده بأنفسنا. هذا يعني أنّ لديها شيئاً لِتتحدّث عنه معي وحدنا.
نظرتُ إلى يوليان، قَلِقة من أنَّني قد أتركُ عائلتي ويوليان وَحدهم، فَأومأ وكأنّه يقول: “لا بأس.”
“يا أمّي، ما الأمر؟”
سألتُ وأنا أتبعُ أمّي بِتَردُّد، وأَبعدتُ الخادمات اللّاتي كُنَّ يتبعنني. ابتسمتْ أمّي وهي تختارُ أوراق الشّاي.
“أردتُ فقط أن أتحدث معكِ. محادثة تخص النساء فقط.”
“بَدا الأمر كذلك.”
أخرجتُ لِساني. كانَ من الطّبيعيّ أن تكونَ الأمّ مُهتمّة بِحياة ابنتها الزّوجيّة. ضَحِكَتْ أمّي وهي تُغطّي فمها.
“شَعرتُ بِارتياح كبير بعدَ مُقابلة صاحب السّموّ الدّوق. تبدو علاقتكِ مَع سموّه أفضل مِمّا كنتُ أتوقّع.”
“قُلتُ لكِ. إنّه شَخصٌ جيّد.”
“اعتقدتُ حينها أنّكِ كالبَبغاء المُتَعنِّد، لكن يبدو أنّ الأمر ليسَ كذلك. على الرّغم من مَكانته العالية، إلّا أنّه مُتواضع ويَعرِف كيفَ يَحترم النّاس. على الرّغم من أنّه صارم قليلاً.”
أخفضتْ أمّي عينيها ونقلتْ أكواب الشّاي إلى الصّينية واحداً تلو الآخر. كانَ النّدم واضحاً في عينيْ أمّي.
“أشعرُ بِالخجل الشّديد. لِأنّني لم أرَ الشّخص بِشكل صحيح، وتأثّرتُ بالشّائعات والمَظهر.”
أومأتْ أمّي بِوَجهٍ حازم. بِما أنّها امرأة حكيمة، كنتُ أثقُ في أنّها ستتصرف بِشكل جيّد. اعتقدتُ أنّ حِواراً جادّاً سيستمرُّ، لكن أمّي وَضعتْ يَدها على خَدّها وسألتْ بِخَجل:
“إذاً، متى سأرى حَفيدي؟”
كانَ هذا كَلاماً كالقنبلة! تفاجأتُ لِدرجة أنّني شَهقتُ. سألتْ أمّي بِنَظرة لَعوبة، وكأنَّ ردَّ فعلي مُمتع:
“إذا كانتْ علاقة الزّوج والزّوجة جيّدة، فَمِن الطّبيعيّ أن يأتي طِفل، أليسَ كذلك؟”
“أوه، يا أمّي، هذا…”
“نعم، نعم.”
أمسكتْ أمّي بِيَدي وعيناها تلمعان. تمتمتُ وأنا مُمسَكة بِيَدها.
“آه، لم نَقضِ اللّيلة الأولى بعد.”
اتّسعتْ عينا أمّي على الفور. احمرَّ وَجهي بِشكل لَم يُقارَن بما كانَ عليه مُنذ قليل. بَدا وكأنَّ الاحمرار يَنتشرُ عبرَ ذراعي إلى أطراف أصابعي.
“صاحب السّموّ قالَ إنّه سينتظرُ حتّى أصبحَ مُستعدّة نَفسيّاً.”
“يا إلهي!”
أصدرتْ أمّي صوتاً عالياً، ثمّ غطّتْ فمها بِيَد واحدة، مُعتقِدة أنّها صرخت بِصوت عالٍ. ثمّ همستْ وكأنّها وجدتْ الأمر مُمتعاً جِدّاً.
“صاحب السّموّ رومانسيّ.”
آه، هاها… لم يكن لديّ خيار سوى الضّحك هكذا. على الرّغم من أنّني أعتقدُ أنّه احترام لِلزّوجة أكثر من كونه رومانسيّاً، إلّا أنّني اعتقدتُ الشّيء نَفسه بِصِدق. الأهمّ من ذلك، كانَ التّحدُّث مَع أمّي حولَ هذا الموضوع مُحرجاً للغاية.
عندما عدتُ إلى الغرفة ومعي الشّاي، كانَ آدم يلعبُ الشّطرنج مَع يوليان. بَدا أنّ العائلة كُلّها تنوي اللّعب مَرّة واحدة بِالتّناوب. غمزتُ لِيوليان سِرّاً بِأنّه يُمكِنُه المُغادرة إذا كانَ مُرهَقاً.
“أُختي، هل أنتِ بالفعل تُناصرين زوجكِ؟ قُلتِ إنّني الأفضل في العالم.”
“قُلتِ إنّني الأفضل!”
حَسناً، في بعض الأحيان كُنتُ أُحبُّ رويين أكثر، وفي بعض الأحيان كُنتُ أُحبُّ آدم أكثر، وشَعرتُ بِالحَرَج. عندما رفعتُ كَتِفي وتَظاهرتُ بالجهل، نظرَ إليّ أخواي الصَّغيران بِوُجوه مُتَأذية.
لم نأكل، لكن تجمع العائلة كان ممتعًا. لم يَضحك يوليان ويَتحدّث مِثل بقيّة أفراد العائلة، لكنّه بَقِي في مكانه حتّى النّهاية. كنتُ مُمتنّة جِدّاً لِهذا وَحده.
في اليوم الذي غادرتْ فيه العائلة على المَركبة، همستُ لِيوليان:
“شكراً لك، يوليان.”
كانتْ هذه هي المرّة الأولى التي أُناديه فيها بِاسمه. لم يَقُل يوليان شيئاً، لكنّه قدّمَ لي مُساعدة ناعمة.
***
كانتْ حياتي الزّوجيّة مع يوليان سَلِسة كَسفينة شِراعيّة. كنتُ أتبادل الرّسائل مع ‘ليتي’ وأتفقدُ أخبار الأمير الثّاني.
الآن، أهمُّ شيء هو التّحقُّق من المَنجم الذي ظَهَرَ في الشّمال في هذا الوقت تقريباً. كانَ من الواضح أنَّ المَعدن الذي سيَخرُج من ذلك المَنجم سيُفيد علاقتي بالإمبراطور كثيراً.
كيفَ يجب أن أتحدّث لِيُوافِق يوليان على منح هذا المَنجم لي؟ بينما كُنتُ أُفكّر هكذا، جاءني الخادِم.
“يا سيّدتي، جاءَكِ ضَيف.”
بعدَ أن غادرتْ عائلتي، لم يأتِني أيُّ ضيف إلى الشّمال. لِأنّني تزوّجتُ الدّوق، كانَ من المُفترض أن تأتيني دَعوة لِحفلة بدافع الفضول، لكن لِسَبَب قَطع إصبع كايزاك، لم يَحدُث ذلك أيضاً.
“ضيف؟ مَن؟”
وَضعتُ كِتاب الإدارة الذي كنتُ أقرأه ونهضتُ. كانَ استقبال الضّيوف مَسؤوليّة سيّدة القصر، لِذا كانَ عليّ أن أذهبَ بنفسي.
لكن كانَ عليّ أن أُقرّر ما إذا كنتُ سأستقبلها عندَ المَدخل أو في غرفة الاستقبال، بِناءً على هُوِيّة الضّيفة.
انحنى كبير الخدم بِاحترام وقالَ لي:
“إنّها الأميرة أبيغيل الأولى لِلإمبراطورية.”
على كلامه، تقلصت مَفاصِل أصابعي وتَجَمّدتُ وأنا أمسكُ بِذيل فُستاني. كانتْ آنا الواقفة بجانبي قَلِقة وسألتْ عمّا إذا كنتُ بخير، لكنّني هززتُ يَدي وسألتُ الخادِم:
“هل تَزورُ الأميرة الشّمال كثيراً؟”
“بِالنّظر إلى مَكانتها وموقعها، فهي تزور الشمال بِشكل مُتكرّر.”
على حَدِّ قول كبير الخدم، لا يُمكِنُ للأميرة أن تزورَ الشّمال بِشكل مُتكرّر بِالنّظر إلى مَكانتها وموقعها.
لكنْ، إذا فكّرنا بِطريقة أخرى، فهذا يعني أنّها تأتي إلى هنا بِالضّرورة إذا سُمِحَ لها بالخروج بَعيداً. لم أستطعْ إخفاء انزعاجي. بِصراحة، لم أُرِدْ أن أدعها تدخل. لكنَّ الخَصم كانَ الأميرة.
“سأخرجُ لِأستقبلها.”
المُواجهة المباشرة، لم يكن هناك طريق آخر.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 14"