كان الثلاثة متكئين على الطاولة يتبادلون نظراتٍ متوترة.
إذا ظلوا في هذا المكان، فسيصطدمون بالقرناء الذين يقتربون شيئاً فشيئاً، ولا محالة.
أما إن حاولوا الهرب، فسيتقاطع طريقهم مع أحد الثلاثة، أيًّا كانت الجهة التي يختارونها.
عبث فريدريك بمقبض السيف المعلّق على خاصرته، ثم أخرج من بين طيات ردائه مسدساً احتفالياً ومدّه إلى باندورا.
“باندورا. أتعرفين كيف تطلقين النار؟”
“أ.. أنا لا أعرف.”
“كلا. يمكنكِ إطلاقها. خذي.”
أراها فريدريك بسرعة كيف تستخدم المسدس، ثم ناولها إياه. خفق قلبها وهي تشعر بثقل المقبض في كفها.
“لكن، لماذا تحمل سيفاً وأنت تملك مسدساً؟”
كان عالم ﹤طريق الشريرة إلى الحب﹥ يُصوَّر كمنظر من أواخر القرن التاسع عشر. ومع وفرة الأسلحة النارية آنذاك، تساءلت باندورا عن سبب حمل فريدريك سيفاً كفارسٍ من العصور الوسطى.
هل هو خطأ في إعداد القصة؟
حاكمة هذا العالم لم تكن كاملة. رصاصة صغيرة أطلقتها باندورا أدّت إلى خللٍ كبير تمثّل في اختفاء الأبطال الذكور، ولم تستطع الحاكمة إصلاح الخطأ، فأُغلِقَت اللعبة في النهاية.
وهذا ما سمح لباندورا بالهروب من حلقة الزمن وبدء حياةٍ جديدة.
حسناً، حين تفكر في قبطان قراصنة، يخطر ببالك خطافٌ وعينٌ معصوبة، وحين تفكر في دوق الشمال الكبير، تتخيله بعباءةٍ ثقيلة من فراء الوحوش وسيفٍ طويلٍ ثقيل.
تماماً كما أعطى فريق العمل في ﹤طريق الشريرة إلى الحب﹥ باندورا عصاً سحرية، لابد أنهم رسموا فريدريك بسيفٍ ليكملوا ملامح شخصيته.
“هل هذا للزينة؟”
“إنه للتدريب.”
قطّب فريدريك حاجبيه بعدم تصديق.
“إن كنتِ نسيتِ، فلا أحد في هذه البلاد يجيد استخدام السيف أفضل مني.”
أوه، صحيح.
لقد نسيت وسط تفكيرها، لكن فريدريك كان سيّداً في المبارزة والصيد، رجلاً يلوّح بالسيف أو البندقية كما لو كانا امتداداً ليديه.
كان دائماً يفوز في مسابقات المبارزة والصيد.
“ولا يمكنكِ أن تطلقي النار على كل الرجال الذين لا يصغون إليكِ. يمكنكِ ضربهم بغمد السيف، فلم لا تستخدمين شيئاً جيداً كهذا؟”
“لا أذكر أنني ضربت أحداً في عرض.”
“عندما يكون لديك أعداء كُثر، لا وقت أفضل من الحاضر. وإن نفدت ذخيرتي، فسأستل سيفي.”
كانت حياته مرهقة من كل ناحية، دوماً في حالة تأهّب ضد هجومٍ محتمل.
“كلا. أأنتَ جادٌّة بالسؤال عن هذا في مثل هذا الموقف؟”
نعم. فضولها المريع لا يعرف زماناً ولا مكاناً.
هزّت باندورا كتفيها أمام استغراب فريدريك، ثم أخفت المسدس داخل ثيابها.
مدّت يد إيرف الطويلة وأمسكت بيدها بإحكام، فشدّت قبضتها عليه وأطلقت زفرةً مرتعشة.
“لا يمكننا الهرب معاً نحن الثلاثة. سيتولّى كلٌّ منا رجلاً لنشتت انتباههم، ثم نلتقي عند العربة بعد ساعة.”
“سأتولى أمر الطبيب.”
قدّم فريدريك عرضاً غير متوقع. أما إيرف، الذي ظنّ أنه سيتطوّع لمواجهة قرينة باندورا، فهزّ رأسه نافياً.
“سواء كانت زائفة، أو وحشاً، أو قريناً، لا أستطيع أن أرفع يدي على باندورا لمجرد أنها هاجمتني.”
بما أنه يستطيع ضرب قرين إيرف، فالأمر لا بأس به.
اتجه انتباه باندورا تلقائياً إلى قرين فريدريك، بينما ركّز إيرف على قرين باندورا.
“اعتنِ بنفسك.”
همس فريدريك بصوتٍ خافت وهو يضغط على حافة قبعته.
“أراكِ لاحقاً.”
قال إيرف بصوتٍ متوتر.
لم تجب باندورا، بل شدّت قبضتيهما المتعرقتين مرةً أخيرة ثم انفصلوا.
وانطلق الثلاثة في اللحظة نفسها نحو أهدافهم.
⋆。゚☁︎。⋆。 ゚☾ ゚。⋆
صفعت باندورا قرين فريدريك على وجهه، حاجبةً رؤيته بعباءة إيرف التي كانت تغطي رأسها.
ارتبك الرجل المهاجَم وهو يتحسس مسدسه في جيبه الخلفي محاولاً استعادة رؤيته.
لكن باندورا أمسكت يده على المقبض وأوقفته، ثم دفعت وجهها نحوه قبل أن يزيح القماش عن عينيه.
“ديدي.”
في لحظة، أمسك بعنقها وكاد يقذفها بعيداً، لكنه تراجع نصف خطوة مذعوراً.
“باندورا!”
“مرحباً. ماذا تفعل هنا؟”
خدشٌ قصير من الطائر طال عنقها، فابتسمت باندورا بهدوءٍ تخفي به ألمها.
“أتعرفين ما الذي تفعليه؟ هذا خطر!”
ظهر الارتباك والذنب على وجه الرجل وهو يتفحص العلامات الحمراء على عنقها.
راقبته باندورا بمزيجٍ من الفضول والقلق.
تعبيره المتشنج الوحشي كان مطابقاً تماماً لتعبير فريدريك الحقيقي، حتى إنها لو صادفته مجدداً بعد جولةٍ في الحي لَما استطاعت التمييز بينهما.
“إنني ألعب الغميضة الآن. هل يمكنك مساعدتي على الاختباء؟”
“ضعي هذا جانباً.”
“لا لا لا، سيروننا. استدر.”
أدارت باندورا قرينه وأبعدت طرف عباءتها لترى أفضل.
كانت الساحة تضجّ بالناس والساهرين، وهناك أماكن كثيرة يمكن الاختباء فيها.
“أنتِ لستِ طفلة، ما هذا اللعب فجأة يا باندورا؟”
“كنتَ تحبها. الغميضة.”
عندما ذكّرته بطفولته، خيّم عليه الصمت. وعندما توقف عن الكلام، نظرت إليه بقلق.
كان أكثر توتراً منها، يراقبها بعينين قَلِقتين.
“هل يعني هذا أنك سمحت لي بالكلام معك الآن؟”
“هاه؟”
“لم تتحدثي إليّ طوال هذا الوقت. هل قررتِ أخيراً أن تسامحيني؟”
أومأت باندورا مؤقتاً، إذ لم يكن لديها شيء ضد قرينه.
عندها تنفّس الصعداء بارتياحٍ واضح.
“بالأمس. حاولت الاعتذار في المعرض.”
كان صوته شديد الحزن، فأنصتت باندورا بصمتٍ لحديثه.
“ذهبتُ مع فيفيان فلير فقط لأنها قالت إنها ستساعدني على مصالحتكِ، وكنتُ آمل أن أجد فرصةً للحديث معكِ، لكن الكهرباء انقطعت…….”
هل كان فريدريك شريك فيفيان في المعرض البارحة؟
في واقع باندورا، كان شريك فيفيان البارحة هو البابا نويل. لم تعد تتذكر كم مرة من يوم التاسع من يونيو تكررت حيث كان فريدريك شريك فيفيان.
ثم نظرت حولها.
‘هل من الممكن أن هذا المكان ليس مجرد لوحتي؟’
ربما كان هذا المستقبل، أحد الأيام الكثيرة التي أعادت باندورا عيشها في التاسع من يونيو.
اليوم التالي لذلك التاريخ، حين أصبح فريدريك شريك فيفيان.
كانت فرضية مثيرة. أيمكن أن يكون هذا هو الخيط الذي يقودها مجدداً إلى المتاهة؟
شعرت باندورا بالحماسة لأن لديها شيئاً لتخبر به إيرف وفريدريك.
“لم يكن لي أي علاقة بتلك الفتاة. لا أعلم إن كنتِ قد رأيتِ شيئاً، لكن إن رأيتِ، فلا بد أنه كان خطأ.”
أخذ قرين فريدريك يتمتم أعذاراً بينما كانت باندورا شاردة.
تساءلت عما يتحدث عنه، ثم تذكرت حادثةً بسيطة في موعد فريدريك وفيفيان في المعرض.
كانت باندورا تجلس القرفصاء قرب صندوق الفيوز تستمع لما يجري بالأذن لا بالعين.
كان الأمر ممتعاً في البداية، لكن بعد تكرار المشهد للمرة الثانية أو الثالثة، لم تعد ترغب سوى في تجاهله والعودة إلى البيت.
‘وإن لم أَرَهما، فكيف عرفتُ أنه دام عشر ثوانٍ أو عشرين؟’
﹤فيفيان: إنه ثقيل! ابتعد! هل تجمدتَ لعشر ثوانٍ كاملة لمجرد أن شفاهنا اصطدمت؟ ألستَ تفعلها عمداً؟﹥
لأن بثّ فيفيان المباشر كان مفتوحاً……
‘لكن لماذا يتصرف كمن يقترف ذنباً أمامي؟’
سواء كانت فيفيان وفريدريك يتبادلان القبل أو يصوران قصة حب القرن، فذلك لا يعني باندورا بشيء.
“أفهم.”
أجابت ببرود وهي تجر ذراع قرينه بخفة لتندمج وسط الزحام في الساحة.
لا يمكن أن يلتقي فريدريك الحقيقي وقرينه في هذا التوقيت، أليس كذلك؟
إنهما في أمانٍ نسبي الآن، وقد أدّت مهمتها. وهي سعيدة لأن القرين لم يكن خطيراً كما ظنّت.
“يجب أن أذهب الآن. أراك لاحقاً يا فريدريك.”
قالت ذلك وهمّت بنزع العباءة عن رأسها.
ثم فجأةً:
“قلتِ إنك تختبئين. سأخفيكِ بنفسي.”
شدّها ذراعان قويان إلى الأعلى، وجرّاها عبر زقاقٍ ضيّقٍ لتجد نفسها محبوسة في صدره.
كانت خفيفةً وهشّة كصفحة ورق، فالتفتت في ذراعيه الثقيلة في لحظة، ووجنتها تلتصق بصدره.
“دعني، يؤلمني.”
“إن تركتك، ستهربين.”
“لن أهرب، فقط أذهب إلى حيث يجب أن أذهب.”
“وإلى أين هذا؟”
“إلى البيت.”
“سأوصلكِ بنفسي.”
كلا. مستحيل. يجب أن تبتعد عن هذا الرجل بأي ثمن.
“أليس لديك ما تفعله؟ ما الذي كنتَ تفعله هنا؟”
“كنتُ أبحث عن شخص. لم يعد الأمر مهماً.”
“ومن كنتَ تبحث عنه؟”
“لا أعرف. لا أتذكر.”
ما هذا الحديث الغريب؟ كيف لا يتذكر؟
حدّقت باندورا به مذهولة وهي تحاول الإفلات من ذراعيه، لكن جسده الصلب كالصخر لم يتحرك قيد أنملة مهما دفعت.
نظرت إليه باندورا بخوفٍ خافت.
توهّجت عيناه السوداوان اللتان كانتا تتابعانها منذ البداية بوميضٍ خطر.
ما هذا الشعور المريب؟
حرّكت باندورا يدها نحو المسدس المخفي بين ثيابها. أو حاولت ذلك.
▶ السيرة
﹤فريدريك بوربوغ (22)﹥
المهنة: عقيد في الجيش (A+)
اللقب: السفّاح الدموي، دوق الشمال الأكبر
الحالة: اضطراب انفعالي (يستشيط غضباً خلال ثانية واحدة)
ماذا؟
ضغط إصبعٌ غليظ عند مؤخرة عنق باندورا بينما كانت تحدّق في النافذة الصغيرة التي ظهرت فجأة.
وقبل أن تصرخ، غشي السواد بصرها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 25"