في غَفوة النّوم، سَمِعتُ أنّ هناك زُوّاراً يسألون عنّي.
‘هذه غرفة يوليان، لِماذا ضُيوفي أنا؟’ فكّرتُ ونظرتُ إلى الجانب، فوجدتُ أنّ يوليان قد غادرَ بالفعل. وضعتُ شالاً على ملابس النّوم وخرجتُ.
“آنا، مَن هؤلاء الضّيوف؟”
“يا سيّدتي، زوجة الكونت وينسلي هنا.”
آنا، التي كانتْ تُنادي أمّي بـ ‘سيّدتي’ مُنذ فترة، أصبحتْ الآن تُنادي بـ ‘سيّدتي’. كانتْ هذه التّغييرات غريبة، فَلَمستُ عُنقي دونَ سَبب.
“سأنزلُ الآن.”
اتّبعتني آنا وأنا أنزلُ الدّرج. عندما وصلتُ إلى الطّابق الثّاني حيثُ توجدُ غُرف الضّيوف، رأيتُ أمّي تستقبلني أمامَ الدّرج بدلاً من أن تكونَ في الغرفة. أمسكتُ بِيَد أمّي على الفور.
“لِماذا أنتِ في الخارج؟ كنتُ سأذهبُ إليكِ.”
“أنا مُتَحَمِّسة. أردتُ أن أرى وجهكِ بِسُرعة.”
تصرّفتْ أمّي وكأنّها لم ترني مُنذ زمن طويل جداً، سنة أو سَنتين على الأقلّ. شَعرتُ بِالحُزن دونَ سَبب، فتعلقت بِأمّي وكأنّني طِفلة، وشَبّكتُ ذراعيّ بذراعها.
“أنا أيضاً اشتقتُ إليكِ. عندما تزوّجتُ، فكّرتُ فيكِ كثيراً.”
“صحيح؟ بِما أنّكِ لن تريني كثيراً بعدَ الآن، يجب أن تتناولي الطّعام معنا حتّى تذهبي إلى الإقطاعيّة. حسناً؟”
ابتسمتُ لِطَلب أمّي المُلحّ. لم تكن قَلِقة هكذا عندما تزوّجتُ كايزاك. لم أكبر بعد، لكن لم أكره قلق أمّي هذا.
“لا تقلقي. أنا أيضاً أُريدُ ذلك.”
“وفي هذا السّياق…”
همست أمّي وهي تدخلُ الغرفة التي فتحتها الخادمة.
“ما رأيكِ في تَنظيم وَجبة طعام مَع صاحب السموّ؟”
لم أستطع إلّا أن أفتحَ عينيّ بِاتّساع. ليسَ فقط بِسَبب كلام أمّي، ولكن لِأنّ العائلة كُلّها كانتْ مُجتمِعة في الغرفة.
“ما الأمر؟ لِماذا أنتم جميعاً هُنا؟”
“يا أُختي، الأمر هو…”
بدأَ رويين الحديث، لكنّ آدم أكمله.
“سنرى كيفَ يمسك صاحب السموّ بالملعقة.”
“ماذا؟”
كانَ باقي أفراد العائلة مُتَحيّرين، لكنّ آدم كانَ واثقاً كَطفل.
“سنرى ما إذا كانَ صاحب السموّ الدّوق شَخصاً مُناسباً لَكِ!”
صاحَ آدم وهو يَقْبضُ على يَديه. على الرّغم من أنّ عائلتي كانتْ مُتفاجئة من جُرأة آدم، إلّا أنّهم لم يعترضوا.
نظرتُ إلى عائلتي وتَكلّمتُ بِتَلَعثُم:
“حسناً، آداب مائدة صاحب السموّ رائعة.”
كانت هذه كذبة. لم أتشارك الطّعام مَع يوليان قَطّ. لكِنّني لم أتخيّل يوليان يَتحدّث بِصوت عالٍ مِثل عائلتي. لم أظنّ أنّه سيُحبُّ ذلك أيضاً.
لم أتوقّع أبداً أن يسمحَ لِعائلتي بالبقاء لِفترة طويلة. لم أُرِدْ أن أُثقله أكثر من ذلك.
لكنّ والدي طلبَ بِإلحاح ويداه مَضْمُومَتان.
“نحنُ لا نشكُّ حقّاً في آداب مائدة صاحب السموّ. لكن أينَ الصِّهر الذي لم يتناول الطّعام مع حَمِيه؟”
“لايلا، إنّها مُجرّد وَجبة طعام واحدة، هل هذا صَعب؟”
كنتُ أعرف عائلتي جيّداً. لم يكونوا سُعداء بِزواجي من يوليان، لكن بِما أنّ الزّواج قد تَمَّ، فَهُم عائلة واحدة.
في حياتي السّابقة، بَذلتْ عائلتي قُصارى جُهدها مَع كايزاك. وبِالمثل، فقد قَبِلوا يوليان كَفَرد من العائلة.
تناول وَجبة واحدة مع العائلة. عندما قيلَ ذلك، بَدا الأمر طبيعيّاً وبسيطاً لِدرجة أنّني لم أستطعْ الرّفض بِسُهولة.
“سأحاول أن أتكلّم معه. لا ترفعوا توقُّعاتكم.”
أشرقتْ وُجوه العائلة.
استدرتُ وخرجتُ وتنهّدتُ. قالتْ آنا الواقفة بجانبي وهي تعبس:
“إنّها مُجرّد وَجبة طعام واحدة.”
“إنّها ليستْ ‘مُجرّد’.”
أجبتُ وأنا أُضيّقُ حاجبيّ. بَدَتْ آنا وكأنّها لا تفهم.
كانَ عليّ أن أطلبَ الإذن، لِذا توجّهتُ مُباشرة إلى الطّابق الرّابع حيثُ يَقضي يوليان وقته. توقّفتُ لِلَحظة أمامَ الدّرج المُؤدّي إلى الطّابق الرّابع. لم أظنّ أنَّ يوليان سيُحبُّ أن آخذ آنا إلى الطّابق الرّابع.
“آنا، انتظري هنا.”
“ماذا؟ أنا الخادمة الشّخصيّة لِسيّدتي.”
“قد لا يُحبُّ صاحب السموّ ذلك. لم نتحدّث عنه بعد.”
“يا سيّدتي، ألا تخافين كثيراً؟ هذا يُحزنني.”
بَدَتْ آنا حزينة حقّاً. هل أنا خائفة جداً من يوليان كما تقولُ آنا؟
لكنّني كنتُ أتعامل مَع يوليان بِشكل جيّد. أعتقدُ أنّني أتعاملُ مَعه بِشكل جيّد دونَ أيِّ مشاكل. لقد قُلتُ كُلَّ ما أُريد قوله على الرّغم من أنّه وصفني بِـ “امرأة غريبة”. تَرَدَّدتُ، لكنّني تَرَكتُ آنا تقفُ هناك في النّهاية.
“انتظري قليلاً!”
قلتُ ذلك واستدرتُ، لِأرى كبير الخدم يُلق عليّ التحية أمامي مُباشرة. لقد تفاجأتُ داخليّاً لِأنّه كانَ هادئاً للغاية. على الرّغم من أنّ الخَدَم يَجب أن يكونوا كالأشباح، إلّا أنّ هذا الخادِم كانَ هادئاً بِشكل استثنائيّ.
ابتسمَ بِهدوء، ربّما لِأنّه أدركَ أنّني تفاجأتُ.
“سيّدي في المَكتبة.”
“شكراً لك.”
لَم يكن هناك سَبب لِوُجودي هنا غير يوليان، لِذا أرشدني الخادِم إلى المَكتبة على الفور.
طرقتُ باب المَكتبة، وسَمِعتُ صَوتاً مُنخفِضاً من الدّاخل يَقول: “أدخلي.” لَن يَتفوّق عليه أحد في سِحر صوته. فتحتُ الباب بِحَذر ودخلتُ.
“يا صاحب السّموّ، هل أنتَ متفرغٌ الآن؟”
“لديّ وقت لِلحديث لِلَحظة.”
عندما وَقفتُ بِقُرب الباب بِحَرَج، رفعَ يوليان رأسه ونظرَ إليّ بِاستغراب.
“اجلِسي هناك.”
بِمُجرّد أن قالَ يوليان ذلك، دَخلَ الخادِم الذي كانَ واقفاً في الخلف بِشكل طبيعيّ وبدأ في إعداد الشّاي. نظرتُ حول مَكتبة يوليان بِحَذر.
ما أدهشني هو وجود مَساحة كافية لِاستقبال الضّيوف في المَكتبة.
هل استقبلَ يوليان ضُيوفاً في المَكتبة من قبل؟ إذا كانَ الأمر كذلك، فمَن؟
فجأة، خطرتْ في بالي الأميرة أبيغيل. ربّما تكون قد دَخلتْ مَكتبة يوليان. لِأنّها تناديه بِلَقب، وبَدَتْ مُقرّبة جِدّاً منه…
هززتُ رأسي لِإبعاد هذه الأفكار. هذا ليسَ مُهمّاً الآن. الأهمّ من ذلك، ليسَ لديّ الحقُّ في التّدخُّل في مَن هو صديق له.
تنحنحتُ بِخَجل وجَلستُ على أريكة الضّيوف. جمع يوليان الأوراق ورتّبها واقتربَ منّي.
بِما أنّ الأوراق كانت مُكدَّسة بِارتفاع في مكان يوليان، فقد بَدا أنَّ عمل الإقطاعيّة كانَ مُزدحِماً بِشكل مُتعدّد الجوانب. هل لديّ أيُّ شيء يُمكنني المُساعدة فيه؟ فكّرتُ هكذا، لكنّني قَرّرتُ أن أتحدّث عن النّقطة الرئيسيّة أولاً.
“عائلتي تريد تناول وجبة مع سموك.”
لم يُجِب يوليان على الفور. كانَ يُحدّق فيّ بِعينيه من خَلفِ قناعه. كُلّما فَعَل ذلك، جَفَّتْ شَفتي. لم أشعر بالخوف منه قَطّ، لكنّني شَعرتُ بِالتّوَتُّر الآن.
“أنا أعرفُ أنّ هذا مُحرج. لكن عائلتي تُريدُ قضاء بعض الوقت مع سموّك.”
“الطّعام مُحرج كما قُلتِ.”
أومأتُ برأسي بِسُرعة. كُنتُ أعلم أنّني سأُقابَل بِالرّفض، لكنّني شعرتُ بِالارتباك.
“اعتقدتُ ذلك. هذا ما كنتُ أتوقّعه، صحيح؟ عائلتي لم تَقصدْ بسوء. لقد اعتقدوا أنّنا أصبحنا عائلة واحدة.”
استمعَ يوليان إلى كَلِماتي المُرتَبكة بِهدوء، ثمّ سأل:
“ماذا عن خادمتكِ؟”
“خادمة؟ آه، آنا؟ اعتقدتُ أنّه من الأفضل ألّا تأتي إلى هذا الطّابق، فَتَركتها في الطّابق السّفلي.”
عندئذ، عبسَ يوليان.
“أنا لا أُريدُ لِزوجتي أن تتجوّل وَحدها دونَ خادمة.”
“إنّها مُجرّد لَحظة. لا بأس.”
في اللّحظة التي أجبتُ فيها بِهُدوء، مالَ يوليان نَحوي. تراجعتُ دُون وعي. كانتْ عيناه الحمراوان قريبتين جِدّاً.
ظلَّ يوليان عابساً. دَوّرتُ عينيّ وحاولتُ التّهرُّب من نَظره.
“غريب.”
لمست أنفاسه الباردة خَدّي وتَشتّتتْ. استعادَ وَضعيّته ببطء. قُمتُ بِتَرتيب ملابسي وجَلستُ بِشكل مُستقيم.
“كنتِ تُسرعين وتتحدّثين بِكُلِّ ما يخطرُ على بالكِ، لِماذا أنتِ هكذا اليوم؟”
“متى لَم أفرق بينَ الكَلام الصَّحيح والخاطئ؟”
بِمُجرّد أن قلتُ ذلك، رَفرفَ حاجبا يوليان مرّة واحدة. عندما رأيتُ ذلك، شَعرتُ أنّني كُنتُ مُخطئة، فَرَفعتُ كَتِفي.
“لا أُريدُ أن أفعلَ أيَّ شيء يُزعج سموّك.”
لِأنّك مُنقذي. لم أستطعْ قول ذلك، لِذا قُلتُ كِذبة غير كاذبة.
“الأصدقاء يَلتزمون بِالآداب.”
أغمضَ يوليان عينيه بِبُطء وتنفّس. كانَ كالتّنهيدة، وكانَ كَالرّاحة. كانَ صوتاً غامضاً لِلغاية.
“سأرفضُ الطّعام، لكن لا بأس بِشيء آخر.”
“شيء آخر؟”
“حَسناً، ما رأيكِ في الشّطرنج؟”
شطرنج؟ هل يُريدُ لِأبي أن يلعبَ الشّطرنج مَعه الآن؟ أدركتُ ذلك وقُمتُ بِرَفع جُزئي العلويِّ وقلتُ:
“نعم! هذا جيّد!”
ربّما صَرختُ بِصوت عالٍ لِدرجة أنّ يوليان، وحتّى الخادِم، نظروا إليّ. حتّى الخادِم الذي لا يَفقِدُ هُدوءه في أيِّ حال من الأحوال. لكنّني كُنتُ مُتحمِّسة وتَحدّثتُ بِسُرعة.
“أبي يَعتبرُ الشّطرنج ساحة مَعركة لا يُسفَك فيها الدَّم. لِذا فهو يَستمتع بها دائماً. إذا كانَ سموّك يَستمتع بِالشّطرنج أيضاً، فَلن تكونا إلّا خَصمين مُمتِعين. أنا أيضاً ألعبُ كثيراً، لكنّ أبي تقليديّ جداً، لكنّه يلعبُ حركات رائعة. “
“هكذا إذن.”
“إذا لعبتَ مَعه، فسوفَ تتفاجأ بالتأكيد. إنّها خُطوة واضحة، لكنّها كَقَلعة صلبة، لا يُمكِنُك الهُجوم عليها بِسُهولة. إنّه يلعبُ حركات تُشبهُ شخصيّته. أليسَ هذا رائعاً؟”
“فهو الماركيز الحدودي بعد كل شيء.”
أدركتُ أنّني تكلّمتُ بِحَماس كبير وأنا أرى يوليان يُومئ برأسه. غطّيتُ فمي بِسرعة، لكنّ زوايا فمي ارتفعتْ لِأنّني لم أستطعْ إخفاء حماسي.
لا بُدَّ أنّ عائلتي ستكون سَعيدة عندما أخبرهم بهذا. شربتُ الشّاي الذي وُضِعَ على الطّاولة وأعدتُ الكوب. وقفتُ ونظّمتُ ذيل فُستاني بِخفّة.
“حسناً، سأذهبُ وأخبر عائلي إنّنا سنلعبُ الشّطرنج. متى يُناسبك؟ بعدَ العشاء؟”
“…حسناً.”
“نعم، بعدَ العشاء سأُرتّب المكان! شكراً لك، يا صاحب السّموّ!”
تبادلتُ التّحيّة مع الخادِم وغادرتُ المكان بِسُرعة. لِأنّني أردتُ أن أُخبِر عائلتي بِهذا الخبر.
وظلَّ يوليان في مكانه، يُحدّق في الباب الذي خرجتْ منه لايلا، ثمّ ابتسمَ بِتَحيّر.
“لقد كانتْ خائفة جداً حتى الآن، ماذا حدث؟”
قالَ كبير الخدم لِيوليان وهو يبتسم:
“إنّها شَخصيّة مُشرِقة حقّاً.”
“يبدو أنّ كبير الخدم مُعجَب بِتلكَ المرأة.”
“إذا كانَ سَيّدي مُعجَباً، فأنا مُعجَب أيضاً.”
على كَلامه، نَظَرَ يوليان إلى كبير الخدم بِغضب. وكأنّه يقول: “من قالَ إنّني مُعجَب؟”
لكن كيفَ يُمكِنُه أن يَخدع كبير الخدم الذي خدمَ يوليان مُنذ الطفولة. ضَحِكَ كبير الخدم بِبساطة.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 13"