تجمّد إيرف، توقف عن التنفس، وتراجع فجأة، تائه النظرات.
“لمَ أنت متفاجئ هكذا؟”
هزّت باندورا رأسها بعدم فهمٍ صادق.
“لقد فعلنا أكثر من هذا من قبل.”
تبع كلامها ابتسامة ساخرة.
‘بالطبع، أنا الوحيدة التي فعلت الكثير، أما هو، فربما لا يتذكّر شيئًا سوى ما حدث البارحة واليوم.’
ابتلعت باندورا مرارتها وابتسمت ابتسامة واسعة، ثم نظرت نحوه بحدة.
تردّد إيرف للحظة، محرجًا من نظراتها القوية، ثم غطّى وجهه بيده.
“أرى نفسي في عينيك……”
“!”
“إنه شعور غريب أن أراك بهذه الوضوح……”
لم تكن باندورا وحدها من لاحظ صفاء عينيها الجديد، حتى إيرف أدركه وشعر به فورًا.
ضمّت شفتيها ولمست وجنتها بظهر يدها، وقد احمرّ وجهها مثل وجهه تمامًا، وكأن الخجل معدٍ.
⋆。゚☁︎。⋆。 ゚☾ ゚。⋆
لاحظت باندورا أن القطة اختفت منذ فترة قصيرة، ثم أدركت أن إيرف ظهر في اللحظة نفسها التي اختفت فيها القطة.
كان شعره الأبيض الناعم وعيناه البنفسجيتان يشبهان القطة تمامًا.
كانت تراه وسيماً فحسب، لكنها الآن تدرك أن فيه طابعًا قططيًا لطيفًا.
في اليوم الذي ظهر فيه إيرف لأول مرة بعد محاولتها الانتحار في الورشة، اختفت لوحة القطة.
هل يمكن أن يكون ذلك مجرد صدفة؟
هل يمكن أن يكون طبيبها الغريب هو نفسه قطتها؟
تألقت عينا باندورا بفضولٍ وهي تصل إلى استنتاجٍ جديد.
‘كيف قفزت القطة من اللوحة؟ ولمَ تظهر دومًا في هيئة بشرية لا قطّة؟ ومن أين حصل على نظارته وملابسه؟’
“إيرف، عزيزي.”
لم تكن باندورا قد منحت لوحة القطة اسمًا قط، فكيف التقط هذا الاسم الجميل إذن؟
استدار إيرف عند مناداتها له.
كان يراقبها وهي ترسم شيئًا على التراب.
عند قدمي باندورا، ارتسمت صورة مطابقة تمامًا لورشتها.
مدّت يدها نحوه.
“لا تتأخّر هذه المرة، ولا تفوّت الفرصة. فهمت؟”
أومأ إيرف وأمسك بيدها بقوة، وجذبها إلى حضنه بذراعٍ واحدة.
تسارعت دقّات قلبيهما حتى لم يعد بالإمكان التمييز بين نبض من يعود لمن.
مال جسداهما جانبًا وسقطا داخل اللوحة.
رشش!
تطاير التراب وابتلعهما تمامًا، وخلف جسديهما المختفيين، انجذبت باندورا إلى الداخل، ممسكةً بفريدريك من طوق معطفه.
⋆。゚☁︎。⋆。 ゚☾ ゚。⋆
“افتحي عينيك.”
فتحت باندورا عينيها على صوت إيرف القريب من أذنها.
لقد عادا فعلًا إلى ورشة باندورا، وكان فريدريك الممدّد قد نُقل معهم بأمان.
“نجح الأمر! إيرف، لقد نجح فعلًا!”
هتفت باندورا بحماس وهي تنظر حولها. كانت الورشة فوضوية كما تذكّرتها تمامًا.
تدفّق ضوء الشمس من النافذة، ففتحتها على مصراعيها، تاركةً الهواء المنعش يملأ المكان.
كان السماء زرقاء عالية، والعالم يغمره خضار جميل.
أحبّت باندورا امتلاء الصيف بالحياة.
الفصل الذي يبدو فيه كل شيء نابضًا بالوجود.
“علينا إخبار الجميع بأن الدوق فريدريك قد عاد! قد يصعب إثبات ذلك علميًا، لكنه كان داخل اللوحة وقد أخرجناه منها! لا، علينا إيقاظه وجعله يخبرهم بنفسه! ربما لا يصدقوننا، لكنهم سيصدقونه!”
تحركت باندورا هنا وهناك تحاول إيقاظ فريدريك.
“تعالي إلى هنا، لا أريد أن ينقضّ عليكِ مجددًا.”
جذبها إيرف إلى الوراء، وركل كتف الدوق بخفة بقدمه.
▶ الحالة: مغمى عليه (سيستيقظ خلال 3 ثوانٍ)
فتح فريدريك عينيه أخيرًا، فوجد قدمًا على كتفه.
رفع رأسه بتثاقل، ثم رمق إيرف بنظرة غاضبة.
“من أنت؟”
كان سؤاله يحمل في الوقت ذاته استفسارًا واستياءً: ‘من بحق الجحيم أنت ولماذا تركلني؟’
فكّر إيرف قليلًا قبل أن يجيب.
“أنا الشخص الذي يواعد الآنسة باندورا.”
‘ذلك هو الدوق فريدريك، المجنون الذي حاول تقبيل باندورا بدافع غضبه من نفسه.’
احتاج إيرف إلى ذريعةٍ تبعد باندورا عنه.
لو قال إنه مجرد “طبيبٍ مستأجر”، لأمروه بالصمت فورًا.
ولن يمكنه أن يقول إنه “لوحة القطة” التي رسمتها هي.
سيُعتبر مجنونًا فورًا.
ثم إنه يراها وجهًا لوجه كل يوم، لذا لم يكن كاذبًا تمامًا.
كانت نبرته تحمل إيحاءً واضحًا.
ومن خلفه، شعر باندورا الصغيرة تمسك بطرف عباءته بخفة.
خاف أن تكون كرهت ما قاله، أو أنها سترد فورًا، لكنها لزمت الصمت.
“حبيبها……؟”
تحرّكت عينا فريدريك بتوترٍ يمينًا ويسارًا، ثم أطلّت باندورا من خلف إيرف بخجل.
التعليقات لهذا الفصل " 18"