4
كان كريستن يُحدِّقُ في روئيلا بنظرةٍ مُلتبسة.
كانت روئيلا مسترخيةً على الكرسي، جسدها مترهّل، وقد وضعت يدها فوق السرير وهي نائمة.
في البداية، لم يكن يُصدِّقُ بوجودِ ما يُسمّى بالمُتوافِق.
أن يَعهَدَ بحياته إلى شخصٍ ضعيفٍ إلى هذا الحد، بلا قوّةٍ تُذكَر.
كانت لعنةُ إدمانِ المانا تُثيرُ اشمئزازه إلى حدٍّ لا يُطاق.
ومع ذلك، كان كريستن يتأقلمُ ببطءٍ مع وجودِ روئيلا.
مع فكرةِ أن تنامَ هكذا، إلى جانبه.
‘قدرةٌ مدهشةٌ على التكيّف.’
أثناءَ نومه، لا يستطيعُ السيطرةَ على المانا خاصتهُ.
ولهذا السبب، لم يكن أحدٌ يجرؤُ على الاقترابِ منه عندما ينام.
بدت روئيلا كأرنبٍ صغيرٍ دخلَ قفصَ وحشٍ مفترسٍ ضخم.
من دون أن تُدرِكَ الخطر.
‘ما الذي أفكّرُ فيه؟’
منذُ البداية، لم يكن لدى كريستن أيُّ نيّةٍ لفعلِ شيءٍ بروئيلا!
نقرَ لسانه بخفّة.
صحيحٌ أنّ الكرسي أُعِدَّ خصيصًا لتتمكّنَ المُتوافِقةُ من الراحةِ طوالَ الليل.
صنعه عريضًا وطويلًا بما يكفي لتستندَ إليه براحة.
وبسببِ صِغَرِ حجمِ روئيلا، كانت تنكمشُ فوقَ الكرسي وتغفو بسهولة.
ومع ذلك.
“أن تنامي قبلَ أن يأتي صاحبُ غرفةِ النوم… هذا أوّلُ مرّةٍ أرى فيها ذلك.”
ومع هذا، فكونُها لم تنسَ واجبها تمامًا، ومدّت يدها نحو السرير، كان أمرًا يُعدّ مُطمئنًا… إلى حدٍّ ما.
حتى بعد أن عاد كريستن من الاستحمام، ظلّت روئيلا نائمة.
كانت تتمتمُ بشيءٍ أثناءَ نومها، وشفاهُها تتحرّك.
“سيدي الرئيس…… الكرسي…… الراتب…….”
مرّرَ كريستن يده في شعره الذي لم يجفّ تمامًا بعد، وجلسَ على السرير.
كانت نظرتُه إليها هادئةً ومستقرّة.
في اللحظة التي شاهدَ فيها بنفسه كيف رتّبت روئيلا الوثائقَ اليوم، قرّرَ فورًا توظيفَها.
وباعتباره سيّدَ الشمال الذي يُعاني نقصًا في الكفاءات، كان هذا القرار طبيعيًّا تمامًا.
لم يكن ليستطيعُ إسنادَ مهامٍّ مهمّةٍ إليها بعد، لكنّها بدت مناسبةً لتنظيمِ الوثائق.
حتى إيدن رفعَ يديه مرحّبًا بالأمر.
”إن لم يُوظِّفها سموّ الدوق، فسأفعلُ ذلك من مالي الخاص. رجاءً.”
وليس إيدن وحده، فقد أبدت السيدة روزيت أيضًا اعترافًا واضحًا بقدراتِ روئيلا.
إذا كان توظيفُ روئيلا سيُحسِّنُ رضا الجميع عن العمل، فإنّ كريستن كان مستعدًّا لذلك دون تردّد.
حدّقَ في خدّ روئيلا وهي تتمتم، وكأنّه يبحثُ داخلها عن روئيلا أخرى تختبأ هناك تقوم بمثل هذا العمل المذهل.
‘وجهُها شاحب.’
وعندما فكّر بالأمر، تذكّر أنّ أصابعها التي كانت تُمسك القلم رفيعةٌ كأصابعِ طفل.
قالت السيدة روزيت إنّها تأكلُ قليلًا وجسدُها نحيل.
ورجّحت أنّ ذلك بسببِ الجوع الذي عانتْه أثناءَ إقامتها في بيتِ كونت.
“……يجبُ أن أُوصيَ بتحضيرِ طعامٍ مُغذٍّ لها.”
الغريبُ أنّ روئيلا، على عكسِ ما يُتوقَّع من آنسةٍ نبيلةٍ لم تعمل قطّ، كانت على درايةٍ تامّةٍ بعقودِ التوظيف.
كانت مختلفةً تمامًا عن أبيها، الذي كان يتقاضى المال دون أن يقرأ العقد أصلًا.
‘مع أنّني سمعتُ أنّها لم تتلقَّ تعليمًا لائقًا.’
كان والدُ روئيلا ينفقُ كلّ ما يحصلُ عليه على القمار والمراهنات، ولم يُنفِق فلسًا واحدًا من أجلِ ابنته.
وفي النهاية، خسرَ كلَّ ما كان يملكه، واضطرّت روئيلا إلى إعالةِ نفسها من خلال الخياطة، بالكاد تُبقي على حياتها.
وعندما قرّر والدُها أن يضعَ ابنته رهانًا على طاولةِ القمار، صادفَ أن صدرَ حكمُ كونها مُتوافِقة.
وبفضلِ ذلك، بدلًا من أن تكون رهانًا، بيعت إلى بيتِ الدوق الأكبر.
وعلى الرغم من تلك الظروف القاسية، كانت روئيلا على نحوٍ عجيبٍ هادئةً ومتفائلة.
وبعدَ توقيعِ عقدِ التوظيف، ازدادت سرعةُ إنجازِها للعمل أكثر.
“……هل يُعقَل أن تُنجَزَ الوثائقُ بهذه السرعة؟ هل صحيحٌ أنّ تنظيمَ ميزانيةِ الشهرِ القادم قد انتهى بالفعل؟ لا أصدّق.”
“أنا أظنّ ذلك أيضًا. في الأوقاتِ العادية كنّا نُكافحُ حتى نهايةِ الشهر. قالت روئيلا إنّها شخصٌ يعمل بقدرِ ما يتقاضاه.”
كان كلامًا يبعثُ على التوقّع، عمّا يمكنُ أن تُظهِرَه من كفاءةٍ لو رُفِعَ راتبُها أكثر.
على أيّ حال، وبفضلِها قلّ عبءُ العمل، وهذا كان أمرًا جيّدًا بالنسبةِ لكريستن.
لقد اشترى وقتَ فراغه.
ومع ذلك، هناك فجوةٌ هائلة بين تلك الصورة… وهذه الصورة الآن.
عاد كريستن يحدّقُ في روئيلا بنظرةٍ غريبة.
“فووه…….”
كانت تحكُّ خدّها وتتقلبُ، وملامحُها لا تحملُ سوى الطمأنينة.
تمتمَ كريستن.
“هذا غيرُ معقول.”
لا يستطيعُ تصديقَ أنّهما الشخصُ نفسُه.
وفوقَ ذلك، كيف يمكنُ أن تكونَ بلا أيِّ حذرٍ إلى هذا الحد؟
ألقى كريستن بطانيةً فوق روئيلا، التي كان كاحلاها مكشوفين.
ثمّ تنفّسَ بعمق، واستلقى على السرير وهو يمسكُ يدها.
كان صوتُ تنفّسها الخفيف بجانبه يُشعره براحةٍ غريبة.
وكأنّه يقولُ له إنّه لا يوجدُ أيُّ تهديدٍ هنا.
وكأنّه يهمسُ له بأنّ كلَّ شيءٍ على ما يرام.
“حقًّا… غيرُ معقول.”
استلقى كريستن على جانبه، يُحدِّقُ في روئيلا، بينما ضاقت عيناه شيئًا فشيئًا.
بدأت المانا التي كانت تملأ جسده بالانحسار، وأصبح التنفّس أسهل.
أطلقَ زفيرًا بطيئًا، وبدأ الثقل الذي كان يملأ صدره يتلاشى.
وآخرُ ما رآه قبلَ أن ينامَ بهدوء، كان خدَّي روئيلا الناعمين، الورديّين.
* * *
“هااام.”
من مساوئِ كرسيّ الرئيس أنّه يُسقِطُ الحذرَ تمامًا.
نامَ كريستن متأخّرًا قليلًا.
ورغمَ أنّني شعرتُ بشيءٍ من الذنب لأنّني نمتُ قبلَ وصولِ صاحبِ العمل، فإنّ كريستن كان قد غادرَ غرفةَ النوم صباحًا من دون أن يقولَ شيئًا.
في الحقيقة، من السخيفِ أن أظلّ أنتظرُ طوالَ الوقت.
لستُ محظيّةً في القصر الملكي.
مع ذلك، من بابِ الضمير، يجبُ أن أُظهِرَ وجهي اليوم على الأقل.
هززتُ كتفي، وتوجّهتُ إلى العمل… عملٌ ‘مدفوعُ الأجر’.
ربّما لأنّ اليوم أوّلُ يومٍ لي كموظّفةٍ مدفوعة، بدا الإفطار ألذَّ بمرّتين.
خطواتي كانت أخفّ من المعتاد.
“لقد جئتِ مبكّرًا اليوم، الآنسة روئيلا.”
“بالطبع.”
ابتسمتُ ابتسامةً عريضةً للسيدة روزيت.
لم يتغيّر مكانُ عملي.
كان مكتبُ سيّدِ العائلة لا يزالُ مكانًا بعيدَ المنال بالنسبةِ لي.
لكن منذُ الأمس، صارَ لديّ هدفٌ جديد.
أن أصلَ إلى منصبِ مساعدِ الدوق الأكبر.
راتبُ المساعد مختلفٌ تمامًا.
وبما أنّني هنا، فمن الأفضلِ أن أجمعَ إنجازاتٍ تُمكّنني من الحصولِ على رسالةِ توصيةٍ للعمل كمساعدةٍ لدى نبيلٍ آخر.
سمعتُ على نحوٍ عابر من السيّد إيدن أنّ الانتقالَ إلى العاصمة يعني راتبًا أعلى.
وبما أنّ الأحلامَ لا تُحَدّ، فإنّ العملَ كمساعدةٍ في القصر الإمبراطوري يبدو خيارًا لا بأسَ به.
على أيّ حال، وبالنسبةِ لي، كان الالتزامُ بالحضور جزءًا من الإنجاز.
أليست رسالةُ التوصية، بمعنىً آخر، تقييمًا وظيفيًّا؟
إن أحسنتُ الظهور، حصلتُ على توصيةٍ أفضل.
قد أبقى هنا إلى الأبد، لكنّ ذلك قد يُورِّطني في أحداثِ القصّة الأصليّة.
وقبلَ أن يحدثَ ذلك، من الأفضلِ أن أنسحبَ بسرعة.
“الآن أنا أعملُ بأجرٍ، أليس كذلك، يا سيّدة روزيت؟
قلتم أمس إنّ الدوامَ الرسمي يبدأ عند التاسعة، فحاولتُ الالتزامَ بذلك.
لم أتأخّر، صحيح؟”
ابتسمتُ بخجل.
أجابتني السيدة روزيت ببرود.
“لم تتأخّري.
قالوا إنّهم سيُسندون إليكِ مهامًّا جديدة اليوم.
هذا هو سجلُّ الحسابات الماليّة لبيتِ الدوق الأكبر خلال العامِ الماضي.
وطُلبَ منّي أن أطلبَ منكِ تنظيمَه في أسرعِ وقتٍ ممكن.”
“عامٌ كامل……!”
“نعم. وبعدَ ذلك، سيُطلَبُ تنظيمُ بياناتِ العامِ الذي قبله، ثمّ العامِ الذي يسبقه أيضًا.”
هذا كمٌّ هائل.
نظرتُ إلى جبلِ الوثائق المتراكمة فوق مكتبي الذي أصبح أوسع، ثمّ التفتُّ إلى السيدة روزيت بوجهٍ حائر.
“سيّدة روزيت.”
ناديتُها بنبرةٍ جادّة.
التعليقات لهذا الفصل " 4"