3
كانت روزيت تُحدّق في روئيلا بتعبيرٍ مُلتبس.
كانت روئيلا تقف هناك، بملامح غريبةٍ بعض الشيء، وهي تُرتّب المستندات.
مرّ نحو عشرة أيّام منذ قدوم روئيلا إلى هذا المكان.
وبما أنّها طلبت عملًا، أُوكلت إليها مهامّ خفيفة، كحمل بعض الأغراض أو قضاء مشاوير بسيطة.
أعمال لا تستغرق أصلًا أكثر من ثلاثين دقيقة.
ثمّ أُسند إليها ترتيب مستندات بسيطة، لا بأس لو اطّلع عليها الآخرون.
مكانةُ روئيلا داخل هذا القصر كانت شديدة الالتباس.
امرأةٌ بيعت.
لكنّها لا تخدم في غرفة النوم، ولا تقوم بأيّ واجبات خادمة تقليديّة.
دورها يقتصر فقط على كونها وسيطًا لتصريف المانا.
وبما أنّ دورها لا يتعدّى ذلك، فلم يخطر ببال أحد أصلًا أن يكلّفها بعملٍ آخر.
في البداية، كان المتوافقون عبيدًا.
ثمّ وُجد من وصل منهم لاحقًا إلى منصب دوقة.
لهذا، لم يكن من السهل تعريف موقع روئيلا أو تصنيفه.
‘حتى الدوق قال إنّه يريد الاكتفاء بالمراقبة.’
وفي مثل هذا الوضع، كانت روئيلا هي من طلبت العمل بنفسها.
“هل تعرفين كم هو مُرهق أن يجلس الإنسان طوال اليوم بلا عمل، يحدّق في الفراغ؟
يا سيّدة روزيت، تركُ موهبةٍ مثلي دون استغلال خسارةٌ فادحة.
امنحيني فرصةً واحدة فقط، وسأُثبت لكِ كلامي!”
وأمام تلك الجرأة، سلّمتها روزيت المستندات.
والمفاجأة أنّ روئيلا رتّبتها في أقلّ من يومٍ واحد.
حتّى روزيت نفسها، التي تُعدّ من أكفأ كبار الخدم ورؤساء الخدم في الشمال، لم تستطع إنكار ذلك.
‘كانت طريقة مبتكرة فعلًا.
لم أتخيّل أنّه يمكن ترتيبها بهذا الشكل.’
استخدام الجداول أسلوبٌ قديم.
لكن تنظيم النفقات حسب السنوات والأقسام في آنٍ واحد باستخدام تلك الجداول، كان أمرًا لم يُسمَع به من قبل.
وفوق ذلك، خطوط مستقيمة مرتّبة على نحوٍ مُلفت.
الشيء الوحيد الذي أقلق روزيت…
كان تعبير روئيلا.
“هل أنتِ بخير، الآنسة روئيلا؟
إن كان الأمر مُرهقًا، يمكنكِ الراحة.
كما قلتُ، هذا ليس من واجباتكِ أصلًا….”
“آه، تقصدين تعبير وجهي؟
لا تقلقي.
هذا مجرّد عادة.
عندما أركّز، يظهر هذا التعبير تلقائيًّا.”
ثمّ تمتمت روئيلا بشيءٍ لم تفهمه روزيت تمامًا.
“هذا هو وجه الموظّف الذي يعاني من نقص الكافيين.
ولأنّه لا يوجد حاسوب، أضطرّ لرسم كلّ هذا يدويًّا.”
على أيّ حال، بما أنّها قالت إنّها بخير، استمرّت روزيت في تكليفها.
لكن ذلك الوجه الشاحب، الشبيه بسمكةٍ فاسدة، والعينان الشاردتان…
كانتا تثيران القلق بشكلٍ لا يُستهان به.
وبينما كانت روزيت تهمّ لإيقافها قائلة إنّ هذا كافٍ…
طَق طَق.
دوّى طرقٌ مهذّب على الباب.
“سيّدة روزيت، هل يمكنني الدخول؟”
“آه، السيّد إيدن. نعم، تفضّل.”
كان مساعد الدوق.
وإن ذُكرت الكفاءة، فلا يمكن استثناء إيدن من الحديث.
خريج الأكاديميّة الإمبراطوريّة الأوّل على دفعته، وذو قدرةٍ عمليّة مميّزة، جوهرة الشمال بحقّ.
كان الشبان الأكفّاء جميعهم يرغبون في الذهاب إلى العاصمة، بغضّ النظر عن طبقاتهم.
ولهذا، كان العثور على شخصٍ بمستوى إيدن في الشمال أشبه بالتقاط نجمٍ من السماء.
ورغم صغر سنّه، نال شرف أن يصبح أقرب المقرّبين من الدوق.
تلفّت إيدن داخل الغرفة، ثمّ انتفض قليلًا.
فقد رأى روئيلا منهمكةً بالعمل على المكتب الصغير الذي قدّمته روزيت.
“هل هناك مشكلة؟
هل كان هناك خلل في التقرير الذي قدّمته؟”
“لا، ليس ذلك، سيّدة روزيت.”
ألقى إيدن نظراتٍ متكرّرة على روئيلا، ثمّ أشار إلى روزيت بالخروج.
كان يريد الحديث بعيدًا عنها.
أومأت روزيت، وخرجت معه.
وما إن ابتعدا قليلًا عن الباب، حتّى سأل إيدن بحذر.
“قبل أن أطرح طلبي…
هل هي بخير فعلًا؟
أعني، الآنسة روئيلا.
تبدو… قليلًا….”
“تريد أن تقول إنّها تبدو كسمكةٍ معروضة على بسطة، أليس كذلك؟”
“هاها، نعم… شيءٌ من هذا القبيل.
خشيتُ أن تكون مريضة…”
“قالت بنفسها إنّها بخير، فلا بدّ أنّها بخير.”
مع أنّ روزيت كانت تشعر بالقلق أيضًا.
أومأ إيدن وقال:
“حسنًا، إلى الموضوع.
يبدو أنّ الدوق أعجب كثيرًا بطريقة ترتيب المستندات هذه المرّة.
ويريد أن يعرف بدقّة من قام بها.
أظنّكِ ذكرتِ اسم الآنسة روئيلا سابقًا، لكن الدوق لم يصدّق.”
“…أحقًّا؟”
“نعم.
لذا أسألكِ.
هل فعلًا الآنسة روئيلا هي من رتّبت تلك المستندات؟”
“ألم ترَ ذلك بنفسك قبل قليل، سيّد إيدن؟
إنّها من قامت بها فعلًا.
وهي الآن تُرتّب ميزانيّة الشهر القادم.”
“هاه…
كيف سنُقنع الدوق بهذا؟”
“ألا يكفي أن نُريه الأمر مباشرةً؟”
ناقش الاثنان الأمر بجدّيّة.
فالصورة الذهنيّة المعتادة عن روئيلا، وتلك المستندات المرتّبة بوضوحٍ وكفاءة، كان بينهما فجوةٌ كبيرة.
وفي الآونة الأخيرة، بدأت روزيت تُدرك معنى ما قالته روئيلا سابقًا.
“إهدار موهبةٍ مثلي خسارةٌ للبشريّة، يا سيّدة روزيت.”
* * *
كنتُ أرسم الجداول بشكلٍ آليّ، وأُدرج فيها ميزانيّة الشهر القادم.
بما أنّ الدوقيّة تحكم الشمال بأكمله، كانت المصروفات ضخمة.
لكن أسلوبهم في التوثيق معقّد على نحوٍ غير ضروري.
أمرٌ يمكن تلخيصه في ثلاث صفحات، يشرحونه في ثلاثين صفحة.
لا، من الذي يعمل بهذه الطريقة غير الفعّالة، ومع ذلك يتعب نفسه هكذا؟
تس تس تس.
لو رأى مديري السابق هذا، لاقتلع شعر رأسي وأشعل فيه النار.
الإزعاج الوحيد هو عدم وجود إكسل، ما يضطرّني لرسم الجداول يدويًّا.
ألا توجد طريقة لتجاوز هذا؟
لكنّني ما زلتُ في موقع متدرّبة(?) داخل الدوقيّة، فلا يحقّ لي الاعتراض.
في هذه الأيّام، حدّدتُ موقفي بوضوح.
قرّرتُ أن أصبح الخادمة الوفيّة للسيّدة روزيت، التي تجمع بين منصب كبيرة الخدم ورئيسة الخدم.
في الشركة السابقة كانوا يقولون:
إن أردتَ العيش طويلًا براحة، فعليكَ اختيار الخطّ الصحيح.
فدوري هذا سيصبح بلا قيمة عند ظهور البطلة، أليس كذلك؟
هل النجاة وحدها تكفي؟ وماذا بعد ذلك؟
لا مال لديّ الآن، وأنا أعمل بلا أجر أصلًا.
لذا، أفضل حلّ هو التقرّب من السيّدة روزيت، وإظهار كفاءتي، والعيش برغد.
ثمّ أطلب منها رسالة توصية وألتحق بخدمة عائلةٍ نبيلة أخرى…!
عندما تظهر البطلة، سأصبح عديمة الفائدة،
لكن ألن يُفتح لي بذلك طريقٌ للعيش؟
بعدها، سأشتري منزلًا أوّلًا.
كان كلّ شيءٍ مخطّطًا.
وبينما كنتُ أرتّب الجداول المرسومة بعناية باستخدام أحبارٍ ملوّنة، سقط ظلّ فوقي.
“هم؟
سيّدة روزيت، هل تحتاجين شيئًا؟”
“…إذًا، هذا صحيح.”
سمعتُ تمتمةً أشبه بالأنين.
هذا الصوت ليس صوت روزيت.
رفعتُ رأسي، فتلاقت عيناي بعينين زرقاوين.
“كخ!”
إنّه شخصٌ لم أره قطّ في وضح النهار.
لماذا الدوق هنا؟
هل أخطأتُ في شيء؟
لا يعقل.
تحقّقتُ مرارًا.
“حِق!”
غطّيتُ فمي وأنا أمسك بريشة الحبر.
وضع الدوق كريستن يده على جبينه، وضحك ضحكةً قصيرة.
“إذًا، أنتِ من فعل هذا فعلًا.”
“حِق!”
“إن كان هذا يُعدّ موهبة، فهي موهبة بالفعل.
وأنا بحاجةٍ إلى هذه الموهبة.
يبدو أنّ الآنسة روئيلا تمتلك مواهب عديدة.”
“هك!”
يا إلهي، من شدّة الصدمة صارت شهقتي غريبة.
وتابع الدوق وكأنّ الأمر لا يهمّه:
“أرغبُ في توظيفكِِ.”
“هك! أ، أنا أصلًا…!”
“هل كنتِ ستقولين إنّكِ موظّفة بالفعل؟
المبلغ الذي تلقّاه والدكِ كان ثمن بقاءكِ ليلاً فقط.
أمّا الآن، فأنا أريد شراء وقتكِ في النهار أيضًا.”
اتّسعت عيناي.
“بالطبع، سأدفع مقابل ذلك أجرًا مناسبًا.
ثلاثون إيكرا في الشهر.”
كنتُ قد حفظتُ وحدة العملة في هذا العالم أوّل ما بدأتُ ترتيب الجداول.
ثلاثون إيكرا تعادل ثلاثة ملايين وون…!
ابتلعتُ ريقي.
إن اعتُبر هذا راتبًا ابتدائيًّا، فهو ليس قليلًا.
بل كثير!
يبدو أنّ الدوق كريستن رجلٌ منصف إلى حدٍّ ما.
كنتُ أظنّ أنّني سأعمل هنا بلا أجر إلى الأبد!
لم أستطع إخفاء حماسي.
هذه فرصتي!
لذا سألتُه بجدّيّة:
“هل الراتب قبل الضريبة أم بعدها؟”
التعليقات لهذا الفصل " 3"