صرخت باندورا وهي تلقي بالقارورة بعيدًا، وقد احمرّ وجهها غضبًا وامتلأت عيناها الدامعتان بالبريق.
“ما فائدة كل هذه… الأشياء…”
هبط قلب لوحة القط من مكانه، وتحركت قدماه دون وعي منه ليتجه نحوها.
التقط القارورة، وجثا على ركبتيه، وأمسك بيدي باندورا بين قبضتيه المشدودتين.
“أنا آسف.”
“!”
“لقد كانت غلطتي.”
“…….”
“لذا خذي الدواء، وإلا ستشعرين بالألم طوال اليوم.”
لم يكن القط يعرف الكثير عن الطب، لم يكن يعرف معنى المرض، ولا كيف يعالج الجروح عندما كانت تتأذى، لكنه كان يعلم شيئًا واحدًا: أنه يريد لباندورا أن تكون بخير.
لا تمرضي، لا تتأذي.
‘أنتِ ثمينة بالنسبة إليّ، وأريدك أن تكوني ثمينة لنفسك.’
غادر الغرفة بحذر، لكنه لم يستطع الابتعاد عن الباب، فاتكأ بظهره عليه وأرهف سمعه.
لم يحتمل القلق من تركها وحدها.
قبض وفتح يده التي كانت تمسك بيدها، ولا يزال يشعر بلمسة يدها الصغيرة النحيلة وهي تستقر في راحته.
أن يتمكن من لمسها… لم يكن ليجرؤ على الحلم بأن يتحول القط في اللوحة إلى إنسان حي، لكن ذلك الحلم المستحيل أصبح واقعًا.
قبض أطراف أصابعه التي كانت ترتجف شوقًا في قبضة مشدودة.
نظر القط إلى أطراف جسده التي لا يزال يشعر بغرابتها.
كان يريد أن يصبح إنسانًا تستطيع الاعتماد عليه، إنسانًا يمكنها أن تتكئ عليه وتحتضنه.
كان جسده أكبر وأقوى من أجساد البشر الذين رآهم في القصر، مرنًا كالقط، صلبًا وأملس، مليئًا بالعضلات.
لكن… هل هكذا يكون جسد الإنسان؟
كان قلبه يخفق بسرعة مفرطة، والوخز الذي بدأ في أطراف أصابعه امتد إلى جسده كله.
وفي تلك اللحظة، دوى صوت ارتطام عنيف بشيء ثقيل سقط على السجادة.
“باندورا!”
توقف قلبه لحظة.
اندفع عبر الباب ناسيًا دوره كطبيب.
رفع باندورا عن الأرض ووضعها على السرير، وأمسك بكاحلها وهو لا يدري ماذا يفعل.
تفقد كاحلها أولًا ليرى إن كان قد تورم، لكنها كانت تملك قدميْن جميلتيْن. قدماها الصغيرتان كانتا تملآن كفه، وكاحلها بدا لطيفًا للغاية.
لم يكن في جسدها موضع واحد غير جميل، كانت لطافتها مغرية لدرجة أنه أراد أن “يأكلها” في قضمة واحدة.
رؤية مريضة بهذه الحالة أيقظت في ذهنه أفكارًا غير نقية. وبينما كان يحاول طردها، وضعت يدها على رأسه.
رفع نظره فجأة متفاجئًا.
شعره الأسود الذي كان قد صبغه لإخفاء هويته تسرّب منه اللون الأصلي للحظة وجيزة.
‘هل انكشفت؟’
لو اكتشفت أنه ليس الطبيب بل رجل غريب، لطردته في الحال.
لكن لحسن الحظ، استمرت في مناداته بـ”الطبيب”. رغم قلقه من أن تمثيله لم يكن مثاليًا، إلا أنها انطلت عليها الخدعة.
“آنا، هل رأيت لوحة القط هنا؟”
حين قالت ذلك في الورشة، كان القط خلفها بخطوة واحدة.
كان من المفرح رؤيتها تبحث عنه بلهفة، لكنه كان يعلم أنه إن قال “أنا هو”، فسيُتهم بالجنون.
راقب شفتيها وهما ترتجفان بقلق، وحتى وهو يساعدها في البحث، لم يستطع أن يرفع عينيه عنها.
⋆。゚☁︎。⋆。 ゚☾ ゚。⋆
مع بزوغ يوم جديد في حلقة الزمن، أمسك الطبيب في طريقه إلى العمل، ونزع عنه ثيابه مجددًا، وألقاه على اللوحة.
في اليوم الأول أربكته صرخات الطبيب، لذا في هذه المرة كمّم فمه وأنهى الأمر بسرعة.
بما أنه فعلها مرة، كانت الثانية أسهل. لم يتردد في سرقة أشياء الطبيب وارتداء نظارته.
“دكتور، هل تظن أن آنا وجدت لوحة القط خاصتي؟”
سؤال باندورا فاجأه وكأنه يحمل توقّعًا، لكنه تظاهر بالجهل سريعًا.
“هاه……؟ لوحة لقط؟”
الطبيب الحقيقي رجل لا يتذكر تكرار اليوم مرارًا.
كان إيرف متوترًا من أن تكتشف تمثيله. لو حدث ذلك، ستطرده حتمًا.
السبب الوحيد الذي سمح له بالدخول إلى غرفتها فجرًا هو مظهره كطبيب.
وكان يعلم أيضًا أنه لن يستطيع إيجاد اللوحة لها أبدًا.
لم يكن ينوي العودة إلى اللوحة.
فحتى لو أحزنها فقدانها، أراد أن يبقى بجانبها بجلدٍ بشري.
“دكتور، ما اسمك؟”
سؤال باندورا زلزل نظرات إيرف.
اسم؟ ما اسم الطبيب؟
الكل يناديه “دكتور”، فلم يفكر أبدًا في السؤال.
عندها تذكّر رواية رومانسية قصيرة كان قد التقطها في الممر.
حين رفع الكتاب، هرعت آنا نحوه ومدّت يدها قائلة:
[آه، هذا هو، كنت أبحث عنه، لا بد أنه سقط هنا، كنت قلقة أني أضعته لأنه مكشوف لي، الحمد لله!]
[إنه كتاب الآنسة باندورا؟]
[نعم، البطل فيه وسيم جدًا، وتساءلت إن كانت الآنسة غنّت بعده لتصبح السيدة دارلينغ؟]
[السيدة دارلينغ؟]
[لأن اسم البطل هو إيرف دارلينغ.]
فتح القط فمه دون وعي.
“أنا إيرف…… دارلينغ.”
اسم فريد لا يُنسى. القلق من ألا تلاحظ جاء بعد لحظة قصيرة.
لكن لم ينتظر طويلًا ليرى رد فعلها، فقد جذبتْه نحوها، وارتطمت شفتاهما معًا ببرودةٍ خاطفة.
شهق إيرف وكأنه آلة تعطلت.
ملمس شفتيها الرقيقتين الجافتين أذاب عقله. حاول إيرف تشغيل دماغه المتوقف لفهم ما حدث.
لكن حين استعاد وعيه، كانت الحرارة التي تركتها شفاهها قد تلاشت.
رفعت وجهها نحوه بحذر، بعينين يملؤهما القلق.
كانت وجنتاها متوردتين، حاجباها معقودين كما لو كانت على وشك البكاء، وشفاهها مضمومة مترددة، وأصابعها تعبث في ارتباك.
بدت وكأنها تندم على ما فعلت.
لكن مهما ندمت، لم يكن إيرف لينوي ترك هذه الفرصة تفلت. اسودّت عيناه بالعزم.
‘أنتِ من بدأتِ.’
ضمّ رأس باندورا بذراعيه وألصق شفتيه بشفتيها.
الإحساس الرقيق لشفتيه الملتصقتين بشفتيها كان مسكرًا.
والنَفَس الذي خرج من شفتيها دهشةً كان حلوًا إلى حد الجنون، فارتشفه إيرف كله، لا يدع شيئًا يفلت منه.
‘سيدتي البريئة…’
لم تكن تدري ما الذي كان يفكر فيه كلما نظر إليها، ساذجة، لا تتخذ أي حذر.
‘ماذا يحدث إن أوكلتِ سمكة إلى قط؟’
غاصت أصابع إيرف القوية في شعرها.
ارتجف جسد باندورا حين احتكت ركبتهما المتشابكتان.
حاولت أن تجلس منتصبة بصعوبة، فشدها إيرف من خصرها، وأجبرها على الاتكاء عليه.
لكن كان ذلك خطأً فادحًا.
ملامسة جسدها النحيل عبر قماشه الخفيف كانت… أكثر من أن تُحتمل.
ظنّ إيرف أن قلبه سيتوقف، لكنه ازداد خفقانًا حتى كاد ينفجر.
رنّ صوت اصطدام أدوات المائدة بالأرض، فأفاق فجأة.
صوت آنا العالي أعاده إلى وعيه، ورأى باندورا تحدّق فيه بعينين واسعتين، خدّاها محمران، تتنفس بسرعة، وكتفاها يهتزان، وثيابها المبعثرة ترفرف مع كل حركة.
‘مجنون…’
شتم إيرف نفسه وهو يغسل وجهه بكفيه. فبغض النظر عن أي شيء، بدا كحيوان في موسم تزاوج.
“آنسة باندورا، هذا… أنا لست على ما يرام… أعتذر، فقدت صوابي للحظة فقط……”
“أنا آسف.”
كرر اعتذاره مرارًا، ثم فرّ هاربًا. خرج من القصر الذي تغلغل فيه عبيرها ودفؤها في كل زاوية، وراح يسير دون وجهة.
وما لبث أن أسرع الخطى حتى بدأ يركض.
لكن مهما ركض، لم تهدأ النيران المشتعلة في جسده.
النسيم الدافئ في أوائل الصيف لم يكن كافيًا لتبريد ذلك الغليان.
استعادة ذكرى شفتيها وأنفاسها، أحلى من السكر، جعلت رأسه يدور، وكاد يعجز عن الركض أكثر.
وجهه المتورد بدا كبرعم خوخ خجول قد ينفجر بلمسة واحدة.
رفع إيرف بصره نحو السماء الرمادية الخفيفة محاولًا تخيّل عينيها، لكنه توقف فجأة حين أدرك الحقيقة القاسية:
‘باندورا لا تعلم أنني مزيف.’
برودة حادة اجتاحت صدره.
إيماءتها الخجولة كانت موجهة للطبيب الحقيقي، لا لإيرف المزيف.
‘هل كانت باندورا تحب الطبيب؟’
لم يكن قد لمح ذلك أبدًا وهو يراقبها من داخل اللوحة.
معظم ما قالته عن الطبيب كان جافًا قاسيًا.
لكن، ماذا لو كانت تلك القسوة موجّهة لبرود من تحب؟
حلّ يأس بارد مكان الحرارة السابقة.
تجمدت أنفاسه، وتوقف ذهنه عن التفكير.
أمام عينيه، كان يرى البحيرة تمتد عبر الحديقة.
ومع أنه كان يقف على ضفتها، إلا أن بصره تلاشى كما لو أن قوة خفية سحبته إلى قاع بحيرةٍ عميقةٍ مظلمة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 22"