الفصل 3
تقديم سريع مجددًا إلى اليوم الأول من حياتها، الساعة الثامنة صباحًا.
“صباح الخير، الآنسة باندورا.”
بدأ يوم باندورا بصوت الطبيب الذي كان يأتي كل صباح ليفحص عينيها.
طبيب شاب، لديه “إعداد محدد” بدقة.
كان الطبيب يأتي لرؤية باندورا كل يوم، لكنه لم يكن يبدو على علاقة شخصية أو قريبة منها.
كان يطرح عليها بعض الأسئلة الشكلية، مثل ما إذا كانت تشعر بألم في عينيها أو إن كانت رؤيتها أكثر تشوشًا من الأمس، ثم يصف لها بعض الدواء ويغادر.
لم يكن يقترب منها ليفحص عينيها عن قرب أو يتحقق من أي ألم آخر.
“؟”
تعثرت باندورا وهي تلتقط الدواء الذي تركه الطبيب على الطاولة. كان جرعة شفافة في زجاجة صغيرة.
‘هل عليّ أن أضع هذا في عينيّ أم في فمي؟’
لم يخبرها أحد كيف تستخدمه، فارتبكت.
‘لنجرّب فحسب.’
وكطفلة تأخذ كل ما تصل إليه يداها لتستكشف العالم، تناولت باندورا، البالغة من العمر اثنين وعشرين عامًا ولكنها في الواقع لا تتجاوز خمس دقائق من العمر، الجرعة ووضعتها في فمها.
لم يكن لها طعم. كانت فاترة و… مرة قليلًا؟
“آه، لا أستطيع تناولها، لا أعرف!”
بصقتها فورًا، بينما الخادمة التي دخلت الغرفة بعد أن رافقت الطبيب للخارج ضربت الأرض بقدمها، مشيرة إلى أن اختيار باندورا كان الجواب الخاطئ.
الساعة التاسعة صباحًا. بعد الإفطار والغسل والتأنّق بمساعدة الخادمة، أُرسلت باندورا إلى الورشة.
كانت الغرفة تفوح منها رائحة الزيت، وتزدان بكل أداة فنية يمكن تخيلها، من الباستيل إلى الألوان المائية، والزيتية، والفحم.
“رائع. هذا مدهش حقًا…”
الروح الفنية التي تسري في عروق باندورا، أو بالأحرى الروح الفنية المغروسة في بياناتها، استجابت.
وخزت أطراف أصابعها حماسة لا يمكن السيطرة عليها وهي تتفحّص الألوان الباهظة الثمن.
وبدافع غريزي، جلست باندورا أمام حامل الرسم والتقطت فرشاتها.
الواحدة ظهرًا. بعد تناول الغداء في مرسمها، والذي جلبته لها الخادمة، وُضعت باندورا في عربة نُقلت بها إلى المتحف. كان عليها أن تستقبل الضيوف في المعرض. إنه معرض باندورا الفردي.
عندما وصلت باندورا إلى المتحف، كانت سعيدة باستقبال الزوار.
مع أنّ اللوحات في المتحف لم تكن من رسمها، إلا أنها كانت “معدة مسبقًا” على أنها من أعمالها، وكان حشد الضيوف مجرد كماليات لمشهد يخص شخصين فقط: البطلة فيفيان ومرافقها.
ومع ذلك، لم تستطع إلا أن تشعر بالفخر والفرح لأنها أنجزت شيئًا ما.
كانت التحيات والإعلانات الطويلة تتدفق من فم باندورا تلقائيًا، من غير أن تتدرّب عليها أو تحفظها.
كان الأمر كما لو أن اللعبة تُجبرها على التقدّم في القصة، متحكّمة بفمها.
لم يكن شعورًا مريحًا أن يتحكم شيء غير مرئي بجسدك، لكن باندورا الحديثة الولادة اختارت أن تنظر إليه كتجربة مثيرة ومسلية.
“حسنًا، استمتعا بوقتكما.”
بعد حديثهما، مرّ الزوجان بجانب باندورا وتوغّلا أعمق في المتحف.
وبإمرة اللعبة، مشت باندورا نحو الحائط بعصاها، وتحرّت عن الفطر المضيء وضغطت على المفتاح.
رنين.
تحوّلت الغرفة إلى ظلام دامس.
المتحف بأكمله، الخالي من النوافذ، غرق في عتمة حالكة، فشهق الجمهور، تلتها صرخات مفاجِئة وصيحات الزوجين الرئيسيين.
‘آه، هذا هو الحدث. “متحف الفن المثير”. تأثير الجسر المعلّق. هذا هو السبب الذي صُنعت من أجله.’
لم تكن تعلم أنها مضطرة لإطفاء الأضواء يدويًا.
جلست باندورا القرفصاء بجانب الحائط، بعيدة عن الأنظار، تتفقد أرجاء المتحف المخيفة، ورفعت عصاها حين بلغ توتر الزوجين ذروته.
وبعد اعتذار وفير عن الإزعاج وإرسال الضيوف في طريقهم، ومع انقطاع الكهرباء، كانت الساعة قد بلغت السادسة مساءً.
وغادرت باندورا المتحف عائدة إلى المنزل، شاعرة بأن القبضة التي تتحكم بجسدها بدأت تخفّ.
“آه، أنا متعبة.”
وما إن تجاوزت عتبة غرفتها حتى ارتمت على السجادة فوق الأرض. خيوط السجاد السميكة دغدغت وجنتيها المضغوطتين.
لم تكن قد أدركت ذلك لأن الوقت مرّ بسرعة، لكن جسدها النحيل كان ضعيفًا للغاية.
كان كامل جسدها مؤلمًا ومرهقًا، كما لو أنها تسلّقت جبلًا، رغم أنها لم تفعل الكثير.
‘ومع ذلك، أنا فخورة لأنني أدّيت دوري.’
لقد أتمّت باندورا مهمتها. والآن بعد أن رفعت من محبة الزوجين تجاه بعضهما من خلال حدث المعرض، فهما سيتكفلان ببقية الطريق، ماضين نحو النهاية المقررة.
وبعد العشاء، وحمام دافئ، وتدحرج فوق السرير، راحت باندورا تفكر بسعادة في ما ستفعله غدًا.
‘رأيت بحيرة أثناء رحلة العربة، لماذا لا أذهب في نزهة؟ يمكنني شراء بعض الحلويات من المخبز، والمشي قليلًا، وركوب القارب…’
صوت دقات الساعة بدا كأنه تهويدة.
فركت باندورا عينيها المتعبتين ونظرت إلى ساعة مكتبها. كانت العقارب تقترب من منتصف الليل.
‘لقد تأخر الوقت. عليّ أن أنام.’
الساعة 11:59 مساءً، و59 دقيقة، و59 ثانية.
توقّفت العقارب فجأة. ثم ارتدت إلى الخلف ببطء مكتوم.
“هاه؟”
تشوّشت رؤيتها وهي تراقب العقارب تدور بالعكس، ثم استعادت وضوحها فجأة.
“صباح الخير، الآنسة باندورا.”
عادت باندورا مجددًا، في التاسع من يونيو، الساعة الثامنة صباحًا.
⋆。゚☁︎。⋆。 ゚☾ ゚。⋆
مرة، مرتين، ثلاث مرات. اليوم نفسه يتكرر.
مزّقت باندورا ورقة التقويم التي تحمل تاريخ اليوم وألقتها في سلة المهملات، لكن ما إن تغلق عينيها في الليل وتفتحهما مجددًا، حتى يعود التاسع من يونيو، ومعه التقويم كما هو.
يأتي الطبيب ليفحصها، ثم ترسم في مرسمها، وبعدها تذهب إلى المتحف لترشد الزوجين الرئيسيين، وتعود إلى المنزل لتنهار من التعب، ثم… التاسع من يونيو مجددًا.
الشيء الوحيد الذي كان يتغير في هذا اليوم المنسوخ كان رفيق البطلة فيفيان؛ إذ كانت تتناوب في إحضار أربعة رجال مختلفين، جميعهم شخصيات قابلة للعب في لعبة <طريق الشرير إلى الحب>.
كانت باندورا ترى وجوه الرجال الأربعة، الذين لا بد أن رسّام اللعبة قد صاغهم من روحه ومعصمه ليكونوا في غاية الوسامة، لكن رؤيتها كانت ضبابية، ولم تكن تبالي بكونهم مجرد أسماك في حوض آخر.
سواء كانوا يقلبون بذور السمسم أو الفول، فإن ذلك لم يفعل سوى أن زاد من عزمها على الخروج من هذه الحلقة اللامتناهية بأسرع وقت والمضي قدمًا نحو الغد.
في اليوم العشرين من التاسع من يونيو، دوّى صوت الطبيب مجددًا في أذنَي باندورا المملوءتين بالضجر.
“صباح الخير، الآنسة باندورا.”
“لستُ بخير، أيها الطبيب.”
“هل تشعرين بألم في عينيكِ؟”
تم تجاهلي.
عدّلت باندورا جلستها بتصلّب، وعبست بأنفها في ضيق.
“لماذا لا تسألني ما بي؟”
“هل أصبحت رؤيتكِ أكثر تشوشًا من الأمس؟”
“لا يوجد عندي ‘أمس’ ولا ‘غد’، لا وجود لهما، هناك فقط اليوم.”
“سأترك الدواء هنا.”
تجاهلها مجددًا.
ازدادت جلستها وتعبيرات وجهها سوءًا.
“أوي! ألا يمكنك على الأقل أن تتظاهر بالإنصات حين يتحدث إليك أحد؟ أنا مريضة في النهاية، وأنت تتقاضى أجرًا على هذا العمل…….”
“إلى اللقاء إذًا.”
“آه… انتظر لحظة، أيها الطبيب. أنا آسفة، لن أفتعل ضوضاء، فلا تذهب. سأتصرف كما يجب، أيها الطبيب. طبيب؟ طبيب! طبيب! أيها الطبيب، أيها اللعين!”
ابتعدت خطواته سريعًا رغم مناشدات باندورا المليئة باليأس. جاءت خادمة لتعتني بها وهي جالسة في قنوط.
“آنستي~ هل لديكِ ما تقولينه للطبيب؟”
“لا! أنا فقط منزعجة! وغاضبة!”
أمسكت باندورا وسادة وغطّت فمها، تكتم غضبها المتصاعد.
‘حتى لو أخبرته، سأعود من جديد إلى حيث كنت هذا الصباح، ولن يتذكر أحد شيئًا.’
حاولت باندورا أن تتوسل إلى خادمتها “آنا”، لكن ذلك لم يؤدِ إلا إلى ألم في فمها.
لم يكن أحد سوى باندورا يدرك أن الزمن ظلّ يعيد نفسه.
أو ربما رحلت أرواحهم جميعًا إلى الغد، تاركين باندورا هنا، وحيدة ومهجورة.
وعلى خلاف الشخصيات غير الرئيسية الأخرى التي تتبع القصة الأساسية وتظهر من حين لآخر وفق تطوّر الأحداث، فإن باندورا موجودة فقط من أجل حدث “متحف الفن المثير”.
باندورا في التاسع من يونيو.
تاريخ ينذر بالشؤم، أرقامه المتداخلة تبدو كأنها شريط موبيوس.
لولب بلا مخرج، يسخر منها لعجزها عن الهرب.
تمنت لو كان بالإمكان إعادة الزمن إلى الوراء ومحو ذاكرة باندورا.
عندها، لم تكن لتعلم بأن الأيام تتكرر، وكانت ستعيش سعيدة فحسب.
تساءلت إن كانت المشكلة أنها قد استيقظت باكرًا جدًا، قبل أن يكتمل جسدها أصلًا.
هل كان السبب أنها تنصّتت على نقاشات مطوّري اللعبة وأدركت أن هذا العالم مجرد لعبة؟
تساءلت باندورا إن كان هناك من يعرف السر الذي اكتشفته. فسارعت للحاق بالخدم الذين يتجولون في أرجاء القصر، وأخبرتهم أن هذا العالم ليس إلا لعبة محاكاة حب.
“لعبة؟ آه~ هل ترغبين في لعب الورق يا آنستي؟”
“لا! إنها لعبة محاكاة حب!”
“آه! العلاقات؟ هذا مجالي يا صغيرتي، هل التقيتِ بمن يعجبكِ؟”
ضاع الحديث، وتلاشى المعنى.
شعرت باندورا وكأنها ابتلعت مئة حبة بطاطا حلوة عالقة في صدرها.
كانت ترغب في إرسال إشارة إلى خالقي هذا العالم، إلى شركة “إنشانتد لوف” التي صنعتها، لتسألهم:
‘ما أنا؟’
إن كان الجميع يعيشون حياتهم بشكل طبيعي، دون أن يعلموا شيئًا، فلماذا أنا الوحيدة……؟
شعرت وكأنها العيب الوحيد في عالم لعبة مثالي، كائن معطّل وغريب.
لكن منذ أن فتحت عينيها أول مرة فوق سريرها الأبيض، لم تعد تسمع أصواتهم.
وحتى لو سمعتهم مجددًا يومًا ما، فهي لا تدري إن كان صوتها الصغير، ككائن ضعيف، قادرًا على الوصول إليهم.
وكان العزاء الوحيد أن لوحات باندورا في مرسمها لم تُصفّر أو تُمحَ.
ولو كانت قد اختفت بفعل الزمن، لفقدت رغبتها في العيش وجنّت بحق.
سكبت باندورا كل ما تراكم بداخلها من وحدة وقلق وكآبة فوق اللوحات.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات