كان لديها الكثير لتقوله، لكن نبرة صوته المليئة بالحزن جعلتها تعجز عن الكلام.
كانت هي المصابة، ومع ذلك بدا كأنه هو من يتألم.
ظلّ إيرف يعاني بصمت هكذا،
فدفنت باندورا قلقها الذي شعرت به من خلال لمسته، بينما كان يمرر أصابعه برقة على مواضع الجروح في جبينها وعلى يدها التي تستند إلى كتفه.
كانت بخير فعلاً، لم يكن الألم يؤلمها، لكن مجرد معرفتها بأنه يتألم لأجلها منحها شعوراً كبيراً بالراحة.
“بالمناسبة…”
“نعم.”
“أرجوك ارتدِ بعض الملابس…”
“حسناً…”
***
فور اختفاء الرجل بلا وجه، دبّت الحياة في القصر من جديد كأن تعويذة قد انكسرت.
بدأت أصوات الناس تتعالى، وظهر الخدم الذين كانوا قد اختفوا وكأنهم لم يغيبوا قط.
“آنسة~ هل أنتِ هنا؟”
وصل صوت آنا. وحين دخلت إلى الورشة، بدت عليها الحيرة وهي تنظر إلى باندورا، ثم إلى الباب المرسوم على الأرض والفوضى العارمة في المكان، والجسد الممدّد لدوق فريدريك المزدوج.
“ما الذي حدث هنا؟”
“لا… لا شيء.”
حاولت باندورا المرتبكة أن تصرفها، لكن إيرف أوقفها قائلاً:
“آنا، أحضري مرهماً للكدمات من فضلك.”
“هاه؟”
نظرت آنا إلى وجه إيرف غير مدركة السبب، ثم عبست قليلاً.
“لكن من تكون؟ هل أعرفك؟ هل أنت ضيف الآنسة؟”
كانت آنا قد تعرفت سابقاً على إيرف كطبيب في العالم الأصلي، لكنها الآن لم تتعرف عليه إطلاقاً،
فهو لا يرتدي نظارته، وشعره أبيض، وملابسه مختلفة.
وبما أنّه لم يكن في هيئته المتخفّية كطبيب، فلم يعد يبدو كذلك في نظر الخدم أيضاً.
انتقلت نظرات آنا إلى فريدريك المغمى عليه، فضيّقت عينيها بريبة، وكأنها تظن أن هذا الرجل ذا الشعر الأبيض هو من أسقط الدوق ويطلب الآن الدواء ليمحو الأدلة.
“أسرعي.”
قالها إيرف بنبرة آمرة، وبما أن باندورا لم تعترض، خرجت آنا لإحضار المرهم.
سرعان ما حمل إيرف باندورا وصعد بها إلى غرفتها في الطابق العلوي.
“آه، اللوحة…!”
“لا يمكنك السماح للرجال داخل اللوحة أن يروا غرفة نومك.”
ذكرت باندورا بقلق فريدريك وجون رايل العالقين داخل اللوحة التي تركتها في الورشة، لكن إيرف أصرّ على موقفه، مما جعلها أكثر توتراً.
“أنا بخير فعلاً. الأهم أن نهرب.”
لكن إيرف لم يتراجع:
“الأولوية الآن لعلاج جروحك.”
أجلسها على السرير، وجلس خلفها، وفتح غطاء المرهم.
“سأضعه لك.”
“إنه على ظهري. لا أستطيع الوصول إليه.”
“ومع ذلك…”
‘يا للإحراج…’
ابتلعت باندورا كلماتها التالية وعبثت بأصابعها على ركبتيها.
“اعذريني.” قالها إيرف وهو يخفض ثوبها قليلاً ليضع المرهم.
ذاب المرهم السميك بحرارة جسده، وصار ناعماً زلقاً.
ومع كل لمسة من أصابعه على ظهرها، شعرت باندورا بوخز خفيف ودغدغة أكثر من الألم.
وحين مرّت أطراف أصابعه على امتداد عمودها الفقري، ارتجفت قليلاً وقد انتفض جسدها بقشعريرة.
وبينما كان يضع المرهم، تردد إيرف قبل أن يتحدث:
“باندورا، منذ متى…”
كان ذلك كافياً لتخمن باندورا ما يريد سؤاله.
“منذ متى عرفت أنك طبيب مزيف لا يعرف حتى كيف يعالج مريضاً؟”
أطبق فمه وأدار عينيه جانباً، ومع أنه لم ينطق بشيء، فهمت من صمته أنه يقرّ بكلامها.
اهتزت عيناه بشدة عند سماع عبارة “طبيب مزيف لا يعرف العلاج”.
بعد أن أنهى وضع المرهم، استدارت باندورا لتنظر إليه مباشرة.
“لدي سؤال آخر يا إيرف. هل تتذكر كل شيء؟”
“!”
“مهما فكرت في الأمر، يبدو مريباً. هل كنتَ أنت أيضاً تعيد التاسع من يونيو مثلي؟”
“……”
“إن لم تكن كذلك، فالأمر غريب. لقد التقينا منذ يومين فقط، فلماذا تقلق عليّ هكذا؟ لا يجب أن يبدو وجهك وكأنك على وشك البكاء.”
ارتجفت زوايا فمه المرتخية،
وعلى الرغم من أنه لم يذرف الدموع، شعرت وكأنه يبكي بصمت.
فكّرت بالأمر مراراً، وكل مرة تصل إلى النتيجة نفسها.
هذا الرجل يتذكر كل شيء.
‘أي رجلٍ في العالم يكون بهذه الرقة تجاه امرأة عرفها ليومين فقط؟’
مجرد قبلة لا يمكن أن تجعل أحدهم بهذا التعلّق واليأس.
“أنت تعرف كل شيء، أليس كذلك؟ القبلة التي تبادلناها، واللوحة التي رسمناها ونحن نمسك أيدي بعضنا، وكل الوقت الذي قضيناه معاً في الصباح.”
أمسكت باندورا ذراع إيرف ونظرت إلى عينيه بلهفة،
كأنها تحاول أن تجد شيئاً خفياً في تلك العينين البنفسجيتين الجميلتين.
النظرة التي كانت واثقة في البداية، تحولت إلى رجاء ثم إلى اضطراب.
‘قل إنها الحقيقة.’
كانت تهتف بذلك في قلبها.
‘حتى لو لم تكن كذلك، فقل إنها كذلك.’
تضرعت باندورا في صمت، منتظرة جوابه بقلق شديد.
“إنها الحقيقة.”
“!”
اتسعت عينا باندورا دهشة.
بدت الحيرة على وجه إيرف، فعقد حاجبيه أولاً، ثم نظر حوله بتوتر، وأخيراً ابتسم بخجل كصبيّ يحاول تبرير خطئه.
“إنها الحقيقة، باندورا.”
كانت ابتسامته كابتسامة فتى يحاول التملّص من العقاب بالضحك.
عضّت باندورا شفتها لتكتم الدموع التي غمرت عينيها.
‘لم أكن وحدي.’
‘لم أكن الوحيدة التي تتذكر.’
في كل لحظة، كانت قلوبهما تنبض بالإحساس ذاته.
وحين أدركت ذلك، امتلأت عيناها بالعاطفة.
“لا تبكي، باندورا.”
‘كيف لي ألا أبكي! هل تعلم كم عانيت طوال هذا الوقت؟
إن كنت تعلم، فلماذا لم تلمّح لي؟
لماذا تركتني أغرق في اليأس وحدي؟’
ضاقت عيناها بحنق وقالت بحدّة:
“ولماذا؟ هل سيمنع سانتا عنك الهدايا إن بكيتُ؟”
ابتسم إيرف وهو يقطّب حاجبيه وقال:
“لأن قلبي يتألم.”
“حين تبكين… يؤلمني قلبي بشدة حتى لا أستطيع البقاء ساكناً.”
ازدادت عيناها امتلاءً بالدموع عند سماع كلماته، لكنها مسحتها سريعاً بكمّها، إذ كان هناك ما هو أهم لتقوله.
“حسناً. الآن سأعطيك إجابتي.”
كانت تلك إجابة عن سؤاله حول متى اكتشفت هويته الحقيقية كقط.
“في البداية، لم يخطر ببالي أبداً أن يخرج قط من لوحة ويتظاهر بأنه طبيب.”
اعترفت بأنها، في اليوم الذي شربت فيه السم، شعرت بدفء الرجل وأنفاسه حين احتضنها.
“منذ ذلك اليوم، أدركت أن الطبيب قد تغيّر.
وقبل كل شيء، كان الأمر مضحكاً ومثيراً للسخرية أن أرى طبيباً غريباً لا يعرف حتى ما الدواء الذي أتناوله.”
عند سماع كلماتها، تجمّد وجه إيرف تماماً.
“بعد ذلك، أحببت فيك كيف كنت تصغي إليّ بلطف وتتعامل معي برقة…”
“انتظري، انتظري، أتقصدين أنك كنتِ تعرفين منذ البداية أنني لست الطبيب الحقيقي؟”
“نعم، طبعاً.”
“طبعاً؟”
مرّر إيرف يده على وجهه بارتباك، ونظر إلى باندورا بدهشة.
“كنت… أظن أنك لا تعلمين. لذلك، حين تبادلنا القبلة، ظننتُ أنها لم تكن لي، بل لذلك الطبيب الحقيقي الذي كنتِ تحبينه.”
حبست باندورا أنفاسها من ذهولها أمام اعترافه الساذج.
‘كيف يمكن أن يفكر بشيءٍ بهذا الغباء!’
“لم أكن مهتمة بذلك الشخص أبداً! كنتَ أنتَ منذ البداية!”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 30"