في مساكن الخدم، كان إيرف محظوظاً بما يكفي ليجد بعض الملابس المناسبة.
كانت بالية قليلاً، لكنها في حالة جيدة لأن مالكها كان رجلاً نظيفاً ومرتباً.
وعندما رأته باندورا مرتدياً ثيابه على نحوٍ لائق، شَدَّت شفتيها في خطٍّ ضيق.
كانت تؤمن بأن الناس لا يرتدون الثياب، بل الثياب هي من ترتدي الناس.
حتى في قميصٍ بسيط وحمالاتٍ، كان إيرف يَتَوهَّج.
خشيت باندورا أن تَتفوَّه بكلامٍ أحمق ما إن تفتح فمها، فغيَّرت وضعيتها وشدَّت شفتيها وكأنها لا تملك فماً أصلاً.
لقد كانت توبِّخ إيرف قائلة: “ليس هذا وقتاً مناسباً” و”ركِّز”، لكن لو تكلَّمت الآن، لظهر بوضوح مدى رغبتها القوية في تحويل مجرى الحديث والابتعاد عن مسألة الهروب وغيرها.
“لماذا تأخرتما كل هذا الوقت؟”
عندما عادا إلى الورشة، استقبلهما فريدريك بنظراتٍ باردة.
وقف متيبساً عند النافذة، عاقداً ذراعيه، وحدَّق في باندورا وإيرف وهما يدخلان.
رفع إيرف كتفيه وأعاد العباءة إلى فريدريك قائلاً:
“أعتذر، كان الأمر يتعلّق بعملٍ ضروري…”
فقال فريدريك وهو يتناول العباءة، مشيراً إلى تلك اللحظة التي ضُرب فيها على رأسه وفقد وعيه:
“وهل لهذا العذر علاقة بصداعي؟”
ثم رمى العباءة من النافذة.
تطايرت في الهواء وهبطت في الحديقة.
“تلك العباءة ملوثة يا باندورا، أحتاج إلى أخرى جديدة.”
أومأت باندورا بتفكير.
فقد كانت هي من أخذت ثياب فريدريك وألبستها لإيرف، لذا من الطبيعي أن تتحمّل المسؤولية.
لكن إيرف نظر إليها بخجلٍ وحرج.
ابتسمت باندورا له مطمئنةً إياه ألا يقلق.
فإن كان إيرف هو القط الذي خرج من اللوحة، فباندورا هي صاحبته.
وصاحبته كانت غنية جداً، مستعدة لأن تُنفق لأجله بلا تردد.
“هل أرسلها إلى الدوق الأكبر؟”
“كلا، أحضريها لي بنفسك.”
حدَّق فريدريك بها بتحدٍّ، مؤكداً على كلمة “بنفسك”. لقد أراد أن يتخذ من هذا ذريعةً ليراها مرة أخرى.
لكن باندورا استمعت إليه بأذنٍ واحدة ولوَّحت بيدها متجاهلة.
‘آه، هذا الطبع…’
هزَّت رأسها وأخبرته بما توصَّلت إليه من استنتاج.
عقد فريدريك حاجبيه أكثر، لكن لم يبدُ عليه الذهول.
“إذن، ما الذي سنفعله الآن؟”
فكَّرت باندورا بهدوء في الخطوة التالية.
فأجاب إيرف على سؤال فريدريك قائلاً:
“ربما علينا العودة إلى المتاهة أولاً.”
أضافت باندورا:
“وماذا لو رسمت متاهةً أخرى؟”
“إن كان افتراضنا صحيحاً، فلن نعود إلى السابقة، بل سندخل متاهةً جديدة، وسنغوص أكثر فأكثر.”
“إذن علينا أن نتحقّق من صحة فرضيتنا.”
ربما كان خلو القصر من الناس مجرد مصادفة.
ربما كان الجميع قد غادروا البلدة، أو حدث شيء أثناء غياب باندورا.
وربما لم تتدهور بصرها بعد خروجها من اللوحة، بل كان ذلك مجرد حظ.
كانت فكرة متفائلة، لكنها لم تستطع استبعادها تماماً.
“لنذهب إلى البلدة القديمة الآن.”
⋆。゚☁︎。⋆。 ゚☾ ゚。⋆
توجَّه الثلاثة إلى العربة استعداداً للخروج.
وكان فريدريك الوحيد بينهم الذي يعرف كيف يقودها.
“……”
“……”
بعد تبادلٍ صامتٍ للنظرات، قادت باندورا إيرف وصعدت ببطء إلى المقعد الخلفي.
لكن عندما نظر إليها فريدريك، تجمَّدت في مكانها.
“باندورا، اجلسي بجانبي. إن كنتِ تجعلين الدوق الأكبر نفسه يقوم بدور السائق من أجلك، فعلى الأقل كوني واعية لضميرك.”
كانت باندورا على وشك أن ترد عليه بقولها: “أيُّ ضمير؟” عندما ظهر أمامها مربعٌ متوهّج.
1. (تبتسم بخجل) حسنٌ، سأجلس بجانبك.
2. (تَحمَرُّ وجنتاها) أُه، طيب.
3. (تنقر بلسانها) مزعج… فقط قد العربة.
‘ما هذا… ما… لعبة مواعدة؟’
تدلّت فكّا باندورا وهي تحدّق في الخيارات الثلاثة اللامعة بدهشةٍ لا تصدق.
لم تفهم لمَ ظهرت هذه الخيارات هنا، إذ كان من المفترض ألا تظهر إلا عندما تسعى البطلة “فيفيان” في لعبة “طريق حب الشريرة” وراء الأبطال الذكور.
ربما تعطّل نظام اللعبة، أو اختلطت العناوين.
مثيرٌ للاهتمام، ولكن…
‘هل عليَّ فعلاً أن أختار أحدها؟’
جميعها سيئة.
لماذا عليَّ أن أبتسم بخجل؟ ولماذا يجب أن تحمرَّ وجنتاي؟ فالوضع لا يستدعي الخجل إطلاقاً!
وفوق ذلك، الخيار الأخير يبدو فظّاً بعض الشيء.
فإن غضب فريدريك ورفض قيادة العربة، سيتعين عليهم السير على أقدامهم لمسافةٍ طويلة حتى مركز المدينة.
لوَّحت باندورا بيدها محاولةً إبعاد المربع.
لكن ظهرت رسالة تقول: “إذا لم تختَر خلال خمس ثوانٍ، فسيُختار خيارٌ عشوائي.”
“اللعنة.”
تردَّدت باندورا ثم ضغطت بسرعة على خيارٍ واحد.
“مزعج… فقط قد العربة.”
كان الخيار الأفضل والأسوأ في الوقت ذاته.
منطقيّاً، كان عليها اختيار الأول أو الثاني لتُرضي فريدريك، لكنها كانت تفضّل الموت على أن تُظهر ملامح الخجل أمام رجلٍ آخر أمام إيرف.
وفي كل الأحوال…
▶ ازدادت المودّة بمقدار +5.
ظهر رقمٌ فجأةً فوق رأس فريدريك.
كان 40 حين ظهر، ثم تحوَّل في طرفة عين إلى 45.
احمرَّت أذنا فريدريك وهو يرمق باندورا بنظرةٍ منزعجة.
ارتجفت باندورا من الإحساس المريب الذي تسلَّل إلى عمودها الفقري.
‘يعني… أعجبه ذلك؟ هل تمزح معي؟ العالم يوشك على الانهيار وأنت تريد أن نعيش لعبة مواعدة حقيقية؟’
لقد اختارت جملةً باردة كان يُفترض أن تجعلها تبدو وقحة، لكنها جعلتها تبدو أكثر جاذبية!
‘هذا الرجل… أذواقه غريبة… غريب حقاً…’
بحسب ما قرأته باندورا من مربع البحث، فإن دوقات الشمال عادةً أصحاب قلوبٍ طيبة ويفضّلون النساء الدافئات كالشمس.
لكن الدوق الأكبر فريدريك بوربوغ بدا ذا ميولٍ مختلفة تماماً.
‘حسناً… قد يكون ذلك صحيحاً. لا ينبغي أن أتسرع في التعميم.’
دون أن يدري بما يدور في رأسها، امتطى فريدريك مقعد القيادة بعد أن سرج حصانَيه.
“هيّا!” فانطلقت العربة نحو البلدة القديمة.
⋆。゚☁︎。⋆。 ゚☾ ゚。⋆
كانت البلدة القديمة تبعد نصف ساعةٍ تقريباً عن منزل باندورا، وكانت تضجُّ بالحياة وسط مهرجانٍ صاخب. بخلاف القصر الخالي، كانت مزدحمةً بالناس إلى حدٍّ بالكاد استطاعت العربة أن تشق طريقها بينهم.
وما إن نزلت باندورا من العربة حتى التقط أنفها رائحة خبزٍ حلوٍ شهيّ. سال لعابها من عبير الأطعمة المنتشر في الأرجاء.
ضجيج السيّاح، العازفون في الشوارع، الباعة الذين ينادون على بضائعهم…
“واو! لقد نصبوا بالوناً ضخماً هناك! يا إلهي! وعندما تغرب الشمس سيقيمون فعالية إطلاق الفوانيس عند النهر! ربما نحظى بجولةٍ بالقارب أيضاً إن كنا محظوظين!”
كانت باندورا تدير رأسها يمنةً ويسرة، تقرأ ما كُتب على اللافتات والملصقات، فكل ما تراه كان يدعو للحماس.
كلما ازداد حماسها، ازداد وضوح عقلها.
فمهما نظرت حولها، بدا واضحاً أن هذا المكان زائف.
‘لا يمكن أن يحتفل الناس هكذا بينما ولي العهد مفقود.’
نظرت باندورا خلفها إلى فريدريك وإيرف، وكان يبدو عليهما التفكير بالأمر ذاته.
لكن كيف يمكنهما العودة إلى المتاهة؟
كان بإمكانها أن تستيقظ من الحلم ببساطة، لكنها لم تعرف الطريق إلى مخرجٍ يقودها خارج لوحةٍ داخل لوحة.
وفوق ذلك، بدا المهرجان انعكاساً لرغبات باندورا الداخلية أثناء رسمها.
حين كانت ترسم ورشة القصر على الأرض، كانت تفكر في داخلها:
‘لا أطيق الانتظار للعودة إلى المنزل وتبرئة اسمي والخروج في موعد.’
كل ما كانت تريده هو أن تركض وتلهو مع إيرف في شوارع المدينة النابضة بالحياة، وهكذا تجسَّدت رغبتها في شكل مهرجانٍ صاخب.
وفجأةً خطر ببالها خاطر:
إن كان هذا المكان يعكس رغباتها…
فهل يمكنها الخروج من اللوحة إذا حققت تلك الرغبات؟
إن الرسم فنٌّ قائم على المشاعر.
سواء كانت سلبية أو إيجابية، فهو يُظهر عواطف الرسّام.
وجميع اللوحات التي عُلِق الأبطال الذكور بداخلها كانت انعكاساتٍ لمشاعر باندورا، فلماذا لا تحرِّرها ببساطة؟
أليس إذا أُزيلت ضغائن الأشباح استطاعت أرواحهم أن تنال السلام؟
الفكرة مختلفة قليلاً، لكنها جديرة بالتجربة. رغم أن الوقت ضيّق، فليس أمامها سوى أسبوعٍ واحدٍ لختم الآفات الست…
وإذ لم تجد خياراً آخر، قررت باندورا أن تثق بحدسها وتحكمها اللحظة لا التفكير المرهق.
“ما رأيكم أن نملأ بطوننا أولاً؟”
قالت باندورا بحماس وهي تشير إلى أكشاك الطعام.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 20"