كان يعلم أن ما فعله جبان، لكن إيرف لم يستطع التوقف.
لقد طرد الطبيب بخشونة، ذلك الطبيب الذي أثار في نفسه الغيرة، ثم ارتدى ثيابه، ووضع نظارته غير المتطابقة، وخدع باندورا.
حين تكتشف الحقيقة، ستكرهه، لكنه لم يكن قادراً على التراجع.
سرق ضحكتها التي لم تكن له، وسرق لطفها الذي لم يكن له، وبلا خجلٍ سرق مودة كانت موجهة لغيره.
كانت أسيرة لعنة جعلتها وحيدة دوماً، متعطشة لدفء البشر، وكلما وجدته، كان هو – إيرف – من تجده أمامها.
تساءل في نفسه إن كانت تلك لعنتها هي أم عذابه هو.
ذاب قلبه كماءٍ حين رآها تداعب برقةٍ كطفلةٍ صغيرة.
وغلى صدره بالغيرة حين أدرك أن كل تعبير وكل كلمةٍ منها كانت موجهة للطبيب، لا له.
ضاق ذرعاً بتصرفاتها وهي تتشبث به كالسنجاب الصغير.
راوده فجأةً شعورٌ عارمٌ برغبةٍ في تمزيق الطبيب إرباً وإلقائه داخل اللوحة.
أراد أن يصرخ في وجهها لتتوقف عن مناداته بـ”الطبيب”، لكنه أخفى ذلك بكل ما أوتي من جهد، خائفاً من أن تكتشف زيفه فلا يُسمح له بالبقاء قربها مجدداً.
إن الاحتقار في عينيها الرماديتين الغامضتين، وفكرة ألا يراها مجدداً… كانا كافيين لتمزيق قلبه.
⋆。゚☁︎。⋆。 ゚☾ ゚。⋆
مدّ إيرف يده فوق حافة القارب، يراقب باندورا وهي تسبح في الماء بخفةٍ كطفلةٍ مرحة.
باندورا، المتحررة أخيراً من لعنة التاسع من يونيو. لم يكن يعرف كيف انتهت اللعنة، لكنه كان سعيداً برؤيتها مبتهجةً هكذا.
لكن خلف ابتسامتها الجميلة، اضطر إيرف إلى إخفاء سرٍ خطير.
‘هل كان لذلك الطبيب عائلة؟’
بدأ الوقت يمضي، ولم يكن ليمر طويلٌ حتى يظهر أحدٌ يبحث عن الطبيب الحقيقي.
وعلى خلاف باندورا التي كانت عمياء لا ترى ملامح الطبيب، لم يشكّ آنا الخادمة ولا كبير الخدم ولا بقية خدم القصر في شيء حين رأوا إيرف يتقمص دور الطبيب بجرأة.
كأن جداراً غير مرئي يفصل بينهم وبين الحقيقة، فقد بدا للجميع أن إيرف هو “الطبيب” نفسه.
لكن هل الأمر ذاته في الخارج؟
عائلة الطبيب وأصدقاؤه ومعارفه يجب أن يتأكد من أمرهم، حتى لا تصل باندورا أي شائعاتٍ كاذبة.
‘أما الطبيب نفسه…’
غرق إيرف في التفكير لحظةً.
لم يكن يعلم كيف خرج من اللوحة وصار إنساناً، لكنه خمن أن السبب هو رغبته الجامحة في الوصول إلى باندورا…
لكن في اللحظة التي خرج فيها من اللوحة ورأى القماش الأبيض الفارغ، أدرك تماماً ما عليه فعله.
كانت اللوحة، وهي تلمع تحت ضوء الشمس، تلتف بفمٍ مفتوحٍ كوحشٍ جائعٍ لفريسته.
هبّت ريحٌ قوية، كأنها تحاول ابتلاعه عقاباً له على هروبه من دون إذن.
أمسك إيرف بطرف اللوحة ورماها نحو الطبيب، فابتلعته بشراهةٍ كوحشٍ حُرم الطعام طويلاً.
لم يكن الطبيب لطيفاً مع مريضته، لكنه لم يكن مذنباً بما يكفي ليُحبس في لوحةٍ إلى الأبد. سيحرره يوماً ما. يوماً ما.
‘ربما سأرميه عبر البحر إلى بلدٍ مناسب.’
لن يكتفي بإطلاق سراحه فقط.
بدأ إيرف ينادي اسم باندورا، ثم أغلق فمه.
لقد غابت عن الزمن، وذابت في المشهد من حولها.
لم يُرِد أن يقطع عليها تلك اللحظة المبهرة من التأمل.
فاكتفى بأن نقش اسمها في ذاكرته.
باندورا. باندورا.
كل يومٍ منذ لقائه بها كان أشبه بالحلم.
لم يعرف طعم الأحلام من قبل،
لكنه يظن الآن أنه يعرف كيف يكون الإحساس بها.
⋆。゚☁︎。⋆。 ゚☾ ゚。⋆
‘هل عليّ أن أقتله؟’
كان فريدريك يفكر بذلك وهو يرمق إيرف بنظرةٍ حادة.
لم يكن يعلم من أين أتى ذلك الرجل، لكنه واثق أن باندورا لم يكن لها حبيب. لا ينبغي أن يكون لها.
صحيح، في يوم المعرض، في تلك المتاهة الملعونة، حتى ذلك اليوم لم تَرِد أي أخبارٍ عن ارتباط باندورا بأي رجلٍ آخر.
بعد انفصالها عن حبيبها السابق، كانت قد رمت نفسها بجنونٍ في عالم الرسم، وها هي اليوم،
واحدة من أصغر الفنانات نجاحاً، وقد حققت إنجازاً عظيماً بشرائها معرضاً فنياً وإقامة أول معرضٍ فرديٍ لها.
بعد أن أهانها بكلمةٍ طائشة، راح فريدريك يراقبها من بعيد بحذر.
خوفاً من أن تختفي فجأةً كما فعلت سابقاً، زرع جاسوساً في قصرها.
الطبيب جون رايل، طبيبٌ بارع.
وبما أنه قادرٌ على متابعة صحتها الضعيفة، ولأنه مصابٌ باضطرابٍ وسواسيٍّ قهريٍ وكان مثلياً🌝، فقد بدا خالياً من أي نيةٍ سيئة، وذلك ما طمأن فريدريك.
كانت فيفيان ذات الشعر الأحمر، وهي سيدة مجتمعٍ معروفة، تنقر بلسانها قائلةً بازدراء:
“ما أتعسك. يا صاحب السمو، بدلاً من أن تتصرف كمتتبعٍ مهووس، لماذا لا تأخذ هديةً وتذهب لتهنئتها في المعرض وتعتذر؟ أيّ زلةٍ لسانٍ ارتكبت حتى أنك لا تجرؤ على الحديث مع صديقة طفولتك؟”
“قلت لها مراراً أن تترك ذلك الرجل، لكنها لم تستمع إليّ أبداً. لذلك قلت شيئاً مثل: انظري إلى حالك الآن… هذا جزاؤك…”
“يا إلهي.”
“قلت لها إني سأنتقم منه، لكنها طلبت مني أن أبقى بعيداً، وألا أفعل شيئاً، ثم أمرتني أن أختفي عن ناظرَيها.”
“اركع وابدأ بالتوسل.”
كانت فيفيان ذكيةً كالأشباح.
خيانةُ صديقةٍ لها قد زجّت بها في فضيحةٍ بشعةٍ جعلت الناس يلقبونها بـ”المرأة الشريرة”، لكنها استغلت ذلك لتسود المجتمع وتحوّل اللقب إلى سلاحٍ في يدها.
“انتظر، لا تقل لي إنك ستجثو على ركبتيك أمام الجميع؟”
“…….”
“هل جننت؟ إن أردت ألا تُهمَّش لعشر سنواتٍ أخرى، فاعتذر لها على انفرادٍ في مكانٍ هادئ، أو ادعها إلى العشاء!”
كانت فيفيان قد غزت المجتمع بنصائحها الجريئة عن العلاقات، بشعاراتٍ مثل:
﹤لا مزيد من الفتيات الطيبات، كوني سيئةً جذابة!﹥،
﹤إلى متى ستبقين في حبٍ من طرفٍ واحد؟ 99 طريقةٍ لجذب الجنس الآخر!﹥،
ثم انشغلت بتفقد القطة الصغيرة التي كانت بين ذراعيها.
لكن هذه المرأة الرهيبة… فقدت ذاكرتها.
من حسن الحظ أنها نسيت تلك الفطريات اللعينة،
لكن يبدو أن ذاكرتها عنه لم تكن سليمة تماماً أيضاً.
“إيرف ليس هنا.”
لا تبحثي عن رجلٍ غريبٍ بذلك الوجه الفارغ، يا باندورا.
ثم إن إيرف طبيب، لكن من المؤكد أن الطبيب الذي تعرفينه اسمه جون رايل.
بعد بضع كلماتٍ معها، تلاشت نصائح فيفيان من ذهنه كبياضٍ مطلق.
بل في الحقيقة، منذ اللحظة التي سقطت فيها من السماء، صار فريدريك أحمق لا يدرك شيئاً.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 23"