النمش على جسر أنفها كان فاتناً، وشفاهها الندية تمتمت قائلة: “أنت تحفتي الفنية.”
باندورا.
سيدته ذات الاسم الجميل. إلهته.
لم يستطع القطّ المرسوم أن يزيح عينيه عن فنانته.
كانت تلوّن خلفية لوحتها التالية.
ومع كلّ ضربة فرشاة تشقّ القماش باللون الأزرق العميق اللاصق، كان عقل القطّ يغرق في الزرقة معها.
وحين كانت تغادر المرسم وتعود بعد زمنٍ باكية، كان يشعر بأن قلبه يهبط إلى أعماق معدته.
دموعها كانت تبلّل أطراف القماش وتتسرّب إلى قلب القطّ.
وبعد مراقبته لها لوقتٍ طويل، أدرك القطّ ما تمرّ به باندورا.
اليوم ذاته يتكرّر إلى ما لا نهاية. أناس لا يعلمون شيئاً.
وباندورا، وحيدة خلف الجميع.
‘لستِ وحدك.’
على القماش، كان القطّ يراقبها ويكون معها طوال التاسع من يونيو.
وكان يحبّها لأنها رسمته.
أحبّها وهي تدندن بلحنٍ خفيفٍ وهي تعصر أنبوب الألوان.
وأحبّ عبوس حاجبيها حين تركّز في الرسم.
أحبّ عاداتها الصغيرة، كأن تدقّ بقدمها وتقبض شفتيها حين لا يعجبها الرسم الجديد.
أحبّ براءتها حين تمسح العرق عن أنفها فتلطّخ وجهها بالأصباغ وتضحك على نفسها.
أحبّ لطفها حين تشاركه أحياناً وجبةً خفيفة، رغم أنه يكره الخادمة التي كانت ترسلها إلى المعرض في تمام الواحدة ظهراً.
وأحبّ سخافتها المحبّبة حين تداعبه وتنفض الغبار عن لوحاته وتقول “مياو” رغم أنه مجرد لوحة.
ثم حدث ذلك.
بينما كان القطّ المرسوم يراقب باندورا كعادته، لاحظ شيئاً غريباً.
كان وجهها أكثر كآبةً وألماً وهي تدخل المرسم حاملةً زجاجة خضراء من الخمر.
ابتسمت بمرارة، ثم رفعت الزجاجة إلى شفتيها وأمالتها ببطء.
غرغرة… غرغرة… غرغرة…
لم يتوقف حلقها عن الحركة.
لم تكن يوماً لتتجاوز رشفتين من أي شراب، لكنها الآن تجرّعت سيلًا لا ينتهي من السمّ.
لمح القطّ في ذهنه مشهداً مروّعاً.
‘لا.’
تجمّد نفسه في حلقه كمن يغرق.
‘باندورا.’
تلوّى القطّ داخل اللوحة محاولاً مدّ يدٍ لا يمكن أن تصل.
‘أتذكّر كلّ شيء.’
‘أعرف وحدتك، حزنك، خواءك.’
كان القطّ المرسوم يائساً.
يتمنّى لو يستطيع الخروج من اللوحة ليضمّها إليه.
ليمتلك كتفين واسعين وذراعين يحتضنانها وهي تزداد هشاشة يوماً بعد يوم.
‘لا تستسلمي.’
‘لا تموتي.’
‘لا تختفي.’
‘لا ترحلي.’
نظر القطّ إلى باندورا بعينين دامعتين، وبدأت اللوحة المشبعة بالألوان تبتلّ بالرطوبة.
قاوم القطّ بجنون، فاهتزّ القماش بشدة حتى صدر عنه صوتٌ مرتفع، لكن باندورا فرغت القارورة كما لو أنها لم تسمع شيئاً.
ارتطم الزجاج بالأرض وتحطّم بصوتٍ رنّ.
وفي اللحظة نفسها، انهار جسد باندورا المتمايل وسقط أرضاً.
‘لا!’
في تلك اللحظة، سقطت اللوحة عن الجدار.
قفز القطّ المرسوم من القماش وضمّ باندورا إلى صدره.
“باندورا، باندورا، لا، باندورا!”
“…….”
“لا تذهبي، أرجوك لا تذهبي.”
كان يعلم أن الموت اختيارها، وأن الحرية التي تاقَت إليها على مقربةٍ منها.
لكن القطّ المرسوم لم يستطع تركها تمضي. كان عليه أن يتمسّك بروحها الراحلة بأيّ ثمن.
قبّل شفتي باندورا الباردتين، ونفخ فيهما دفئاً.
⋆。゚☁︎。⋆。 ゚☾ ゚。⋆
انعكس الزمن إلى الوراء. كان القطّ المرسوم واقفاً أمام باب غرفة باندورا.
أراد أن يراها.
ليتأكد أنها استيقظت بسلام، وأنها بخير، وأنها لم تشرب السمّ مجدداً.
كان قلبه يخفق قلقاً وخوفاً.
فرأى الطبيب يسير في الممرّ متوجهاً إلى غرفة باندورا.
هذه فرصته.
دون تردّد، أمسك بالطبيب وألقاه في إحدى اللوحات عشوائياً.
ثم خطف ثيابه وحقيبته وارتداها.
كانت الثياب ضيقة على كتفيه وقصيرة عند كاحليه، لكنه لم يكن يملك وقتاً للقلق بشأن ذلك، وهو في الأصل لوحة لقطّ.
كان عليه أن يرى وجه باندورا الآن.
حاول أن يقلّد الطبيب بأفضل ما يستطيع. كان يعرف كلماته جيداً، فقد كانت باندورا تشتكي دوماً من أن الطبيب يكرّر العبارات نفسها كل مرة.
“الآنسة باندورا، سأترك الدواء هنا.”
“لست بحاجة إليه.”
ضاقت عينا القطّ المرسوم من برودة صوتها.
شعر أنه سينفجر بالبكاء إن بقي على هذا الحال.
وأنه سينهار إن لم يعانقها الآن.
وأنه سيقبّلها إن لم يتمالك نفسه.
لكنها تراه طبيباً. ستظنّ الأمر غريباً.
أراد أن يكون حبّها، لا عبئها.
حاول القطّ المرسوم أن يفرّ من الغرفة مذعوراً، لكن عندها…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 21"