1
عادةً، أفضلُ طريقةٍ للنجاة هي تجنّبُ مكانِ الموت بأيّ وسيلة.
لكن، حسنًا.
“أجلسي هناك.”
يبدو أنّ الأمر قد فسدَ بالفعل.
كانت عينان زرقاوان تُحدّقان بي بهدوء، تتلألآن كالياقوت.
“هـ-هنا؟”
حين أشرتُ إلى الأرض، عقدَ الدوقُ الأكبر كريستن حاجبيه قليلًا، ثمّ أطلق زفرةً خفيفة وأشار بيده إلى جواره.
“الكرسيّ بجانب السرير.”
أنزلتُ جسدي ببطء على المكان الذي حدّده بدقّة.
خلال أربعِ سنواتٍ من حياةِ الموظّفة، لم أجلس قطّ على كرسيٍّ ناعمٍ وجيّدٍ كهذا.
كان يدعمُ ظهري وخصري بإحكام، ومع ذلك يملكُ قدرًا مناسبًا من المرونة، ويحتويني بنعومةٍ وأمان.
هذا الملمس الحريريّ…
وفوق ذلك، ارتفاعه مناسبٌ لإسناد الرقبة.
هل صُنع هذا الكرسيّ من أجلي؟
وفوق ذلك أيضًا، كان هناك مسندُ قدمين أسفل الكرسيّ.
حين رفعتُ قدميّ عليه، شعرتُ وكأنّي في الجنّة.
نظر إليّ الدوقُ كريستن نظرةً خاطفة، ثمّ استلقى على السرير.
كان وجهه الشاحب تحت ضوء القمر المسكوب يزدادُ ازرقاقًا شيئًا فشيئًا، بشكلٍ واضح.
وفقًا لـ <طريقُ الزهور يبدأ بخطوة>، كان هذا أحد الآثار الجانبيّة للمانا.
في جسد كريستن كانت تسري قوّةُ تنّين.
قوّةٌ هائلة لا يحتملها جسدُ إنسان، وكانت تقضمُ حياته تدريجيًّا.
ولكي يحافظ على حياته، عليه أن يُفرغَ تلك القوّة إلى الخارج.
لكنّه لا يستطيع فعل ذلك بنفسه.
في النهاية، يحتاج إلى وسيط.
وذلك الوسيط… هو أنا.
خادمةُ غرفة النوم(?)، روئيلا.
وبالتحديد، يُطلق علينا اسم “المتوافِقين”.
أشخاصٌ يملكون جسدًا قادرًا على تفريغ مَانا التنّين.
يتمّ اختيارهم عبر اختبار التوافُق.
وأنا، بحسب الإعدادات، أُجبرتُ على الخضوع للاختبار تحت ضغط والدي، ثمّ بِعتُ إلى هذا المكان.
لا سند لي، ومن أسرةِ بارونٍ آيلةٍ للسقوط، ولا أملك شيئًا.
امرأةٌ مثاليّة للاستغلال.
يُستنزف نفعها، ثمّ تُرمى، وتموت.
لهذا قلتُ إنّ عدم لفت الانتباه هو الأفضل.
لكن، بعد أن علِقَت عينُ البطل عليّ بهذا الشكل…
من خبرةِ أربعِ سنواتٍ في العمل، أقول إنّ أفضلَ طريقةٍ للبقاء طويلًا هي أن تتقاضي أجرك، وتؤدّي ما طُلب منك بهدوء، دون حماقات.
الأمر بسيط.
التنفّس فقط، وفعلُ ما يُطلب منك.
رأيتُ أطرافَ أصابعه الطويلة والمستقيمة، الممدودة نحوي، وقد بدأ لونُها يميل إلى الأزرق.
كان كريستن يحتضرُ في الزمن الحقيقيّ.
وكونه يحافظ على رباطةِ جأشه بهذا الشكل كان أمرًا مذهلًا.
في الرواية الأصليّة، قيل إنّ صبره وتحمله استثنائيّان.
يتحمّل ألمًا يمزّق الجسد.
مجرّد النظر إليه كان مؤلمًا، ومع ذلك هذا التعبير الهادئ…
“مـ-ماذا عليّ أن أفعل؟”
سألتُ بحذر.
حرّك كريستن شفتيه الزرقاوين قليلًا.
“……يكفي أن تمسكي يدي فقط.
طوال فترة نومي، دون انقطاع.”
“آه، نعم!”
لحسن الحظّ، تمامًا كما في الرواية.
ظننتُ أنّه، بما أنّي تلبّستُ الجسد، سيحدث شيءٌ إضافيّ، كأن يعانقني وينام أو ما شابه.
تنفّستُ براحة، وأومأتُ برأسي، ثمّ أمسكتُ بيده بإحكام.
كانت صلبةً وناعمة…
آه، كبيرة فعلًا.
وأصابعه طويلة.
كفّه قاسٍ قليلًا من حمل السيف، لكنّه معتنىً به، فلم يكن خشنًا.
حتى يده تشبه البطل.
نظرتُ إليه خلسةً وأنا متوتّرة قليلًا.
كان مستلقيًا بوضعٍ مستقيم، وعيناه مغمضتان.
حتى مظهره بدا مهيبًا.
إنّه لا يراني امرأةً على الإطلاق، أليس كذلك؟
سأجلس على هذا الكرسيّ وأمسك يده فقط طوال النوم.
أليس هذا… عملًا مريحًا جدًّا؟
ما أمسكه ليس يدَ رجل، بل كتلةُ بروتين.
دمية.
أقنعتُ نفسي بذلك.
وفعلًا، خفّ توتّري قليلًا.
خادمةُ غرفة النوم؟
لا شيء يُذكر!
*
كان كريستن ينظر بهدوء إلى المرأة النائمة، التي كانت تفرك وجهها في راحة يده.
‘اسمُها كان روئيلا، أليس كذلك.’
من بين عددٍ لا يُحصى من المتقدّمين لإعلان التوظيف الذي أصدره قصرُ الدوق، كانت الوحيدة التي اجتازت اختبار التوافُق.
واحدة فقط، من جميع الأعمار، ومن كلا الجنسين.
ما إن اجتازت الاختبار، حتى ساومَ والدُها على بيعها مقابل مبلغٍ ضخم.
قيل إنّه كان يساوم على ثمن ابنته كما لو كان قوّادًا.
وإنّ مظهره وهو يحدّق بعينيه محاولًا انتزاع أيّ قرشٍ إضافيّ كان مثيرًا للاشمئزاز.
ومن تعبير مساعده الذي قصّ الحكاية، بدا أنّه إنسانٌ فاسدٌ إلى حدٍّ يعجز اللسان عن وصفه.
على النقيض من ذلك، امتلكت روئيلا عينين صافيتين، لا تُشبهان إطلاقًا امرأةً نشأت مع أبٍ كهذا.
رغم أنّ جفنيها المغلقين الآن كانا يحجبان تلك العينين.
كان الفستان الأخضر الأنيق، الذي بدا مرتّبًا قبل قليل، متجعّدًا تمامًا.
“أمـم…….”
تمتمت رائيلا وهي تطبق شفتيها، ثمّ دلكت خدّها في راحة يد كريستن.
حتى بالأمس، ما إن أمسكت يده حتّى بدأت تعبث بها هنا وهناك.
حتى في اللاوعي، لم تستطع إفلات يده.
لولا أنّ الألم قد خفّ، وأنّ المانا كانت تُستنزف لدرجة تُشعره بالخدر، لظنّها منحرفة.
بل، هل هي منحرفة فعلًا؟
كانت رييلا منحنية على السرير، مدفونة الرأس في راحة يده، نائمة.
يا لها من امرأةٍ مطمئنّة.
الإحساس الصادر من يده كان غريبًا بشكلٍ غير معتاد.
كما لو أنّها ليست يده.
شعر بذلك منذ اللحظة التي أمسكت فيها يده بحذرٍ البارحة.
حتى وهو مغمضُ العينين محاولًا تجاهل الأمر، لم يستطع ألّا يشعر به.
يدٌ صغيرة وناعمة، لا تكاد تبلغ نصف حجم يده.
ظلّ كريستن يحدّق في ذلك الإحساس الغريب طويلًا.
ومع ذلك، بقيت اليد التي تحملُ درجةَ حرارته ذاتها، غريبة.
سحب كريستن يده بخشونةٍ خفيفة، مع الحرص ألّا يوقظ روئيلا.
كان جسده أخفّ من المعتاد، على غير العادة التي يقضي فيها الليل كلّه يتألّم.
يبدو أنّها أدّت دورها كما ينبغي، رغم نومها بتلك الطريقة.
القوّة التي كانت تثقل جسده، وتضغط على صدره، وتجعل قلبه يخفق بعنف، قد اختفت، فشعر بالانتعاش.
“هوو.”
قبض كريستن يده، التي لم يجرِ فيها الدم جيّدًا لسببٍ آخر، ثمّ بسطها، وغادر غرفة النوم.
ما إن خرج، حتّى اندفع رئيسُ الخدم، الذي بدا واضحًا أنّه سهرَ الليل كلّه.
“الدوقُ الأكبر!
هل أنت بخير؟
هل كان هناك تأثير؟”
“يبدو ذلك، لحسن الحظّ.”
“مُباركٌ لك، يا صاحب السموّ!
لقد نجح الأمر فعلًا!”
تلألأت الدموع في عيني رئيس الخدم المسنّ.
وبعد أن مسح دموعه قليلًا، تكلّم بحذر.
“كما أمرتُم، أرسلنا مراقبين إلى بيتِ كونت
ومن اليوم، سيتمّ تخصيص حراسةٍ الآنسة روئيلا أيضًا.”
في تلك اللحظة التي كان فيها كريستن ممدّدًا بلا قوّة، كانت روئيلا في موقعٍ يمكّنها من تهديد حياته بسهولة.
كان بإمكانها اغتياله متى شاءت.
لم يكن أيّ فارسٍ آخر قادرًا على الاقتراب، خوفًا من الإدمان على المانا المتصاعدة من جسده.
بمعنى آخر، كان كريستن قد سلّم حياته بالكامل لروئيلا.
ولحسن الحظّ، كانت امرأةً ضعيفة، يمكن كسر عنقها بيدٍ واحدة.
وذلك… كان مطمئنًا.
“وماذا عن الآنسة روئيلا؟
هل لم تكن هناك خطورة؟”
تذكّر كريستن روئيلا.
المرأة التي كانت تبتسم بسذاجة، وتبدو بلهاء قليلًا.
التي أشارت إلى الأرض وسألته إن كان عليها الجلوس هناك.
والتي غاصت في الكرسيّ بوجهٍ سعيد.
والتي فتحت عينيها على وسعهما وهي تعبث بيده.
والتي نامت ووجهها ملتصق براحة يده.
خطورة؟
……من أين يمكن الشعورُ بذلك؟
بل على العكس، كان قلقه كلّه من تلك السذاجة المفرطة.
هل كان كريستن شخصًا يُعتمد عليه إلى هذا الحدّ؟
هل يجوز الوثوق بغريبٍ هكذا؟
بدت وكأنّها لم تفكّر قطّ في احتمال أن يؤذيها.
أجاب كريستن بصوتٍ منخفض.
“سنراقبها أكثر.”
فعلى أيّ حال، ستبقى إلى جواره من الآن فصاعدًا.
ألقى كريستن نظرةً أخيرة على غرفة نومه، حيث كانت روئيلا نائمةً بطمأنينة، ثمّ غادر المكان.
التعليقات لهذا الفصل " 1"